آيات
٤
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
المشهور في تسميتها في عهد النبيء ﷺ وفيما جرى من لفظه وفي أكثر ما روي عن الصحابة تسميتها (سورة قل هو الله أحد) .
روى الترمذي عن أبي هريرة، وروى أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن أم كلثوم بنت عقبة أن رسول الله ﷺ قال: («قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» ) وهو ظاهر في أنه أراد تسميتها بتلك الجملة لأجل تأنيث الضمير من قوله (تعدل) فإنه على تأويلها بمعنى السورة.
وقد روي عن جمع من الصحابة ما فيه تسميتها بذلك، فذلك هو الاسم الوارد في السنة.
ويؤخذ من حديث البخاري عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري ما يدل على أن رسول الله ﷺ قال: («الله الواحد الصمد) ثلث القرآن» فذكر ألفاظا تخالف ما تقرأ به، ومحمله على إرادة التسمية. وذكر القرطبي أن رجلا لم يسمه قرأ كذلك والناس يستمعون وادعى أن ما قرأ به هو الصواب وقد ذمه القرطبي وسبه.
وسميت في أكثر المصاحف وفي معظم التفاسير وفي جامع الترمذي (سورة الإخلاص) واشتهر هذا الاسم لاختصاره وجمعه معاني هذه السورة؛ لأن فيها تعليم الناس إخلاص العبادة لله تعالى، أي: سلامة الاعتقاد من الإشراك بالله غيره في الإلهية.
وسميت في بعض المصاحف التونسية سورة التوحيد لأنها تشتمل على إثبات أنه تعالى واحد.
وفي الإتقان أنها تسمى سورة الأساس لاشتمالها على توحيد الله وهو أساس الإسلام. وفي الكشاف (روي عن أبي وأنس عن النبيء ﷺ «أست السماوات السبع والأرضون السبع على ( قل هو الله أحد») . يعني: ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته.
وذكر في الكشاف: أنها وسورة الكافرون تسميان المقشقشتين، أي: المبرئتين من الشرك ومن النفاق.
وسماها البقاعي في نظم الدرر سورة الصمد، وهو من الأسماء التي جمعها الفخر. وقد عقد الفخر في التفسير الكبير فصلا لأسماء هذه السورة فذكر لها عشرين اسما بإضافة عنوان سورة إلى كل اسم منها ولم يذكر أسانيدها، فعليك بتتبعها على تفاوت فيها وهي: التفريد، والتجريد؛ (لأنه لم يذكر فيها سوى صفاته السلبية التي هي صفات الجلال)، والتوحيد (كذلك)، والإخلاص (لما ذكرناه آنفا)، والنجاة (لأنها تنجي من الكفر في الدنيا ومن النار في الآخرة)، والولاية؛ (لأن من عرف الله بوحدانيته فهو من أوليائه المؤمنين الذين لا يتولون غير الله)، والنسبة (لما روي أنها نزلت لما قال المشركون: انسب لنا ربك، كما سيأتي)، والمعرفة (لأنها أحاطت بالصفات التي لا تتم معرفة الله إلا بمعرفتها)، والجمال (لأنها جمعت أصول صفات الله وهي أجمل الصفات وأكملها، ولما روي أن النبيء ﷺ قال: «إن الله جميل يحب الجمال فسألوه عن ذلك فقال: أحد صمد لم يلد ولم يولد» ) . والمقشقشة (يقال: قشقش الدواء الجرب إذا أبرأه لأنها تقشقش من الشرك، وقد تقدم آنفا أنه اسم لسورة الكافرون أيضا)، والمعوذة (لقول النبيء ﷺ لعثمان بن مظعون وهو مريض فعوذه بها وبالسورتين اللتين بعدها وقال له: تعوذ بها) . والصمد (لأن هذا اللفظ خص بها)، والأساس (لأنها أساس العقيدة الإسلامية)، والمانعة (لما روي أنها تمنع عذاب القبر ولفحات النار) والمحضر؛ (لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت)، والمنفرة (لأن الشيطان ينفر عند قراءتها)، والبراءة (لأنها تبرئ من الشرك)، والمذكرة (لأنها تذكر خالص التوحيد الذي هو مودع في الفطرة)، والنور (لما روي أن نور القرآن قل هو الله أحد)، والأمان ( لأن من اعتقد ما فيها أمن من العذاب.
وبضميمة اسمها المشهور (﴿قل هو الله أحد﴾ [الإخلاص: ١]) تبلغ أسماؤها اثنين وعشرين، وقال الفيروز آبادي في بصائر التمييز: إنها تسمى الشافية فتبلغ واحدا وعشرين اسما.
وهي مكية في قول الجمهور، وقال قتادة والضحاك والسدي وأبو العالية والقرظي: هي مدنية ونسب كلا القولين إلى ابن عباس.
ومنشأ هذا الخلاف الاختلاف في سبب نزولها، فروى الترمذي عن أبي بن كعب، وروى عبيد العطار عن ابن مسعود، وأبو يعلى عن جابر بن عبد الله «أن قريشا قالوا للنبيء ﷺ: انسب لنا ربك. فنزلت قل هو الله أحد إلى آخرها»، فتكون مكية.
وروى أبو صالح عن ابن عباس «أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد أتيا النبيء ﷺ فقال عامر: إلام تدعونا ؟ قال: إلى الله، قال: صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب ؟ (يحسب لجهله أن الإله صنم كأصنامهم من معدن أو خشب أو حجارة) فنزلت هذه السورة»، فتكون مدنية لأنهما ما أتياه إلا بعد الهجرة. وقال الواحدي: إن أحبار اليهود ( منهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف قالوا للنبيء ﷺ: صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فنزلت.
والصحيح أنها مكية، فإنها جمعت أصل التوحيد وهو الأكثر فيما نزل من القرآن بمكة، ولعل تأويل من قال: إنها نزلت حينما سأل عامر بن الطفيل وأربد، أو حينما سأل أحبار اليهود أن النبيء ﷺ قرأ عليهم هذه السورة، فظنها الراوي من الأنصار نزلت ساعتئذ، أو لم يضبط الرواة عنهم عبارتهم تمام الضبط.
قال في الإتقان: وجمع بعضهم بين الروايتين بتكرر نزولها، ثم ظهر لي ترجيح أنها مدنية كما بينته في أسباب النزول اهـ.
وعلى الأصح من أنها مكية عدت السورة الثانية والعشرين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الناس وقبل سورة النجم.
وآياتها عند أهل العدد بالمدينة والكوفة والبصرة أربع، وعند أهل مكة والشام خمس باعتبار ﴿لم يلد﴾ [الإخلاص: ٣] آية ﴿ولم يولد﴾ [الإخلاص: ٣] آية.
إثبات وحدانية الله تعالى.
وأنه لا يقصد في الحوائج غيره وتنزيهه عن سمات المحدثات وإبطال أن يكون له ابن.
وإبطال أن يكون المولود إلها مثل عيسى عليه السلام.
والأحاديث في فضائلها كثيرة وقد صح أنها تعدل ثلث القرآن. وتأويل هذا الحديث مذكور في شرح الموطأ والصحيحين.