استمرّ في التقدُّم بعد رمضان!
تعرف على المزيد
تسجيل الدخول
الإعدادات
Select an option
الفاتحة
البقرة
آل عمران
النساء
المائدة
الأنعام
الأعراف
الأنفال
التوبة
يونس
هود
يوسف
الرعد
ابراهيم
الحجر
النحل
الإسراء
الكهف
مريم
طه
الأنبياء
الحج
المؤمنون
النور
الفرقان
الشعراء
النمل
القصص
العنكبوت
الروم
لقمان
السجدة
الأحزاب
سبإ
فاطر
يس
الصافات
ص
الزمر
غافر
فصلت
الشورى
الزخرف
الدخان
الجاثية
الأحقاف
محمد
الفتح
الحجرات
ق
الذاريات
الطور
النجم
القمر
الرحمن
الواقعة
الحديد
المجادلة
الحشر
الممتحنة
الصف
الجمعة
المنافقون
التغابن
الطلاق
التحريم
الملك
القلم
الحاقة
المعارج
نوح
الجن
المزمل
المدثر
القيامة
الانسان
المرسلات
النبإ
النازعات
عبس
التكوير
الإنفطار
المطففين
الإنشقاق
البروج
الطارق
الأعلى
الغاشية
الفجر
البلد
الشمس
الليل
الضحى
الشرح
التين
العلق
القدر
البينة
الزلزلة
العاديات
القارعة
التكاثر
العصر
الهمزة
الفيل
قريش
الماعون
الكوثر
الكافرون
النصر
المسد
الإخلاص
الفلق
الناس
Select an option
١
٢
٣
٤
٥
٦
٧
٨
٩
١٠
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠
٣١
٣٢
٣٣
٣٤
٣٥
٣٦
٣٧
٣٨
٣٩
٤٠
٤١
٤٢
٤٣
٤٤
٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
٤٩
٥٠
٥١
٥٢
٥٣
٥٤
٥٥
٥٦
٥٧
٥٨
٥٩
٦٠
٦١
٦٢
٦٣
٦٤
٦٥
٦٦
٦٧
٦٨
٦٩
٧٠
٧١
٧٢
٧٣
٧٤
٧٥
٧٦
٧٧
٧٨
٧٩
٨٠
٨١
٨٢
٨٣
٨٤
٨٥
٨٦
٨٧
٨٨
٨٩
٩٠
٩١
٩٢
٩٣
٩٤
٩٥
٩٦
٩٧
٩٨
٩٩
١٠٠
١٠١
١٠٢
١٠٣
١٠٤
١٠٥
١٠٦
١٠٧
١٠٨
١٠٩
١١٠
١١١
١١٢
١١٣
١١٤
١١٥
١١٦
١١٧
١١٨
١١٩
١٢٠
١٢١
١٢٢
١٢٣
١٢٤
١٢٥
١٢٦
١٢٧
١٢٨
١٢٩
١٣٠
١٣١
١٣٢
١٣٣
١٣٤
١٣٥
١٣٦
١٣٧
١٣٨
١٣٩
١٤٠
١٤١
١٤٢
١٤٣
١٤٤
١٤٥
١٤٦
١٤٧
١٤٨
١٤٩
١٥٠
١٥١
١٥٢
١٥٣
١٥٤
١٥٥
١٥٦
١٥٧
١٥٨
١٥٩
١٦٠
١٦١
١٦٢
١٦٣
١٦٤
١٦٥
١٦٦
١٦٧
١٦٨
١٦٩
١٧٠
١٧١
١٧٢
١٧٣
١٧٤
١٧٥
١٧٦
١٧٧
١٧٨
١٧٩
١٨٠
١٨١
١٨٢
١٨٣
١٨٤
١٨٥
١٨٦
١٨٧
١٨٨
١٨٩
١٩٠
١٩١
١٩٢
١٩٣
١٩٤
١٩٥
١٩٦
١٩٧
١٩٨
١٩٩
٢٠٠
٢٠١
٢٠٢
٢٠٣
٢٠٤
٢٠٥
٢٠٦
٢٠٧
٢٠٨
٢٠٩
٢١٠
٢١١
٢١٢
٢١٣
٢١٤
٢١٥
٢١٦
٢١٧
٢١٨
٢١٩
٢٢٠
٢٢١
٢٢٢
٢٢٣
٢٢٤
٢٢٥
٢٢٦
٢٢٧
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
اردو
Kurdî
التحرير والتنوير لابن عاشور
أنت تقرأ التفسير لمجموعة الآيات 26:224 إلى 26:226
والشعراء يتبعهم الغاوون ٢٢٤ الم تر انهم في كل واد يهيمون ٢٢٥ وانهم يقولون ما لا يفعلون ٢٢٦
وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُۥنَ ٢٢٤ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍۢ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ٢٢٦
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
٣
﴿والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّهم في كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ﴾ ﴿وأنَّهم يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾ ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وانْتَصَرُوا مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] . كانَ مِمّا حَوَتْهُ كِنانَةُ بُهْتانِ المُشْرِكِينَ أنْ قالُوا في النَّبِيءِ ﷺ: هو شاعِرٌ، فَلَمّا نَثَلَتِ الآياتُ السّابِقَةُ سِهامَ كِنانَتِهِمْ وكَسَرَتْها وكانَ مِنها قَوْلُهم: هو كاهِنٌ، لَمْ يَبْقَ إلّا إبْطالُ قَوْلِهِمْ: هو شاعِرٌ، وكانَ بَيْنَ الكَهانَةِ والشِّعْرِ جامِعٌ في خَيالِ المُشْرِكِينَ إذْ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّ لِلشّاعِرِ شَيْطانًا يُمْلِي عَلَيْهِ الشِّعْرَ ورُبَّما سَمَّوْهُ الرَّئِيَّ، فَناسَبَ أنْ يُقارَنَ بَيْنَ تَزْيِيفِ قَوْلِهِمْ في القُرْآنِ: هو شِعْرٌ، وقَوْلِهِمْ في النَّبِيءِ ﷺ: هو شاعِرٌ، وبَيْنَ قَوْلِهِمْ: هو قَوْلُ كاهِنٍ، كَما قَرَنَ بَيْنَهُما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما هو بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة: ٤١] ﴿ولا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ [الحاقة: ٤٢]؛ فَعَطَفَ هُنا قَوْلَهُ: ﴿والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾ عَلى جُمْلَةِ ﴿تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أفّاكٍ أثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢٢] . ولَمّا كانَ حالُ الشُّعَراءِ في نَفْسِ الأمْرِ مُخالِفًا لِحالِ الكُهّانِ إذْ لَمْ يَكُنْ لِمَلَكَةِ الشِّعْرِ اتِّصالٌ ما بِالنُّفُوسِ الشَّيْطانِيَّةِ، وإنَّما كانَ ادِّعاءُ ذَلِكَ مِنَ اخْتِلاقِ بَعْضِ الشُّعَراءِ أشاعُوهُ بَيْنَ عامَّةِ العَرَبِ، اقْتَصَرَتِ الآيَةُ عَلى نَفْيِ أنْ يَكُونَ الرَّسُولُ (ص-٢٠٨)شاعِرًا، وأنْ يَكُونَ القُرْآنُ شِعْرًا. دُونَ تَعَرُّضٍ إلى أنَّهُ تَنْزِيلُ الشَّياطِينِ كَما جاءَ في ذِكْرِ الكَهانَةِ. وقَدْ كانَ نَفَرٌ مِنَ الشُّعَراءِ بِمَكَّةَ يَهْجُونَ النَّبِيءَ ﷺ، وكانَ المُشْرِكُونَ يُعْنَوْنَ بِمَجالِسِهِمْ وسَماعِ أقْوالِهِمْ ويَجْتَمِعُ إلَيْهِمُ الأعْرابُ خارِجَ مَكَّةَ يَسْتَمِعُونَ أشْعارَهم وأهاجِيَهم، أدْمَجَتِ الآيَةُ حالَ مَن يَتَّبِعُ الشُّعَراءَ بِحالِهِمْ تَشْوِيهًا لِلْفَرِيقَيْنِ وتَنْفِيرًا مِنهُما. ومِن هَؤُلاءِ النَّضِرُ بْنُ الحارِثِ، وهُبَيْرَةُ بْنُ أبِي وهْبٍ، ومُسافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنافٍ، وأبُو عَزَّةَ الجُمَحِيُّ، وابْنُ الزِّبَعْرى، وأُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ، وأبُو سُفْيانَ بْنُ الحارِثِ، وأُمُّ جَمِيلٍ العَوْراءُ بِنْتُ حَرْبٍ زَوْجُ أبِي لَهَبٍ الَّتِي لَقَّبَها القُرْآنُ: (﴿حَمّالَةَ الحَطَبِ﴾ [المسد: ٤]) وكانَتْ شاعِرَةً وهي الَّتِي