ثم بين - سبحانه - كيفية نزول العذاب بهم فقال : ( سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ) .والتسخير : التذليل عن طريق القهر والأمر الذى لا يمكن مخالفته .وحسوما : من الحَسْم بمعنى التتابع ، من حسمت الدابة ، إذا تابعت كيها على الداء مرة بعد مرة حتى ينحسم . . أو من الحسم بمعنى القطع ، ومنه سمى السيف حساما لأنه يقطع الرءوس ، وينهى الحياة .قال صاحب الكشاف : " والحسوم " لا يخلو من أن يكون جمع حاسم ، كشهود وقعود . أو مصدرا كالشكور والكفور ، فإن كان جمعا فمعنى قوله ( حُسُوماً ) : نحسات حسمت كل خير ، واستأصلت كل بركة . أو : متتابعة هبوب الرياح ، ما خففت ساعة حتى أتت عليهم ، تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم فى إعادة الكى على الداء ، كرة بعد كرة حتى ينحسم .وإن كان مصدرا ، فإما أن ينتصب بفعله مضمراً ، أى : تحسم حسوما ، بمعنى تستأصل استئصالا ، أو يكون صفة كقولك : ذات حسوم . .أى : أرسل الله - تعالى - على هؤلاء المجرمين الريح التى لا يمكنها التخلف عن أمره ، فبقيت تستأصل شأفتهم ، وتخمد أنفاسهم . . . ( سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ) أى : متتابعة ومتوالية حتى قطعت دابرهم ، ودمرتهم تدميرا .وقوله : ( حُسُوماً ) يصح أن يكون نعتا لسبع ليال وثمانية أيام ، ويصح أن يكون منصوبا على المصدرية بفعل من لفظه ، أى : تحسمهم حسوما .ثم صور - سبحانه - هيئاتهم بعد أن هلكوا فقال : ( فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )والخطاب فى قوله ( فَتَرَى . . . ) لغير معين . والفاء للتفريع على ما تقدم والضمير فى قوله ( فِيهَا ) يعود إلى الأيام والليالى . أو إلى مساكنهم .وقوله : ( صرعى ) أى : هلكى ، جمع صريع كقتيل وقتلى ، وجريح وجرحى .والأعجاز جمع عَجُز ، والمراد بها هنا جذوع النخقل التى قطعت رءوسها .وخاوية : أى : ساقطعة ، مأخوذ من خوى النجم ، إذا سقط للغروب أو من خوى المكان إذا خلا من أهله وسكانه ، وصار قاعا صفصفا . بعد أن كان ممتلئا بعُمَّارِه .أى : أرسل الله - تعالى - على هؤلاء الظالمين الريح المتتابعة لمدة سبع ليال وثمانية أيام ، فدمرتهم تدميرا ، وصار الرائى ينظر إليهم ينظر إليهم فيراهم وقد ألقوا على الأرض هلكى ، كأنهم فى ضخامة أجسادهم . . . جذوع نخل ساقطة على الأرض ، وقد انفصلت رءوسها عنها .وعبر - سبحانه - بقوله : ( فَتَرَى القوم . . ) لاستحضار صورتهم فى الأذهان ، حتى يزداد المخاطب اعتبارا بأحوالهم ، وبما حل بهم .والتشبيه بقوله : ( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ) المقصود منه تشنيع صورتهم ، والتنفير من مصيرهم السَّيِّئ ، لأن من كان هذا مصيره ، كان جديرا بأن يتحامى ، وأن يتجتنب أفعاله التى أدت به إلى هذه العاقبة المهينة .