وَكَمْ
اَهْلَكْنَا
مِنْ
قَرْیَةٍ
بَطِرَتْ
مَعِیْشَتَهَا ۚ
فَتِلْكَ
مَسٰكِنُهُمْ
لَمْ
تُسْكَنْ
مِّنْ
بَعْدِهِمْ
اِلَّا
قَلِیْلًا ؕ
وَكُنَّا
نَحْنُ
الْوٰرِثِیْنَ
۟
ثم بين - سبحانه - الأسباب الحقيقية التى تؤدى إلى زوال النعم ، التى من بينها نعمة الأمان والاطمئنان ، فقال - تعالى - : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ) .وكم هنا خبرية للتكثير ، و ( بَطِرَتْ ) من البطر ، بمعنى الأشر والغرور واستعمال نعم الله - تعالى - فى غير ما خلقت له .أى : وكثيرا من أهل قرى كانت أحوالهم كحال أهل مكة فى الأمن وسعة الرزق ، فلما بطروا معيشتهم ، واستعملوا نعمنا فى الشر لا فى الخير ، وفى الفسوق لا فى الطاعة ، أخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، بأن دمرناهم وقراهم تدميرا .إذاً فبطر النعمة وعدم الشكر عليها ، هو السبب الحقيقى فى الهلاك ، وليس اتباع الهدى ، كما زعم أولئك المشركون الجاهلون .قال القرطبى : " بين - سبحانه - لمن توهم ، أنه لو آمن لقاتلته العرب وتخطفته ، أن الخوف فى ترك الإيمان أكثر ، فكم من قوم كفروا ثم حل بهم البوار . والبطر : الطغيان بالنعمة " .و ( مَعِيشَتَهَا ) أى : فى معيشتها ، فلما حذف " فى " تعدى الفعل ، كما فى قوله - تعالى - : ( واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً )ثم بين - سبحانه - مآل مساكن هؤلاء الطاغين فقال : ( فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً ) .أى : فتلك مساكن هؤلاء الطغاة ترونها يا أهل مكة فى أسفاركم - إنها لم تسكن من بعدهم إلا زمانا قليلا ، كالذى يرتاح بها وهو مسافر ثم يتركها إلى غير عودة إليها ، لأنها صارت غير صالحة لذلك لشؤمها .( وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين ) أى : وكنا نحن وحدنا الوارثين لها منهم ، لأنهم لم يتركوا أحدا يرث منازلهم وأموالهم ، أو لأنها صارت خرابا لا تصلح للسكن .