تسجيل الدخول
الإعدادات
Select an option
الفاتحة
البقرة
آل عمران
النساء
المائدة
الأنعام
الأعراف
الأنفال
التوبة
يونس
هود
يوسف
الرعد
ابراهيم
الحجر
النحل
الإسراء
الكهف
مريم
طه
الأنبياء
الحج
المؤمنون
النور
الفرقان
الشعراء
النمل
القصص
العنكبوت
الروم
لقمان
السجدة
الأحزاب
سبإ
فاطر
يس
الصافات
ص
الزمر
غافر
فصلت
الشورى
الزخرف
الدخان
الجاثية
الأحقاف
محمد
الفتح
الحجرات
ق
الذاريات
الطور
النجم
القمر
الرحمن
الواقعة
الحديد
المجادلة
الحشر
الممتحنة
الصف
الجمعة
المنافقون
التغابن
الطلاق
التحريم
الملك
القلم
الحاقة
المعارج
نوح
الجن
المزمل
المدثر
القيامة
الانسان
المرسلات
النبإ
النازعات
عبس
التكوير
الإنفطار
المطففين
الإنشقاق
البروج
الطارق
الأعلى
الغاشية
الفجر
البلد
الشمس
الليل
الضحى
الشرح
التين
العلق
القدر
البينة
الزلزلة
العاديات
القارعة
التكاثر
العصر
الهمزة
الفيل
قريش
الماعون
الكوثر
الكافرون
النصر
المسد
الإخلاص
الفلق
الناس
Select an option
١
٢
٣
٤
٥
٦
٧
٨
٩
١٠
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠
٣١
٣٢
٣٣
٣٤
٣٥
٣٦
٣٧
٣٨
٣٩
٤٠
٤١
٤٢
٤٣
٤٤
٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
٤٩
٥٠
٥١
٥٢
٥٣
٥٤
٥٥
٥٦
٥٧
٥٨
٥٩
٦٠
٦١
٦٢
٦٣
٦٤
٦٥
٦٦
٦٧
٦٨
٦٩
٧٠
٧١
٧٢
٧٣
٧٤
٧٥
٧٦
٧٧
٧٨
٧٩
٨٠
٨١
٨٢
٨٣
٨٤
٨٥
٨٦
٨٧
٨٨
٨٩
٩٠
٩١
٩٢
٩٣
٩٤
٩٥
٩٦
٩٧
٩٨
٩٩
١٠٠
١٠١
١٠٢
١٠٣
١٠٤
١٠٥
١٠٦
١٠٧
١٠٨
١٠٩
١١٠
١١١
١١٢
١١٣
١١٤
١١٥
١١٦
١١٧
١١٨
١١٩
١٢٠
١٢١
١٢٢
١٢٣
١٢٤
١٢٥
١٢٦
١٢٧
١٢٨
١٢٩
١٣٠
١٣١
١٣٢
١٣٣
١٣٤
١٣٥
١٣٦
١٣٧
١٣٨
١٣٩
١٤٠
١٤١
١٤٢
١٤٣
١٤٤
١٤٥
١٤٦
١٤٧
١٤٨
١٤٩
١٥٠
١٥١
١٥٢
١٥٣
١٥٤
١٥٥
١٥٦
١٥٧
١٥٨
١٥٩
١٦٠
١٦١
١٦٢
١٦٣
١٦٤
١٦٥
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
اردو
Kurdî
التحرير والتنوير لابن عاشور
قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولاكن الظالمين بايات الله يجحدون ٣٣
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ ٣٣
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
٣
﴿قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيُحْزِنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإنَّهم لا يُكْذِبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ . اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ قُصِدَتْ بِهِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ ﷺ وأمْرُهُ بِالصَّبْرِ، ووَعْدُهُ بِالنَّصْرِ، وتَأْيِيسُهُ مِن إيمانِ المُتَغالِينَ في الكُفْرِ، ووَعْدُهُ بِإيمانِ فِرَقٍ مِنهم بِقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ [الأنعام: ٣٥] إلى قَوْلِهِ يَسْمَعُونَ. وقَدْ تَهَيَّأ المَقامُ لِهَذا الغَرَضِ بَعْدَ الفَراغِ مِن مُحاجَّةِ المُشْرِكِينَ في إبْطالِ شِرْكِهِمْ، وإبْطالِ إنْكارِهِمْ رِسالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ والفَراغِ مِن وعِيدِهِمْ وفَضِيحَةِ مُكابَرَتِهِمِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ: ﴿وما تَأْتِيهِمْ مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٤] إلى هُنا. و(قَدْ) تَحْقِيقٌ لِلْخَبَرِ الفِعْلِيِّ، فَهو في تَحْقِيقِ الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ بِمَنزِلَةِ (إنَّ) في تَحْقِيقِ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ. فَحَرْفُ (قَدْ) مُخْتَصٌّ بِالدُّخُولِ عَلى الأفْعالِ المُتَصَرِّفَةِ الخَبَرِيَّةِ المُثْبَتَةِ المُجَرَّدَةِ مَن ناصِبٍ وجازِمٍ وحَرْفِ تَنْفِيسٍ، ومَعْنى التَّحْقِيقِ مُلازِمٌ لَهُ. والأصَحُّ أنَّهُ كَذَلِكَ سَواءٌ كانَ مَدْخُولُها ماضِيًا أوْ مُضارِعًا، ولا يَخْتَلِفُ مَعْنى (قَدْ) بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلَيْنِ. وقَدْ شاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أنَّ (قَدْ) إذا دَخَلَ عَلى المُضارِعِ أفادَ تَقْلِيلَ حُصُولِ الفِعْلِ. وقالَ بَعْضُهم: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن كَلامِ سِيبَوَيْهِ، ومِن ظاهِرِ كَلامِ الكَشّافِ في هَذِهِ الآيَةِ. والتَّحْقِيقُ أنَّ كَلامَ سِيبَوَيْهِ لا يَدُلُّ إلّا عَلى أنَّ (قَدْ) يُسْتَعْمَلُ في الدَّلالَةِ عَلى التَّقْلِيلِ لَكِنْ بِالقَرِينَةِ ولَيْسَتْ بِدَلالَةٍ أصْلِيَّةٍ. وهَذا هو الَّذِي اسْتَخْلَصْتُهُ مِن كَلامِهِمْ وهو المُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدِي. ولِذَلِكَ فَلا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ (قَدْ) عَلى فِعْلِ المُضِيِّ ودُخُولِهِ عَلى الفِعْلِ المُضارِعِ في إفادَةِ تَحْقِيقِ الحُصُولِ، كَما صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [النور: ٦٤] في سُورَةِ النُّورِ. فالتَّحْقِيقُ يُعْتَبَرُ في الزَّمَنِ الماضِي إنْ (ص-١٩٧)كانَ الفِعْلُ الَّذِي بَعْدَ (قَدْ) فِعْلَ مُضِيٍّ، وفي زَمَنِ الحالِ أوِ الِاسْتِقْبالِ إنْ كانَ الفِعْلُ بَعْدَ (قَدْ) فِعْلًا مُضارِعًا مَعَ ما يُضَمُّ إلى التَّحْقِيقِ مِن دَلالَةِ المَقامِ، مِثْلَ تَقْرِيبِ زَمَنِ الماضِي مِنَ الحالِ في نَحْوِ: قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ. وهو كِنايَةٌ تَنْشَأُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِتَحْقِيقِ فِعْلٍ لَيْسَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَشُكَّ السّامِعُ في أنَّهُ يَقَعُ، ومِثْلَ إفادَةِ التَّكْثِيرِ مَعَ المُضارِعِ تَبَعًا لِما يَقْتَضِيهِ المُضارِعُ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى التَّجَدُّدِ، كالبَيْتِ الَّذِي نَسَبَهُ سِيبَوَيْهِ لِلْهُذَلِيِّ، وحَقَّقَ ابْنُ بَرِّيٍّ أنَّهُ لِعَبِيدِ بْنِ الأبْرَصِ، وهو: ؎قَدْ أتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أنامِلُهُ كَأنَّ أثْوابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَـادِ وبَيْتُ زُهَيْرٍ: ؎أخا ثِقَةٍ لا تُهْلِكُ الخَمْرُ مالَهُ ∗∗∗ ولَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ المالَ نائِلُهُ وإفادَةُ اسْتِحْضارِ الصُّورَةِ، كَقَوْلِ كَعْبٍ: ؎لَقَدْ أقُومُ مَقامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ∗∗∗ أرى وأسْمَعُ ما لَوْ يَسْمَعُ الفِيلُ ؎لَظَلَّ يُرْعَدُ إلّا أنْ يَكُونَ لَهُ ∗∗∗ مِنَ الرَّسُولِ بِإذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ أرادَ تَحْقِيقَ حُضُورِهِ لَدى الرَّسُولِ ﷺ مَعَ اسْتِحْضارِ تِلْكَ الحالَةِ العَجِيبَةِ مِنَ الوَجَلِ المَشُوبِ بِالرَّجاءِ. والتَّحْقِيقُ أنَّ كَلامَ سِيبَوَيْهِ بَرِيءٌ مِمّا حَمَّلُوهُ، وما نَشَأ اضْطِرابُ كَلامِ النُّحاةِ فِيهِ إلّا مِن فَهْمِ ابْنِ مالِكٍ لِكَلامِ سِيبَوَيْهِ. وقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ رَدًّا وجِيهًا. فَمَعْنى الآيَةِ عَلِمْنا بِأنَّ الَّذِي يَقُولُونَهُ يُحْزِنُكَ مُحَقَّقًا فَتَصْبِرُ. وقَدْ تَقَدَّمَ لِي كَلامٌ في هَذِهِ المَسْألَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وجْهِكَ في السَّماءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ، فَكانَ فِيهِ إجْمالٌ وأحَلْتُ عَلى تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الأنْعامِ، فَهَذا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي. وفِعْلُ نَعْلَمُ مُعَلَّقٌ عَنِ العَمَلِ في مَفْعُولَيْنِ بِوُجُودِ اللّامِ. (ص-١٩٨)والمُرادُ بِـ (الَّذِي يَقُولُونَ) أقْوالَهُمُ الدّالَّةَ عَلى عَدَمِ تَصْدِيقِهِمُ الرَّسُولَ ﷺ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ، فَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ التَّكْذِيبِ ونَحْوِهِ إلى اسْمِ المَوْصُولِ وصِلَتِهِ تَنْزِيهًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ ذِكْرِ هَذا اللَّفْظِ الشَّنِيعِ في جانِبِهِ تَلَطُّفًا مَعَهُ. وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو جَعْفَرٍ لَيُحْزِنُكَ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الزّايِ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الزّايِ. يُقالُ: أحْزَنْتَ الرَّجُلَ بِهَمْزَةِ تَعْدِيَةٍ لِفِعْلِ حَزَنَ، ويُقالُ: حَزَنْتُهُ أيْضًا. وعَنِ الخَلِيلِ: أنَّ حَزَنْتُهُ، مَعْناهُ جَعَلْتُ فِيهِ حُزْنًا كَما يُقالُ: دَهَنْتُهُ. وأمّا التَّعْدِيَةُ فَلَيْسَتْ إلّا بِالهَمْزَةِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: حَزَنْتُ الرَّجُلَ، أكْثَرُ اسْتِعْمالًا، وأحْزَنْتُهُ، أقْيَسُ. و(الَّذِي يَقُولُونَ) هو قَوْلُهم ساحِرٌ، مَجْنُونٌ، كاذِبٌ، شاعِرٌ. فَعَدَلَ عَنْ تَفْصِيلِ قَوْلِهِمْ إلى إجْمالِهِ إيجازًا أوْ تَحاشِيًا عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ في جانِبِ المُنَزَّهِ عَنْهُ. والضَّمِيرُ المَجْعُولُ اسْمَ (إنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ، واللّامُ لامُ القَسَمِ، وفِعْلُ (يُحْزِنُكَ) فِعْلُ القَسَمِ، و(الَّذِي يَقُولُونَ) فاعِلُهُ، واللّامُ في (لَيُحْزِنُكَ) لامُ الِابْتِداءِ، وجُمْلَةُ (يُحْزِنُكَ) خَبَرُ إنَّ، وضَمائِرُ الغَيْبَةِ راجِعَةٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا في قَوْلِهِ ثُمَّ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١] . والفاءُ في قَوْلِهِ (فَإنَّهم) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، والمُعَلَّلُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (قَدْ نَعْلَمُ)، أيْ فَلا تَحْزَنْ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ، أيْ لِأنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ. ويَجُوزُ كَوْنُها لِلْفَصِيحَةِ، والتَّقْدِيرُ: فَإنْ كانَ يُحْزِنُكَ ذَلِكَ لِأجْلِ التَّكْذِيبِ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ، فاللَّهُ قَدْ سَلّى رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْ أخْبَرَهُ بِأنَّ المُشْرِكِينَ لا يُكَذِّبُونَهُ ولَكِنَّهم أهْلُ جُحُودٍ ومُكابَرَةٍ. وكَفى بِذَلِكَ تَسْلِيَةً. