مكة المكرمة
سورة الأنبياء

آيات

١١٢

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

سماها السلف ”سورة الأنبياء“ . ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: بنو إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العتاق الأول، وهن من تلادي. ولا يعرف لها اسم غير هذا.

ووجه تسميتها سورة الأنبياء أنها ذكر فيها أسماء ستة عشر نبيئا، ومريم، ولم يأت في سور القرآن مثل هذا العدد من أسماء الأنبياء في سورة من سور القرآن عدا ما في سورة الأنعام. فقد ذكر فيها أسماء ثمانية عشر نبيئا في قوله تعالى: ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه﴾ [الأنعام: ٨٣] إلى قوله: ﴿ويونس ولوطا﴾ [الأنعام: ٨٦] فإن كانت سورة الأنبياء هذه نزلت قبل سورة الأنعام فقد سبقت بالتسمية بالإضافة إلى الأنبياء، وإلا فاختصاص سورة الأنعام بذكر أحكام الأنعام أوجب تسميتها بذلك الاسم، فكانت سورة الأنبياء أجدر من بقية سور القرآن بهذه التسمية، على أن من الحقائق المسلمة أن وجه التسمية لا يوجبها.

وهي مكية بالاتفاق. وحكى ابن عطية والقرطبي الإجماع على ذلك، ونقل السيوطي في ”الإتقان“ استثناء قوله تعالى: ﴿أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون﴾ [الأنبياء: ٤٤]، ولم يعزه إلى قائل. ولعله أخذه من رواية عن مقاتل والكلبي عن ابن عباس أن المعنى ننقصها بفتح البلدان، أي بناء على أن المراد من الرؤية في الآية الرؤية البصرية، وأن المراد من الأرض أرض الحجاز، وأن المراد من النقص نقص سلطان الشرك منها. وكل ذلك ليس بالمتعين ولا بالراجح. وسيأتي بيانه في موضعه. وقد تقدم بيانه في نظيرها من سورة الرعد التي هي أيضا مكية، فالأرجح أن سورة الأنبياء مكية كلها.

وهي السورة الحادية والسبعون في ترتيب النزول، نزلت بعد ”حم السجدة“ وقبل سورة النحل، فتكون من أواخر السور النازلة قبل الهجرة. ولعلها نزلت بعد إسلام من أسلم من أهل المدينة كما يقتضيه قوله تعالى: ﴿وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون﴾ [الأنبياء: ٣]، كما سيأتي بيانه، غير أن ما رواه ابن إسحاق عن ابن عباس أن قوله تعالى في سورة الزخرف: ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون﴾ [الزخرف: ٥٧]، أن المراد بضرب المثل هو المثل الذي ضربه ابن الزبعرى لما نزل قوله تعالى: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ [الأنبياء: ٩٨] كما يأتي يقتضي أن سورة الأنبياء نزلت قبل سورة الزخرف. وقد عدت الزخرف ثانية وستين في النزول. وعدد آيها في عد أهل المدينة ومكة والشام والبصرة مائة وإحدى عشر، وفي عد أهل الكوفة مائة واثنتا عشرة.

أغراض السورة

والأغراض التي ذكرت في هذه السور هي: الإنذار بالبعث، وتحقيق وقوعه، وإنه لتحقق وقوعه كان قريبا.

وإقامة الحجة عليه بخلق السماوات والأرض عن عدم وخلق الموجودات من ماء.

والتحذير من التكذيب بكتاب الله تعالى ورسوله.

والتذكير بأن هذا الرسول ﷺ ما هو إلا كأمثاله من الرسل وما جاء إلا بمثل ما جاء به الرسل من قبله.

وذكر كثير من أخبار الرسل - عليهم السلام.

والتنويه بشأن القرآن، وأنه نعمة من الله على المخاطبين، وشأن رسول الإسلام ﷺ وأنه رحمة للعالمين.

والتذكير بما أصاب الأمم السالفة من جراء تكذيبهم رسلهم، وأن وعد الله للذين كذبوا واقع، ولا يغرهم تأخيره فهو جاء لا محالة.

وحذرهم من أن يغتروا بتأخيره كما اغتر الذين من قبلهم حتى أصابهم بغتة، وذكر من أشراط الساعة فتح ياجوج وماجوج.

وذكرهم بما في خلق السماوات والأرض من الدلالة على الخالق.

ومن الإيماء إلى أن وراء هذه الحياة حياة أخرى أتقن وأحكم؛ لتجزى كل نفس بما كسبت وينتصر الحق على الباطل.

ثم ما في ذلك الخلق من الدلائل على وحدانية الخالق؛ إذ لا يستقيم هذا النظام بتعدد الآلهة.

وتنزيه الله تعالى عن الشركاء وعن الأولاد، والاستدلال على وحدانية الله تعالى.

وما يكرهه على فعل ما لا يريد.

وأن جميع المخلوقات صائرون إلى الفناء.

وأعقب ذلك بتذكيرهم بالنعمة الكبرى عليهم، وهي نعمة الحفظ.

ثم عطف الكلام إلى ذكر الرسل والأنبياء.

وتنظير أحوالهم وأحوال أممهم بأحوال محمد ﷺ وأحوال قومه.

وكيف نصر الله الرسل على أقوامهم واستجاب دعواتهم.

وأن الرسل كلهم جاءوا بدين الله وهو دين واحد في أصوله، قطعه الضالون قطعا.

وأثنى على الرسل وعلى من آمنوا بهم.

وأن العاقبة للمؤمنين في خير الدنيا وخير الآخرة، وأن الله سيحكم بين الفريقين بالحق، ويعين رسله على تبليغ شرعه.