اِذْ
تَمْشِیْۤ
اُخْتُكَ
فَتَقُوْلُ
هَلْ
اَدُلُّكُمْ
عَلٰی
مَنْ
یَّكْفُلُهٗ ؕ
فَرَجَعْنٰكَ
اِلٰۤی
اُمِّكَ
كَیْ
تَقَرَّ
عَیْنُهَا
وَلَا
تَحْزَنَ ؕ۬
وَقَتَلْتَ
نَفْسًا
فَنَجَّیْنٰكَ
مِنَ
الْغَمِّ
وَفَتَنّٰكَ
فُتُوْنًا ۫۬
فَلَبِثْتَ
سِنِیْنَ
فِیْۤ
اَهْلِ
مَدْیَنَ ۙ۬
ثُمَّ
جِئْتَ
عَلٰی
قَدَرٍ
یّٰمُوْسٰی
۟
3
ثم بين - سبحانه - المنة الرابعة على موسى فقال : ( إِذْ تمشي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ . . . ) .وكان ذلك بعد أن التقط آل فرعون موسى من فوق الشاطىء ، وبعد أن امتنع عن الرضاعة من أى امرأة سوى أمه .أى : وكان من مظاهر إلقاء محبتى عليك ، ورعايتى لك ، أن أختك بعد أن أمرتها أمك بمعرفة خبرك ، سارت فى طرقات مصر فأبصرتك فى بيت فرعون وأنت تمتنع عن الرضاعة من أى امرأة ، فقالت أختك لفرعون وامرأته ( هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ ) .أى : ألا تريدون أن أرشدكم إلى امرأة يقبل هذا الطفل الرضاعة منها ، وتحفظه وترعاه ، والفاء فى قوله : ( فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ ) هى الفصيحة . أى : التى تفصح عن كلام مقدر .والمعنى : بعد أن قالت أختك لفرعون وامرأته : هل أدلكم على من يكفله . أجابوها بقولهم : دلينا عليها ، فجاءت بأمك فرجعناك إليها كى تسر برجوعك ، ويمتلىء قلبها فرحا بلقائها بك بعد أن ألقتك فى اليم ، ولا تحزن بسبب فراقك عنها .ثم حكى - سبحانه - المنة الخامسة فقال : ( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغم ) وكان ذلك عندما استنصر به رجل من قومه على رجل من أعدائه .أى : وقتلت نفسا هى نفس القبطى ، عندما استعان بك عليه الإسرائيلي فنجيناك من الغم الذى نزل بك بسبب هذا القتل .قال الآلوسى : وقد حل له هذا الغم من وجهين : خوف عقاب الله - تعالى - حيث لم يقع القتل بأمره - سبحانه - وخوف القصاص ، وقد نجاه الله من ذلك بالمغفرة حين قال : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي فَغَفَرَ لَهُ ) وبالمهاجرة إلى مدين .والغم فى الأصل : ستر الشىء ، ومنه الغمام لستره ضوء الشمس . ويقال : لما يغم القلب بسبب خوف أو فوات مقصود . .وقوله - عز وجل - : ( وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) بيان للمنة السادسة التى امتن الله - تعالى - بها على موسى - عليه السلام - .والفتون : جمع فَتْن كالظنون جمع ظن . والفتن : الاختبار والابتلاء تقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : أدخلته فيها لتعلم جودته من رداءته .والمعنى : واختبرناك وابتليناك - يا موسى - بألوان من الفتن والمحن .ونظم - سبحانه - هذا الفتن والاختبار فى سلك المنن ، باعتبار أن الله - تعالى - ابتلاه بالفتن ثم نجاه منها ، ونجاه من شرورها .وقد ساق الإمان ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية حديثا طويلا سماه بحديث الفتون ، ذكر فيه قصة مولد موسى ، وإلقائه فى اليم ، وتربيته فى بيت فرعون ، وقتله القبطى ، وهروبه إلى مدين ، وعودته منها إلى مصر . وتكليف الله - تعالى - له بالذهاب إلى فرعون ، ودعوته إلى عبادة الله وحده . . . الخ .وقوله - تعالى - : ( فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى ) أى : فلبثت عشر سنين فى قرية أهل مدين ، تعمل كأجير عند الرجل الصالح . ثم جئت بعد ذلك إلى المكان الذى ناديتك فيه ( على قَدَرٍ ) أى على وفق الوقت الذى قدرناه لمجيئك ، وحددناه لتكليمك واستنبائك ، دون أن تتقدم أو تتأخر ، لأن كل شىء عندنا محدد ومقدر بوقت لا يتخلف عنه .قال - تعالى - : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) وقال - سبحانه - : ( وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ) وقال - عز وجل - : ( وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً ).