تسجيل الدخول
الإعدادات
Select an option
الفاتحة
البقرة
آل عمران
النساء
المائدة
الأنعام
الأعراف
الأنفال
التوبة
يونس
هود
يوسف
الرعد
ابراهيم
الحجر
النحل
الإسراء
الكهف
مريم
طه
الأنبياء
الحج
المؤمنون
النور
الفرقان
الشعراء
النمل
القصص
العنكبوت
الروم
لقمان
السجدة
الأحزاب
سبإ
فاطر
يس
الصافات
ص
الزمر
غافر
فصلت
الشورى
الزخرف
الدخان
الجاثية
الأحقاف
محمد
الفتح
الحجرات
ق
الذاريات
الطور
النجم
القمر
الرحمن
الواقعة
الحديد
المجادلة
الحشر
الممتحنة
الصف
الجمعة
المنافقون
التغابن
الطلاق
التحريم
الملك
القلم
الحاقة
المعارج
نوح
الجن
المزمل
المدثر
القيامة
الانسان
المرسلات
النبإ
النازعات
عبس
التكوير
الإنفطار
المطففين
الإنشقاق
البروج
الطارق
الأعلى
الغاشية
الفجر
البلد
الشمس
الليل
الضحى
الشرح
التين
العلق
القدر
البينة
الزلزلة
العاديات
القارعة
التكاثر
العصر
الهمزة
الفيل
قريش
الماعون
الكوثر
الكافرون
النصر
المسد
الإخلاص
الفلق
الناس
Select an option
١
٢
٣
٤
٥
٦
٧
٨
٩
١٠
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠
٣١
٣٢
٣٣
٣٤
٣٥
٣٦
٣٧
٣٨
٣٩
٤٠
٤١
٤٢
٤٣
٤٤
٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
٤٩
٥٠
٥١
٥٢
٥٣
٥٤
٥٥
٥٦
٥٧
٥٨
٥٩
٦٠
٦١
٦٢
٦٣
٦٤
٦٥
٦٦
٦٧
٦٨
٦٩
٧٠
٧١
٧٢
٧٣
٧٤
٧٥
٧٦
٧٧
٧٨
٧٩
٨٠
٨١
٨٢
٨٣
٨٤
٨٥
٨٦
٨٧
٨٨
٨٩
٩٠
٩١
٩٢
٩٣
٩٤
٩٥
٩٦
٩٧
٩٨
٩٩
١٠٠
١٠١
١٠٢
١٠٣
١٠٤
١٠٥
١٠٦
١٠٧
١٠٨
١٠٩
١١٠
١١١
١١٢
١١٣
١١٤
١١٥
١١٦
١١٧
١١٨
١١٩
١٢٠
١٢١
١٢٢
١٢٣
١٢٤
١٢٥
١٢٦
١٢٧
١٢٨
١٢٩
١٣٠
١٣١
١٣٢
١٣٣
١٣٤
١٣٥
١٣٦
١٣٧
١٣٨
١٣٩
١٤٠
١٤١
١٤٢
١٤٣
١٤٤
١٤٥
١٤٦
١٤٧
١٤٨
١٤٩
١٥٠
١٥١
١٥٢
١٥٣
١٥٤
١٥٥
١٥٦
١٥٧
١٥٨
١٥٩
١٦٠
١٦١
١٦٢
١٦٣
١٦٤
١٦٥
١٦٦
١٦٧
١٦٨
١٦٩
١٧٠
١٧١
١٧٢
١٧٣
١٧٤
١٧٥
١٧٦
١٧٧
١٧٨
١٧٩
١٨٠
١٨١
١٨٢
١٨٣
١٨٤
١٨٥
١٨٦
١٨٧
١٨٨
١٨٩
١٩٠
١٩١
١٩٢
١٩٣
١٩٤
١٩٥
١٩٦
١٩٧
١٩٨
١٩٩
٢٠٠
٢٠١
٢٠٢
٢٠٣
٢٠٤
٢٠٥
٢٠٦
٢٠٧
٢٠٨
٢٠٩
٢١٠
٢١١
٢١٢
٢١٣
٢١٤
٢١٥
٢١٦
٢١٧
٢١٨
٢١٩
٢٢٠
٢٢١
٢٢٢
٢٢٣
٢٢٤
٢٢٥
٢٢٦
٢٢٧
٢٢٨
٢٢٩
٢٣٠
٢٣١
٢٣٢
٢٣٣
٢٣٤
٢٣٥
٢٣٦
٢٣٧
٢٣٨
٢٣٩
٢٤٠
٢٤١
٢٤٢
٢٤٣
٢٤٤
٢٤٥
٢٤٦
٢٤٧
٢٤٨
٢٤٩
٢٥٠
٢٥١
٢٥٢
٢٥٣
٢٥٤
٢٥٥
٢٥٦
٢٥٧
٢٥٨
٢٥٩
٢٦٠
٢٦١
٢٦٢
٢٦٣
٢٦٤
٢٦٥
٢٦٦
٢٦٧
٢٦٨
٢٦٩
٢٧٠
٢٧١
٢٧٢
٢٧٣
٢٧٤
٢٧٥
٢٧٦
٢٧٧
٢٧٨
٢٧٩
٢٨٠
٢٨١
٢٨٢
٢٨٣
٢٨٤
٢٨٥
٢٨٦
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
اردو
Kurdî
التحرير والتنوير لابن عاشور
والذين يومنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون ٤
وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلْـَٔاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
٣
﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ . عَطَفَ عَلى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] طائِفَةً ثانِيَةً عَلى الطّائِفَةِ الأوْلى المَعْنِيَّةِ بِقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] وهُما مَعًا قِسْمانِ لِلْمُتَّقِينَ، فَإنَّهُ بَعْدَ أنْ أخْبَرَ أنَّ القُرْآنَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ الشِّرْكِ وهُمُ العَرَبُ مِن أهْلِ مَكَّةَ وغَيْرِهِمْ ووَصَفَهم بِالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ حِينَ كانُوا مُشْرِكِينَ، ذَكَرَ فَرِيقًا آخَرَ مِنَ المُتَّقِينَ وهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ مِنَ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ثُمَّ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ، وهَؤُلاءِ هم مُؤْمِنُوا أهْلِ الكِتابِ وهم يَوْمَئِذٍ اليَهُودُ الَّذِينَ كانُوا كَثِيرِينَ في المَدِينَةِ وما حَوْلَها في قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ وخَيْبَرَ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامَ، وبَعْضِ النَّصارى مِثْلَ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ ودِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وهم وإنْ شارَكُوا مُسْلِمِي العَرَبِ في الِاهْتِداءِ بِالقُرْآنِ والإيمانِ بِالغَيْبِ وإقامَةِ الصَّلاةِ فَإنَّ ذَلِكَ كانَ مِن صِفاتِهِمْ قَبْلَ مَجِيءِ الإسْلامِ فَذَكَرْتُ لَهم خَصْلَةً أُخْرى زائِدَةً عَلى ما وُصِفَ بِهِ المُسْلِمُونَ الأوَّلُونَ، فالمُغايَرَةُ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ هُنا بِالعُمُومِ والخُصُوصِ، ولَمّا كانَ قَصْدُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ يَسْتَلْزِمُ عَطْفَهم وكانَ العَطْفُ بِدُونِ تَنْبِيهٍ عَلى أنَّهم فَرِيقٌ آخَرُ يُوهِمُ أنَّ القُرْآنَ لا يَهْدِي إلّا الَّذِينَ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ مِن قَبْلُ لِأنَّ هَذِهِ خاتِمَةُ الصِّفاتِ فَهي مُرادَةٌ فَيُظَنُّ أنَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ شِرْكٍ لا حَظَّ لَهم مِن هَذا الثَّناءِ، وكَيْفَ وفِيهِمْ مِن خِيرَةِ المُؤْمِنِينَ (ص-٢٣٨)مِنَ الصَّحابَةِ وهم أشَدُّ اتِّقاءً واهْتِداءً إذْ لَمْ يَكُونُوا أهْلَ تَرَقُّبٍ لِبَعْثَةِ رَسُولٍ مِن قَبْلُ فاهْتِداؤُهم نَشَأ عَنْ تَوْفِيقٍ رَبّانِيٍّ، دُفِعَ هَذا الإيهامُ بِإعادَةِ المَوْصُولِ لِيُؤْذِنَ بِأنَّ هَؤُلاءِ فَرِيقٌ آخَرُ غَيْرُ الفَرِيقِ الَّذِي أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفاتُ الثَّلاثُ الأُوَلُ، وبِذَلِكَ تَبَيَّنَ أنَّ المُرادَ بِأهْلِ الصِّفاتِ الثَّلاثِ الأُوَلِ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ شِرْكٍ لِوُجُودِ المُقابَلَةِ. ويَكُونُ المَوْصُولانِ لِلْعَهْدِ، وعَلِمَ أنَّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ مِن قَبْلُ هم أيْضًا مِمَّنْ يُؤْمِنُ بِالغَيْبِ ويُقِيمُ الصَّلاةَ ويُنْفِقُ لِأنَّ ذَلِكَ مِمّا أُنْزِلَ إلى النَّبِيءِ، وفي التَّعْبِيرِ بِالمُضارِعِ مِن قَوْلِهِ ﴿يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ مِن إفادَةِ التَّجَدُّدِ مِثْلَ ما تَقَدَّمَ في نَظائِرِهِ لِأنَّ إيمانَهم بِالقُرْآنِ حَدَثَ جَدِيدًا، وهَذا كُلُّهُ تَخْصِيصٌ لَهم بِمَزِيَّةٍ يَجِبُ اعْتِبارُها وإنْ كانَ التَّفاضُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقُوَّةِ الإيمانِ ورُسُوخِهِ وشِدَّةِ الِاهْتِداءِ، فَأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ أفْضَلُ مِن دِحْيَةَ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ. والإنْزالُ جَعْلُ الشَّيْءِ نازِلًا، والنُّزُولُ الِانْتِقالُ مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ وهو حَقِيقَةٌ في انْتِقالِ الذَّواتِ مِن عُلُوٍّ، ويُطْلَقُ الإنْزالُ ومادَّةُ اشْتِقاقِهِ بِوَجْهِ المَجازِ اللُّغَوِيِّ عَلى مَعانٍ راجِعَةٍ إلى تَشْبِيهِ عَمَلٍ بِالنُّزُولِ لِاعْتِبارِ شَرَفٍ ورِفْعَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكم لِباسًا﴾ [الأعراف: ٢٦] وقَوْلِهِ ﴿وأنْزَلَ لَكم مِنَ الأنْعامِ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ [الزمر: ٦] لِأنَّ خَلْقَ اللَّهِ وعَطاءَهُ يُجْعَلُ كَوُصُولِ الشَّيْءِ مِن جِهَةٍ عُلْيا لِشَرَفِهِ، وأمّا إطْلاقُهُ عَلى بُلُوغِ الوَصْفِ مِنَ اللَّهِ إلى الأنْبِياءِ فَهو إمّا مَجازٌ عَقْلِيٌّ بِإسْنادِ النُّزُولِ إلى الوَحْيِ تَبَعًا لِنُزُولِ المَلَكِ مُبَلِّغِهِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهَذا العالَمِ نازِلًا مِنَ العالَمِ العُلْوِيِّ قالَ تَعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] عَلى قَلْبِكَ فَإنَّ المَلَكَ مُلابِسٌ لِلْكَلامِ المَأْمُورِ بِتَبْلِيغِهِ، وإمّا مَجازٌ لُغَوِيٌّ بِتَشْبِيهِ المَعانِي الَّتِي تُلْقى إلى النَّبِيءِ بِشَيْءٍ وصَلَ مِن مَكانٍ عالٍ، ووَجْهُ الشَّبَهِ هو الِارْتِفاعُ المَعْنَوِيُّ لا سِيَّما إذا كانَ الوَحْيُ كَلامًا سَمِعَهُ الرَّسُولُ كالقُرْآنِ وكَما أُنْزِلَ إلى مُوسى وكَما وصَفَ النَّبِيءُ ﷺ بَعْضَ أحْوالِ الوَحْيِ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِقَوْلِهِ وأحْيانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ فَيَفْصِمُ عَنِّي وقَدْ وعَيْتُ ما قالَ وأمّا رُؤْيا النَّوْمِ كَرُؤْيا إبْراهِيمَ فَلا تُسَمّى إنْزالًا، والمُرادُ بِما أُنْزِلَ إلى النَّبِيءِ ﷺ المِقْدارُ الَّذِي تَحَقَّقَ نُزُولُهُ مِنَ القُرْآنِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ فَإنَّ الثَّناءَ عَلى المُهْتَدِينَ إنَّما يَكُونُ بِأنَّهم حَصَلَ مِنهم إيمانٌ بِما نَزَلَ لا تَوَقُّعُ إيمانِهِمْ بِما سَيَنْزِلُ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَحْتاجُ لِلذِّكْرِ إذْ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ يَسْتَمِرُّ إيمانُهُ بِكُلِّ ما يَنْزِلُ عَلى الرَّسُولِ لِأنَّ العِنادَ وعَدَمَ الِاطْمِئْنانِ إنَّما يَكُونُ في أوَّلِ الأمْرِ، فَإذا زالا بِالإيمانِ أمِنُوا مِنَ الِارْتِدادِ وكَذَلِكَ الإيمانُ حِينَ (ص-٢٣٩)تُخالِطُ بَشاشَتُهُ القُلُوبُ. فالإيمانُ بِما سَيَنْزِلُ في المُسْتَقْبَلِ حاصِلٌ بِفَحْوى الخِطابِ وهي الدَّلالَةُ الأُخْرَوِيَّةُ فَإيمانُهم بِما سَيَنْزِلُ مُرادٌ مِنَ الكَلامِ ولَيْسَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ الَّذِي هو لِلْماضِي فَلا حاجَةَ إلى دَعْوى تَغْلِيبِ الماضِي عَلى المُسْتَقْبَلِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿بِما أُنْزِلَ﴾ والمُرادُ ما أُنْزِلَ وما سَيَنْزِلُ كَما في الكَشّافِ. وعَدّى الإنْزالَ بِإلى لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الوَصْفِ فالمُنْزَلُ إلَيْهِ غايَةٌ لِلنُّزُولِ والأكْثَرُ والأصْلُ أنَّهُ يُعَدّى بِحَرْفِ عَلى لِأنَّهُ في مَعْنى السُّقُوطِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ [آل عمران: ٣] وإذا أُرِيدَ أنَّ الشَّيْءَ اسْتَقَرَّ عِنْدَ المُنْزَلِ عَلَيْهِ وتَمَكَّنَ مِنهُ قالَ تَعالى ﴿وأنْزَلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى﴾ [البقرة: ٥٧] واخْتِيارُ إحْدى التَّعْدِيَتَيْنِ تَفَنُّنٌ في الكَلامِ. ثُمَّ إنَّ فائِدَةَ الإتْيانِ بِالمَوْصُولِ هُنا دُونَ أنْ يُقالَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ مِن أهْلِ الكِتابِ الدَّلالَةُ بِالصِّلَةِ عَلى أنَّ هَؤُلاءِ كانُوا آمَنُوا بِما ثَبَتَ نُزُولُهُ مِنَ اللَّهِ عَلى رُسُلِهِمْ دُونَ تَخْلِيطٍ بِتَحْرِيفاتٍ صَدَّتْ قَوْمَهم عَنِ الدُّخُولِ في الإسْلامِ كَكَوْنِ التَّوْراةِ لا تَقْبَلُ النَّسْخَ وأنَّهُ يَجِيءُ في آخِرِ الزَّمانِ مِن عَقِبِ إسْرائِيلَ مَن يُخَلِّصُ بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ الأسْرِ والعُبُودِيَّةِ ونَحْوُ ذَلِكَ مِن كُلِّ ما لَمْ يَنْزِلْ في الكُتُبِ السّابِقَةِ، ولَكِنَّهُ مِنَ المَوْضُوعاتِ أوْ مِن فاسِدِ التَّأْوِيلاتِ فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِغُلاةِ اليَهُودِ والنَّصارى الَّذِينَ صَدَّهم غُلُوُّهم في دِينِهِمْ وقَوْلُهم عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ عَنِ اتِّباعِ النَّبِيءِ ﷺ . وقَوْلُهُ ﴿وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ عَطْفُ صِفَةٍ ثانِيَةٍ وهي ثُبُوتُ إيمانِهِمْ بِالآخِرَةِ أيِ اعْتِقادِهِمْ بِحَياةٍ ثانِيَةٍ بَعْدَ هَذِهِ الحَياةِ، وإنَّما خُصَّ هَذا الوَصْفُ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِ أوْصافِهِمْ لِأنَّهُ مِلاكُ التَّقْوى والخَشْيَةِ الَّتِي جُعِلُوا مَوْصُوفِينَ بِها لِأنَّ هَذِهِ الأوْصافَ كُلَّها جارِيَةٌ عَلى ما