قالَتْ: ؎مُذَمَّمًا عَصَيْنا وأمْرَهُ أبَيْنا ودِينَهُ قَلَيْنا فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَفْيًا لِلشِّعْرِ أنْ يَكُونَ مِن خُلُقِ النَّبِيءِ ﷺ وذَمّا لِلشُّعَراءِ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِهِجائِهِ. فَقَوْلُهُ: (﴿يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾) ذَمٌّ لِأتْباعِهِمْ وهو يَقْتَضِي ذَمَّ المَتْبُوعِينَ بِالأحْرى. والغاوِي: المُتَّصِفُ بِالغَيِّ، والغَوايَةُ وهي الضَّلالَةُ الشَّدِيدَةُ، أيْ: يَتَّبِعُهم أهْلُ الضَّلالَةِ والبِطالَةِ الرّاغِبُونَ في الفِسْقِ والأذى. فَقَوْلُهُ (﴿يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾) خَبَرٌ، وفِيهِ كِنايَةٌ عَنْ تَنْزِيهِ النَّبِيءِ ﷺ أنْ يَكُونَ مِنهم فَإنَّ أتْباعَهُ خِيرَةُ قَوْمِهِمْ ولَيْسَ فِيهِمْ أحَدٌ مِنَ الغاوِينَ، فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ عَلى تَنْزِيهِ النَّبِيءِ ﷺ وتَنْزِيهِ أصْحابِهِ وعَلى ذَمِّ الشُّعَراءِ وذَمِّ أتْباعِهِمْ وتَنْزِيهِ القُرْآنِ عَنْ أنْ يَكُونَ شِعْرًا. وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ هُنا يُظْهِرُ أنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّقَوِّي والِاهْتِمامِ بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ لِلَفْتِ السَّمْعِ إلَيْهِ، والمَقامُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الحَصْرِ لِأنَّهُ إذا كانُوا يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ فَقَدِ انْتَفى أتْباعُهم عَنِ الصّالِحِينَ؛ لِأنَّ شَأْنَ المَجالِسِ أنْ يَتَّحِدَ أصْحابُها في النَّزْعَةِ كَما قِيلَ: ؎عَنِ المَرْءِ لا تَسْألْ وسَلْ عَنْ قَرِينِهِ وجَعَلَهُ في الكَشّافِ لِلْحَصْرِ، أيْ: لا يَتَّبِعُهم إلّا الغاوُونَ؛ لِأنَّهُ أصْرَحُ في نَفْيِ اتِّباعِ الشُّعَراءِ عَنِ المُسْلِمِينَ. وهَذِهِ طَرِيقَتُهُ بِاطِّرادٍ في تَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ (ص-٢٠٩)الفِعْلِيِّ أنَّهُ يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ بِالخَبَرِ، أيْ: قَصْرُ مَضْمُونِ الخَبَرِ عَلَيْهِ، أيْ: فَهو قَصْرٌ إضافِيٌّ كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ. والرُّؤْيَةُ في (ألَمْ تَرَ) قَلْبِيَّةٌ؛ لِأنَّ الهُيامَ والوادِي مُسْتَعارانِ لِمَعانِي اضْطِرابِ القَوْلِ في أغْراضِ الشِّعْرِ وذَلِكَ مِمّا يُعْلَمُ لا مِمّا يُرى. والِاسْتِفْهامُ تَقْرِيرِيٌّ، وأُجْرِيَ التَّقْرِيرُ عَلى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لِإظْهارِ أنَّ الإقْرارَ لا مَحِيدَ عَنْهُ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا﴾ [الشعراء: ١٨]، والخِطابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وضَمائِرُ (أنَّهم ويَهِيمُونَ ويَقُولُونَ ويَفْعَلُونَ) عائِدَةٌ إلى الشُّعَراءِ. فَجُمْلَةُ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّهم في كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ﴾ وما عُطِفَ عَلَيْها مُؤَكِّدَةٌ لِما اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ (﴿يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾) مِن ذَمِّ الشُّعَراءِ بِطَرِيقِ فَحْوى الخِطابِ. ومُثِّلَتْ حالُ الشُّعَراءِ بِحالِ الهائِمِينَ في أوْدِيَةٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ لِأنَّ الشُّعَراءَ يَقُولُونَ في فُنُونٍ مِنَ الشِّعْرِ مِن هِجاءٍ واعْتِداءٍ عَلى أعْراضِ النّاسِ، ومِن نَسِيبٍ وتَشْبِيبٍ بِالنِّساءِ، ومَدْحِ مَن يَمْدَحُونَهُ رَغْبَةً في عَطائِهِ وإنْ كانَ لا يَسْتَحِقُّ المَدْحَ، وذَمِّ مَن يَمْنَعُهم وإنْ كانَ مِن أهْلِ الفَضْلِ، ورُبَّما ذَمُّوا مَن كانُوا يَمْدَحُونَهُ، ومَدَحُوا مَن سَبَقَ لَهم ذَمَّهُ. والهُيامُ: هو الحَيْرَةُ والتَّرَدُّدُ في المَرْعى. والوادِ: المُنْخَفِضُ بَيْنَ عُدْوَتَيْنِ. وإنَّما تَرْعى الإبِلُ الأوْدِيَةَ إذا أقْحَلَتِ الرُّبى، والرُّبى أجْوَدُ كَلَأً، فَمُثِّلَ حالُ الشُّعَراءِ بِحالِ الإبِلِ الرّاعِيَةِ في الأوْدِيَةِ مُتَحَيِّرَةً؛ لِأنَّ الشُّعَراءَ في حِرْصٍ عَلى القَوْلِ لِاخْتِلابِ النُّفُوسِ. و(كُلِّ) مُسْتَعْمَلٌ في الكَثْرَةِ. رُوِيَ أنَّهُ انْدَسَّ بَعْضُ المَزّاحِينَ في زُمْرَةِ الشُّعَراءِ عِنْدَ بَعْضِ الخُلَفاءِ فَعَرَفَ الحاجِبُ الشُّعَراءَ وأنْكَرَ هَذا الَّذِي انْدَسَّ فِيهِمْ فَقالَ لَهُ: هَؤُلاءِ الشُّعَراءُ وأنْتَ مِنَ الشُّعَراءِ ؟ قالَ: بَلْ أنا مِنَ الغاوِينَ. فاسْتَطْرَفَها. وشَفَّعَ مَذَمَّتَهم هَذِهِ بِمَذَمَّةِ الكَذِبِ فَقالَ: ﴿وأنَّهم يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾، والعَرَبُ يَتَمادَحُونَ بِالصِّدْقِ ويُعَيِّرُونَ بِالكَذِبِ، والشّاعِرُ يَقُولُ ما لا يَعْتَقِدُ وما يُخالِفُ الواقِعَ حَتّى قِيلَ: أحْسَنُ الشَّعْرِ أكْذَبُهُ، والكَذِبُ مَذْمُومٌ في الدِّينِ الإسْلامِيِّ فَإنْ (ص-٢١٠)كانَ الشِّعْرُ كَذِبًا لا قَرِينَةَ عَلى مُرادِ صاحِبِهِ فَهو قَبِيحٌ وإنْ كانَ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كانَ كَذِبًا مُعْتَذَرًا عَنْهُ فَكانَ غَيْرَ مَحْمُودٍ. وفِي هَذا إبْداءٌ لِلْبَوْنِ الشّاسِعِ بَيْنَ حالِ الشُّعَراءِ وحالِ النَّبِيءِ ﷺ الَّذِي كانَ لا يَقُولُ إلّا حَقًّا ولا يُصانِعُ ولا يَأْتِي بِما يُضَلِّلُ الأفْهامَ. ومِنَ اللَّطائِفِ أنَّ الفَرَزْدَقَ أنْشَدَ عِنْدَ سُلَيْمانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ قَوْلَهُ: ؎فَبِتْنَ بِجانِبَيَّ مُصَرَّعاتٍ ∗∗∗ وبِتُّ أفُضُّ أغْلاقَ الخِتامِ فَقالَ سُلَيْمانُ: قَدْ وجَبَ عَلَيْكَ الحَدُّ. فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ دَرَأ اللَّهُ عَنِّي الحَدَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وأنَّهم يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾ . ورُوِيَ أنَّ النُّعْمانَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ كانَ عامِلًا لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ فَقالَ شِعْرًا: ؎مَن مُبْلِغُ الحَسْناءِ أنَّ حَلِيلَـهَـا ∗∗∗ بِمَيْسانَ يُسْقى في زُجاجٍ وحَنْتَمِ إلى أنْ قالَ: ؎لَعَلَّ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ ∗∗∗ تَنادُمُنا بِالجَوْسَقِ المُتَهَـدِّمِ فَبَلَّغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَأرْسَلَ إلَيْهِ بِالقُدُومِ عَلَيْهِ وقالَ لَهُ: أيْ: واللَّهِ إنِّي لَيَسُوءُنِي ذَلِكَ وقَدْ وجَبَ عَلَيْكَ الحَدُّ. فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ ما فَعَلْتُ شَيْئًا مِمّا قُلْتُ وإنَّما كانَ فَضْلَةً مِنَ القَوْلِ وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وأنَّهم يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾ فَقالَ لَهُ عُمَرُ: أمّا عُذْرُكَ فَقَدْ دَرَأ عَنْكَ الحَدَّ ولَكِنْ لا تَعْمَلُ لِي عَمَلًا أبَدًا وقَدْ قُلْتَ ما قُلْتَ. وقَدْ كُنِّيَ بِاتِّباعِ الغاوِينَ إيّاهم عَنْ كَوْنِهِمْ غاوِينَ، وأُفِيدَ بِتَفْظِيعِ تَمْثِيلِهِمْ بِالإبِلِ الهائِمَةِ تَشْوِيهُ حالَتِهِمْ، وأنَّ ذَلِكَ مِن أجْلِ الشِّعْرِ كَما يُؤْذِنُ بِهِ إناطَةُ الخَبَرِ بِالمُشْتَقِّ، فاقْتَضى ذَلِكَ أنَّ الشِّعْرَ مَنظُورٌ إلَيْهِ في الدِّينِ بِعَيْنِ الغَضِّ مِنهُ، واسْتِثْناءُ (﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [الشعراء: ٢٢٧]) إلَخْ. . . مِن عُمُومِ الشُّعَراءِ، أيْ: مِن حُكْمِ ذَمِّهِمْ. وبِهَذا الِاسْتِثْناءِ تَعَيَّنَ أنَّ المَذْمُومِينَ هم شُعَراءُ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَغَلَهُمُ الشِّعْرُ عَنْ سَماعِ القُرْآنِ والدُّخُولِ في الإسْلامِ. (ص-٢١١)ومَعْنى ﴿وذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] أيْ: كانَ إقْبالُهم عَلى القُرْآنِ والعِبادِ أكْثَرَ مِن إقْبالِهِمْ عَلى الشِّعْرِ. ﴿وانْتَصَرُوا مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] وهم مَن أسْلَمُوا مِنَ الشُّعَراءِ وقالُوا الشِّعْرَ في هِجاءِ المُشْرِكِينَ والِانْتِصارِ لِلنَّبِيءِ ﷺ مِثْلَ الَّذِينَ أسْلَمُوا وهاجَرُوا إلى الحَبَشَةِ فَقَدْ قالُوا شِعْرًا كَثِيرًا في ذَمِّ المُشْرِكِينَ. وكَذَلِكَ مَن