قال يا قوم ارايتم ان كنت على بينة من ربي واتاني رحمة من عنده فعميت عليكم انلزمكموها وانتم لها كارهون ٢٨
قَالَ يَـٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَءَاتَىٰنِى رَحْمَةًۭ مِّنْ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَـٰرِهُونَ ٢٨
قَالَ
یٰقَوْمِ
اَرَءَیْتُمْ
اِنْ
كُنْتُ
عَلٰی
بَیِّنَةٍ
مِّنْ
رَّبِّیْ
وَاٰتٰىنِیْ
رَحْمَةً
مِّنْ
عِنْدِهٖ
فَعُمِّیَتْ
عَلَیْكُمْ ؕ
اَنُلْزِمُكُمُوْهَا
وَاَنْتُمْ
لَهَا
كٰرِهُوْنَ
۟
( قَالَ ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي . . . )أى : قال نوح - عليه السلام - فى رده على الملأ الذين كفروا من قومه : ( قَالَ ياقوم ) أى : يا أهلى وعشيرتى الذين يسرنى ما يسرهم ويؤلمنى ما يؤلمهم .( أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي ) أى : اخبرونى إن كنت على بصيرة من أمرى ، وحجة واضحة من ربى ، بها يتبين الحق من الباطل .( وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ ) أى : ومنحنى بفضله وإحسانه النبوة التى هى طريق الرحمة لمن آمن بها ، واتبع من اختاره الله لها . فالمراد بالرحمة هنا النبوة ( فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ) أى : فأخفيت عليكم هذه الرحمة ، وغاب عنكم الانتفاع بهداياتها ، لأنكم ممن استحب العمى على الهدى .يقال : عُمِّى على فلان الأمر : أى أخفى عليه حتى صار بالنسبة إليه كالأعمى قال صاحب المنار : قرأ الجمهور فعميت - بالتخفيف - كخفيت وزنا ومعنى . قال - تعالى - ( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ) وقرأ حمزة والكسائى وحفص بالتشديد والبناء للمفعول ( فَعُمِّيَتْ ) أى : فحجبها عنكم جهلكم وغروركم . .والتعبير بعميت مخففة ومشددة أبلغ من التعبير بخفيت وأخفيت ، لأنه مأخوذ من العمى المقتضى لأشد أنواع الخفاء .والاستفهام فى قوله : ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) للإِنكار والنفى .أى : إذا كانت الهداية إلى الخير التى جئتكم بها قد خفيت عليكم مع وضوحها وجلائها ، فهل استطيع أنا وأتباعى أن نجبركم إجبارا ، ونقسركم قسرا على الإِيمان بى ، وعلى التصديق بنبوتى ، والحال أنكم كارهون لها نافرون منها .كلا إننا لا نستطيع ذلك لأن الإِيمان الصادق يكون عن اقتناع واختيار لا عن إكراه وإجبار .قال صاحب الظلال ما ملخصه : واللفظ فى القرآن قد يرسم بجرسه صورة كاملة للتناسق الفنى بين الألفاظ ، ومن أمثله ذلك قوله - تعالى - فى قصة نوح مع قومه ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا . . . ) فأنت تحس أن كلمة انلزمكموها تصور جو الإِكراه ، بإدماج كل هذه الضمائر فى النطق ، وشد بعضها إلى بعض كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون ، ويشدون إليه وهم نافرون ، وهكذا يبدولون من التناسق فى التعبير أعلى من البلاغة الظاهرية ، وأرفع من الفصاحة اللفظية .