تمهيد عام للسورة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور - التحرير والتنوير )
سميت هذه السورة عند السلف سورة الطور دون واو قبل الطور. ففي جامع الطواف من الموطإ حديث مالك عن أم سلمة قالت: فطفت ورسول الله إلى جنب البيت يقرأ ب (الطور ﴿وكتاب مسطور﴾ [الطور: ٢])، أي: يقرأ بسورة الطور ولم ترد يقرأ بالآية؛ لأن الآية فيها ”والطور“ بالواو وهي لم تذكر الواو.
وفي باب القراءة في المغرب من الموطإ حديث مالك «عن جبير بن مطعم سمعت رسول الله ﷺ قرأ بالطور في المغرب» .
وفي تفسير سورة الطور من صحيح البخاري عن جبير بن مطعم قال سمعت النبيء يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية ﴿أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون﴾ [الطور: ٣٥] ﴿أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون﴾ [الطور: ٣٦] ﴿أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون﴾ [الطور: ٣٧] كاد قلبي أن يطير. وكان جبير بن مطعم مشركا قدم على النبيء ﷺ في فداء أسرى بدر وأسلم يومئذ.
وكذلك وقعت تسميتها في ترجمتها من جامع الترمذي وفي المصاحف التي رأيناها، وكثير من التفاسير. وهذا على التسمية بالإضافة، أي: سورة ذكر الطور كما يقال: سورة البقرة، وسورة الهدهد، وسورة المؤمنين.
وفي ترجمة هذه السورة من تفسير صحيح البخاري (سورة والطور) بالواو على حكاية اللفظ الواقع في أولها كما يقال (سورة قل هو الله أحد) . وهي مكية جميعها بالاتفاق.
وهي السورة الخامسة والسبعون في ترتيب نزول السور. نزلت بعد سورة نوح وقبل سورة المؤمنين.
وعد أهل المدينة ومكة آيها سبعا وأربعين، وعدها أهل الشام وأهل الكوفة تسعا وأربعين، وعدها أهل البصرة ثمانيا وأربعين.
أغراض السورة
أغراض هذه السورة أول أغراض هذه السورة التهديد بوقوع العذاب يوم القيامة للمشركين المكذبين بالنبيء ﷺ فيما جاء به من إثبات البعث وبالقرآن المتضمن ذلك فقالوا: هو سحر.
ومقابلة وعيدهم بوعد المتقين المؤمنين، وصفة نعيمهم، ووصف تذكرهم خشية، وثنائهم على الله بما من عليهم فانتقل إلى تسلية النبيء ﷺ وإبطال أقوالهم فيه وانتظارهم موته.
وتحديهم بأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن.
وإبطال خليط من تكاذيبهم بإعادة الخلق، وببعثة الرسول ﷺ ليس من كبرائهم وبكون الملائكة بنات الله وإبطال تعدد الآلهة وذكر استهزائهم بالوعيد.
وأمر النبيء ﷺ بتركهم وأن لا يحزن لذلك، فإن الوعيد حال بهم في الدنيا ثم في الآخرة، وأمره بالصبر، ووعده بالتأييد، وأمر بشكر ربه في جميع الأوقات.