آيات
٧٨
مكان النزول
المدينة المنورة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
وردت تسميتها بسورة الرحمن بأحاديث منها ما رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله قال «خرج رسول الله ﷺ على أصحابه فقرأ سورة الرحمن» الحديث.
وفي تفسير القرطبي أن قيس بن عاصم المنقري «قال للنبيء ﷺ اتل علي ما أنزل عليك، فقرأ عليه سورة الرحمن، فقال: أعدها، فأعادها ثلاثا، فقال: إن له لحلاوة» . إلخ.
وكذلك سميت في كتب السنة وفي المصاحف.
وذكر في الإتقان: أنها تسمى عروس القرآن لما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن علي أن النبيء ﷺ قال «لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن» . وهذا لا يعدو أن يكون ثناء على هذه السورة وليس هو من التسمية في شيء كما روي أن سورة البقرة فسطاط القرآن.
ووجه تسمية هذه السورة بسورة الرحمن أنها ابتدئت باسمه تعالى ﴿الرحمن﴾ [الرحمن: ١] .
وقد قيل: إن سبب نزولها قول المشركين المحكي في قوله تعالى ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن﴾ [الفرقان: ٦٠] في سورة الفرقان، فتكون تسميتها باعتبار إضافة (سورة) إلى (الرحمان) على معنى إثبات وصف الرحمن.
وهي مكية في قول جمهور الصحابة والتابعين، وروى جماعة عن ابن عباس أنها مدنية نزلت في صلح القضية عندما أبى سهيل بن عمرو أن يكتب في رسم الصلح (بسم الله الرحمن الرحيم) .
ونسب إلى ابن مسعود أيضا أنها مدنية. وعن ابن عباس: أنها مكية سوى آية منها هي قوله ﴿يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن﴾ [الرحمن: ٢٩] . والأصح أنها مكية كلها وهي في مصحف ابن مسعود أول المفصل. وإذا صح أن سبب نزولها قول المشركين وما الرحمان تكون نزلت بعد سورة الفرقان.
وقيل سبب نزولها قول المشركين ﴿إنما يعلمه بشر﴾ [النحل: ١٠٣] المحكي في سورة النحل. فرد الله عليهم بأن الرحمن هو الذي علم النبيء ﷺ القرآن.
وهي من أول السور نزولا فقد أخرج أحمد في مسنده بسند جيد عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «سمعت الرسول ﷺ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون يقرأ ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ [الرحمن»: ١٣] . وهذا يقتضي أنها نزلت قبل سورة الحجر. وللاختلاف فيها لم تحقق رتبتها في عداد نزول سور القرآن. وعدها الجعبري ثامنة وتسعين بناء على قول بأنها مدنية وجعلها بعد سورة الرعد وقبل سورة الإنسان.
وإذ كان الأصح أنها مكية وأنها نزلت قبل سورة الحج وقبل سورة النحل وبعد سورة الفرقان، فالوجه أن تعد ثالثة وأربعين بعد سورة الفرقان وقبل سورة فاطر.
وعد أهل المدينة ومكة آيها سبعا وسبعين، وأهل الشام والكوفة ثمانا وسبعين لأنهم عدوا الرحمان آية، وأهل البصرة ستا وسبعين.
أغراض هذه السورة ابتدئت بالتنويه بالقرآن قال في الكشاف: أراد الله أن يقدم في عدد آلائه أول شيء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه وهي نعمة الدين فقدم من نعمة الدين ما هو أعلى مراتبها وأقصى مراقبها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ثم أتبعه إياه ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان اهـ.
وتبع ذلك من التنويه بالنبيء ﷺ بأن الله هو الذي علمه القرآن ردا على مزاعم المشركين الذين يقولون ﴿إنما يعلمه بشر﴾ [النحل: ١٠٣]، وردا على مزاعمهم أن القرآن أساطير الأولين أو أنه سحر أو كلام كاهن أو شعر.
ثم التذكير بدلائل قدرة الله تعالى في ما أتقن صنعه مدمجا في ذلك التذكير بما في ذلك كله من نعم الله على الناس.
وخلق الجن وإثبات جزائهم.
والموعظة بالفناء وتخلص من ذلك إلى التذكير بيوم الحشر والجزاء. وختمت بتعظيم الله والثناء عليه.
وتخلل ذلك إدماج التنويه بشأن العدل، والأمر بتوفية أصحاب الحقوق حقوقهم، وحاجة الناس إلى رحمة الله فيما خلق لهم، ومن أهمها نعمة العلم ونعمة البيان، وما أعد من الجزاء للمجرمين ومن الثواب والكرامة للمتقين ووصف نعيم المتقين.
ومن بديع أسلوبها افتتاحها الباهر باسمه الرحمان وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدمه غيره.
ومنه التعداد في مقام الامتنان والتعظيم بقوله ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ [الرحمن: ١٣] إذ تكرر فيها إحدى وثلاثين مرة وذلك أسلوب عربي جليل كما سنبينه.
.