وَیُسَبِّحُ
الرَّعْدُ
بِحَمْدِهٖ
وَالْمَلٰٓىِٕكَةُ
مِنْ
خِیْفَتِهٖ ۚ
وَیُرْسِلُ
الصَّوَاعِقَ
فَیُصِیْبُ
بِهَا
مَنْ
یَّشَآءُ
وَهُمْ
یُجَادِلُوْنَ
فِی
اللّٰهِ ۚ
وَهُوَ
شَدِیْدُ
الْمِحَالِ
۟ؕ
( وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ )والرعد : اسم للصوت الهائل الذى يسمع إثر تفجير شحنة كهربية فى طبقات الجو .وعطف - سبحانه - الرعد على البرق والسحاب ، لأنه مقارن لهما فى كثير من الأحوال . والتسبيح : مشتق من السبح وهو المرور السريع فى الماء أو فى الهواء وسمى الذاكر الله - تعالى - مسبحا ، لأنه مسرع فى تنزيهه سبحانه عن كل نقص .وتسبيح الرعد - وهو هذا الصوت الهائل - بحمد الله ، يجب أن نؤمن به ، ونفوض كيفيته إلى الله - تعالى - لأنه من الغيب الذى لا يعلمه إلا هو - سبحانه - وقد بين لنا - سبحانه - فى كتابه أن كل شئ يسبح بحمده فقال : ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) وقد فصل القول فى معنى هذه الجملة الكريمة الإِمام الآلوسى فقال - رحمه الله - ما ملخصه :وقوله : ( وَيُسَبِّحُ الرعد ) قيل هو اسم للصوت المعلوم ، والكلام على حذف مضاف أى : ويسبح سامعو الرعد بحمده - سبحانه - رجاء للمطر .ثم قال : والذى اختاره أكثر المحدثين كون الإِسناد حقيقيا بناء على أن الرعد اسم للملك الذى يسوق السحاب ، فقد أخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وآخرون عن ابن عباس أن اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال : " ملك من ملائكة الله - تعالى - موكّل بالسحاب ، بيديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله - تعالى - قالوا .فما هذا الصوت الذى نسمع؟ قال صوته - قالوا : صدقت " .ثم قال : واستشكل بأنه لو كان علما للملك لما ساغ تنكيره ، وقد نكر فى سورة البقرة فى قوله - تعالى - ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) وأجيب بأن له إطلاقين : ثانيهما إطلاقه على نفس الصوت ، والتنكير على هذا الإطلاق . . .والذى نراه أن تسبيح الرعد بحمد الله يجب الإِيمان به ، سواء أكان الرعد اسما لذلك الصوت المخصوص؛ أم اسما لملك من الملائكة ، أما كيفية هذا التسبيح فمردها إلى الله .قال الإِمام الشوكانى : ( وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ ) أى يسبح الرعد نفسه بحمد الله . أى متلبسا بحمده ، وليس هذا بمستبعد ، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك .وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد فى ذلك ، ويكون ذكره على الإِفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له . وعناية بهوقال الإِمام ابن كثير : قال الإِمام أحمد : حدثنا عفان . . عن سالم عن أبيه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الرعد والصواعق قال : " اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك " .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق . . عن أبى هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع صوت الرعد قال : " سبحان من يسبح الرعد بحمده " .وقوله - سبحانه - ( والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ ) نوع رابع من الأدلة الدالة على وحدانية الله وقدرته . أى ويسبح الرعد بحمد الله ، ويسبح الملائكة - أيضا - بحمد الله ، خوفا منه - تعالى - وإجلالا لمقامه وذاته .و ( من ) فى قوله - تعالى ( مِنْ خِيفَتِهِ ) للتعليل ، أى : يسبحون لأجل الخوف منه . وقوله ( وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ ) نوع خامس من الظواهر الكونية الدالة على كما قدرته - سبحانه - .والصواعق جمع صاعقة ، وهى - كما يقول ابن جرير - كل أمر هائل رآه الرائى أو أصابه ، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وذهاب عقل . . .والمراد بها هنا : النار النازلة من السماء .أى ويرسل - سبحانه - الصواعق المهلكة فيصيب بها من يشاء إصابته من خلقه .وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : أنها نزلت فى رجل من طواغيت العرب ، بعث النبى - صلى الله عليه وسلم - نفرا يدعونه إلى الإِسلام ، فقال لهم : أخبرونى عن رب محمد ما هو ، أمن فضه أم من حديد؟فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذا ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة فأهلكت الكافر وهم جلوس .رجعوا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فاستقبلهم بعض الصحابة فقالوا لهم : احترق صاحبكم؟ فقالوا : من أين علمتم؟ قالوا : أوحى الله إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - ( وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ )وضمير الجماعة فى قوله ( وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال ) يعود إلى أولئك الكافرين الذين سبق أن ساق القرآن بعض أقوالهم الباطلة ، والتى منها قولهم : ( أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) والمجادلة : المخاصمة والمراجعة بالقول .والمراد بمجادلتهم فى الله : تكذيبهم للنبى - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرهم به من وجوب إخلاص عبادتهم لله - تعالى - وإيمانهم بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب .والمحال : الكيد والمكر ، والتدبير والقوة ، والعقاب . . يقال : محل فلان بفلان - بتثليث الحاء - محلا ومحالا ، إذا كاده وعرضه للهلاك .قال القرطبى : قال ابن الأعرابى : المحال المكر وهو من الله - تعالى - التدبير بالحق أو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر .وقال الأزهرى : المحال : أى القوة والشدة .وقال أبو عبيد : المحال : العقوبة والمكروه .أى : أن هؤلاء الكافرين يجادلونك - أيها الرسول فى ذات الله وفى صفاته ، وفى وحدانيته ، وفى شأن البعث ، وينكرون ما جئتهم به من بينات والحال أن الله - تعالى - ( وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ . فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) ثم