تسجيل الدخول
الإعدادات
Select an option
الفاتحة
البقرة
آل عمران
النساء
المائدة
الأنعام
الأعراف
الأنفال
التوبة
يونس
هود
يوسف
الرعد
ابراهيم
الحجر
النحل
الإسراء
الكهف
مريم
طه
الأنبياء
الحج
المؤمنون
النور
الفرقان
الشعراء
النمل
القصص
العنكبوت
الروم
لقمان
السجدة
الأحزاب
سبإ
فاطر
يس
الصافات
ص
الزمر
غافر
فصلت
الشورى
الزخرف
الدخان
الجاثية
الأحقاف
محمد
الفتح
الحجرات
ق
الذاريات
الطور
النجم
القمر
الرحمن
الواقعة
الحديد
المجادلة
الحشر
الممتحنة
الصف
الجمعة
المنافقون
التغابن
الطلاق
التحريم
الملك
القلم
الحاقة
المعارج
نوح
الجن
المزمل
المدثر
القيامة
الانسان
المرسلات
النبإ
النازعات
عبس
التكوير
الإنفطار
المطففين
الإنشقاق
البروج
الطارق
الأعلى
الغاشية
الفجر
البلد
الشمس
الليل
الضحى
الشرح
التين
العلق
القدر
البينة
الزلزلة
العاديات
القارعة
التكاثر
العصر
الهمزة
الفيل
قريش
الماعون
الكوثر
الكافرون
النصر
المسد
الإخلاص
الفلق
الناس
Select an option
١
٢
٣
٤
٥
٦
٧
٨
٩
١٠
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠
٣١
٣٢
٣٣
٣٤
٣٥
٣٦
٣٧
٣٨
٣٩
٤٠
٤١
٤٢
٤٣
٤٤
٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
٤٩
٥٠
٥١
٥٢
٥٣
٥٤
٥٥
٥٦
٥٧
٥٨
٥٩
٦٠
٦١
٦٢
٦٣
٦٤
٦٥
٦٦
٦٧
٦٨
٦٩
٧٠
٧١
٧٢
٧٣
٧٤
٧٥
٧٦
٧٧
٧٨
٧٩
٨٠
٨١
٨٢
٨٣
٨٤
٨٥
٨٦
٨٧
٨٨
٨٩
٩٠
٩١
٩٢
٩٣
٩٤
٩٥
٩٦
٩٧
٩٨
٩٩
١٠٠
١٠١
١٠٢
١٠٣
١٠٤
١٠٥
١٠٦
١٠٧
١٠٨
١٠٩
١١٠
١١١
١١٢
١١٣
١١٤
١١٥
١١٦
١١٧
١١٨
١١٩
١٢٠
١٢١
١٢٢
١٢٣
١٢٤
١٢٥
١٢٦
١٢٧
١٢٨
١٢٩
١٣٠
١٣١
١٣٢
١٣٣
١٣٤
١٣٥
١٣٦
١٣٧
١٣٨
١٣٩
١٤٠
١٤١
١٤٢
١٤٣
١٤٤
١٤٥
١٤٦
١٤٧
١٤٨
١٤٩
١٥٠
١٥١
١٥٢
١٥٣
١٥٤
١٥٥
١٥٦
١٥٧
١٥٨
١٥٩
١٦٠
١٦١
١٦٢
١٦٣
١٦٤
١٦٥
١٦٦
١٦٧
١٦٨
١٦٩
١٧٠
١٧١
١٧٢
١٧٣
١٧٤
١٧٥
١٧٦
١٧٧
١٧٨
١٧٩
١٨٠
١٨١
١٨٢
١٨٣
١٨٤
١٨٥
١٨٦
١٨٧
١٨٨
١٨٩
١٩٠
١٩١
١٩٢
١٩٣
١٩٤
١٩٥
١٩٦
١٩٧
١٩٨
١٩٩
٢٠٠
٢٠١
٢٠٢
٢٠٣
٢٠٤
٢٠٥
٢٠٦
٢٠٧
٢٠٨
٢٠٩
٢١٠
٢١١
٢١٢
٢١٣
٢١٤
٢١٥
٢١٦
٢١٧
٢١٨
٢١٩
٢٢٠
٢٢١
٢٢٢
٢٢٣
٢٢٤
٢٢٥
٢٢٦
٢٢٧
٢٢٨
٢٢٩
٢٣٠
٢٣١
٢٣٢
٢٣٣
٢٣٤
٢٣٥
٢٣٦
٢٣٧
٢٣٨
٢٣٩
٢٤٠
٢٤١
٢٤٢
٢٤٣
٢٤٤
٢٤٥
٢٤٦
٢٤٧
٢٤٨
٢٤٩
٢٥٠
٢٥١
٢٥٢
٢٥٣
٢٥٤
٢٥٥
٢٥٦
٢٥٧
٢٥٨
٢٥٩
٢٦٠
٢٦١
٢٦٢
٢٦٣
٢٦٤
٢٦٥
٢٦٦
٢٦٧
٢٦٨
٢٦٩
٢٧٠
٢٧١
٢٧٢
٢٧٣
٢٧٤
٢٧٥
٢٧٦
٢٧٧
٢٧٨
٢٧٩
٢٨٠
٢٨١
٢٨٢
٢٨٣
٢٨٤
٢٨٥
٢٨٦
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
اردو
Kurdî
التحرير والتنوير لابن عاشور
فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم ٣٧
فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍۢ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٣٧
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
٣
﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هو التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ جاءَ بِالفاءِ إيذانًا بِمُبادَرَةِ آدَمَ بِطَلَبِ العَفْوِ. والتَّلَقِّي اسْتِقْبالُ إكْرامٍ ومَسَرَّةٍ، قالَ تَعالى ﴿وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] ووَجْهُ دَلالَتِهِ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ صِيغَةُ ”تَفَعَّلَ“ مَن لَقِيَهُ وهي دالَّةٌ عَلى التَّكَلُّفِ لِحُصُولِهِ وتَطَلُّبِهِ وإنَّما يُتَكَلَّفُ ويُتَطَلَّبُ لِقاءُ الأمْرِ المَحْبُوبِ، بِخِلافِ لاقى، فَلا يَدُلُّ عَلى كَوْنِ المُلاقى مَحْبُوبًا بَلْ تَقُولُ: لاقى العَدْوَ، واللِّقاءُ الحُضُورُ نَحْوُ الغَيْرِ بِقَصْدٍ أوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ وفي خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، قالَ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا﴾ [الأنفال: ١٥] الآيَةَ فالتَّعْبِيرُ بِتَلَقّى هُنا مُؤَذِنٌ بِأنَّ الكَلِماتِ الَّتِي أخَذَها آدَمُ كَلِماتٌ نافِعَةٌ لَهُ فَعُلِمَ أنَّها لَيْسَتْ كَلِماتِ زَجْرٍ وتَوْبِيخٍ بَلْ كَلِماتُ عَفْوٍ ومَغْفِرَةٍ ورِضًا، وهي إمّا كَلِماتٌ لُقِّنَها آدَمُ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى لِيَقُولَها طالِبًا المَغْفِرَةَ وإمّا كَلِماتُ إعْلامٍ مِنَ اللَّهِ إيّاهُ بِأنَّهُ عَفا عَنْهُ بَعْدَ أنْ أهْبِطَهُ مِنَ الجَنَّةِ اكْتِفاءً بِذَلِكَ في العُقُوبَةِ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّها كَلِماتُ عَفْوٍ عَطْفُ (فَتابَ عَلَيْهِ) بِالفاءِ إذْ لَوْ كانَتْ كَلِماتِ تَوْبِيخٍ لَما صَحَّ التَّسَبُّبُ، وتَلَقِّي آدَمَ لِلْكَلِماتِ إمّا بِطَرِيقِ الوَحْيِ (ص-٤٣٨)أوِ الإلْهامِ ولَهم في تَعْيِينِ هَذِهِ الكَلِماتِ رِواياتٌ أعْرَضْنا عَنْها لِقِلَّةِ جَدْوى الِاشْتِغالِ بِذَلِكَ، فَقَدْ قالَ آدَمُ الكَلِماتِ فَتِيبَ عَلَيْهِ فَلْنَهْتَمَّ نَحْنُ بِما يَنْفَعُنا مِنَ الكَلامِ الصّالِحِ والفِعْلِ الصّالِحِ. ولَمْ تُذْكَرْ تَوْبَةُ حَوّاءَ هُنا مَعَ أنَّها مَذْكُورَةٌ في مَواضِعَ أُخْرى نَحْوُ قَوْلِهِ ﴿قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا﴾ [الأعراف: ٢٣] لِظُهُورِ أنَّها تَتْبَعُهُ في