Iniciar sesión
Configuración
Select an option
Al-Fátiha
Al-Báqara
Al-Imrán
An-Nisá
Al-Máida
Al-An’ám
Al-A’ráf
Al-Anfál
At-Táuba
Yúnus
Húd
Yúsuf
Ar-Ra’d
Ibrahím
Al-Híjr
An-Náhl
Al-Isrá
Al-Káhf
Máriam
Tá-Há
Al-Anbiyá
Al-Háy
Al-Múminún
An-Núr
Al-Furqán
Ash-Shuará
An-Náml
Al-Qásas
Al-Ánkabút
Ar-Rúm
Luqmán
As-Sáyda
Al-Ahzáb
Sábá'
Fátir
Yá-Sín
As-Sáffat
Sád
Az-Zúmar
Gáfir
Fussílat
Ash-Shurá
Az-Zújruf
Ad-Duján
Al-Yáziya
Al-Ahqáf
Mujámmad
Al-Fát(h)
Al-Húyurát
Qáf
Ad-Dzáriyát
At-Túr
An-Náyam
Al-Qámar
Ar-Rahmán
Al-Wáqi’a
Al-Hadíd
Al-Muyádila
Al-Hashr
Al-Mumtájana
As-Saff
Al-Yumua
Al-Munáfiqún
At-Tagábon
At-Talák
At-Tahrím
Al-Múlk
Al-Qálam
Al-Háqqa
Al-Ma’áriy
Núh
Al-Yinn
Al-Muzámmil
Al-Mudázir
Al-Qiyáma
Al-Insán
Al-Mursalát
An-Nabá
An-Názi’at
‘Abasa
At-Takwír
Al-Infitár
Al-Mutaffifín
Al-Inshiqák
Al-Burúy
At-Táriq
Al-A’lá
Al-Ghashiya
Al-Fáyr
Al-Bálad
Ash-Sháms
Al-Láyl
Ad-Duhá
Ash-Shárh
At-Tín
Al-Álaq
Al-Qádr
Al-Báyyina
Az-Zálzala
Al-Ádiyát
Al-Qári’a
At-Takázur
Al-Ásr
Al-Húmaza
Al-Fíl
Quráish
Al-Máun
Al-Káuzar
Al-Káfirún
An-Násr
Al-Másad
Al-Ij'lás
Al-Fálaq
An-Nás
Select an option
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
Kurdî
اردو
Arabic Tanweer Tafseer
يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ان الله سميع عليم ١
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُقَدِّمُوا۟ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌۭ ١
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ الِافْتِتاحُ بِنِداءِ المُؤْمِنِينَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أهَمِّيَّةِ ما يَرِدُ بَعْدَ ذَلِكَ النِّداءِ لِتَتَرَقَّبَهُ أسْماعُهم بِشَوْقٍ. ووَصْفُهم بِـ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ جارٍ مَجْرى اللَّقَبِ لَهم مَعَ ما يُؤْذِنُ بِهِ أصْلُهُ مِن أهْلِيَّتِهِمْ لِتَلَقِّي هَذا النَّهْيِ بِالِامْتِثالِ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الكَلامِ عَلى أغْراضِ السُّورَةِ أنَّ الفَخْرَ ذَكَرَ أنَّ اللَّهَ أرْشَدَ المُؤْمِنِينَ إلى مَكارِمِ الأخْلاقِ، وهي إمّا في جانِبِ اللَّهِ أوْ جانِبِ رَسُولِهِ ﷺ، أوْ بِجانِبِ الفُسّاقِ أوْ بِجانِبِ المُؤْمِنَ الحاضِرِ أوْ بِجانِبِ المُؤْمِنَ الغائِبِ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أقْسامٍ، فَذَكَرَ اللَّهُ في هَذِهِ السُّورَةِ خَمْسَ مَرّاتٍ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَأرْشَدَ في كُلِّ مَرَّةٍ إلى مَكْرُمَةٍ مَعَ قِسْمٍ مِنَ الأقْسامِ الخَمْسَةِ إلَخْ، فَهَذا النِّداءُ الأوَّلُ انْدَرَجَ فِيهِ واجِبُ الأدَبِ مَعَ اللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ، تُعْرِضُ الغَفْلَةُ عَنْها. والتَّقَدُّمُ حَقِيقَتُهُ: المَشْيُ قَبْلَ الغَيْرِ، وفِعْلُهُ المُجَرَّدُ: قَدَمَ مِن بابِ نَصَرَ، قالَ تَعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ [هود: ٩٨] . وحَقُّ قَدَّمَ بِالتَّضْعِيفِ أنْ يَصِيرَ مُتَعَدِّيًا إلى مَفْعُولَيْنِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ وإنَّما يُعَدّى إلى المَفْعُولِ الثّانِي بِحَرْفِ (عَلى) . (ص-٢١٦)ويُقالُ: قَدَّمَ بِمَعْنى تَقَدَّمَ كَأنَّهُ قَدَّمَ نَفْسَهُ، فَهو مُضاعَفٌ صارَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ. فَمَعْنى لا تُقَدِّمُوا لا تَتَقَدَّمُوا. فَفِعْلُ لا تُقَدِّمُوا مُضارِعُ: قَدَّمَ القاصِرَ بِمَعْنى تَقَدَّمَ عَلى غَيْرِهِ ولَيْسَ لِهَذا الفِعْلِ مَفْعُولٌ، ومِنهُ اشْتُقَّتْ مُقَدِّمَةُ الجَيْشِ لِلْجَماعَةِ المُتَقَدِّمَةِ مِنهُ وهي ضِدُّ السّاقَّةِ. ومِنهُ سُمِّيَتْ مُقَدِّمَةُ الكِتابِ الطّائِفَةَ مِنهُ المُتَقَدِّمَةَ عَلى الكِتابِ. ومادَّةُ فَعَّلَ تَجِيءُ بِمَعْنى تَفَعَّلَ، مِثْلَ وجَّهَ بِمَعْنى تَوَجَّهَ وبَيَّنَ بِمَعْنى تَبَيَّنَ، ومِن أمْثالِهِمْ: بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ. والتَّرْكِيبُ تَمْثِيلٌ بِتَشْبِيهِ حالِ مَن يَفْعَلُ فِعْلًا دُونَ إذْنٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ بِحالِ مَن يَتَقَدَّمُ مُماشِيَهُ في مَشْيِهِ ويَتْرُكُهُ خَلْفَهُ. ووَجْهُ الشَّبَهِ الِانْفِرادُ عَنْهُ في الطَّرِيقِ. والنَّهْيُ هُنا لِلتَّحْذِيرِ إذْ لَمْ يَسْبِقْ صُدُورُ فِعْلٍ مِن أحَدٍ افْتِيانًا عَلى الشَّرْعِ. ويَسْتَرْوِحُ مِن هَذا أنَّ هَذا التَّقَدُّمَ المَنهِيَّ عَنْهُ هو ما كانَ في حالَةِ إمْكانِ التَّرَقُّبِ والتَّمَكُّنِ مِنِ انْتِظارِ ما يُبْرِمُهُ الرَّسُولُ ﷺ بِأمْرِ اللَّهِ فَيُومِئُ إلى أنَّ إبْرامَ الأمْرِ في غَيْبَةِ الرَّسُولِ ﷺ لا حَرَجَ فِيهِ. وهَذِهِ الآيَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ الفُقَهاءِ: إنَّ المُكَلَّفَ لا يُقْدِمُ عَلى فِعْلٍ حَتّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ. وعَدَّ الغَزالِيُّ العِلْمَ بِحُكْمِ ما يُقْدِمُ عَلَيْهِ المُكَلَّفُ مِن قِسْمِ العُلُومِ الَّتِي هي فَرْضٌ عَلى الأعْيانِ الَّذِينَ تُعْرَضُ لَهم. والمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ النَّهْيُ عَنْ إبْرامِ شَيْءٍ دُونَ إذْنٍ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَذُكِرَ قَبْلَهُ اسْمُ اللَّهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ مُرادَ اللَّهِ إنَّما يُعْرَفُ مِن قِبَلِ الرَّسُولِ ﷺ . وقَدْ حَصَلَ مِن قَوْلِهِ: ”لا تُقَدِّمُوا“ إلَخْ مَعْنى اتَّبِعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ. وسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ما رَواهُ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ في قِصَّةِ وفْدِ بَنِي تَمِيمٍ بِسَنَدِهِ إلى ابْنِ الزُّبَيْرِ قالَ «قَدِمَ رَكْبٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ عَلى النَّبِيءِ ﷺ فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أمِّرْ عَلَيْهِمُ القَعْقاعَ بْنَ مَعْبَدَ بْنَ زُرارَةَ. وقالَ عُمَرُ: بَلْ أمِّرِ الأقْرَعَ بْنَ حابِسٍ. قالَ أبُو بَكْرٍ: ما أرَدْتَ إلّا خِلافِي أوْ إلى خِلافِي قالَ عُمَرُ: ما أرَدْتُ (ص-٢١٧)خِلافَكَ أوْ إلى خِلافِكَ، فَتَمارَيا حَتّى ارْتَفَعَتْ أصْواتُهُما في ذَلِكَ فَنَزَلَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكم لِبَعْضٍ أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكم وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات»: ٢] . فَهَذِهِ الآيَةُ تَوْطِئَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الأصْواتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والجَهْرِ لَهُ بِالقَوْلِ ونِدائِهِ مِن وراءِ الحُجُراتِ. وعَنِ الضَّحّاكِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ بِسَبَبِ «بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً فَقَتَلَتْ بَنُو عامِرٍ رِجالَ السَّرِيَّةِ إلّا ثَلاثَةَ نَفَرٍ نَجَوْا فَلَقُوا رَجُلَيْنِ مِن بَنِي سُلَيْمٍ فَسَألُوهُما عَنْ نِسْبَتِهِما فاعْتَزَيا إلى بَنِي عامِرٍ ظَنًّا مِنهُما أنَّ هَذا الِاعْتِزاءَ أنْجى لَهُما مِن شَرٍّ تَوَقَّعاهُ لِأنَّ بَنِي عامِرٍ أعَزُّ مِن بَنِي سُلَيْمٍ، فَقَتَلُوا النَّفَرَ الثَّلاثَةَ وسَلَبُوهُما ثُمَّ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأخْبَرُوهُ، فَقالَ: ”بِئْسَما صَنَعْتُمْ كانا مِن بَنِي سُلَيْمٍ، والسَّلْبُ ما كَسَوْتُهُما“ أيْ عَرَفَ ذَلِكَ لَمّا رَأى السَّلْبَ فَعَرَّفَهُ بِأنَّهُ كَساهُما إيّاهُ وكانَتْ تِلْكَ الكِسْوَةُ عَلامَةً عَلى الإسْلامِ لِئَلّا يَتَعَرَّضَ لَهُمُ المُسْلِمُونَ فَوادَّهُما رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ونَزَلَتْ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا﴾ الآيَةَ»، أيْ لا تَعْمَلُوا شَيْئًا مِن تِلْقاءِ أنْفُسِكم في التَّصَرُّفِ مِنَ الأُمَّةِ إلّا بَعْدَ أنْ تَسْتَأْمِرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وعَلى هَذِهِ الرِّوايَةِ تَكُونُ القِصَّةُ جَرَتْ قُبَيْلَ قِصَّةِ بَنِي تَمِيمٍ فَقُرِنَتْ آيَتاهُما في النُّزُولِ. وهُنالِكَ رِواياتٌ أُخْرى في سَبَبِ نُزُولِها لا تُناسِبُ مَوْقِعَ الآيَةِ مَعَ الآياتِ المُتَّصِلَةِ بِها. وأيًّا ما كانَ سَبَبُ نُزُولِها فَهي عامَّةٌ في النَّهْيِ عَنْ جَمِيعِ أحْوالِ التَّقَدُّمِ المُرادِ. وجُعِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في صَدْرِ السُّورَةِ مُقَدَّمَةً عَلى تَوْبِيخِ وفْدِ بَنِي تَمِيمٍ حِينَ نادَوُا النَّبِيءَ ﷺ مِن وراءِ الحُجُراتِ لِأنَّ ما صَدَرَ مِن بَنِي تَمِيمٍ هو مِن قَبِيلِ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ النَّبِيءِ ﷺ ولِأنَّ مُماراةَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وارْتِفاعَ أصْواتِهِما كانَتْ في قَضِيَّةِ بَنِي تَمِيمٍ فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] الآيَةَ، لِأنَّ مَن خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الحُظْوَةِ، أيْ جَعَلَ إبْرامَ العَمَلِ بِدُونِ أمْرِهِ كَإبْرامِهِ بِدُونِ أمْرِ اللَّهِ حَقِيقٌ بِالتَّهَيُّبِ والإجْلالِ أنْ يُخْفَضَ الصَّوْتُ لَدَيْهِ. (ص-٢١٨)وإنَّما قَدَّمَ هَذا عَلى تَوْبِيخِ الَّذِينَ نادَوُا النَّبِيءَ ﷺ لِأنَّ هَذا أوْلى بِالِاعْتِناءِ إذْ هو تَأْدِيبُ مَن هو أوْلى بِالتَّهْذِيبِ. وقَرَأهُ الجُمْهُورُ: ”تُقَدِّمُوا“ بِضَمِّ الفَوْقِيَّةِ وكَسْرِ الدّالِ مُشَدَّدَةً. وقَرَأهُ يَعْقُوبُ بِفَتْحِهِما عَلى أنَّ أصْلَهُ: لا تَتَقَدَّمُوا. وقالَ فَخْرُ الدِّينِ عِنْدَ الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: ٦] في هَذِهِ السُّورَةِ: إنَّ فِيها إرْشادَ المُؤْمِنِينَ إلى مَكارِمِ الأخْلاقِ وهي: إمّا مَعَ اللَّهِ أوْ مَعَ رَسُولِهِ ﷺ أوْ مَعَ غَيْرِهِما مِن أبْناءِ الجِنْسِ، وهم عَلى صِنْفَيْنِ لِأنَّهم: إمّا أنْ يَكُونُوا عَلى طَرِيقَةِ المُؤْمِنِينَ مِنَ الطّاعَةِ، وإمّا أنْ يَكُونُوا خارِجِينَ عَنْها بِالفِسْقِ؛ والدّاخِلُ في