أجْمَلَهُ الوَصْفُ بِالمُتَّقِينَ فَإنَّ اليَقِينَ بِدارِ الثَّوابِ والعِقابِ هو الَّذِي يُوجِبُ الحَذَرَ والفِكْرَةَ فِيما يُنْجِي النَّفْسَ مِنَ العِقابِ ويُنَعِّمُها بِالثَّوابِ وذَلِكَ الَّذِي ساقَهم إلى الإيمانِ بِالنَّبِيءِ ﷺ ولِأنَّ هَذا الإيقانَ بِالآخِرَةِ مِن مَزايا أهْلِ الكِتابِ مِنَ العَرَبِ في عَهْدِ الجاهِلِيَّةِ فَإنَّ المُشْرِكِينَ لا يُوقِنُونَ بِحَياةٍ ثانِيَةٍ فَهم دَهْرِيُّونَ، وأمّا ما يُحْكى عَنْهم مِن أنَّهم كانُوا يَرْبُطُونَ راحِلَةَ المَيِّتِ عِنْدَ قَبْرِهِ ويَتْرُكُونَها لا تَأْكُلُ ولا تَشْرَبُ حَتّى المَوْتَ ويَزْعُمُونَ أنَّهُ إذا حَيِيَ يَرْكَبُها فَلا يُحْشَرُ راجِلًا (ص-٢٤٠)ويُسَمُّونَها البَلِيَّةَ فَذَلِكَ تَخْلِيطٌ بَيْنَ مَزاعِمِ الشِّرْكِ وما يَتَلَقَّوْنَهُ عَنِ المُتَنَصِّرِينَ مِنهم بِدُونِ تَأمُّلٍ. والآخِرَةُ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ هي الحَياةُ الآخِرَةُ فَإنَّ الآخِرَةَ صِفَةُ تَأْنِيثِ الآخِرِ بِالمَدِّ وكَسْرِ الخاءِ وهو الحاصِلُ المُتَأخِّرُ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَهُ في فِعْلٍ أوْ حالٍ، وتَأْنِيثُ وصْفِ الآخِرَةِ مَنظُورٌ فِيهِ إلى أنَّ المُرادَ إجْراؤُهُ عَلى مَوْصُوفٍ مُؤَنَّثِ اللَّفْظِ حُذِفَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمالِهِ وصَيْرُورَتِهِ مَعْلُومًا وهو يُقَدَّرُ بِالحَياةِ الآخِرَةِ مُراعاةً لِضِدِّهِ وهو الحَياةُ الدُّنْيا أيِ القَرِيبَةُ بِمَعْنى الحاضِرَةِ، ولِذَلِكَ يُقالُ لَها العاجِلَةُ ثُمَّ صارَتِ الآخِرَةُ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ عَلى الحَياةِ الحاصِلَةِ بَعْدَ المَوْتِ وهي الحاصِلَةُ بَعْدَ البَعْثِ لِإجْراءِ الجَزاءِ عَلى الأعْمالِ. فَمَعْنى ﴿وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ أنَّهم يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ والحَياةِ بَعْدَ المَوْتِ. واليَقِينُ هو العِلْمُ بِالشَّيْءِ عَنْ نَظَرٍ واسْتِدْلالٍ أوْ بَعْدَ شَكٍّ سابِقٍ ولا يَكُونُ شَكٌّ إلّا في أمْرٍ ذِي نَظَرٍ فَيَكُونُ أخَصَّ مِنَ الإيمانِ ومِنَ العِلْمِ. واحْتَجَّ الرّاغِبُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ﴾ [التكاثر: ٥] ﴿لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ﴾ [التكاثر: ٦] ولِذَلِكَ لا يُطْلِقُونَ الإيقانَ عَلى عِلْمِ اللَّهِ ولا عَلى العُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وقِيلَ هو العِلْمُ الَّذِي لا يَقْبَلُ الِاحْتِمالَ وقَدْ يُطْلَقُ عَلى الظَّنِّ القَوِيِّ إطْلاقًا عُرْفِيًّا حَيْثُ لا يَخْطُرُ بِالبالِ أنَّهُ ظَنٌّ ويُشْتَبَهُ بِالعِلْمِ الجازِمِ فَيَكُونُ مُرادِفًا لِلْإيمانِ والعِلْمِ. فالتَّعْبِيرُ عَنْ إيمانِهِمْ بِالآخِرَةِ بِمادَّةِ الإيقانِ لِأنَّ هاتِهِ المادَّةَ، تُشْعِرُ بِأنَّهُ عِلْمٌ حاصِلٌ عَنْ تَأمُّلِ وغَوْصِ الفِكْرِ في طَرِيقِ الِاسْتِدْلالِ لِأنَّ الآخِرَةَ لَمّا كانَتْ حَياةً غائِبَةً عَنِ المُشاهَدَةِ غَرِيبَةً بِحَسَبِ المُتَعارَفِ وقَدْ كَثُرَتِ الشُّبَهُ الَّتِي جَرَّتِ المُشْرِكِينَ والدَّهْرِيِّينَ عَلى نَفْيِها وإحالَتِها، كانَ الإيمانُ بِها جَدِيرًا بِمادَّةِ الإيقانِ بِناءً عَلى أنَّهُ أخَصُّ مِنَ الإيمانِ، فَلِإيثارِ يُوقِنُونَ هُنا خُصُوصِيَّةٌ مُناسِبَةٌ لِبَلاغَةِ القُرْآنِ، والَّذِينَ جَعَلُوا الإيقانَ والإيمانَ مُتَرادِفَيْنِ جَعَلُوا ذِكْرَ الإيقانِ هُنا لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ تَجَنُّبًا لِإعادَةِ لَفْظِ يُؤْمِنُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ وفي قَوْلِهِ تَعالى ﴿وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ تَقْدِيمٌ لِلْمَجْرُورِ الَّذِي هو مَعْمُولُ يُوقِنُونَ عَلى عامِلِهِ، وهو تَقْدِيمٌ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمامِ مَعَ رِعايَةِ الفاصِلَةِ، وأرى أنَّ في هَذا التَّقْدِيمِ ثَناءً عَلى هَؤُلاءِ بِأنَّهم أيْقَنُوا بِأهَمِّ ما يُوقِنُ بِهِ المُؤْمِنُ فَلَيْسَ التَّقْدِيمُ بِمُفِيدٍ حَصْرًا إذْ لا يَسْتَقِيمُ مَعْنى الحَصْرِ هُنا بِأنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّهم يُوقِنُونَ بِالآخِرَةِ دُونَ غَيْرِها، وقَدْ تَكَلَّفَ صاحِبُ الكَشّافِ وشارِحُوهُ لِإفادَةِ الحَصْرِ مِن هَذا التَّقْدِيمِ ويَخْرُجُ الحَصْرُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِذاتِ المَحْصُورِ فِيهِ إلى تَعَلُّقِهِ بِأحْوالِهِ وهَذا غَيْرُ مَعْهُودٍ في الحَصْرِ. (ص-٢٤١)وقَوْلُهُ ﴿هم يُوقِنُونَ﴾ جِيءَ بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ مُقَدَّمًا عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ لِإفادَةِ تَقْوِيَةِ الخَبَرِ إذْ هو إيقانٌ ثابِتٌ عِنْدَهم مِن قَبْلِ مَجِيءِ الإسْلامِ عَلى الإجْمالِ، وإنْ كانَتِ التَّوْراةُ خالِيَةً عَنْ تَفْصِيلِهِ والإنْجِيلُ أشارَ إلى حَياةِ الرُّوحِ، وتَعَرَّضَ كِتابا حِزْقِيالَ وأشْعِياءَ لِذِكْرِهِ. وفِي كِلا التَّقْدِيمَيْنِ تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ الدَّهْرِيِّينَ ونِداءٌ عَلى انْحِطاطِ عَقِيدَتِهِمْ، وأمّا المُتَّبِعُونَ لِلْحَنِيفِيَّةِ في ظَنِّهِمْ مِثْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ وزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِمْ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ أوْ لِأنَّهم مُلْحَقُونَ بِأهْلِ الكِتابِ لِأخْذِهِمْ عَنْهم كَثِيرًا مِن شَرائِعِهِمْ بِعِلَّةِ أنَّها مِن شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
الآية السابقة
الآية التالية