مكة المكرمة
سورة مريم

آيات

٩٨

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم. ورويت هذه التسمية عن النبيء ﷺ في حديث رواه الطبراني والديلمي، وابن منده، وأبو نعيم، وأبو أحمد الحاكم: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم قال: «أتيت النبيء ﷺ فقلت: يا رسول الله إنه ولدت لي الليلة جارية، فقال: والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم»  . فكان يكنى أبا مريم، واشتهر بكنيته. واسمه نذير، ويظهر أنه أنصاري.

وابن عباس سماها سورة كهيعص، وكذلك وقعت تسميتها في صحيح البخاري في كتاب التفسير في أكثر النسخ وأصحها. ولم يعدها جلال الدين في الإتقان في عداد السور المسماة باسمين ولعله لم ير الثاني اسما.

وهي مكية عند الجمهور. وعن مقاتل: أن آية السجدة مدنية. ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد.

وذكر السيوطي في الإتقان قولا بأن قوله تعالى ﴿وإن منكم إلا واردها﴾ [مريم: ٧١] الآية - مدني، ولم يعزه لقائل.

وهي السورة الرابعة والأربعون في ترتيب النزول؛ نزلت بعد سورة فاطر وقبل سورة طه. وكان نزول سورة طه قبل إسلام عمر بن الخطاب كما يؤخذ من قصة إسلامه فيكون نزول هذه السورة أثناء سنة أربع من البعثة مع أن السورة مكية، وليس أبو مريم هذا معدودا في المسلمين الأولين فلا أحسب الحديث المروي عنه مقبولا.

ووجه التسمية أنها بسطت فيها قصة مريم وابنها وأهلها قبل أن تفصل في غيرها. ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت في المدينة.

وعدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة تسعا وتسعين. وفي عدد أهل الشام والكوفة ثمانا وتسعين.

أغراض السورة

ويظهر أن هذه السورة نزلت للرد على اليهود فيما اقترفوه من القول الشنيع في مريم وابنها، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران وقداستهم في الخير.

وهل يثبت الخطي إلا وشيجه

ثم التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين من أسلاف هؤلاء وقرابتهم. والإنحاء على بعض خلفهم من ذرياتهم الذين لم يكونوا على سننهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين وأتوا بفاحش من القول إذ نسبوا لله ولدا، وأنكر المشركون منهم البعث وأثبت النصارى ولدا لله تعالى.

والتنويه بشأن القرآن في تبشيره ونذارته. وأن الله يسره بكونه عربيا ليسر تلك اللغة.

والإنذار مما حل بالمكذبين من الأمم من الاستئصال.

واشتملت على كرامة زكرياء إذ أجاب الله دعاءه فرزقه ولدا على الكبر وعقر امرأته.

وكرامة مريم بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها، وهو إرهاص لنبوءة عيسى - عليه السلام -، ومثله كلامه في المهد.

والتنويه بإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وإسماعيل، وإدريس - عليهم السلام - .

ووصف الجنة وأهلها.

وحكاية إنكار المشركين البعث بمقالة أبي بن خلف والعاصي بن وائل وتبجحهم على المسلمين بمقامهم ومجامعهم.

وإنذار المشركين أن أصنامهم التي اعتزوا بها سيندمون على اتخاذها.

ووعد الرسول النصر على أعدائه.

وذكر ضرب من كفرهم بنسبة الولد لله تعالى.

والتنويه بالقرآن ولملته العربية، وأنه بشير لأوليائه ونذير بهلاك معانديه كما هلكت قرون قبلهم.

وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمن ست عشرة مرة، وذكر اسم الرحمة أربع مرات، فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمن. والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم في قوله في سورة الفرقان ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن﴾ [الفرقان: ٦٠] . ووقع في هذه السورة استطراد بآية ﴿وما نتنزل إلا بأمر ربك﴾ [مريم: ٦٤] .