Sign in
Settings
Select an option
Al-Fatihah
Al-Baqarah
Ali 'Imran
An-Nisa
Al-Ma'idah
Al-An'am
Al-A'raf
Al-Anfal
At-Tawbah
Yunus
Hud
Yusuf
Ar-Ra'd
Ibrahim
Al-Hijr
An-Nahl
Al-Isra
Al-Kahf
Maryam
Taha
Al-Anbya
Al-Hajj
Al-Mu'minun
An-Nur
Al-Furqan
Ash-Shu'ara
An-Naml
Al-Qasas
Al-'Ankabut
Ar-Rum
Luqman
As-Sajdah
Al-Ahzab
Saba
Fatir
Ya-Sin
As-Saffat
Sad
Az-Zumar
Ghafir
Fussilat
Ash-Shuraa
Az-Zukhruf
Ad-Dukhan
Al-Jathiyah
Al-Ahqaf
Muhammad
Al-Fath
Al-Hujurat
Qaf
Adh-Dhariyat
At-Tur
An-Najm
Al-Qamar
Ar-Rahman
Al-Waqi'ah
Al-Hadid
Al-Mujadila
Al-Hashr
Al-Mumtahanah
As-Saf
Al-Jumu'ah
Al-Munafiqun
At-Taghabun
At-Talaq
At-Tahrim
Al-Mulk
Al-Qalam
Al-Haqqah
Al-Ma'arij
Nuh
Al-Jinn
Al-Muzzammil
Al-Muddaththir
Al-Qiyamah
Al-Insan
Al-Mursalat
An-Naba
An-Nazi'at
'Abasa
At-Takwir
Al-Infitar
Al-Mutaffifin
Al-Inshiqaq
Al-Buruj
At-Tariq
Al-A'la
Al-Ghashiyah
Al-Fajr
Al-Balad
Ash-Shams
Al-Layl
Ad-Duhaa
Ash-Sharh
At-Tin
Al-'Alaq
Al-Qadr
Al-Bayyinah
Az-Zalzalah
Al-'Adiyat
Al-Qari'ah
At-Takathur
Al-'Asr
Al-Humazah
Al-Fil
Quraysh
Al-Ma'un
Al-Kawthar
Al-Kafirun
An-Nasr
Al-Masad
Al-Ikhlas
Al-Falaq
An-Nas
Select an option
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
Kurdî
اردو
Arabic Tanweer Tafseer
كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ٢٨
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًۭا فَأَحْيَـٰكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٨
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكم ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ثَنى عِنانَ الخَطّابِ إلى النّاسِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ آنِفًا ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١]، بَعْدَ أنْ عَقَّبَ بِأفانِينَ مِنَ الجُمَلِ المُعْتَرِضَةِ مِن قَوْلِهِ ﴿وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أنَّ لَهم جَنّاتٍ تَجْرِي﴾ [البقرة: ٢٥] إلى قَوْلِهِ ﴿الخاسِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٧] ولَيْسَ في قَوْلِهِ ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ تَناسَبٌ مَعَ قَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما﴾ [البقرة: ٢٦] وما بَعْدَهُ مِمّا حَكى عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا في قَوْلِهِمْ ﴿ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا﴾ [البقرة: ٢٦] حَتّى يَكُونَ الِانْتِقالُ إلى الخِطابِ في قَوْلِهِ تَكْفُرُونَ التِفاتًا، فالمُناسَبَةُ بَيْنَ مَوْقِعِ هاتِهِ الآيَةِ بَعْدَ ما قَبْلَها هي مُناسَبَةُ اتِّحادِ الغَرَضِ، بَعْدَ اسْتِيفاءِ ما تَخَلَّلَ واعْتَرَضَ. ومِن بَدِيعِ المُناسِبَةِ وفائِقِ التَّفَنُّنِ في ضُرُوبِ الِانْتِقالاتِ في المُخاطَباتِ أنْ كانَتِ العِلَلُ الَّتِي قُرِنَ بِها الأمْرُ بِعِبادَةِ اللَّهِ تَعالى في قَوْلِهِ ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] إلَخْ هي العِلَلُ الَّتِي قُرِنَ بِها إنْكارُ ضِدِّ العِبادَةِ وهو الكُفْرُ بِهِ تَعالى في قَوْلِهِ هُنا ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ فَقالَ فِيما تَقَدَّمَ ﴿الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١] ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِراشًا والسَّماءَ بِناءً﴾ [البقرة: ٢٢] الآيَةَ وقالَ هُنا ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكم ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ﴾ [البقرة: ٢٩] وكانَ ذَلِكَ مَبْدَأ التَّخَلُّصِ إلى ما سَيَرِدُ مِن بَيانِ ابْتِداءِ إنْشاءِ نَوْعِ الإنْسانِ وتَكْوِينِهِ وأطْوارِهِ. فالخِطابُ في قَوْلِهِ تَكْفُرُونَ مُتَعَيِّنٌ رُجُوعُهُ إلى (النّاسِ) وهُمُ المُشْرِكُونَ لِأنَّ اليَهُودَ لَمْ يَكْفُرُوا بِاللَّهِ ولا أنْكَرُوا الإحْياءَ الثّانِيَ. وكَيْفَ اسْمٌ لا يُعْرَفُ اشْتِقاقُهُ يَدُلُّ عَلى حالَةٍ خاصَّةٍ وهي الَّتِي يُقالُ لَها الكَيْفِيَّةُ نِسْبَةً إلى (ص-٣٧٤)كَيْفَ، ويَتَضَمَّنُ مَعْنى السُّؤالِ في أكْثَرِ مَوارِدِ اسْتِعْمالِهِ، فَلِدَلالَتِهِ عَلى الحالَةِ كانَ في عِدادِ الأسْماءِ لِأنَّهُ أفادَ مَعْنًى في نَفْسِهِ إلّا أنَّ المَعْنى الأسْمى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَمّا كانَ مَعْنًى مُبْهَمًا شابَهَ مَعْنى الحَرْفِ، فَلَمّا أشْرَبُوهُ مَعْنى الِاسْتِفْهامِ قَوّى شَبَهَهُ بِالحُرُوفِ لَكِنَّهُ لا يَخْرُجُ عَنْ خَصائِصِ الأسْماءِ، فَلِذَلِكَ لابُدَّ لَهُ مِن مَحَلِّ إعْرابٍ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالِهِ اسْمُ اسْتِفْهامٍ فَيُعْرَبُ إعْرابَ الحالِ. ويُسْتَفْهَمُ بِكَيْفَ عَنِ الحالِ العامَّةِ. والِاسْتِفْهامُ هُنا مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ والإنْكارِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا﴾ إلَخْ أيْ أنَّ كُفْرَكم مَعَ تِلْكَ الحالَةِ شَأْنُهُ أنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا لا تَرْكَنُ إلَيْهِ النَّفْسُ الرَّشِيدَةُ لِوُجُودِ ما يَصْرِفُ عَنْهُ وهو الأحْوالُ المَذْكُورَةُ بَعْدُ، فَكانَ مِن شَأْنِهِ أنْ يُنْكَرَ، فالإنْكارُ مُتَوَلَّدٌ مِن مَعْنى الِاسْتِفْهامِ ولِذَلِكَ فاسْتِعْمالُهُ فِيهِما مِن إرادَةِ لازِمِ اللَّفْظِ، وكَأنَّ المُنْكِرَ يُرِيدُ أنْ يَقْطَعَ مَعْذِرَةَ المُخاطَبِ فَيُظْهِرُ لَهُ أنَّهُ يَتَطَلَّبُ مِنهُ الجَوابَ بِما يُظْهِرُ السَّبَبَ فَيَبْطُلُ الإنْكارُ والعَجَبُ حَتّى إذا لَمْ يَبْدُ ذَلِكَ كانَ حَقِيقًا بِاللَّوْمِ والوَعِيدِ. والكُفْرُ بِضَمِّ الكافِ مَصْدَرٌ سَماعِيٌّ لِكَفَرَ الثُّلاثِيِّ القاصِرِ وأصْلُهُ جَحْدُ المُنْعَمِ عَلَيْهِ نِعْمَةَ المُنْعِمِ، اشْتُقَّ مِن مادَّةِ الكَفْرِ بِفَتْحِ الكافِ وهو الحَجْبُ والتَّغْطِيَةُ لِأنَّ جاحِدَ النِّعْمَةِ قَدْ أخْفى الِاعْتِرافَ بِها كَما أنَّ شاكِرَها أعْلَنَها. وضِدُّهُ الشُّكْرُ ولِذَلِكَ صِيغَ لَهُ مَصْدَرٌ عَلى وِزانِ الشُّكْرِ وقالُوا أيْضًا كُفْرانٌ عَلى وزْنِ شُكْرانٍ، ثُمَّ أُطْلِقَ الكُفْرُ في القُرْآنِ عَلى الإشْراكِ بِاللَّهِ في العِبادَةِ بِناءً عَلى أنَّهُ أشَدُّ صُوَرِ كُفْرِ النِّعْمَةِ إذِ الَّذِي يَتْرُكُ عِبادَةَ مَن أنْعَمَ عَلَيْهِ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ قَدْ كَفَرَ نِعْمَتَهُ في تِلْكَ السّاعَةِ إذْ تَوَجَّهَ بِالشُّكْرِ لِغَيْرِ المُنْعِمِ وتَرَكَ المُنْعِمَ حِينَ عَزْمِهِ عَلى التَّوَجُّهِ بِالشُّكْرِ ولِأنَّ عَزْمَ نَفْسِهِ عَلى مُداوَمَةِ ذَلِكَ اسْتِمْرارٌ في عَقْدِ القَلْبِ عَلى كُفْرِ النِّعْمَةِ وإنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، فَكانَ أكْثَرُ إطْلاقِ الكُفْرِ بِصِيغَةِ المَصْدَرِ في القُرْآنِ عَلى الإشْراكِ بِاللَّهِ ولَمْ يَرِدِ الكُفْرُ بِصِيغَةِ المَصْدَرِ في القُرْآنِ لِغَيْرِ مَعْنى الإشْراكِ بِاللَّهِ. وقَلَّ وُرُودُ فِعْلِ الكُفْرِ أوْ وصْفِ الكافِرِ في القُرْآنِ لِجَحْدِ رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ قَرِينَةٌ عَلى إرادَةِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ ﴿ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ ولا المُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٠٥] وقَوْلِهِ ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] يُرِيدُ اليَهُودَ. وأمّا إطْلاقُهُ في السُّنَّةِ وفي كَلامِ أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ فَهو الِاعْتِقادُ الَّذِي يُخْرِجُ مُعْتَقِدَهُ عَنِ الإسْلامِ وما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ الِاعْتِقادِ مِن قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ دَلالَةً لا تَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ. وقَدْ ورَدَ إطْلاقُ الكُفْرِ في كَلامِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ وكَلامِ بَعْضِ السَّلَفِ عَلى (ص-٣٧٥)ارْتِكابِ جَرِيمَةٍ عَظِيمَةٍ في الإسْلامِ إطْلاقًا عَلى وجْهِ التَّغْلِيظِ بِالتَّشْبِيهِ المُفِيدِ لِتَشْنِيعِ ارْتِكابِ ما هو مِنَ الأفْعالِ المُباحَةِ عِنْدَ أهْلِ الكُفْرِ، ولَكِنَّ بَعْضَ فِرَقِ المُسْلِمِينَ يَتَشَبَّثُونَ بِظاهِرِ ذَلِكَ الإطْلاقِ فَيَقْضُونَ بِالكُفْرِ عَلى مُرْتَكِبِ الكَبائِرِ ولا يَلْتَفِتُونَ إلى ما يُعارِضُ ذَلِكَ في إطْلاقاتِ كَلامِ اللَّهِ ورَسُولِهِ. وفِرَقُ المُسْلِمِينَ يَخْتَلِفُونَ في أنَّ ارْتِكابَ بَعْضِ الأعْمالِ المَنهِيِّ عَنْها يَدْخُلُ في ماهِيَّةِ الكُفْرِ وفي أنَّ إثْباتَ بَعْضِ الصِّفاتِ لِلَّهِ تَعالى أوْ نَفْيَ بَعْضِ الصِّفاتِ عَنْهُ تَعالى داخِلٌ في ماهِيَّةِ الكُفْرِ عَلى مَذاهِبَ شَتّى، ومَذْهَبُ أهْلِ الحَقِّ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ أنَّهُ لا يُكَفَّرُ أحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ بِذَنْبٍ أوْ ذُنُوبٍ مِنَ الكَبائِرِ فَقَدِ ارْتُكِبَتِ الذُّنُوبُ الكَبائِرُ في زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والخُلَفاءِ فَلَمْ يُعامِلُوا المُجْرِمِينَ مُعامَلَةَ المُرْتَدِّينَ عَنِ الدِّينِ، والقَوْلُ بِتَكْفِيرِ العُصاةِ، خَطَرٌ عَلى الدِّينِ لِأنَّهُ يَؤُولُ إلى انْحِلالِ جامِعَةِ الإسْلامِ ويُهَوِّنُ عَلى المُذْنِبِ الِانْسِلاخَ مِنَ الإسْلامِ مُنْشِدًا ؎أنا الغَرِيقُ فَما خَوْفِي مِنَ البَلَلِ ولا يُكَفَّرُ أحَدٌ بِإثْباتِ صِفَةٍ لِلَّهِ لا تُنافِي كَمالَهُ ولا نَفى صِفَةً عَنْهُ لَيْسَ في نَفْيِها نُقْصانٌ لِجَلالِهِ، فَإنَّ كَثِيرًا مِنَ الفِرَقِ نَفَوْا صِفاتٍ ما قَصَدُوا بِنَفْيِها إلّا إجْلالًا لِلَّهِ تَعالى ورُبَّما أفْرَطُوا في ذَلِكَ كَما نَفى المُعْتَزِلَةُ صِفاتِ المَعانِي وجَوازَ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعالى، وكَثِيرٌ مِنَ الفَرْقِ أثْبَتُوا صِفاتٍ ما قَصَدُوا مِن إثْباتِها إلّا احْتِرامَ ظَواهِرِ كَلامِهِ تَعالى كَما أثْبَتَ بَعْضُ السَّلَفِ اليَدَ والإصْبَعَ مَعَ جَزْمِهِمْ بِأنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُ الحَوادِثَ. والإيمانُ ذُكِرَ مَعْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] وقَوْلُهُ ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكُمْ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ وهي تَخْلُصُ إلى بَيانِ ما دَلَّتْ عَلَيْهِ (كَيْفَ) بِطَرِيقِ الإجْمالِ وبَيانِ أُولى الدَّلائِلِ عَلى وُجُودِهِ وقُدْرَتِهِ وهي ما يَشْعُرُ بِهِ كُلُّ أحَدٍ مِن أنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ عَدَمٍ. ولَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكُمْ﴾ أنَّ هَذا الإيجادَ عَلى حالٍ بَدِيعٍ وهو أنَّ الإنْسانَ كانَ مُرَكَّبَ أشْياءٍ مَوْصُوفًا بِالمَوْتِ أيْ لا حَياةَ فِيهِ إذْ كانَ قَدْ أُخِذَ مِنَ العَناصِرِ المُتَفَرِّقَةِ في الهَواءِ والأرْضِ فَجَمَعَتْ في الغِذاءِ وهو مَوْجُودٌ ثانٍ مَيِّتٌ ثُمَّ اسْتُخْلِصَتْ مِنهُ الأمْزِجَةُ مِنَ الدَّمِ وغَيْرِهِ وهي مَيْتَةٌ، ثُمَّ اسْتُخْلِصَ مِنهُ النُّطْفَتانِ لِلذَّكَرِ والأُنْثى، ثُمَّ امْتَزَجَ فَصارَ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً كُلُّ هَذِهِ أطْوارِ أوَّلِيَّةٌ لِوُجُودِ الإنْسانِ وهي مَوْجُوداتٌ مَيِّتَةٌ، ثُمَّ بُثَّتْ فِيهِ الحَياةُ بِنَفْخِ الرُّوحِ، فَأخَذَ في الحَياةِ إلى وقْتِ الوَضْعِ فَما بَعْدَهُ، وكانَ مِن حَقِّهِمْ أنْ يَكْتَفُوا بِهِ دَلِيلًا عَلى انْفِرادِهِ تَعالى بِالإلَهِيَّةِ. وإطْلاقُ الأمْواتِ هُنا مَجازٌ شائِعٌ بِناءً عَلى (ص-٣٧٦)أنَّ المَوْتَ هو عَدَمُ اتِّصافِ الجِسْمِ بِالحَياةِ سَواءً كانَ مُتَّصِفًا بِها مِن قَبْلُ كَما هو الإطْلاقُ المَشْهُورُ في العُرْفِ أمْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِها إذا كانَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَتَّصِفَ بِها، فَعَلى هَذا يُقالُ لِلْحَيَوانِ في أوَّلِ تَكْوِينِهِ نُطْفَةً وعَلَقَةً ومُضْغَةً: مَيِّتٌ لِأنَّهُ مِن شَأْنِهِ أنْ يَتَّصِفَ بِالحَياةِ، فَيَكُونُ إطْلاقُ الأمْواتِ في هَذِهِ الآيَةِ عَلَيْهِمْ حِينَ كانُوا غَيْرَ مُتَّصِفِينَ بِالحَياةِ إطْلاقًا شائِعًا، والمَقْصُودُ بِهِ التَّمْهِيدُ لِقَوْلِهِ فَأحْياكم ثُمَّ التَّمْهِيدُ والتَّقْرِيبُ لِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ وقالَ كَثِيرٌ مِن أئِمَّةِ اللُّغَةِ: المَوْتُ انْعِدامُ الحَياةِ بَعْدَ وُجُودِها وهو مُخْتارُ الزَّمَخْشَرِيِّ والسَّكّاكِيِّ وهو الظّاهِرُ، وعَلَيْهِ فَإطْلاقُ الأمْواتِ عَلَيْهِمْ في الحالَةِ السّابِقَةِ عَلى حُلُولِ الحَياةِ اسْتِعارَةٌ. واتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّهُ إطْلاقٌ شائِعٌ في القُرْآنِ فَإنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً فَهو مَجازٌ مَشْهُورٌ قَدْ ساوى الحَقِيقَةَ وزالَ الِاخْتِلافُ. والحَياةُ ضِدُّ المَوْتِ وهي في نَظَرِ الشَّرْعِ نَفْخُ الرُّوحِ في الجِسْمِ، وقَدْ تَعَسَّرَ تَعْرِيفُ الحَياةِ أوْ تَعْرِيفُ دَوامِها عَلى الفَلاسِفَةِ المُتَقَدِّمِينَ والمُتَأخِّرِينَ تَعْرِيفًا حَقِيقِيًّا بِالحَدِّ، وأوْضَحُ تَعارِيفِها بِالرَّسْمِ أنَّها قُوَّةٌ يَنْشَأُ عَنْها الحِسُّ والحَرَكَةُ وأنَّها مَشْرُوطَةٌ بِاعْتِدالِ المِزاجِ والأعْضاءِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي بِها تَدُومُ الدَّوْرَةُ الدَّمَوِيَّةُ، والمُرادُ بِالمِزاجِ التَّرْكِيبُ الخاصُّ المُناسِبُ مُناسِبَةً تَلِيقُ بِنَوْعٍ ما مِنَ المُرَكَّباتِ العُنْصُرِيَّةِ وذَلِكَ التَّرْكِيبُ يَحْصُلُ مِن تَعادُلِ قُوًى وأجْزاءٍ بِحَسَبِ ما اقْتَضَتْهُ حالَةُ الشَّيْءِ المُرَكَّبِ مَعَ انْبِثاثِ الرُّوحِ الحَيَوانِيِّ، فَبِاعْتِدالِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ يَكُونُ النَّوْعُ مُعْتَدِلًا ولِكُلِّ صِنْفٍ مِن ذَلِكَ النَّوْعِ مِزاجٌ يَخُصُّهُ بِزِيادَةِ تَرْكِيبٍ، ولِكُلِّ شَخْصٍ مِنَ الصِّنْفِ مِزاجٌ يَخُصُّهُ، ويَتَكَوَّنُ ذَلِكَ المِزاجُ عَلى النِّظامِ الخاصِّ. تَنْبَعِثُ الحَياةُ في ذِي المِزاجِ في إبّانِ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وهي المُعَبَّرُ عَنْها بِالرُّوحِ النَّفْسانِيِّ. وقَدْ أشارَ إلى هَذا التَّكْوِينِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ «إنَّ أحَدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» فَأشارَ إلى حالاتِ التَّكْوِينِ الَّتِي بِها صارَ المِزاجُ مِزاجًا مُناسِبًا حَتّى انْبَعَثَتْ فِيهِ الحَياةُ، ثُمَّ بِدَوامِ انْتِظامِ ذَلِكَ المِزاجِ تَدُومُ الحَياةُ وبِاخْتِلالِهِ تَزُولُ الحَياةُ، وذَلِكَ الِاخْتِلالُ هو المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالفَسادِ، ومِن أعْظَمِ الِاخْتِلالِ فِيهِ اخْتِلالُ الرُّوحِ الحَيَوانِيِّ وهو الدَّمُ إذا اخْتَلَتْ دَوْرَتُهُ فَعَرَضَ لَهُ فَسادٌ، وبِعُرُوضِ حالَةِ تَوَقُّفِ عَمَلِ المِزاجِ وتَعَطُّلِ آثارِهِ يَصِيرُ الحَيُّ شَبِيهًا بِالمَيِّتِ كَحالَةِ المُغْمى عَلَيْهِ وحالَةِ العُضْوِ المَفْلُوجِ، فَإذا انْقَطَعَ (ص-٣٧٧)عَمَلُ المِزاجِ فَذَلِكَ المَوْتُ. فالمَوْتُ عَدَمٌ والحَياةُ مَلَكَةٌ، وكِلاهُما مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ قالَ تَعالى ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ﴾ [الملك: ٢] في سُورَةِ المُلْكِ. ولَيْسَ المَقْصُودُ مِن قَوْلِهِ ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكُمْ﴾ الِامْتِنانَ، بَلِ اسْتِدْلالٌ مَحْضٌ ذَكَرَ شَيْئًا يَعُدُّهُ النّاسُ نِعْمَةً وشَيْئًا لا يَعُدُّونَهُ نِعْمَةً وهو المَوْتَتانِ فَلا يُشْكِلُ وُقُوعُ قَوْلِهِ أمْواتًا وقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ في سِياقِ الآيَةِ. وأمّا قَوْلُهُ ﴿ثُمَّ يُحْيِيكم ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فَذَلِكَ تَفْرِيعٌ عَنِ الِاسْتِدْلالِ ولَيْسَ هو بِدَلِيلٍ إذِ المُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ الحَياةَ الآخِرَةَ، فَهو إدْماجٌ وتَعْلِيمٌ ولَيْسَ بِاسْتِدْلالٍ، أوْ يَكُونُ ما قامَ مِنَ الدَّلائِلِ عَلى أنَّ هُناكَ حَياةً ثانِيَةً قَدْ قامَ مَقامَ العِلْمِ بِها وإنْ لَمْ يَحْصُلِ العِلْمُ فَإنَّ كُلَّ مَن عَلِمَ وُجُودَ الخالِقِ العَدْلِ الحَكِيمِ ورَأى النّاسَ لا يَجْرُونَ عَلى مُقْتَضى أوامِرِهِ ونَواهِيهِ فَيَرى المُفْسِدَ في الأرْضِ في نِعْمَةٍ والصّالِحَ في عَناءٍ عَلِمَ أنَّ عَدْلَ اللَّهِ وحِكْمَتَهُ ما كانَ لِيُضِيعَ عَمَلَ عامِلٍ، وأنَّ هُنالِكَ حَياةً أحْكَمُ وأعْدَلُ مِن هَذِهِ الحَياةِ تَكُونُ أحْوالُ النّاسِ فِيها عَلى قَدْرِ اسْتِحْقاقِهِمْ وسُمُوِّ حَقائِقِهِمْ. وقَوْلُهُ ﴿ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أيْ يَكُونُ رُجُوعُكم إلَيْهِ، شِبْهُ الحُضُورِ لِلْحِسابِ بِرُجُوعِ السّائِرِ إلى مَنزِلِهِ بِاعْتِبارِ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، فَكَأنَّهم صَدَرُوا مِن حَضْرَتِهِ فَإذا أحْياهم بَعْدَ المَوْتِ فَكَأنَّهم أرْجَعَهم إلَيْهِ، وهَذا إثْباتٌ لِلْحَشْرِ والجَزاءِ. وتَقْدِيمُ المُتَعَلِّقِ عَلى عامِلِهِ مُفِيدٌ القَصْرَ وهو قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ سِيقَ لِلْمُخاطَبِينَ لِإفادَتِهِمْ ذَلِكَ إذْ كانُوا مُنْكِرِينَ ذَلِكَ، وفِيهِ تَأْيِيسٌ لَهم مِن نَفْعِ أصْنامِهِمْ إيّاهم إذْ كانَ المُشْرِكُونَ يُحاجُّونَ المُسْلِمِينَ بِأنَّهُ إنْ كانَ بَعْثٌ وحَشْرٌ فَسَيَجِدُونَ الآلِهَةَ يَنْصُرُونَهم. و(تُرْجَعُونَ) بِضَمِّ التّاءِ وفَتْحِ الجِيمِ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ، وقَرَأهُ يَعْقُوبَ بِفَتْحِ التّاءِ وكَسْرِ الجِيمِ، والقِراءَةُ الأُولى عَلى اعْتِبارِ أنَّ اللَّهَ أرْجَعَهم وإنْ كانُوا كارِهِينَ لِأنَّهم أنْكَرُوا البَعْثَ، والقِراءَةُ الثّانِيَةُ بِاعْتِبارِ وُقُوعِ الرُّجُوعِ مِنهم بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الِاخْتِيارِ أوِ الجَبْرِ.
Previous Ayah
Next Ayah