قَدْ
سَمِعَ
اللّٰهُ
قَوْلَ
الَّتِیْ
تُجَادِلُكَ
فِیْ
زَوْجِهَا
وَتَشْتَكِیْۤ
اِلَی
اللّٰهِ ۖۗ
وَاللّٰهُ
یَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا ؕ
اِنَّ
اللّٰهَ
سَمِیْعٌ
بَصِیْرٌ
۟
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن خولة بنت ثعلبة قالت : فىَّ والله وفى - زوجى - أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة .قالت : " كنت عنده ، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، قالت : فدخل على يوما فراجعته بشىء فغضب ، فقال : أنت على كظهر أمى .قالت : ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة ، ثم رجع ، فإذا هو يريدنى عن نفسى ، فقالت له : كلا والذى نفس خوله بيده لا تخلص إلىَّ ، وقلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه .قالت : فواثبنى ، فامتنعت عنه ، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عنى .ثم خرجت إلى بعض جاراتى ، فاستعرت منها ثيابا ، ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلست بين يديه ، فذكرت له - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت من زوجى ، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه .قالت : فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يا خويلة ، ابن عمك شيخ كبير فاتى الله فيه " .قالت : فوالله ما برحت حتى نزل فىَّ قرآن ، فتغشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتغشاه ، ثم سرى عنه ، فقال لى : " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفى صاحبك قرآنا " . ثم قرأ على هذه الآيات " .وفى رواية : " أنها أتت النبى - صلى الله عليه وسلم - فقالت له : يا رسول الله ، إن أوساً تزوجنى وأنا شابة مرغوب فى ، فلما خلا سنى ، ونثرت بطنى ، جعلنى عليه كأمه ، وتركنى إلى غير أحد ، فإن كنت تجد لى رخصة يا رسول الله فحدثنى بها .فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما أمرت بشىء فى شأنك حتى الآن " وفى رواية أنه قال لها : " ما أراك إلا قد حرمت عليه " .فقالت : يا رسول الله ، إنه ما ذكر طلاقا ، وأخذت تجادل النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قالت : اللهم إنى أشكو إليك فافتى ، وشدة حالى ، وإنلى من زوجى أولاداً صغاراً ، إن ضمَّهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلى جاعوا .قالت : وما برحت حتى نزل القرآن ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " يا خولة أبشرى " ثم قرأ على هذه الآيات " .و " قد " فى قوله - تعالى - : ( قَدْ سَمِعَ . . . ) ؟قلت : " معناه التوقع ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله - تعالى - مجادلتها وشكواها ، وينزل فى ذلك ما يفرج كربها " .والسماع فى قوله - تعالى - : ( سَمِعَ ) بمعنى علم الله - تعالى - التام بما دار بين تلك المرأة ، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبحانه - لشكواها ، وحكمه فى تلك المسألة ، بما يبطل ما كان شائعاً بشأنها قبل نزول هذه الآية .وقوله : ( تُجَادِلُكَ ) من المجادلة ، وهى المفاوضة على سبيلا المغالبة والمنازعة ، وأصلها من جدلت الحبل : إذا أحكمت فتله .وقوله : ( تشتكي ) من الشكو ، وأصله فتح الشَّكوة - وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء - وإظهار ما فيها ، ثم شاع هذا الاستعمال فى إظهار الإنسان لما يؤلمه ويؤذيه ، وطلب إزالته .والمعنى : قد سمع الله - تعالى - سماعا تاما ، قول هذه المرأة التى تجادلك - أيها الرسول الكريم - فى شأن ما دار بينها وبين زوجها ، وفيما صدر عنه فى حقها من الظهار ، وسمع - سبحانه - شكواها إليه ، والتماسها منه - عز وجل - حل قضيتها ، وتفريج كربتها ، وإزالة ما نزل بها من مكروه .وقال - سبحانه - ( التي تُجَادِلُكَ ) بأسلوب الاسم الموصول للإشعار بأنها كانت فى نهاية الجدال والشكوى ، وفى أقصى درجات التوكل على ربها ، والأمل فى تفريج كربتها ، رحمة بها وبزوجها وبأبنائها .وقوله - سبحانه - : ( للَّهِ والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ) جملة حالية ، والتحاور : مراجعة الكلام من الجانبين . يقال : حاور فلان فلانا فى الكلام إذا راجعه فيما يقوله .أى : والحال أن الله - تعالى - يسمع ما يدور بينك - أيها الرسول الكريم - وبين تلك المرأة ، من مراجعة فى الكلام ، ومن أخذ ورد فى شأن قضيتها .والمقصود بذلك ، بيان الاعتناء بشأن هذا التحاور ، والتنويه بأهميته ، وأنه - تعالى - قد تكرم وتفضل بإيجاد التشريع الحكيم لحل هذه القضية .وعبر - سبحانه - بصيغة المضارع ، لزيادة التنويه بشأن ذلك التحاور ، واستحضار صورته فى ذهن السامع ، ليزداد عظة واعتبارا .وجملة : ( تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) تذييل قصد به التعليل لما قبله بطريق التحقيق .أى : أنه - سبحانه - يسمع كل المسموعات ، ويبصر كل المبصرات ، على أتم وجه وأكمله ، ومن مقتضيات ذلك ، أن يسمع تحاوركما ، ويبصر ما دار بينكما .قال القرطبة : " أخرج ابن ماجة أن عائشة - رضى الله عنها - قالت : " تبارك الذى وسع سمعه كل شىء إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى على بعضه ، وهى تشتكى زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهى تقول : يا رسول الله!! أكل شبابى ، ونثرت له بطنى ، حتى إذا كبر سنى . . . ظاهر منى!! اللهم إنى أشكو إليك .وفى البخارى عن عائشة قالت : الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا فى ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله - تعالى - : ( قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ ) .