Se connecter
Paramètres
Select an option
Al-Fatiha
Al-Baqarah
Ali-'Imran
An-Nisa'
Al-Ma'idah
Al-An'am
Al-A'raf
Al-Anfal
At-Tawbah
Yunus
Hud
Yusuf
Ar-Ra'd
Ibrahim
Al-Hijr
An-Nahl
Al-Isra'
Al-Kahf
Maryam
Ta-Ha
Al-Anbiya'
Al-Hajj
Al-Mu'minune
An-Nur
Al-Furqane
Ach-Chu'ara'
An-Naml
Al-Qasas
Al-'Ankabut
Ar-Rum
Luqman
As-Sajda
Al-Ahzab
Saba'
Fatir
Ya-Sin
As-Saffat
Sad
Az-Zumar
Ghafir
Fussilat
Ach-Chura
Az-Zuhruf
Ad-Duhan
Al-Jatiya
Al-Ahqaf
Muhammed
Al-Fath
Al-Hujurat
Qaf
Ad-Dariyat
At-Tur
An-Najm
Al-Qamar
Ar-Rahman
Al-Waqi'a
Al-Hadid
Al-Mujadalah
Al-Hachr
Al-Mumtahanah
As-Saff
Al-Jumu'a
Al-Munafiqun
At-Tagabun
At-Talaq
At-Tahrim
Al-Mulk
Al-Qalam
Al-Haqqah
Al-Ma'arij
Nuh
Al-Jinn
Al-Muzzammil
Al-Muddattir
Al-Qiyamah
Al-Insan
Al-Mursalate
An-Naba'
An-Nazi'ate
'Abasa
At-Takwir
Al-Infitar
Al-Mutaffifune
Al-Inchiqaq
Al-Buruj
At-Tariq
Al-A'la
Al-Gachiyah
Al-Fajr
Al-Balad
Ach-Chams
Al-Layl
Ad-Duha
Ach-Charh
At-Tin
Al-'Alaq
Al-Qadr
Al-Bayyinah
Az-Zalzalah
Al-'Adiyate
Al-Qari'ah
At-Takatur
Al-'Asr
Al-Humazah
Al-Fil
Quraych
Al-Ma'un
Al-Kawtar
Al-Kafirune
An-Nasr
Al-Masad
Al-Ihlas
Al-Falaq
An-Nas
Select an option
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
Kurdî
اردو
Arabic Tanweer Tafseer
Vous lisez un tafsir pour le groupe d'Ayahs 93:9 à 93:11
فاما اليتيم فلا تقهر ٩ واما السايل فلا تنهر ١٠ واما بنعمة ربك فحدث ١١
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ٩ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ ١٠ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ١١
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
(ص-٤٠١)﴿فَأمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ ﴿وأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ ﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ . الفاءُ الأُولى فَصِيحَةٌ. و(أمّا) تُفِيدُ شَرْطًا مُقَدَّرًا تَقْدِيرُهُ: مَهْما يَكُنْ مِن شَيْءٍ، فَكانَ مُفادُها مُشْعِرًا بِشَرْطٍ آخَرَ مُقَدَّرٍ هو الَّذِي اجْتُلِبَتْ لِأجْلِهِ فاءُ الفَصِيحَةِ، وتَقْدِيرُ نَظْمِ الكَلامِ: إذْ كُنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ وأقْرَرْتَ بِهِ، فَعَلَيْكَ بِشُكْرِ رَبِّكَ، وبَيَّنَ لَهُ الشُّكْرَ بِقَوْلِهِ: (﴿أمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾) إلَخْ. وقَدْ جُعِلَ الشُّكْرُ هُنا مُناسِبًا لِلنِّعْمَةِ المَشْكُورِ عَلَيْها، وإنَّما اعْتُبِرَ تَقْدِيرُ: إذا أرَدْتَ الشُّكْرَ؛ لِأنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ تَنْساقُ إلَيْهِ النُّفُوسُ بِدافِعِ المُرُوءَةِ في عُرْفِ النّاسِ، وصُدِّرَ الكَلامُ بِـ (أمّا) التَّفْصِيلِيَّةِ لِأنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمُجْمَلِ الشُّكْرِ عَلى النِّعْمَةِ. ولَمّا