سائِرِ أحْوالِهِ وأنَّهُ أرْشَدَها إلى ما أُرْشِدَ إلَيْهِ، وإنَّما لَمْ يُذْكَرْ في هَذِهِ الآيَةِ لِأنَّ الكَلامَ جَرى عَلى الِابْتِداءِ بِتَكْرِيمِ آدَمَ وجَعْلِهِ في الأرْضِ خَلِيفَةً فَكانَ الِاعْتِناءُ بِذِكْرِ تَقَلُّباتِهِ هو الغَرَضَ المَقْصُودَ، وأصْلُ مَعْنى تابَ رَجَعَ ونَظِيرُهُ ثابَ بِالمُثَلَّثَةِ، ولَمّا كانَتِ التَّوْبَةُ رُجُوعًا مِنَ التّائِبِ إلى الطّاعَةِ ونَبْذًا لِلْعِصْيانِ، وكانَ قَبُولُها رُجُوعًا مِنَ المَتُوبِ إلَيْهِ إلى الرِّضا وحُسْنِ المُعامَلَةِ وُصِفَ بِذَلِكَ رُجُوعُ العاصِي عَنِ العِصْيانِ ورُجُوعُ المَعْصِيِّ عَنِ العِقابِ فَقالُوا تابَ فُلانٌ لِفُلانٍ فَتابَ عَلَيْهِ لِأنَّهم ضَمَّنُوا الثّانِيَ مَعْنى عَطْفٍ ورَضًى، فاخْتِلافُ مُفادَيْ هَذا الفِعْلِ بِاخْتِلافِ الحَرْفِ الَّذِي يَتَعَدّى بِهِ وكانَ أصْلُهُ مَبْنِيًّا عَلى المُشاكَلَةِ. والتَّوْبَةُ تَتَرَكَّبُ مِن عِلْمٍ وحالٍ وعَمَلٍ فالعِلْمُ هو مَعْرِفَةُ الذَّنَبِ، والحالُ هو تَألُّمُ النَّفْسِ مِن ذَلِكَ الضَّرَرِ ويُسَمّى نَدَمًا، والعَمَلُ هو التَّرْكُ لِلْإثْمِ وتَدارُكُ ما يُمْكِنُ تَدارُكَهُ وهو المَقْصُودُ مِنَ التَّوْبَةِ وأمّا النَّدَمُ فَهو الباعِثُ عَلى العَمَلِ ولِذَلِكَ ورَدَ في الحَدِيثِ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» قالَهُ الغَزالِيُّ. قُلْتُ: أيْ لِأنَّهُ سَبَبُها ضَرُورَةً أنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ لِأنَّ أحَدَ الجُزْءَيْنِ غَيْرُ مَعْرِفَةٍ. ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِـ (تابَ عَلَيْهِ) هُنا مُشْعِرٌ بِأنَّ أكْلَ آدَمَ مِنَ الشَّجَرَةِ خَطِيئَةٌ وإثْمٌ، غَيْرَ أنَّ الخَطِيئَةَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا عَلَيْها جَزاءُ عِقابٍ أُخْرَوِيٍّ ولا نَقْصٌ في الدِّينِ، ولَكِنَّها أوْجَبَتْ تَأْدِيبًا عاجِلًا لِأنَّ الإنْسانَ يَوْمَئِذٍ في طَوْرٍ كَطَوْرِ الصِّبا فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ ارْتِكابُها بِقادِحٍ في نُبُوءَةِ آدَمَ، عَلى أنَّها لا يَظْهَرُ أنْ تُعَدَّ مِنَ الكَبائِرِ بَلْ قِصارُها أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّغائِرِ إذْ لَيْسَ فِيها مَعْنًى يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِراثٍ بِالأمْرِ ولا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسادٌ، وفي عِصْمَةِ الأنْبِياءِ مِنَ الصَّغائِرِ خِلافٌ بَيْنِ أصْحابِ الأشْعَرِيِّ وبَيْنَ الماتُرِيدِيِّ وهي في كُتُبِ الكَلامِ، عَلى أنَّ نُبُوءَةَ آدَمَ فِيما يَظْهَرُ كانَتْ بَعْدَ النُّزُولِ إلى الأرْضِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ عِصْمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ إذِ العِصْمَةُ عِنْدَ النُّبُوءَةِ. وعِنْدِي - وبَعْضُهُ مَأْخُوذٌ مِن كَلامِهِمْ - أنَّ ذَلِكَ العالَمَ لَمْ يَكُنْ عالَمَ تَكْلِيفٍ بِالمَعْنى المُتَعارَفِ عِنْدَ أهْلِ الشَّرائِعِ، بَلْ عالَمَ تَرْبِيَةٍ فَقَطْ، فَتَكُونُ خَطِيئَةُ آدَمَ ومَعْصِيَتُهُ مُخالَفَةً تَأْدِيبِيَّةً ولِذَلِكَ كانَ الجَزاءُ عَلَيْها جارِيًا عَلى طَرِيقَةِ العُقُوباتِ التَّأْدِيبِيَّةِ بِالحِرْمانِ مِمّا جَرَّهُ إلى المَعْصِيَةِ، فَإطْلاقُ المَعْصِيَةِ والتَّوْبَةِ وظُلْمِ النَّفْسِ عَلى جَمِيعِ ذَلِكَ هو بِغَيْرِ المَعْنى الشَّرْعِيِّ المَعْرُوفِ بَلْ هي مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ، (ص-٤٣٩)وتَوْبَةٌ بِمَعْنى النَّدَمِ والرُّجُوعِ إلى التِزامِ حُسْنِ السُّلُوكِ، وتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَعْنى الرِّضا لا بِمَعْنى غُفْرانِ الذُّنُوبِ، وظُلْمُ النَّفْسِ بِمَعْنى التَّسَبُّبِ في حِرْمانِها مِن لَذّاتٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ لَذَّةٍ قَلِيلَةٍ فَهو قَدْ خالَفَ ما كانَ يَنْبَغِي أنْ لا يُخالِفَهُ ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ﴾ [البقرة: ٣٨] إلى قَوْلِهِ ﴿خالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٩] فَإنَّهُ هو الَّذِي بَيَّنَ بِهِ لَهم أنَّ المَعْصِيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ جَزاؤُها جَهَنَّمُ، فَأوْرَدَ عَلَيَّ بَعْضُ الحُذّاقِ مِن طَلَبَةِ الدَّرْسِ أنَّهُ إذا لَمْ يَكُنِ العالَمُ عالَمَ تَكْلِيفٍ فَكَيْفَ كَفَرَ إبْلِيسُ بِاعْتِراضِهِ وامْتِناعِهِ مِنَ السُّجُودِ ؟ فَأجَبْتُهُ بِأنَّ دَلالَةَ أُلُوهِيَّةِ اللَّهِ تَعالى في ذَلِكَ العالَمِ حاصِلَةٌ بِالمُشاهَدَةِ حُصُولًا أقْوى مِن كُلِّ دَلالَةٍ زِيادَةً عَلى دَلالَةِ العَقْلِ؛ لِأنَّ إبْلِيسَ شاهِدٌ بِالحِسِّ الدَّلائِلَ عَلى تَفَرُّدِهِ تَعالى بِالأُلُوهِيَّةِ والخَلْقِ والتَّصَرُّفِ المُطْلَقِ وبِعَلَمِهِ وحِكْمَتِهِ واتِّصافِهِ بِصِفاتِ الكَمالِ كَما حَصَلَ العِلْمُ بِمِثْلِهِ لِلْمَلائِكَةِ، فَكانَ اعْتِراضُهُ عَلى فِعْلِهِ والتَّغْلِيطُ إنْكارًا لِمُقْتَضى تِلْكَ الصِّفاتِ فَكانَ مُخالَفَةً لِدَلائِلِ الإيمانِ فَكَفَرَ بِهِ. وأمّا الأمْرُ والنَّهْيُ والطّاعَةُ والمَعْصِيَةُ وجَزاءُ ذَلِكَ فَلا يُتَلَقّى إلّا بِالإخْباراتِ الشَّرْعِيَّةِ وهي لَمْ تَحْصُلْ يَوْمَئِذٍ وإنَّما حَصَلَتْ بِقَوْلِهِ تَعالى لَهم (فَمَن تَبِعَ هُدايَ) الآيَةَ فَظَهَرَ الفَرْقُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ آدَمُ بِالرَّفْعِ و(كَلِماتٍ) بِالنَّصْبِ، وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِنَصْبِ (آدَمَ) ورَفْعِ (كَلِماتٌ) عَلى تَأْوِيلِ (تَلَقى) بِمَعْنى بَلَغَتْهُ كَلِماتٌ فَيَكُونُ التَّلَقِّي مَجازًا عَنِ البُلُوغِ بِعَلاقَةِ السَّبَبِيَّةِ. وقَوْلُهُ ﴿إنَّهُ هو التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ تَذْيِيلٌ وتَعْلِيلٌ لِلْجُمْلَةِ السّابِقَةِ وهي (فَتابَ عَلَيْهِ) لِأنَّهُ يُفِيدُ مُفادَها مَعَ زِيادَةِ التَّعْمِيمِ والتَّذْيِيلِ مِنَ الإطْنابِ كَما تَقَرَّرَ في عِلْمِ المَعانِي. ومَعْنى المُبالَغَةِ في التَّوّابِ أنَّهُ الكَثِيرُ القَبُولِ لِلتَّوْبَةِ أيْ لِكَثْرَةِ التّائِبِينَ فَهو مِثالُ مُبالَغَةٍ مِن ”تابَ المُتَعَدِّي“ بِعَلى الَّذِي هو بِمَعْنى قَبُولِ التَّوْبَةِ إيذانًا بِأنَّ ذَلِكَ لا يَخُصُّ تائِبًا دُونَ آخَرَ وهو تَذْيِيلٌ لِقَوْلِهِ فَتَلْقى آدَمُ مِن رَبِّهِ المُؤَذِنُ بِتَقْدِيرِ تابَ آدَمُ فَتابَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَلى جَعْلِ التَّوّابِ بِمَعْنى المُلْهِمِ لِعِبادِهِ الكَثِيرِينَ أنْ يَتُوبُوا، فَإنَّ أمْثِلَةَ المُبالَغَةِ قَدْ تَجِيءُ مِن غَيْرِ التَّكاثُرِ، فالتَّوّابُ هُنا مَعْناهُ المُلْهَمُ التَّوْبَةِ وهو كِنايَةٌ عَنْ قَبُولِ تَوْبَةِ التّائِبِ. وتَعْقِيبُهُ بِالرَّحِيمِ لِأنَّ الرَّحِيمَ جارٍ مَجْرى العِلَّةِ لِلتَّوّابِ إذْ قَبُولُهُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ضَرْبٌ مِنَ الرَّحْمَةِ بِهِمْ وإلّا لَكانَتِ التَّوْبَةُ لا تَقْتَضِي إلّا نَفْعَ التّائِبِ نَفْسَهُ بِعَدَمِ العَوْدِ لِلذَّنْبِ حَتّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الآثامُ. وأمّا الإثْمُ المُتَرَتِّبُ فَكانَ مِنَ العَدْلِ أنْ يَتَحَقَّقَ عِقابُهُ لَكِنَّ الرَّحْمَةَ سَبَقَتِ العَدْلَ هُنا بِوَعْدٍ مِنَ اللَّهِ.
الآية السابقة
الآية التالية