اهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون ٣٢
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَـٰتٍۢ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًۭا سُخْرِيًّۭا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌۭ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ٣٢
اَهُمْ
یَقْسِمُوْنَ
رَحْمَتَ
رَبِّكَ ؕ
نَحْنُ
قَسَمْنَا
بَیْنَهُمْ
مَّعِیْشَتَهُمْ
فِی
الْحَیٰوةِ
الدُّنْیَا
وَرَفَعْنَا
بَعْضَهُمْ
فَوْقَ
بَعْضٍ
دَرَجٰتٍ
لِّیَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ
بَعْضًا
سُخْرِیًّا ؕ
وَرَحْمَتُ
رَبِّكَ
خَیْرٌ
مِّمَّا
یَجْمَعُوْنَ
۟
3
وقد وبخهم الله - تعالى - على جهلهم هذا بقوله : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) فالاستفهام للإِنكار والتهكم بهم ، والتعجب من تفكيرهم .والمراد بالرحمة : ما يشمل النبوة ، وما أنزله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من وحى ، وما منحه إياه من خلق كريم ، وخير عميم .أى : كيف بلغ الجهل والغباء بهؤلاء المشركين إلى هذه الدرجة؟ إنهم ليس بيدهم ولا بيد غيرهم عطاء ربك ، وليس عندهم مفاتيح الرسالة ليضعوها حيث شاؤا ، وليختاروا لها من أرادوا . وما دام الأمر كذلك فكيف يعترضون على نزول القرآن عليك - أيها الرسول الكريم -؟ .ثم بين - سبحانه - مظاهر قدرته فى خلقه فقال : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا . . ) أى : نحن قسمنا بينهم أرزاقهم فى هذه الدنيا ، ولم نترك تقسيمها لأحد منهم ، ونحن الذين - بحكمتنا - تولينا تدبير أسبابها ولم نكلها إليهم لعلمنا بعجزهم وقصورهم . ونحن الذين رفعنا بعضهم فوق بعض درجات فى الدنيا ، فهذا غنى وذاك فقير ، هذا مخدوم ، وذاك خادم ، وهذا قوى ، وذاك ضعيف .ثم ذكر - سبحانه - الحكمة من هذا التفاوت فى الأرزاق فقال : ( لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ) .أى : فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضا فى حوائجهم ، ويعاون بعضهم بعضا فى مصالحهم ، وبذلك تنتظم الحياة ، وينهض العمران . ويعم الخير بين الناس ، ويصل كل واحد إلى مطلوبه على حسب ما قدر الله - تعالى - له من رزق واستعداد . .ولو أنا تركنا أم تقسيم الأرزاق إليهم لتهارجوا وتقاتلوا ، وعم الخراب فى الأرض ، لأن كل واحد منهم يريد أن يأخذ ما ليس من حقه ، لأن الحرص والطمع من طبيعته .وإذا كان هذا هو حالهم بالنسبة لأمور دنياهم فكيف أباحوا لأنفسهم التحكم فى منصب النبوة ، وهو بلا شك أعلى شأنا ، وأبعد شأوا من أمور الدنيا .وقوله ( سُخْرِيّاً ) بضم السين - من التسخير ، بمعنى تسخير بعضهم لبعض وخدمة بعضهم لبعض ، وعمل بعضهم لبعض ، فالغنى - مثلا - يقدم المال لغيره ، نظير ما يقدمه له ذلك الغير من عمل معين . .وبذلك تنتظم أمور الحياة ، وتسير فى طريقها الذى رسمه - سبحانه - لها .قال الجمل ما ملخصه : قوله : ( لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ) أى : ليستخدم بعضهم بعضا ، فيسخر الأغنياء بأموالهم ، الأجراء الفقراء بالعمل ، فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض ، هذا بماله ، وهذا بأعماله ، فيلتئم قوام العالم ، لأن الأرزاق لو تساوت لتعطلت المعايش ، فلم يقدر أحد منهم أن ينفك عما جعلناه إليه من هذا الأمر الدنئ ، فكيف يطمعون فى الاعتراض فى أمر النبوة ، أيتصور عاقل أن نتولى قسم الناقص ، ونكل العالى إلى غيرنا . .هذا ، والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها تقرر سنة من سنن الله - تعالى - التى لا تغيير لها ولا بتديل ، والتى تؤيدها المشاهدة فى كل زمان ومكان ، فحتى الدول التى تدعى المساواة فى كل شئ . . ترى سمة التفاوت فى الأرزاق وفى غيرها وضحة جلية ، وصدق الله فى قوله : ( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) .ومن الآيات التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى - : ( والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق . . . ) وقوله - سبحانه - : ( انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) .