طَرِيقَتِهِمْ: إمّا حاضِرٌ عِنْدَهم، أوْ غائِبٌ عَنْهم، فَذَكَرَ اللَّهُ في هَذِهِ السُّورَةِ خَمْسَ مَرّاتٍ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحجرات: ٦] وأرْشَدَ بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ إلى مَكْرُمَةٍ مِن قِسْمٍ مِنَ الأقْسامِ الخَمْسَةِ: فَقالَ أوَّلًا: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ وهي تَشْمَلُ طاعَةَ اللَّهِ تَعالى، وذَكَرَ الرَّسُولُ مَعَهُ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ طاعَةَ اللَّهِ لا تُعْلَمُ إلّا بِقَوْلِ الرَّسُولِ فَهَذِهِ طاعَةٌ لِلرَّسُولِ تابِعَةٌ لِطاعَةِ اللَّهِ. وقالَ ثانِيًا: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] لِبَيانِ الأدَبِ مَعَ النَّبِيءِ ﷺ لِذاتِهِ في بابِ حُسْنِ المُعامَلَةِ. وقالَ ثالِثًا: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ [الحجرات: ٦] الآيَةَ؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلى طَرِيقَةِ سُلُوكِ المُؤْمِنِينَ في مُعامَلَةِ مَن يُعْرَفُ بِالخُرُوجِ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ وهي طَرِيقَةُ الِاحْتِرازِ مِنهُ لِأنَّ عَمَلَهُ إفْسادٌ في جَماعَتِهِمْ، وأعْقَبَهُ بِآيَةِ ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] . وقالَ رابِعًا: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِن قَوْمٍ﴾ [الحجرات: ١١] إلى قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١] فَنَهى عَمّا يُكْثِرُ عَدَمَ الِاحْتِفاظِ فِيهِ مِنَ المُعامَلاتِ اللِّسانِيَّةِ الَّتِي قَلَّما يُقامُ لَها وزْنٌ. وقالَ خامِسًا: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: ١٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿تَوّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] اهـ. ويُرِيدُ: أنَّ اللَّهَ ذَكَرَ مِثالًا مِن كُلِّ صِنْفٍ مِن أصْنافِ مَكارِمِ الأخْلاقِ بِحَسَبِ ما (ص-٢١٩)اقْتَضَتْهُ المُناسَباتُ في هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ الِابْتِداءِ بِما نَزَلَتِ السُّورَةُ لِأجَلِّهِ ابْتِداءً لِيَكُونَ كُلُّ مِثالٍ مِنها دالًّا عَلى بَقِيَّةِ نَوْعِهِ ومُرْشِدًا إلى حُكْمِ أمْثالِهِ دُونَ كُلْفَةٍ ولا سَآمَةٍ. وقَدْ سَلَكَ القُرْآنُ لِإقامَةِ أهَمِّ حُسْنِ المُعامَلَةِ طَرِيقَ النَّهْيِ عَنْ أضْدادِها مِن سُوءِ المُعامَلَةِ لِأنَّ دَرْءَ المَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ في النَّظَرِ العَقْلِيِّ عَلى جَلْبِ المَصْلَحَةِ. وعَطْفُ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ تَكْمِلَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ ﷺ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ تَرْكَ إبْرامِ شَيْءٍ دُونَ إذْنِ الرَّسُولِ ﷺ مِن تَقْوى اللَّهِ وحْدَهُ، أيْ ضِدُّهُ لَيْسَ مِنَ التَّقْوى. وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ في مَوْضِعِ العِلَّةِ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ ولِلْأمْرِ بِتَقْوى اللَّهِ. والسَّمِيعُ: العَلِيمُ بِالمَسْمُوعاتِ، والعَلِيمُ أعَمُّ، وذَكَرَها بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ كِنايَةً عَنِ التَّحْذِيرِ مِنَ المُخالَفَةِ فَفي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ والأمْرِ.
Aleya siguiente