وَهُوَ
الَّذِیْ
خَلَقَ
السَّمٰوٰتِ
وَالْاَرْضَ
فِیْ
سِتَّةِ
اَیَّامٍ
وَّكَانَ
عَرْشُهٗ
عَلَی
الْمَآءِ
لِیَبْلُوَكُمْ
اَیُّكُمْ
اَحْسَنُ
عَمَلًا ؕ
وَلَىِٕنْ
قُلْتَ
اِنَّكُمْ
مَّبْعُوْثُوْنَ
مِنْ
بَعْدِ
الْمَوْتِ
لَیَقُوْلَنَّ
الَّذِیْنَ
كَفَرُوْۤا
اِنْ
هٰذَاۤ
اِلَّا
سِحْرٌ
مُّبِیْنٌ
۟
ثم ساق - سبحانه - ما يشهد بعظيم قدرته فقال - تعالى - : ( وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ . . . ) .والأيام جمع يوم ، والمراد به هنا مطلق الوقت الذى لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - .أى : وهو - سبحانه - الذى أنشأ السموات والأرض وما بينهما ، على غير مثال سابق ، فى ستة أيام من أيامه - تعالى - ، التى لا يعلم مقدار زمانها إلا هو .وقيل : أنشأهن فى مقدار ستة أيام من أيام الدنيا .قال سعيد بن جبير - رضى الله عنه - : كان الله قادرا على خلق السموات والأرض وما بينهما فى لمحة ولحظة ، فخلقهن فى ستة أيام ، تعليما لعباده التثبت والتأنى فى الأمور .وقد جاءت آيات تدل على أنه - سبحانه - خلق الأض فى يومين ، وخلق السموات فى يومين وخلق ما بينهما فى يومين ، وهذه الآيات هى قوله - تعالى - : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ . ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا . . . ) وجملة ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء ) اعتراضية بين قوله ( خَلَق السماوات والأرض ) وبين ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ويجوز أن تكون حالية من فاعل خلق وهو الله - تعالى - وعرش الله - تعالى - من الألفاظ التى لا يعلمها البشر إلا بالاسم . وقد جاء ذكر العرش فى القرآن الكريم إحدى وعشرين مرة .ونحن مكلفون بأن نؤمن بأن له - سبحانه - عرشا ، أما كيفيته فنفوض علمها إليه - تعالى - .والمعنى : أن الله - تعالى - خلق السموات والأرض فى ستة أيام ، وكان عرشه قبل خلقهما ليس تحته شئ سوى الماء .قالوا : وفى ذلك دليل على أن العرش والماء كانا موجودين قبل وجود السموات والأرض .قال القرطبي : قوله : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء ) بين - سبحانه - أن خلق العرش والماء ، كان قبل خلق الأرض والسماء . . .ثم قال : وروى البخارى عن عمران بين حصين قال كنت عند النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قوم من بنى تميم فقال : " " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا : بشرتنا فأعطنا . فدخل ناس من أهل اليمن فقالوا : جئنا لنتفقه فى الدين ، ولنسألك عن هذا الدين ونسألك عن أول هذا الأمر .قال : " إن الله ولم يكن شئ غيره ، وكان عرشه على الماء . ثم خلق السموات والأرض ، وكتب فى الذكر كل شئ " " .وقال ابن كثير بعد هذا الحديث وغيره : وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " .وروى الإِمام أحمد عن لقيط بن عامر العقبلى قال : قلت يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال : كان فى عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك .والعلماء : السحاب الرقيق ، أى فوق سحاب مدبرا له ، وعاليا عليه ، والسحاب ليس تحته سوى الهواء ، وليس فوقه سوى الهواء . والمراد أنه ليس مع الله - تعالى - شئ آخر .وقوله - سبحانه - ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) جملة تعليلية . ويبلوكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان .أى : خلق ما خلق من السموات والأرض وما فيهما من كائنات ، ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من أسباب معاشكم ، ليعاملكم معاملة من يختبر غيره ، ليتميز المحسن من المسئ ، والمطيع من العاصى ، فيجازى المسحنين والطائعين بما يستحقون من ثواب ، ويعاقب المسيئين والعاصين بما هم أهله من عقاب .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) وأعمال المؤمنين هى التي تتفاوت إلى حسن وأحسن ، فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح؟ قلت : الذين هم أحسن عملا هم المتقون وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو مقصود الله - تعالى - من عباده ، فخصهم بالذكر ، واطرح ذكر من وراءهم ، تشريفا لهم ، وتنبيها على مكانهم منه ، وليكون ذلك لطفا للسامعين ، وترغيبا فى حياة فضلهم .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان موقف الكافرين من البعث والحساب فقال : ( وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) .أى : ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكافرين الذين أرسلك الله لإِخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، لئن قلت لهم ( إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ ) يوم القيامة ( مِن بَعْدِ الموت ) الذى سيدرككم فى هذه الدنيا عند نهايكم آجالكم ( لَيَقُولَنَّ ) لك هؤلاء الكافرون على سبيل الأنكار والتهكم ما هذا الذى تقوله يا محمد ( إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) أى : إلا سحر واضح جلى ظاهر لا لبس فيه ولا غموض .وقرأ حمزة والكسائى وخلف ( إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) فتكون الإِشارة بقوله ( هذا ) إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أى : أنه فى زعمهم يقول كلاما ليسحرهم به ، وليصرفهم عما كان عليه آباؤهم وأجدادهم .