المدينة المنورة
سورة الرعد

آيات

٤٣

مكان النزول

المدينة المنورة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

هكذا سميت من عهد السلف. وذلك يدل على أنها مسماة بذلك من عهد النبيء ﷺ إذ لم يختلفوا في اسمها.

وإنما سميت بإضافتها إلى الرعد لورود ذكر الرعد فيها بقوله تعالى ﴿ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق﴾ [الرعد: ١٣] . فسميت بالرعد؛ لأن الرعد لم يذكر في سورة مثل هذه السورة، فإن هذه السورة مكية كلها أو معظمها. وإنما ذكر الرعد في سورة البقرة وهي نزلت بالمدينة وإذا كانت آيات ﴿هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا﴾ [الرعد: ١٢] إلى قوله ﴿وهو شديد المحال﴾ [الرعد: ١٣] مما نزل بالمدينة، كما سيأتي، تعين أن ذلك نزل قبل نزول سورة البقرة.

وهذه السورة مكية في قول مجاهد وروايته عن ابن عباس ورواية علي بن أبي طلحة وسعيد بن جبير عنه وهو قول قتادة. وعن أبي بشر قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى ﴿ومن عنده علم الكتاب﴾ [الرعد: ٤٣] أي في آخر سورة الرعد أهو عبد الله بن سلام ؟ فقال: كيف وهذه سورة مكية، وعن ابن جريج وقتادة في رواية عنه وعن ابن عباس أيضا: أنها مدنية، وهو عن عكرمة والحسن البصري، وعن عطاء عن ابن عباس. وجمع السيوطي وغيره بين الروايات بأنها مكية إلا آيات منها نزلت بالمدينة يعني قوله ﴿هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا﴾ [الرعد: ١٢] إلى قوله ﴿شديد المحال﴾ [الرعد: ١٣] وقوله ﴿قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب﴾ [الرعد: ٤٣] . قال ابن عطية: والظاهر أن المدني فيها كثير، وكل ما نزل في شأن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة فهو مدني.

وأقول: أشبه آياتها بأن يكون مدنيا قوله ﴿أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها﴾ [الرعد: ٤١] كما ستعلمه، وقوله تعالى ﴿كذلك أرسلناك في أمة﴾ [الرعد: ٣٠] إلى (وإليه متاب) فقد قال مقاتل وابن جريج: نزلت في صلح الحديبية كما سيأتي عند تفسيرها.

ومعانيها جارية على أسلوب معاني القرآن المكي من الاستدلال على الوحدانية وتفريع المشركين وتهديدهم. والأسباب التي أثارت القول بأنها مدنية أخبار واهية، وسنذكرها في مواضعها من هذا التفسير ولا مانع من أن تكون مكية. ومن آياتها نزلت بالمدينة وألحقت بها، فإن ذلك في بعض سور القرآن، فالذين قالوا: هي مكية لم يذكروا موقعها من ترتيب المكيات سوى أنهم ذكروها بعد سورة يوسف وذكروا بعدها سورة إبراهيم.

والذين جعلوها مدنية عدوها في النزول بعد سورة القتال وقبل سورة الرحمن وعدوها سابعة وتسعين في عداد النزول. وإذ قد كانت سورة القتال نزلت عام الحديبية أو عام الفتح تكون سورة الرعد بعدها.

وعدت آياتها ثلاثا وأربعين من الكوفيين وأربعا وأربعين في عدد المدنيين وخمسا وأربعين عند الشام.

أغراض السورة

أقيمت هذه السورة على أساس إثبات صدق الرسول ﷺ فيما أوحي إليه من إفراد الله بالإلهية والبعث وإبطال أقوال المكذبين فلذلك تكررت حكاية أقوالهم خمس مرات موزعة على السورة بدءا ونهاية.

ومهد لذلك بالتنويه بالقرآن وأنه منزل من الله، والاستدلال على تفرده تعالى بالإلهية بدلائل خلق العالمين ونظامهما الدال على انفراده بتمام العلم والقدرة وإدماج الامتنان لما في ذلك من النعم على الناس.

ثم انتقل إلى أقوال أهل الشرك ومزاعمهم في إنكار البعث.

وتهديدهم أن يحل بهم ما حل بأمثالهم. والتذكير بنعم الله على الناس. وإثبات أن الله هو المستحق للعبادة دون آلهتهم. وأن الله العالم بالخفايا وأن الأصنام لا تعلم شيئا ولا تنعم بنعمة.

والتهديد بالحوادث الجوية أن يكون منها عذاب للمكذبين كما حل بالأمم قبلهم.

والتخويف من يوم الجزاء.

والتذكير بأن الدنيا ليست دار قرار.

وبيان مكابرة المشركين في اقتراحهم مجيء الآيات على نحو مقترحاتهم.

ومقابلة ذلك بيقين المؤمنين. وما أعد الله لهم من الخير.

وأن الرسول ﷺ ما لقي من قومه إلا كما لقي الرسل عليهم السلام من قبله.

والثناء على فريق من أهل الكتب يؤمنون بأن القرآن منزل من عند الله.

والإشارة إلى حقيقة القدر ومظاهر المحو والإثبات. وما تخلل ذلك من المواعظ والعبر والأمثال.