واذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ٨
وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُو۟لُوا۟ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا۟ لَهُمْ قَوْلًۭا مَّعْرُوفًۭا ٨
وَاِذَا
حَضَرَ
الْقِسْمَةَ
اُولُوا
الْقُرْبٰی
وَالْیَتٰمٰی
وَالْمَسٰكِیْنُ
فَارْزُقُوْهُمْ
مِّنْهُ
وَقُوْلُوْا
لَهُمْ
قَوْلًا
مَّعْرُوْفًا
۟
3
﴿وإذا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُو القُرْبى واليَتامى والمَساكِينُ فارْزُقُوهم مِنهُ وقُولُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ . جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٧] إلى آخِرِها. وهَذا أمْرٌ بِعَطِيَّةٍ تُعْطى مِنَ الأمْوالِ المَوْرُوثَةِ: أمَرَ الوَرَثَةَ أنْ يُسْهِمُوا لِمَن يَحْضُرُ القِسْمَةَ مِن ذَوِي قَرابَتِهِمْ غَيْرِ الَّذِينَ لَهم حَقٌّ في الإرْثِ، مِمَّنْ شَأْنُهم أنْ يَحْضُرُوا مَجالِسَ الفَصْلِ بَيْنَ الأقْرِباءِ. وقَوْلُهُ ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٧] وقَوْلُهُ ﴿ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٧] يَقْتَضِيانِ مَقْسُومًا، فالتَّعْرِيفُ في قَوْلِهِ ﴿القِسْمَةَ﴾ تَعْرِيفُ العَهْدِ الذِّكْرِيِّ. (ص-٢٥١)والأمْرُ في قَوْلِهِ ﴿فارْزُقُوهم مِنهُ﴾ مَحْمُولٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أهْلِ العِلْمِ عَلى النَّدْبِ مِن أوَّلِ الأمْرِ، إذْ لَيْسَ في الصَّدَقاتِ الواجِبَةِ غَيْرُ الزَّكاةِ، لِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ لِلْأعْرابِيِّ لَمّا قالَ لَهُ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُها ؟ «لا إلّا أنْ تَطَّوَّعَ» وبِهَذا قالَ مالِكٌ وأبُو حَنِيفَةَ وفُقَهاءُ الأمْصارِ، وجَعَلُوا المُخاطَبَ بِقَوْلِهِ ﴿فارْزُقُوهُمْ﴾ الوَرَثَةَ المالِكِينَ أمْرَ أنْفُسِهِمْ، والآيَةُ عِنْدَ هَؤُلاءِ مَحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ، وذَهَبَ فَرِيقٌ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى حَمْلِ الأمْرِ بِقَوْلِهِ ﴿فارْزُقُوهُمْ﴾ عَلى الوُجُوبِ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةَ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِيِّ، وعَطاءٍ، والحَسَنِ، والشَّعْبِيِّ: أنَّ ذَلِكَ حَقٌّ واجِبٌ عَلى الوَرَثَةِ المالِكِينَ أمَرَ أنْفُسِهِمُ فَهُمُ المُخاطَبُونَ بِقَوْلِهِ ﴿فارْزُقُوهُمْ﴾ . وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: وأبِي صالِحٍ: أنَّ ذَلِكَ كانَ فَرْضًا قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ المَوارِيثِ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ المَوارِيثِ، ومَآلُ هَذا القَوْلِ إلى مُوافَقَةِ قَوْلِ جُمْهُورِ أهْلِ العِلْمِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، وزَيْدِ بْنِ أسْلَمَ: أنَّ الأمْرَ مُوَجَّهٌ إلى صاحِبِ المالِ في الوَصِيَّةِ الَّتِي كانَتْ مَفْرُوضَةً قَبْلَ شَرْعِ المِيراثِ واجِبٌ عَلَيْهِ أنْ يَجْعَلَ في وصِيَّتِهِ شَيْئًا لِمَن يَحْضُرُ وصِيَّتَهُ مِن أُولِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ غَيْرِ الَّذِينَ أوْصى لَهم، وأنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ تَبَعًا لِنَسْخِ وُجُوبِ الوَصِيَّةِ، وهَذا يَقْتَضِي تَأْوِيلَ قَوْلِهِ ﴿القِسْمَةَ﴾ بِمَعْنى تَعْيِينِ ما لِكُلِّ مُوصًى لَهُ مِن مِقْدارٍ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أنَّ الآيَةَ في نَفْسِ المِيراثِ وأنَّ المَقْصُودَ مِنها هو قَوْلُهُ ﴿وقُولُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ قالَ: فَقَوْلُهُ ﴿فارْزُقُوهم مِنهُ﴾ هو المِيراثُ نَفْسُهُ. وقَوْلُهُ ﴿وقُولُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ أيْ قُولُوا لِغَيْرِ الوَرَثَةِ بِأنْ يُقالَ لَهم إنَّ اللَّهَ قَسَمَ المَوارِيثَ. وقَدْ عَلِمْتَ أنَّ مَوْقِعَ الآيَةِ تَمْهِيدٌ لِتَفْصِيلِ الفَرائِضِ، وأنَّ ما ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ هو التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِلْآيَةِ، وكَفاكَ بِاضْطِرابِ الرِّوايَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في تَأْوِيلِها تَوْهِينًا لِتَأْوِيلاتِهِمْ. (ص-٢٥٢)والأمْرُ بِأنْ يَقُولُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا أيْ قَوْلًا حَسَنًا وهو ضِدُّ المُنْكَرِ تَسْلِيَةً لِبَعْضِهِمْ عَلى ما حُرِمُوا مِنهُ مِن مالِ المَيِّتِ كَما كانُوا في الجاهِلِيَّةِ.