يدخل من يشاء في رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما ٣١
يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِۦ ۚ وَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًۢا ٣١
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
۳
(ص-٤١٦)﴿يُدْخِلُ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ والظّالِمِينَ أعَدَّ لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا ناشِئًا عَنْ جُمْلَةِ (﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠]) إذْ يَتَساءَلُ السّامِعُ عَلى أثَرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ في حالِ (﴿مَنِ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٩]) ومَن لَمْ يَتَّخِذْ إلَيْهِ سَبِيلًا، فَيُجابُ بِأنَّهُ يُدْخِلُ في رَحْمَتِهِ مَن شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلَيْهِ سَبِيلًا وأنَّهُ أعَدَّ لِمَن لَمْ يَتَخِذْ إلَيْهِ سَبِيلًا عَذابًا ألِيمًا وأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ خَبَرَ (إنَّ) في قَوْلِهِ (إنَّ اللَّهَ) وتَكُونُ جُمْلَةُ (﴿كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان: ٣٠]) مُعْتَرِضَةً بَيْنَ اسْمِ (إنَّ) وخَبَرِها أوْ حالًا، وهي عَلى التَّقْدِيرَيْنِ مُنْبِئَةٌ بِأنَّ إجْراءَ وصْفَيِ العَلِيمِ الحَكِيمِ عَلى اسْمِ الجَلالَةِ مُرادٌ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ فِعْلَهُ كُلَّهُ مِن جَزاءٍ بِرَحْمَةٍ أوْ بِعَذابٍ جارٍ عَلى حَسَبِ عِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ. وانْتَصَبَ (الظّالِمِينَ) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَذْكُورُ عَلى طَرِيقَةِ الِاشْتِغالِ والتَّقْدِيرِ: أوْعَدَ الظّالِمِينَ، أوْ كافَأ، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا يُقَدِّرُهُ السّامِعُ مُناسِبًا لِلْفِعْلِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ. * * * (ص-٤١٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ المُرْسَلاتِ لَمْ تَرِدْ لَها تَسْمِيَةٌ صَرِيحَةٌ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ بِأنْ يُضافَ لَفْظُ سُورَةٍ إلى جُمْلَتِها الأُولى. وسُمِّيَتْ في عَهْدِ الصَّحابَةِ سُورَةُ (﴿والمُرْسَلاتِ عُرْفًا﴾ [المرسلات: ١]) فَفي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ في الصَّحِيحَيْنِ ”«بَيْنَما نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غارٍ بِمِنًى إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ (﴿والمُرْسَلاتِ عُرْفًا﴾ [المرسلات: ١]) فَإنَّهُ لَيَتْلُوها وإنِّي لَأتَلَقّاها مِن فِيهِ وإنَّ فاهُ لَرَطْبٌ بِها إذْ خَرَجَتْ عَلَيْنا حَيَّةٌ» “ الحَدِيثَ. وفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «قَرَأْتُ سُورَةَ ﴿والمُرْسَلاتِ عُرْفًا﴾ [المرسلات: ١] فَسَمِعَتْنِي أُمُّ الفَضْلِ - امْرَأةُ العَبّاسِ - فَبَكَتْ وقالَتْ: بُنَيَّ أذْكَرْتَنِي بِقِراءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إنَّها لَآخِرُ ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِها في صَلاةِ المَغْرِبِ» . وسُمِّيَتْ (سُورَةُ المُرْسَلاتِ)، رَوى أبُو داوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ”«كانَ النَّبِيءُ (ص-٤١٨)ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ السُّورَتَيْنِ في رَكْعَةٍ الرَّحْمانَ والنَّجْمَ في رَكْعَةٍ، واقْتَرَبَتْ والحاقَّةَ في رَكْعَةٍ“ ثُمَّ قالَ ”وعَمَّ يَتَساءَلُونَ والمُرْسَلاتِ في رَكْعَةٍ» “ فَجَعَلَ هَذِهِ الألْفاظَ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ السُّورَتَيْنِ وسَمّاها المُرْسَلاتِ بِدُونِ واوِ القَسَمِ لِأنَّ الواوَ الَّتِي في كَلامِهِ واوُ العَطْفِ مِثْلَ أخَواتِها في كَلامِهِ. واشْتُهِرَتْ في المَصاحِفِ بِاسْمِ (المُرْسَلاتِ) وكَذَلِكَ في التَّفاسِيرِ وفي صَحِيحِ البُخارِيِّ. وذَكَرَ الخَفاجِيُّ وسَعْدُ اللَّهِ الشَّهِيرُ بِسَعْدِي في حاشِيَتَيْهِما عَلى البَيْضاوِيِّ أنَّها تُسَمّى (سُورَةَ العُرْفِ) ولَمْ يُسْنِداهُ، ولَمْ يَذْكُرْها صاحِبُ الإتْقانِ في عِدادِ السُّورِ ذاتِ أكْثَرَ مِنِ اسْمٍ. وفِي الإتْقانِ عَنْ كِتابِ ابْنِ الضَّرِيسِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في عَدِّ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَذَكَرَها بِاسْمِ (المُرْسَلاتِ) . وفِيهِ عَنْ دَلائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ والحَسَنِ في عَدِّ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَذَكَرَها باسِمِ (المُرْسَلاتِ) . وهِيَ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ، وذَلِكَ ظاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ المَذْكُورِ آنِفًا، وهو يَقْتَضِي أنَّها مَن أوائِلِ سُوَرِ القُرْآنِ نُزُولًا لِأنَّها نَزَلَتْ والنَّبِيءُ ﷺ مُخْتَفٍ في غارٍ بِمِنًى مَعَ بَعْضِ أصْحابِهِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ: أنَّ آيَةَ (﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ﴾ [المرسلات: ٤٨]) مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ، ومَحْمَلُ ذَلِكَ أنَّهُ تَأْوِيلٌ مِمَّنْ رَواهُ عَنْهُ نَظَرًا إلى أنْ الكُفّارَ الصُّرَحاءَ لا يُؤْمَرُونَ بِالصَّلاةِ، ولَيْسَ في ذَلِكَ حُجَّةٌ لِكَوْنِ الآيَةِ مَدَنِيَّةً فَإنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ (﴿وإذا قِيلَ لَهُمْ﴾ [المرسلات: ٤٨]) وارِدٌ عَلى طَرِيقَةِ الضَّمائِرِ قَبْلَهُ وكُلُّها عائِدَةٌ إلى الكُفّارِ وهُمُ المُشْرِكُونَ. ومَعْنى (﴿قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا﴾ [المرسلات: ٤٨]): كِنايَةٌ عَنْ أنْ يُقالَ لَهم أسْلِمُوا. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿وقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وهم سالِمُونَ﴾ [القلم: ٤٣]) فَهي في المُشْرِكِينَ وقَوْلُهُ (﴿قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾ [المدثر: ٤٣]) إلى قَوْلِهِ (﴿وكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المدثر: ٤٦]) . وعَنْ مُقاتِلٍ «نَزَلَتْ (﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ﴾ [المرسلات: ٤٨]) في شَأْنِ وفْدِ ثَقِيفٍ حِينَ أسْلَمُوا بَعْدَ غَزْوَةِ هَوازِنَ وأتَوُا المَدِينَةَ فَأمَرَهُمُ النَّبِيءُ ﷺ بِالصَّلاةِ فَقالُوا: لا نُجَبِّي فَإنَّها مِسَبَّةٌ عَلَيْنا. فَقالَ لَهم: لا خَيْرَ في دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ وسُجُودٌ» . (ص-٤١٩)وهَذا أيْضًا أضْعَفُ، وإذا صَحَّ ذَلِكَ فَإنَّما أرادَ مُقاتِلٌ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قَرَأ عَلَيْهِمُ الآيَةَ. وهِيَ السُّورَةُ الثّالِثَةُ والثَلاثُونَ في عِدادِ تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ. واتَّفَقَ العادُّونَ عَلى عَدِّ آيِها خَمْسِينَ. * * * أغْراضُها اشْتَمَلَتْ عَلى الِاسْتِدْلالِ عَلى وُقُوعِ البَعْثِ عَقِبَ فَناءِ الدُّنْيا ووَصْفُ بَعْضِ أشْراطِ ذَلِكَ. والِاسْتِدْلالُ عَلى إمْكانِ إعادَةِ الخَلْقِ بِما سَبَقَ مِن خَلْقِ الإنْسانِ وخَلْقِ الأرْضِ. ووَعِيدِ مُنْكِرِيهِ بِعَذابِ الآخِرَةِ ووَصْفِ أهْوالِهِ. والتَّعْرِيضِ بِعَذابٍ لَهم في الدُّنْيا كَما اسْتُؤْصِلَتْ أُمَمٌ مُكَذِّبَةٌ مِن قَبْلُ، ومُقابَلَةِ ذَلِكَ بِجَزاءِ الكَرامَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وإعادَةُ الدَّعْوَةِ إلى الإسْلامِ والتَّصْدِيقِ بِالقُرْآنِ لِظُهُورِ دَلائِلِهِ.