واصنع الفلك باعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون ٣٧
وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ٣٧
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
٣
﴿واصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ لَمّا كانَ نَهْيُهُ عَنِ الِابْتِئاسِ بِفِعْلِهِمْ مَعَ شِدَّةِ جُرْمِهِمْ مُؤْذِنًا بِأنَّ اللَّهَ يَنْتَصِرُ لَهُ أعْقَبَهُ بِالأمْرِ بِصُنْعِ الفُلْكِ لِتَهْيِئَةِ نَجاتِهِ ونَجاةِ مَن قَدْ آمَنَ بِهِ مِنَ العَذابِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِقَوْمِهِ. كَما حَكى اللَّهُ عَنْهُ ﴿فَدَعا رَبَّهُ أنِّي مَغْلُوبٌ فانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] ﴿فَفَتَحْنا أبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ [القمر: ١١] الآيَةَ. فَجُمْلَةُ ﴿واصْنَعِ الفُلْكَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَلا تَبْتَئِسْ﴾ [هود: ٣٦] وهي بِذَلِكَ داخِلَةٌ في المُوحى بِهِ فَتَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ أوْحى إلَيْهِ كَيْفِيَّةَ صُنْعِ الفُلْكِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ووَحْيِنا، ولِذَلِكَ فَنُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أوَّلُ مَن صَنَعَ الفُلْكَ ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا لِلْبَشَرِ، وكانَ ذَلِكَ مُنْذُ قُرُونٍ لا يُحْصِيها إلّا اللَّهُ تَعالى، ولا يُعْتَدُّ بِما يُوجَدُ في الإسْرائِيلِيّاتِ مِن إحْصاءِ قُرُونِها. والفُلْكُ اسْمٌ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والجَمْعُ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في البَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ [البقرة: ١٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ. والباءُ في بِأعْيُنِنا لِلْمُلابَسَةِ وهي في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ اصْنَعِ والأعْيُنُ اسْتِعارَةٌ لِلْمُراقَبَةِ والمُلاحَظَةِ. وصِيغَةُ الجَمْعِ في (أعْيُنِنا) بِمَعْنى المُثَنّى، أيْ بِعَيْنَيْنا، كَما في قَوْلِهِ: ﴿واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا﴾ [الطور: ٤٨] . والمُرادُ الكِنايَةُ بِالمَعْنى المَجازِيِّ عَنْ لازِمِهِ وهو الحِفْظُ مِنَ الخَلَلِ والخَطَأِ في الصُّنْعِ. (ص-٦٧)والمُرادُ بِالوَحْيِ هُنا الوَحْيُ الَّذِي بِهِ وصَفَ كَيْفِيَّةَ صُنْعِ الفُلْكِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ عَطْفُهُ عَلى المَجْرُورِ بِباءِ المُلابَسَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالأمْرِ بِالصُّنْعِ. ودَلَّ النَّهْيُ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ . عَلى أنَّ كُفّارَ قَوْمِهِ سَيَنْزِلُ بِهِمْ عِقابٌ عَظِيمٌ لِأنَّ المُرادَ بِالمُخاطَبَةِ المَنهِيِّ عَنْها المُخاطَبَةُ الَّتِي تَرْفَعُ عِقابَهم فَتَكُونُ لِنَفْعِهِمْ كالشَّفاعَةِ، وطَلَبِ تَخْفِيفِ العِقابِ لا مُطْلَقَ المُخاطَبَةِ. ولَعَلَّ هَذا تَوْطِئَةٌ لِنَهْيِهِ عَنْ مُخاطَبَتِهِ في شَأْنِ ابْنِهِ الكافِرِ قَبْلَ أنْ يَخْطُرَ بِبالِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - سُؤالُ نَجاتِهِ حَتّى يَكُونَ الرَّدُّ عَلَيْهِ حِينَ السُّؤالِ ألْطَفَ. وجُمْلَةُ إنَّهم مُغْرَقُونَ إخْبارٌ بِما سَيَقَعُ وبَيانٌ لِسَبَبِ الأمْرِ بِصُنْعِ الفُلْكِ. وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ في هَذِهِ الآيَةِ مِثالٌ لِتَخْرِيجِ الكَلامِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ بِتَنْزِيلِ غَيْرِ السّائِلِ المُتَرَدِّدِ مَنزِلَةَ السّائِلِ إذا قَدَّمَ إلَيْهِ مِنَ الكَلامِ مِمّا يُلَوِّحُ إلى جِنْسِ الخَبَرِ فَيَسْتَشْرِفُهُ لِتَعْيِينِهِ اسْتِشْرافًا يُشْبِهُ اسْتِشْرافَ السّائِلِ عَنْ عَيْنِ الخَبَرِ.