أسْلَمُوا مِنَ الأنْصارِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَواحَةَ، وحَسّانَ بْنِ ثابِتٍ ومَن أسْلَمَ مِن بَعْدُ مِنَ العَرَبِ مِثْلُ لَبِيَدٍ، وكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، وسُحَيْمٍ عَبْدِ بَنِي الحَسْحاسِ، ولَيْسَ ذِكْرُ المُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّعَراءِ بِمُقْتَضِي كَوْنَ بَعْضِ السُّورَةِ مَدَنِيًّا كَما تَقَدَّمَ في الكَلامِ عَلى ذَلِكَ أوَّلَ السُّورَةِ. وقَدْ دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ لِلشِّعْرِ حالَتَيْنِ: حالَةٌ مَذْمُومَةٌ، وحالَةٌ مَأْذُونَةٌ، فَتَعَيَّنَ أنَّ ذَمَّهُ لَيْسَ لِكَوْنِهِ شِعْرًا ولَكِنْ لِما حَفَّ بِهِ مِن مَعانٍ وأحْوالٍ اقْتَضَتِ المَذَمَّةَ، فانْفَتَحَ بِالآيَةِ لِلشِّعْرِ بابُ قَبُولٍ ومَدْحٍ فَحَقٌّ عَلى أهْلِ النَّظَرِ ضَبْطُ الأحْوالِ الَّتِي تَأْوِي إلى جانِبِ قَبُولِهِ أوْ إلى جانِبِ مَدْحِهِ، والَّتِي تَأْوِي إلى جانِبِ رَفْضِهِ. وقَدْ أوْمَأ إلى الحالَةِ المَمْدُوحَةِ قَوْلُهُ: ﴿وانْتَصَرُوا مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧]، وإلى الحالَةِ المَأْذُونَةِ قَوْلُهُ: (﴿وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [الشعراء: ٢٢٧]) . وكَيْفَ وقَدْ أثْنى النَّبِيءُ ﷺ عَلى بَعْضِ الشِّعْرِ مِمّا فِيهِ مَحامِدُ الخِصالِ واسْتَنْصَتَ أصْحابَهُ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ مِمّا فِيهِ دِقَّةُ صِفاتِ الرَّواحِلِ الفارِهَةِ، عَلى أنَّهُ أذِنَ لِحَسّانَ في مُهاجاةِ المُشْرِكِينَ وقالَ لَهُ: «كَلامُكَ أشُدُّ عَلَيْهِمْ مِن وقْعِ النَّبْلِ» . . وقالَ لَهُ: «قُلْ ومَعَكَ رُوحُ القُدُسِ» . وسَيَأْتِي شَيْءٌ مِن هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩] في سُورَةِ يس. وأجازَ عَلَيْهِ كَما أجازَ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَخَلَعَ عَلَيْهِ بُرْدَتَهُ فَتِلْكَ حالَةٌ مَقْبُولَةٌ؛ لِأنَّهُ جاءَ مُؤْمِنًا. وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلى المِنبَرِ: أصْدَقُ كَلِمَةٍ، أوْ أشْعَرُ كَلِمَةٍ قالَتْها العَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ: ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلٌ» . وكانَ يَسْتَنْشِدُ شِعْرَ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ لِما فِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ وقالَ: «كادَ أُمَيَّةُ أنْ يُسْلِمَ»، وأمَرَ حَسّانَ بِهِجاءِ المُشْرِكِينَ وقالَ لَهُ: «قُلْ ومَعَكَ رُوحُ القُدُسِ» . وقالَ لِكَعْبِ بْنِ مالِكٍ: «لَكَلامُكَ أشُدُّ عَلَيْهِمْ مِن وقْعِ النَّبْلِ» . (ص-٢١٢)رَوى أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ في أحْكامِ القُرْآنِ بِسَنَدِهِ إلى خُرَيْمِ بْنِ أوْسِ بْنِ حارِثَةَ أنَّهُ قالَ: «هاجَرْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ بِالمَدِينَةِ مُنْصَرَفَهُ مِن تَبُوكَ فَسَمِعْتُ العَبّاسَ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أنْ أمْتَدِحَكَ. فَقالَ: قُلْ لا يُفَضِّضُ اللَّهُ فاكَ. فَقالَ العَبّاسُ: ؎مِن قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وفي ∗∗∗ مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يَخْصِفُ الوَرَقُ الأبْياتِ السَّبْعَةَ. فَقالَ لَهُ النَّبِيءُ ﷺ: لا يُفْضِضِ اللَّهُ فاكَ» . ورَوى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أنَسٍ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ في عُمْرَةِ القَضاءِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُولُ: ؎خَلُّوا بَنِي الكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ∗∗∗ اليَوْمَ نَضْرِبُكم عَلى تَنْزِيلِهِ ؎ضَرْبًا يُزِيلُ الهامَ عَنْ مَقِيلِهِ ∗∗∗ ويُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِـهِ فَقالَ لَهُ عُمَرُ: يا ابْنَ رَواحَةَ في حَرَمِ اللَّهِ وبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ ؟ فَقالَ لَهُ النَّبِيءُ ﷺ: خَلِّ عَنْهُ يا عُمَرُ فَإنَّهُ أسْرَعُ فِيهِمْ مِن نَضْحِ النَّبْلِ» . وعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ «قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما تَقُولُ في الشِّعْرِ ؟ قالَ: إنَّ المُؤْمِنَ يُجاهِدُ بِسَيْفِهِ ولِسانِهِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأنَّما تَنْضَحُونَهم بِالنَّبْلِ» . ولِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ شِعْرٌ كَثِيرٌ، وكَثِيرٌ مِنهُ غَيْرُ صَحِيحِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ. وقَدْ بَيَّنَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ في هَذِهِ السُّورَةِ وفي سُورَةِ النُّورِ القَوْلَ في التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حالَيِ الشِّعْرِ وكَذَلِكَ الشَّيْخُ عَبْدُ القاهِرِ الجُرْجانِيُّ في أوَّلِ كِتابِ دَلائِلِ الإعْجازِ. ووَجَبَ أنْ يَكُونَ النَّظَرُ في مَعانِي الشِّعْرِ وحالِ الشّاعِرِ ولَمْ يَزَلِ العُلَماءُ يُعْنَوْنَ بِشِعْرِ العَرَبِ ومَن بَعْدَهم، وفي ذَلِكَ الشِّعْرِ تَحْبِيبٌ لِفَصاحَةِ العَرَبِيَّةِ وبَلاغَتِها وهو آيِلٌ إلى غَرَضٍ شَرْعِيٍّ مِن إدْراكِ بَلاغَةِ القُرْآنِ. ومَعْنى (﴿مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧]) أيْ: مِن بَعْدِ ما ظَلَمَهُمُ المُشْرِكُونَ بِالشَّتْمِ والهِجاءِ.
الآية السابقة
الآية التالية