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّفْرِيعِ عَلى قَدْ نَعْلَمُ، أيْ فَعِلْمُنا بِذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أنّا نُثَبِّتُ فُؤادَكَ ونَشْرَحُ صَدْرَكَ بِإعْلامِكَ أنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ، وبِأنْ نُذَكِّرَكَ بِسُنَّةِ الرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ، ونُذَكِّرَكَ بِأنَّ العاقِبَةَ هي نَصْرُكَ كَما سَبَقَ في عِلْمِ اللَّهِ. وقَرَأ نافِعٌ، والكِسائِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ (﴿لا يُكْذِبُونَكَ﴾)، بِسُكُونِ الكافِ وتَخْفِيفِ الذّالِ. وقَرَأهُ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ الكافِ وتَشْدِيدِ الذّالِ. وقَدْ قالَ بَعْضُ أئِمَّةِ اللُّغَةِ إنَّ أكْذَبَ وكَذَّبَ بِمَعْنًى واحِدٍ، أيْ نَسَبَهُ إلى الكَذِبِ. وقالَ بَعْضُهم: أكْذَبَهُ، وجَدَهُ كاذِبًا، (ص-١٩٩)كَما يُقالُ: أحْمَدَهُ، وجَدَهُ مَحْمُودًا. وأمّا كَذَّبَ بِالتَّشْدِيدِ فَهو لِنِسْبَةِ المَفْعُولِ إلى الكَذِبِ. وعَنِ الكِسائِيِّ: أنَّ أكْذَبَهُ هو بِمَعْنى كَذَّبَ ما جاءَ بِهِ ولَمْ يَنْسِبِ المَفْعُولَ إلى الكَذِبِ، وأنَّ كَذَّبَهُ هو نَسَبَهُ إلى الكَذِبِ. وهو مَعْنى ما نُقِلَ عَنِ الزَّجّاجِ مَعْنى كَذَّبْتُهُ، قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، ومَعْنى أكْذَبْتُهُ، أرَيْتُهُ أنَّ ما أتى بِهِ كَذِبٌ. وقَوْلُهُ: ﴿ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ اسْتِدْراكٌ لِدَفْعِ أنْ يَتَوَهَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿لا يُكْذِبُونَكَ﴾ عَلى قِراءَةِ نافِعٍ ومَن وافَقَهُ أنَّهم صَدَّقُوا وآمَنُوا، وعَلى قِراءَةِ البَقِيَّةِ ﴿لا يُكْذِبُونَكَ﴾ أنَّهم لَمْ يَصْدُرْ مِنهم أصْلُ التَّكْذِيبِ مَعَ أنَّ الواقِعَ خِلافُ ذَلِكَ، فاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِأنَّهم يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ فَيَظْهَرُ حالُهم كَحالِ مَن يَنْسُبُ الآتِيَ بِالآياتِ إلى الكَذِبِ وما هم بِمُكَذِّبِينَ في نُفُوسِهِمْ. والجَحْدُ والجُحُودُ، الإنْكارُ لِلْأمْرِ المَعْرُوفِ، أيِ الإنْكارُ مَعَ العِلْمِ بِوُقُوعِ ما يُنْكَرُ، فَهو نَفْيُ ما يَعْلَمُ النّافِي ثُبُوتَهُ، فَهو إنْكارُ مُكابَرَةٍ. وعَدَلَ عَنِ الإضْمارِ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ الظّالِمِينَ﴾ ذَمًّا لَهم وإعْلامًا بِأنَّ شَأْنَ الظّالِمِ الجَحْدُ بِالحُجَّةِ، وتَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِأنَّ الظُّلْمَ سَجِيَّتُهم. وعَدّى يَجْحَدُونَ بِالباءِ كَما عُدِّيَ في قَوْلِهِ ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ الجَحْدِ بِالمَجْحُودِ، كالباءِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، وفي قَوْلِهِ: ﴿وما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إلّا أنْ كَذَّبَ بِها الأوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩]، وقَوْلِ النّابِغَةِ: ؎لَكَ الخَيْرُ إنْ وارَتْ بِكَ الأرْضُ واحِدًا ∗∗∗ وأصْبَحَ جَدُّ النّاسِ يَظْلَـعُ عَـاثِـرا ثُمَّ إنَّ الجَحْدَ بِآياتِ اللَّهِ أُرِيدَ بِهِ الجَحْدُ بِما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ الآياتِ. وجَحْدُها إنْكارُ أنَّها مِن آياتِ اللَّهِ، أيْ تَكْذِيبُ الآتِي بِها في قَوْلِهِ: إنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَآلَ ذَلِكَ إلى أنَّهم يُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. فَكَيْفَ يُجْمَعُ هَذا مَعَ قَوْلِهِ ﴿فَإنَّهم لا يُكْذِبُونَكَ﴾ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ. والَّذِي يُسْتَخْلَصُ مِن سِياقِ الآيَةِ أنَّ المُرادَ فَإنَّهم لا يَعْتَقِدُونَ أنَّكَ كاذِبٌ لِأنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهم بِالصِّدْقِ وكانَ يُلَقَّبُ بَيْنَهم بِالأمِينِ. وقَدْ قالَ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ لَمّا تَشاوَرَتْ قُرَيْشٌ في شَأْنِ الرَّسُولِ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كانَ مُحَمَّدٌ فِيكم غُلامًا أرْضاكم (ص-٢٠٠)فِيكم وأصْدَقُكم حَدِيثًا حَتّى إذا رَأيْتُمُ الشَّيْبَ في صُدْغَيْهِ قُلْتُمْ ساحِرٌ وقُلْتُمْ كاهِنٌ وقُلْتُمْ شاعِرٌ وقُلْتُمْ مَجْنُونٌ وواللَّهِ ما هو بِأُولَئِكم. ولِأنَّ الآياتِ الَّتِي جاءَ بِها لا يَمْتَرِي أحَدٌ في أنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ، ولِأنَّ دَلائِلَ صِدْقِهِ بَيِّنَةٌ واضِحَةٌ ولَكِنَّكم ظالِمُونَ. والظّالِمُ هو الَّذِي يَجْرِي عَلى خِلافِ الحَقِّ بِدُونِ شُبْهَةٍ. فَهم يُنْكِرُونَ الحَقَّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّهُ الحَقُّ، وذَلِكَ هو الجُحُودُ. وقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ عَنْهم بِذَلِكَ وهو أعْلَمُ بِسَرائِرِهِمْ. ونَظِيرُها قَوْلُهُ تَعالى حِكايَةً عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] فَيَكُونُ في الآيَةِ احْتِباكٌ. والتَّقْدِيرُ: فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولا يُكَذِّبُونَ الآياتِ ولَكِنَّهم يَجْحَدُونَ بِالآياتِ ويَجْحَدُونَ بِصِدْقِكَ، فَحَذَفَ مِن كُلٍّ لِدَلالَةِ الآخَرِ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ناجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ التّابِعِيِّ «أنَّ أبا جَهْلٍ قالَ لِلنَّبِيءِ ﷺ لا نُكَذِّبُكَ ولَكِنْ نُكَذِّبُ ما جِئْتَ بِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ فَإنَّهم ﴿لا يُكْذِبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»﴾ . ولا أحْسَبُ هَذا هو سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ. لِأنَّ أبا جَهْلٍ إنْ كانَ قَدْ قالَ ذَلِكَ فَقَدْ أرادَ الِاسْتِهْزاءَ، كَما قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في العارِضَةِ: ذَلِكَ أنَّهُ التَّكْذِيبُ بِما جاءَ بِهِ تَكْذِيبٌ لَهُ لا مَحالَةَ، فَقَوْلُهُ: لا نُكَذِّبُكَ، اسْتِهْزاءٌ بِإطْماعِ التَّصْدِيقِ.
الآية السابقة
الآية التالية