كانَتْ (أمّا) بِمَعْنى: ومَهْما يَكُنْ شَيْءٌ، قُرِنَ جَوابُها بِالفاءِ. و(اليَتِيمَ) مَفْعُولٌ لِفِعْلِ (﴿فَلا تَقْهَرْ﴾) . وقُدِّمَ لِلِاهْتِمامِ بِشَأْنِهِ ولِهَذا القَصْدِ لَمْ يُؤْتَ بِهِ مَرْفُوعًا، وقَدْ حَصَلَ مَعَ ذَلِكَ الوَفاءُ بِاسْتِعْمالِ جَوابِ (أمّا) أنْ يَكُونَ مَفْصُولًا عَنْ (أمّا) بِشَيْءٍ كَراهِيَةَ مُوالاةِ فاءِ الجَوابِ لِحَرْفِ الشَّرْطِ. ويَظْهَرُ أنَّهم ما التَزَمُوا الفَصْلَ بَيْنَ (أمّا) وجَوابِها بِتَقْدِيمِ شَيْءٍ مِن عَلائِقِ الجَوابِ إلّا لِإرادَةِ الِاهْتِمامِ بِالمُقَدَّمِ؛ لِأنَّ مَوْقِعَ (أمّا) لا يَخْلُو عَنِ اهْتِمامٍ بِالكَلامِ اهْتِمامًا يَرْتَكِزُ في بَعْضِ أجْزاءِ الكَلامِ، فاجْتِلابُ (أمّا) في الكَلامِ أثَرٌ لِلِاهْتِمامِ وهو يَقْتَضِي أنَّ مَثارَ الِاهْتِمامِ بَعْضُ مُتَعَلَّقاتِ الجُمْلَةِ، فَذَلِكَ هو الَّذِي يَعْتَنُونَ بِتَقْدِيمِهِ، وكَذَلِكَ القَوْلُ في تَقْدِيمِ (السّائِلَ) وتَقْدِيمِ (﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾) عَلى فِعْلَيْهِما. وقَدْ قُوبِلَتِ النِّعَمُ الثَّلاثُ المُتَفَرِّعُ عَلَيْها هَذا التَّفْصِيلُ بِثَلاثَةِ أعْمالٍ تُقابِلُها. فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا التَّفْصِيلُ عَلى طَرِيقَةِ اللَّفِّ والنَّشْرِ المُرَتَّبِ، وذَلِكَ ما دَرَجَ عَلَيْهِ الطِّيبِيُّ، ويَجْرِي عَلى تَفْسِيرِ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (السّائِلَ) بِالسّائِلِ عَنِ الدِّينِ والهُدى، فَقَوْلُهُ: (﴿فَأمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾) مُقابِلٌ لِقَوْلِهِ: (﴿ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى﴾ [الضحى: ٦]) لا مَحالَةَ، أيْ: فَكَما آواكَ رَبُّكَ وحَفِظَكَ مِن عَوارِضِ النَّقْصِ المُعْتادِ لِلْيُتْمِ، فَكُنْ أنْتَ مُكْرِمًا لِلْأيْتامِ رَفِيقًا بِهِمْ، فَجُمِعَ ذَلِكَ في النَّهْيِ عَنْ قَهْرِهِ؛ لِأنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ (ص-٤٠٢)كانُوا يَقْهَرُونَ الأيْتامَ، ولِأنَّهُ إذا نَهى عَنْ قَهْرِ اليَتِيمِ مَعَ كَثْرَةِ الأسْبابِ لِقَهْرِهِ؛ لِأنَّ القَهْرَ قَدْ يَصْدُرُ مِن جَرّاءِ القَلَقِ مِن مَطالِبِ حاجاتِهِ، فَإنَّ فَلَتاتِ اللِّسانِ سَرِيعَةُ الحُصُولِ كَما قالَ تَعالى: (﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣]) وقالَ: (﴿وإمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِن رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهم قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٨]) . والقَهْرُ: الغَلَبَةُ والإذْلالُ وهو المُناسِبُ هُنا، وتَكُونُ هَذِهِ المَعانِي بِالفِعْلِ كالدَّعِّ والتَّحْقِيرِ بِالفِعْلِ وتَكُونُ بِالقَوْلِ، قالَ تَعالى: (﴿وقُولُوا لَهم قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥]) وتَكُونُ بِالإشارَةِ مِثْلَ عُبُوسِ الوَجْهِ، فالقَهْرُ المَنهِيُّ عَنْهُ هو القَهْرُ الَّذِي لا يُعامَلُ بِهِ غَيْرُ اليَتِيمِ في مِثْلِ ذَلِكَ، فَأمّا القَهْرُ لِأجْلِ الِاسْتِصْلاحِ كَضَرْبِ التَّأْدِيبِ فَهو مِن حُقُوقِ التَّرْبِيَةِ، قالَ تَعالى: (﴿وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]) . وقَوْلُهُ: (﴿وأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾) مُقابِلُ قَوْلِهِ: (﴿ووَجَدَكَ ضالًّا فَهَدى﴾ [الضحى: ٧])؛ لِأنَّ الضَّلالَ يَسْتَدْعِي السُّؤالَ عَنِ الطَّرِيقِ فالضّالُّ مُعْتَبَرٌ مِن صِنْفِ السّائِلِينَ، والسّائِلُ عَنِ الطَّرِيقِ قَدْ يَتَعَرَّضُ لِحَماقَةِ المَسْئُولِ كَما قالَ كَعْبٌ: ؎وقالَ كُلُّ خَلِيلٍ كُنْتُ آمُلُهُ: لا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ فَجَعَلَ اللَّهُ الشُّكْرَ عَنْ هِدايَتِهِ إلى طَرِيقِ الخَيْرِ أنْ يُوَسِّعَ بالَهُ لِلسّائِلِينَ. فَلا يَخْتَصُّ السّائِلُ بِسائِلِ العَطاءِ بَلْ يَشْمَلُ كُلَّ سائِلٍ، وأعْظَمُ تَصَرُّفاتِ الرَّسُولِ ﷺ بِإرْشادِ المُسْتَرْشِدِينَ، ورُوِيَ هَذا التَّفْسِيرُ عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. رَوى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”«إنَّ النّاسَ لَكم تَبَعٌ وإنَّ رِجالًا يَأْتُونَكم مِن أقْطارِ الأرْضِ يَتَفَقَّهُونَ، فَإذا أتَوْكم فاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» “ قالَ هارُونُ العَبْدِيُّ: كُنّا إذا أتَيْنا أبا سَعِيدٍ يَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . والتَّعْرِيفُ في (السّائِلَ) تَعْرِيفُ الجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ سائِلٍ، أيْ: عَمّا يُسْألُ النَّبِيءُ ﷺ عَنْ مِثْلِهِ. ويَكُونُ النَّشْرُ عَلى تَرْتِيبِ اللَّفِّ. فَإنْ فُسِّرَ (السّائِلَ) بِسائِلِ المَعْرُوفِ كانَ مُقابِلَ قَوْلِهِ: (﴿ووَجَدَكَ عائِلًا فَأغْنى﴾ [الضحى: ٨]) وكانَ مِنَ النَّشْرِ المُشَوَّشِ، أيِ: المُخالِفِ لِتَرْتِيبِ اللَّفِّ، وهو ما دَرَجَ عَلَيْهِ الكَشّافُ. (ص-٤٠٣)والنَّهْرُ: الزَّجْرُ بِالقَوْلِ مِثْلُ أنْ يَقُولَ: إلَيْكَ عَنِّي. ويُسْتَفادُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ القَهْرِ والنَّهْرِ النَّهْيُ عَمّا هو أشَدُّ مِنهُما في الأذى كالشَّتْمِ والضَّرْبِ والِاسْتِيلاءِ عَلى المالِ وتَرْكِهِ مُحْتاجًا، ولَيْسَ مِنَ النَّهْرِ نَهْيُ السّائِلِ عَنْ مُخالَفَةِ آدابِ السُّؤالِ في الإسْلامِ. وقَوْلُهُ: (﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾) مُقابِلُ قَوْلِهِ: (﴿ووَجَدَكَ عائِلًا فَأغْنى﴾ [الضحى: ٨]) . فَإنَّ الإغْناءَ نِعْمَةٌ، فَأمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُظْهِرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالحَدِيثِ عَنْها وإعْلانِ شُكْرِها. ولَيْسَ المُرادُ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ نِعْمَةً خاصَّةً، وإنَّما أُرِيدَ الجِنْسُ فَيُفِيدُ عُمُومًا في المَقامِ الخِطابِيِّ، أيْ: حَدِّثْ ما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ مِنَ النِّعَمِ، فَحَصَلَ في ذَلِكَ الأمْرِ شُكْرُ نِعْمَةِ الإغْناءِ، وحَصَلَ الأمْرُ بِشُكْرِ جَمِيعِ النِّعَمِ لِتَكُونَ الجُمْلَةُ تَذْيِيلًا جامِعًا. فَإنْ جُعِلَ قَوْلُهُ: (﴿وأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾) مُقابِلَ قَوْلِهِ: (﴿ووَجَدَكَ عائِلًا فَأغْنى﴾ [الضحى: ٨]) عَلى طَرِيقَةِ اللَّفِّ والنَّشْرِ المُشَوَّشِ كانَ قَوْلُهُ: (﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾) مُقابِلَ قَوْلِهِ: (﴿ووَجَدَكَ ضالًّا فَهَدى﴾ [الضحى: ٧]) عَلى طَرِيقَةِ اللَّفِّ والنَّشْرِ المُشَوَّشِ أيْضًا. وكانَ المُرادُ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ نِعْمَةَ الهِدايَةِ إلى الدِّينِ الحَقِّ. والتَّحْدِيثُ: الإخْبارُ، أيْ: أخْبِرْ بِما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ اعْتِرافًا بِفَضْلِهِ، وذَلِكَ مِنَ الشُّكْرِ. والقَوْلُ في تَقْدِيمِ المَجْرُورِ وهو (﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾) عَلى مُتَعَلَّقِهِ كالقَوْلِ في تَقْدِيمِ (﴿فَأمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ ﴿وأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾) . والخِطّابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ فَمُقْتَضى الأمْرِ في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ أنْ تَكُونَ خاصَّةً بِهِ، وأصْلُ الأمْرِ الوُجُوبُ، فَيُعْلَمُ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ واجِبٌ عَلَيْهِ ما أُمِرَ بِهِ، وأمّا مُخاطَبَةُ أُمَّتِهِ بِذَلِكَ فَتَجْرِي عَلى أصْلِ مُساواةِ الأُمَّةِ لِنَبِيِّها فِيما فُرِضَ عَلَيْهِ ما لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلى الخُصُوصِيَّةِ، فَأمّا مُساواةُ الأُمَّةِ لَهُ في مَنعِ قَهْرِ اليَتِيمِ ونَهْرِ السّائِلِ فَدَلائِلُهُ كَثِيرَةٌ مَعَ ما يَقْتَضِيهِ أصْلُ المُساواةِ. وأمّا مُساواةُ الأُمَّةِ في الأمْرِ بِالتَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ فَإنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلى نَبِيِّهِ ﷺ شَتّى مِنها ما لا مَطْمَعَ لِغَيْرِهِ مِنَ الأُمَّةِ فِيهِ، مِثْلَ نِعْمَةِ الرِّسالَةِ ونِعْمَةِ القُرْآنِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِن مُقْتَضَياتِ الِاصْطِفاءِ الأكْبَرِ، ونِعْمَةُ الرَّبِّ في الآيَةِ مُجْمَلَةٌ. (ص-٤٠٤)فَنِعَمُ اللَّهِ الَّتِي أنْعَمَ بِها عَلى نَبِيِّهِ ﷺ كَثِيرَةٌ مِنها ما يَجِبُ تَحْدِيثُهُ بِهِ وهو تَبْلِيغُهُ النّاسَ أنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، وأنَّ اللَّهَ أوْحى إلَيْهِ، وذَلِكَ داخِلٌ في تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، وقَدْ كانَ يُعَلِّمُ النّاسَ الإسْلامَ فَيَقُولُ لِمَن يُخاطِبُهُ: «أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنِّي رَسُولُ اللَّهِ» . ومِنها تَعْرِيفُهُ النّاسَ ما يَجِبُ لَهُ مِنَ البِرِّ والطّاعَةِ كَقَوْلِهِ لِمَن قالَ لَهُ: اعْدِلْ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ: ”«أيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلى وحْيِهِ ولا تَأْمَنُونِي» ؟ !“، ومِنهُ ما يَدْخُلُ التَّحْدِيثُ بِهِ في واجِبِ الشُّكْرِ عَلى النِّعْمَةِ، فَهَذا وُجُوبُهُ عَلى النَّبِيءِ ﷺ خالِصٌ مِن عُرُوضِ المَعارِضِ؛ لِأنَّ النَّبِيءَ مَعْصُومٌ مِن عُرُوضِ الرِّياءِ ولا يَظُنُّ النّاسُ بِهِ ذَلِكَ فَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ ثابِتٌ. وأمّا الأُمَّةُ فَقَدْ يَكُونُ التَّحَدِيثُ بِالنِّعْمَةِ مِنهم مَحْفُوفًا بِرِياءٍ أوْ تَفاخُرٍ، وقَدْ يَنْكَسِرُ لَهُ خاطِرُ مَن هو غَيْرُ واجِدٍ مِثْلَ النِّعْمَةِ المُتَحَدَّثِ بِها. وهَذا مَجالٌ لِلنَّظَرِ في المُعارَضَةِ بَيْنَ المُقْتَضِي والمانِعِ، وطَرِيقَةِ الجَمْعِ بَيْنَهُما إنْ أمْكَنَ أوِ التَّرْجِيحِ لِأحَدِهِما. وفي تَفْسِيرِ الفَخْرِ: سُئِلَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ الصَّحابَةِ، فَأثْنى عَلَيْهِمْ فَقالُوا لَهُ: فَحَدِّثْنا عَنْ نَفْسِكَ فَقالَ: مَهْلًا فَقَدْ نَهى اللَّهُ عَنِ التَّزْكِيَةِ، فَقِيلَ لَهُ: ألَيْسَ اللَّهُ تَعالى يَقُولُ: (﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾) فَقالَ: فَإنِّي أُحَدِّثُ، كُنْتُ إذا سُئِلْتُ أعْطَيْتُ. وإذا سُكِتَ ابْتَدَيْتُ، وبَيْنَ الجَوانِحِ عِلْمٌ جَمٌّ فاسْألُونِي. فَمِنَ العُلَماءِ مَن خَصَّ النِّعْمَةَ في قَوْلِهِ: ( ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ بِنِعْمَةِ القُرْآنِ ونِعْمَةِ النُّبُوءَةِ، وقالَهُ مُجاهِدٌ. ومِنَ العُلَماءِ مَن رَأى وُجُوبَ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ. رَواهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ أبِي نَضْرَةَ. وقالَ القُرْطُبِيُّ: الخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ والحُكْمُ عامٌّ لَهُ ولِغَيْرِهِ. قالَ عِياضٌ في الشِّفا: ”وهَذا خاصٌّ لَهُ عامٌّ لِأُمَّتِهِ“ . وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: إذا لَقِيَ الرَّجُلَ مِن إخْوانِهِ مَن يَثِقُ بِهِ يَقُولُ لَهُ: رَزَقَ اللَّهُ مِنَ الصَّلاةِ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غالِبٍ: أنَّهُ كانَ إذا (ص-٤٠٥)أصْبَحَ يَقُولُ: لَقَدْ رَزَقَنِي اللَّهُ البارِحَةَ كَذا، قَرَأْتُ كَذا، صَلَّيْتُ كَذا، ذَكَرْتُ اللَّهَ كَذا، فَقُلْنا لَهُ: يا أبا فِراسٍ إنَّ مِثْلَكَ لا يَقُولُ هَذا، قالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: (﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾) وتَقُولُونَ أنْتُمْ: لا تُحَدِّثْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ. وذَكَرَ ابْنُ العَرَبِيِّ عَنْ أيُّوبَ قالَ: دَخَلْتُ عَلى أبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ فَقالَ: لَقَدْ رَزَقَ اللَّهُ البارِحَةَ: صَلَّيْتُ كَذا وسَبَّحْتُ كَذا، قالَ أيُّوبُ: فاحْتَمَلْتُ ذَلِكَ لِأبِي رَجاءٍ. وعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أنَّ التَّحَدُّثَ بِالنِّعْمَةِ تَكُونُ لِلثِّقَةِ مِنَ الإخْوانِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ، قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنَّ التَّحَدُّثَ بِالعَمَلِ يَكُونُ بِإخْلاصٍ مِنَ النِّيَّةِ عِنْدَ أهْلِ الثِّقَةِ، فَإنَّهُ رُبَّما خَرَجَ إلى الرِّياءِ وإساءَةِ الظَّنِّ بِصاحِبِهِ. وذَكَرَ الفَخْرُ والقُرْطُبِيُّ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إذا أصَبْتَ خَيْرًا أوْ عَمِلْتَ خَيْرًا فَحَدِّثْ بِهِ الثِّقَةَ مِن إخْوانِكَ. قالَ الفَخْرُ: إلّا أنَّ هَذا إنَّما يَحْسُنُ إذا لَمْ يَتَضَمَّنْ رِياءً وظَنَّ أنَّ غَيْرَهُ يَقْتَدِي بِهِ. * * * (ص-٤٠٦)(ص-٤٠٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الِانْشِراحِ سُمِّيَتْ في مُعْظَمِ التَّفاسِيرِ وفي صَحِيحِ البُخارِيِّ وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ ”سُورَةَ ألَمْ نَشْرَحْ“، وسُمِّيَتْ في بَعْضِ التَّفاسِيرِ ”سُورَةَ الشَّرْحِ“ ومِثْلُهُ في بَعْضِ المَصاحِفِ المَشْرِقِيَّةِ تَسْمِيَةً بِمَصْدَرِ الفِعْلِ الواقِعِ فِيها مِن قَوْلِهِ تَعالى: (﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١]) وفي بَعْضِ التَّفاسِيرِ تَسْمِيَتُها سُورَةُ الِانْشِراحِ. وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ. وقَدْ عُدَّتِ الثّانِيَةَ عَشْرَةَ في عِدادِ نُزُولِ السُّوَرِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الضُّحى بِالِاتِّفاقِ وقَبْلَ سُورَةِ العَصْرِ. وعَنْ طاوُسٍ وعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ أنَّهُما كانا يَقُولانِ: ”ألَمْ نَشْرَحْ مِن سُورَةِ الضُّحى“ . وكانا يَقْرَآنِهِما بِالرَّكْعَةِ الواحِدَةِ لا يَفْصِلانِ بَيْنَهُما - يَعْنِي: في الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ - وهَذا شُذُوذٌ مُخالِفٌ لِما اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ مِن تَسْوِيرِ المُصْحَفِ الإمامِ. وعَدَدُ آيِها ثَمانٍ. * * * احْتَوَتْ عَلى ذِكْرِ عِنايَةِ اللَّهِ تَعالى لِرَسُولِهِ ﷺ بِلُطْفِ اللَّهِ لَهُ وإزالَةِ الغَمِّ والحَرَجِ عَنْهُ، وتَفْسِيرِ ما عَسُرَ عَلَيْهِ، وتَشْرِيفِ قَدْرِهِ لِيُنَفِّسَ عَنْهُ، فَمَضْمُونُها شَبِيهٌ بِأنَّهُ حُجَّةٌ عَلى مَضْمُونِ سُورَةِ الضُّحى تَثْبِيتًا لَهُ بِتَذْكِيرِهِ سالِفَ عِنايَتِهِ بِهِ وإنارَةِ سَبِيلِ الحَقِّ وتَرْفِيعِ الدَّرَجَةِ لِيَعْلَمَ أنَّ الَّذِي ابْتَدَأهُ بِنِعْمَتِهِ ما كانَ لِيَقْطَعَ عَنْهُ فَضْلَهُ، وكانَ ذَلِكَ بِطَرِيقَةِ التَّقْرِيرِ بِماضٍ يَعْلَمُهُ النَّبِيءُ ﷺ . (ص-٤٠٨)وأُتْبِعَ ذَلِكَ بِوَعْدِهِ بِأنَّهُ كُلَّما عَرَضَ لَهُ عُسْرٌ فَسَيَجِدُ مِن أمْرِهِ يُسْرًا كَدَأْبِ اللَّهِ تَعالى في مُعامَلَتِهِ فَلْيَتَحَمَّلْ مَتاعِبَ الرِّسالَةِ ويَرْغَبْ إلى اللَّهِ عَوْنِهِ.
Ayah précédente