Log masuk
Tetapan
Select an option
Al-Fatihah
Al-Baqarah
Ali-'Imran
An-Nisaa'
Al-Ma'idah
Al-An'aam
Al-A'raaf
Al-Anfaal
At-Taubah
Yunus
Hud
Yusuf
Ar-Ra'd
Ibrahim
Al-Hijr
An-Nahl
Al-Israa'
Al-Kahfi
Maryam
Taha
Al-Anbiyaa'
Al-Hajj
Al-Mu’minuun
An-Nur
Al-Furqaan
Asy-Syu'araa'
An-Naml
Al-Qasas
Al-'Ankabuut
Ar-Ruum
Luqman
As-Sajdah
Al-Ahzaab
Saba'
Faatir
Yaa siin
As-Saaffaat
Saad
Az-Zumar
Ghaafir (Al-Mu'min)
Fussilat
Asy-Syura
Az-Zukhruf
Ad-Dukhaan
Al-Jaathiyah
Al-Ahqaaf
Muhammad
Al-Fat-h
Al-Hujuraat
Qaaf
Adz-Dzaariyaat
At-Tuur
An-Najm
Al-Qamar
Ar-Rahmaan
Al-Waaqi'ah
Al-Hadiid
Al-Mujaadalah
Al-Hasyr
Al-Mumtahanah
As-Saff
Al-Jumu'ah
Al-Munaafiquun
At-Taghaabun
At-Talaaq
At-Tahriim
Al-Mulk
Al-Qalam
Al-Haaqqah
Al-Ma'aarij
Nuh
Al-Jinn
Al-Muzzammil
Al-Muddaththir
Al-Qiyamah
Al-Insaan
Al-Mursalaat
An-Naba'
An-Naazi'aat
'Abasa
At-Takwiir
Al-Infitaar
Al-Mutaffifiin
Al-Insyiqaaq
Al-Buruuj
At-Taariq
Al-A'laa
Al-Ghaasyiyah
Al-Fajr
Al-Balad
Asy-Syams
Al-Lail
Adh-Dhuha
Al-Insyiraah
At-Tiin
Al-'Alaq
Al-Qadr
Al-Bayyinah
Az-Zalzalah
Al-'Aadiyaat
Al-Qaari'ah
At-Takaathur
Al-'Asr
Al-Humazah
Al-Fiil
Quraisy
Al-Maa'uun
Al-Kauthar
Al-Kaafiruun
An-Nasr
Al-Masad
Al-Ikhlaas
Al-Falaq
An-Naas
Select an option
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
Kurdî
اردو
Arabic Tanweer Tafseer
الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ١
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ ۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ١
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ . جُمْلَةُ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ تُفِيدُ اسْتِحْقاقَ اللَّهِ تَعالى الحَمْدَ وحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى الحَصْرِ. واللّامُ لِتَعْرِيفِ الجِنْسِ، فَدَلَّتْ عَلى انْحِصارِ اسْتِحْقاقِ هَذا الجِنْسِ لِلَّهِ تَعالى. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى في أوَّلِ سُورَةِ الفاتِحَةِ. ثُمَّ إنَّ جُمْلَةَ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هُنا خَبَرٌ لَفْظًا ومَعْنًى إذْ لَيْسَ هُنا ما يَصْرِفُ إلى قَصْدِ إنْشاءِ الحَمْدِ بِخِلافِ ما في سُورَةِ الفاتِحَةِ لِأنَّهُ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] إلى آخِرِ السُّورَةِ، فَمَن جَوَّزَ في هَذِهِ أنْ تَكُونَ إنْشاءَ مَعْنًى لَمْ يَجِدِ التَّأمُّلَ. (ص-١٢٦)فالمَعْنى هُنا أنَّ الحَمْدَ كُلَّهُ لا يَسْتَحِقُّهُ إلّا اللَّهُ، وهَذا قَصْرٌ إضافِيٌّ لِلرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَمِدُوا الأصْنامَ عَلى ما تَخَيَّلُوهُ مِن إسْدائِها إلَيْهِمْ نِعَمًا ونَصْرًا وتَفْرِيجَ كُرُباتٍ، فَقَدْ قالَ أبُو سُفْيانَ حِينَ انْتَصَرَ هو وفَرِيقُهُ يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلُ، لَنا العُزّى ولا عُزّى لَكم. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَصْرًا حَقِيقِيًّا عَلى مَعْنى الكَمالِ وأنَّ حَمْدَ غَيْرِهِ تَعالى مِنَ المُنْعِمِينَ تَسامُحٌ لِأنَّهُ في الحَقِيقَةِ واسِطَةٌ صُورِيَّةٌ لِجَرَيانِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلى يَدَيْهِ. والمَقْصُودُ هو هو، وهو الرَّدُّ عَلى المُشْرِكِينَ، لِأنَّ الأصْنامَ لا تَسْتَحِقُّ الحَمْدَ الصُّورِيَّ بَلْهَ الحَقِيقِيَّ كَما قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢] . ولِذَلِكَ عُقِّبَتْ جُمْلَةُ الحَمْدِ عَلى عَظِيمِ خَلْقِ اللَّهِ تَعالى بِجُمْلَةِ ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ . والمَوْصُولُ في مَحَلِّ الصِّفَةِ لِاسْمِ الجَلالَةِ، أفادَ مَعَ صِلَتِهِ التَّذْكِيرَ بِعَظِيمِ صِفَةِ الخَلْقِ الَّذِي عَمَّ السَّماواتِ والأرْضَ وما فِيهِنَّ مِنَ الجَواهِرِ والأعْراضِ. وذَلِكَ أوْجَزُ لَفْظٍ في اسْتِحْضارِ عَظَمَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى. ولَيْسَ في التَّعْرِيفِ بِالمَوْصُولِيَّةِ هُنا إيذانٌ بِتَعْلِيلِ الجُمْلَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَهُ، إذْ لَيْسَتِ الجُمْلَةُ إنْشائِيَّةً كَما عَلِمْتَ. والجُمْلَةُ الخَبَرِيَّةُ لا تُعَلَّلُ، لِأنَّ الخَبَرَ حِكايَةُ ما في الواقِعِ فَلا حاجَةَ لِتَعْلِيلِهِ. فالمَقْصُودُ مِنَ الأوْصافِ التَّمْهِيدُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ . وجَمَعَ السَّماواتِ لِأنَّها عَوالِمُ كَثِيرَةٌ، إذْ كُلُّ كَوْكَبٍ مِنها عالَمٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ غَيْرِهِ، ومِنها الكَواكِبُ السَّبْعَةُ المَشْهُورَةُ المُعَبَّرُ عَنْها في القُرْآنِ بِالسَّماواتِ السَّبْعِ فِيما نَرى. وأفْرَدَ الأرْضَ لِأنَّها عالَمٌ واحِدٌ، ولِذَلِكَ لَمْ يَجِئْ لَفْظُ الأرْضِ في القُرْآنِ جَمْعًا. وقَوْلُهُ: ﴿وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ أشارَ في الكَشّافِ أنَّ (جَعَلَ) إذا تَعَدّى إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ فَهو بِمَعْنى أحْدَثَ وأنْشَأ فَيُقارِبُ مُرادِفَةَ مَعْنى (خَلَقَ) . والفَرْقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ (خَلَقَ)؛ فَإنَّ في الخَلْقِ مُلاحَظَةَ مَعْنى التَّقْدِيرِ، وفي الجَعْلِ مُلاحَظَةَ مَعْنى الِانْتِسابِ، يَعْنِي كَوْنَ المَجْعُولِ مَخْلُوقًا لِأجْلِ غَيْرِهِ أوْ مُنْتَسِبًا إلى غَيْرِهِ، فَيُعْرَفُ المُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِمَعُونَةِ المَقامِ. فالظُّلُماتُ والنُّورُ لَمّا كانا عَرَضَيْنِ كانَ خَلْقُهُما تَكْوِينًا لِتَكَيُّفِ مَوْجُوداتِ السَّماواتِ والأرْضِ بِهِما. ويُعْرَفُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ﴿الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ عَقِبَ ذِكْرِ ﴿السَّماواتِ والأرْضَ﴾، وبِاخْتِيارِ لَفْظِ الخَلْقِ لِلسَّماواتِ والأرْضِ، ولَفْظِ الجَعْلِ لِلظُّلُماتِ (ص-١٢٧)والنُّورِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنها زَوْجَها﴾ [الأعراف: ١٨٩] فَإنَّ الزَّوْجَ - وهو الأُنْثى - مُراعًى في إيجادِهِ أنْ يَكُونَ تَكْمِلَةً لِخَلْقِ الذِّكْرِ، ولِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَسْكُنَ إلَيْها﴾ [الأعراف: ١٨٩] والخَلْقُ أعَمُّ في الإطْلاقِ ولِذَلِكَ قالَ تَعالى في آيَةٍ أُخْرى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾ [النساء: ١] لِأنَّ كُلَّ تَكْوِينٍ لا يَخْلُو مِن تَقْدِيرٍ ونِظامٍ. وخَصَّ بِالذِّكْرِ مِنَ الجَواهِرِ والأعْراضِ عَرَضَيْنِ عَظِيمَيْنِ، وهُما: الظُّلُماتُ والنُّورُ فَقالَ: ﴿وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ لِاسْتِواءِ جَمِيعِ النّاسِ في إدْراكِهِما والشُّعُورِ بِهِما. وبِذِكْرِ هَذِهِ الأُمُورِ الأرْبَعَةِ حَصَلَتِ الإشارَةُ إلى جِنْسَيِ المَخْلُوقاتِ مِن جَواهِرَ وأعْراضٍ. فالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ فِعْلِ (خَلَقَ) وفِعْلِ (جَعَلَ) هُنا مَعْدُودٌ مِن فَصاحَةِ الكَلِماتِ. وإنَّ لِكُلِّ كَلِمَةٍ مَعَ صاحِبَتِها مَقامًا، وهو ما يُسَمّى في عُرْفِ الأُدَباءِ بِرَشاقَةِ الكَلِمَةِ، فَفِعْلُ (خَلَقَ) ألْيَقُ بِإيجادِ الذَّواتِ، وفِعْلُ (جَعَلَ) ألْيَقُ بِإيجادِ أعْراضِ الذَّواتِ وأحْوالِها ونِظامِها. والِاقْتِصارُ في ذِكْرِ المَخْلُوقاتِ عَلى هَذِهِ الأرْبَعَةِ تَعْرِيضٌ بِإبْطالِ عَقائِدِ كُفّارِ العَرَبِ فَإنَّهم بَيْنَ مُشْرِكِينَ وصابِئَةٍ ومَجُوسٍ ونَصارى، وكُلُّهم قَدْ أثْبَتُوا آلِهَةً غَيْرَ اللَّهِ؛ فالمُشْرِكُونَ أثْبَتُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ، والصّابِئَةُ أثْبَتُوا آلِهَةً مِنَ الكَواكِبِ السَّماوِيَّةِ، والنَّصارى أثْبَتُوا إلَهِيَّةَ عِيسى أوْ عِيسى ومَرْيَمَ وهُما مِنَ المَوْجُوداتِ الأرْضِيَّةِ، والمَجُوسُ وهُمُ المانَوِيَّةُ ألَّهُوا النُّورَ والظُّلْمَةَ، فالنُّورُ إلَهُ الخَيْرِ والظُّلْمَةُ إلَهُ الشَّرِّ عِنْدَهم. فَأخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرْضِ، أيْ بِما فِيهِنَّ، وخالِقُ الظُّلُماتِ والنُّورِ. ثُمَّ إنَّ في إيثارِ الظُّلُماتِ والنُّورِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِما مِنَ الأعْراضِ إيماءً وتَعْرِيضًا بِحالَيِ المُخاطَبِينَ بِالآيَةِ مِن كُفْرِ فَرِيقٍ وإيمانِ فَرِيقٍ، فَإنَّ الكُفْرَ يُشْبِهُ الظُّلْمَةَ لِأنَّهُ انْغِماسٌ في جَهالَةٍ وحَيْرَةٍ، والإيمانُ يُشْبِهُ النُّورَ لِأنَّهُ اسْتِبانَةُ الهُدى والحَقِّ. قالَ تَعالى: ﴿يُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] . وقَدَّمَ ذِكْرَ الظُّلُماتِ مُراعاةً لِلتَّرَتُّبِ في الوُجُودِ لِأنَّ الظُّلْمَةَ سابِقَةٌ النُّورَ، فَإنَّ النُّورَ حَصَلَ بَعْدَ خَلْقِ الذَّواتِ المُضِيئَةِ، وكانَتِ الظُّلْمَةُ عامَّةً. وإنَّما جَمَعَ الظُّلُماتِ وأفْرَدَ النُّورَ اتِّباعًا لِلِاسْتِعْمالِ، لِأنَّ لَفْظَ الظُّلُماتِ بِالجَمْعِ أخَفُّ، ولَفْظَ النُّورِ بِالإفْرادِ أخَفُّ، ولِذَلِكَ لَمْ يَرِدْ لَفْظُ الظُّلُماتِ في القُرْآنِ إلّا جَمْعًا (ص-١٢٨)ولَمْ يَرِدْ لَفْظُ النُّورِ إلّا مُفْرَدًا. وهُما مَعًا دالّانِ عَلى الجِنْسِ، والتَّعْرِيفُ الجِنْسِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والجَمْعُ فَلَمْ يَبْقَ لِلِاخْتِلافِ سَبَبٌ لِاتِّباعِ الِاسْتِعْمالِ، خِلافًا لِما في الكَشّافِ. * * * ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ . عُطِفَتْ جُمْلَةُ ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ عَلى جُمْلَةِ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ﴾ . فَـ ثُمَّ لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ الدّالِّ عَلى أنَّ ما بَعْدَها يَتَضَمَّنُ مَعْنى مِن نَوْعِ ما قَبْلَهُ، وهو أهَمُّ في بابِهِ. وذَلِكَ شَأْنُ (ثُمَّ) إذا ورَدَتْ عاطِفَةً جُمْلَةً عَلى أُخْرى، فَإنَّ عُدُولَ المُشْرِكِينَ عَنْ عِبادَةِ اللَّهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّهُ خالِقُ الأشْياءِ أمْرٌ غَرِيبٌ فِيهِمْ أعْجَبُ مِن عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ. والحُجَّةُ ناهِضَةٌ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا لِأنَّ جَمِيعَهم عَدا المانَوِيَّةَ يَعْتَرِفُونَ بِأنَّ اللَّهَ هو الخالِقُ والمُدَبِّرُ لِلْكَوْنِ، ولِذَلِكَ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧] . والخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ عَلى وجْهِ الكِنايَةِ بِقَرِينَةِ مَوْقِعِ ثُمَّ ودَلالَةِ المُضارِعِ عَلى التَّجَدُّدِ، فالتَّعْجِيبُ مِن شَأْنِ المُشْرِكِينَ ظاهِرٌ وأمّا المانَوِيَّةُ فالتَّعْجِيبُ مِن شَأْنِهِمْ في أنَّهم لَمْ يَهْتَدُوا إلى الخالِقِ وعَبَدُوا بَعْضَ مَخْلُوقاتِهِ. فالمُرادُ بِـ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنعام: ٧] كُلُّ مَن كَفَرَ بِإثْباتِ إلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى سَواءً في ذَلِكَ مَن جَعَلَ لَهُ شَرِيكًا مِثْلَ مُشْرِكِي العَرَبِ والصّابِئَةِ ومَن خَصَّ غَيْرَ اللَّهِ بِالإلَهِيَّةِ كالمانَوِيَّةِ. وهَذا المُرادُ دَلَّتْ عَلَيْهِ القَرِينَةُ وإنْ كانَ غالِبَ عُرْفِ القُرْآنِ إطْلاقُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى المُشْرِكِينَ. ومَعْنى يَعْدِلُونَ يُسَوُّونَ. والعَدْلُ: التَّسْوِيَةُ. تَقُولُ: عَدَلْتُ فُلانًا بِفُلانٍ، إذا سَوَّيْتَهُ بِهِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيامًا﴾ [المائدة: ٩٥]، فَقَوْلُهُ: بِرَبِّهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِـ يَعْدِلُونَ ولا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِـ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنعام: ٧] لِعَدَمِ الحاجَةِ إلى ذَلِكَ. وحَذْفُ مَفْعُولِ يَعْدِلُونَ، أيْ يَعْدِلُونَ بِرَبِّهِمْ غَيْرَهُ وقَدْ عَلِمَ كُلُّ فَرِيقٍ ماذا عَدَلَ بِاللَّهِ. والمُرادُ يَعْدِلُونَهُ بِاللَّهِ في الإلَهِيَّةِ، وإنْ كانَ بَعْضُهم يَعْتَرِفُ بِأنَّ اللَّهَ أعْظَمُ كَما كانَ (ص-١٢٩)مُشْرِكُو العَرَبِ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ إلّا شَرِيكًا هو لَكَ تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ. وكَما قالَتِ الصّابِئَةُ في الأرْواحِ، والنَّصارى في الِابْنِ والرُّوحِ القُدُسِ. ومَعْنى التَّعْجِيبِ عامٌّ في أحْوالِ الَّذِينَ ادَّعَوُا الإلَهِيَّةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى سَواءً فِيهِمْ مَن كانَ أهْلًا لِلِاسْتِدْلالِ والنَّظَرِ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ ومَن لَمْ يَكُنْ أهْلًا لِذَلِكَ، لِأنَّ مَحَلَّ التَّعْجِيبِ أنَّهُ يَخْلُقُهم ويَخْلُقُ مَعْبُوداتِهِمْ فَلا يَهْتَدُونَ إلَيْهِ بَلْ ويَخْتَلِقُونَ إلَهِيَّةَ غَيْرِهِ. ومَعْلُومٌ أنَّ التَّعْجِيبَ مِن شَأْنِهِمْ مُتَفاوِتٌ عَلى حَسَبِ تَفاوُتِ كُفْرِهِمْ وضَلالِهِمْ.
Ayah Seterusnya