undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿عالِيهِمْ ثِيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وإسْتَبْرَقٌ وحُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ () هَذِهِ أشْياءُ مِن شِعارِ المُلُوكِ في عُرْفِ النّاسِ زَمانَئِذٍ، فَهَذا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ ( ﴿ومُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠]) . وقَرَأ نافِعٌ وحَمْزَةُ وأبُو جَعْفَرٍ (﴿عالِيَهُمْ﴾) بِسُكُونِ الياءِ عَلى أنَّ الكَلامَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِجُمْلَةِ (رَأيْتَ نَعِيمًا ومُلْكًا كَبِيرًا)، فَـ (عالِيهِمْ) مُبْتَدَأٌ و(﴿ثِيابُ سُنْدُسٍ﴾) فاعِلُهُ سادٌّ مَسَدَّ الخَبَرِ وقَدْ عَمِلَ في فاعِلِهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمِدًا عَلى نَفْيٍ أوِ اسْتِفْهامٍ أوْ وصْفٍ، وهي لُغَةُ خَبِيرِ بَنُو لَهَبٍ وتَكُونُ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ البَيانِ لِجُمْلَةِ (﴿رَأيْتَ نَعِيمًا﴾ [الإنسان: ٢٠]) . وقَرَأ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ (عالِيَهم) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ عَلى أنَّهُ حالٌ مُفْرَدٌ لِـ (الأبْرارَ)، أيْ تِلْكَ حالَةُ أهْلِ المُلْكِ الكَبِيرِ. وإضافَةُ ثِيابٍ إلى سُنْدُسٍ بَيانِيَّةٌ مِثْلَ: خاتَمِ ذَهَبٍ، وثَوْبِ خَزٍّ. أيْ مِنهُ. والسُّنْدُسُ: الدِّيباجُ الرَّقِيقُ. (ص-٣٩٩)والإسْتَبْرَقُ: الدِّيباجُ الغَلِيظُ وتَقَدَّما عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿ويَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ﴾ [الكهف: ٣١]) في سُورَةِ الكَهْفِ وهُما مُعَرَّبانِ. فَأمّا السُّنْدُسُ فَمُعَرَّبٌ عَنِ اللُّغَةِ الهِنْدِيَّةِ وأصْلُهُ (سُنْدُونُ) بِنُونٍ في آخِرِهِ، قِيلَ: إنَّ سَبَبَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أنَّهُ جُلِبَ إلى الإسْكَنْدَرِ، وقِيلَ لَهُ: إنَّ اسْمَهُ (سُنْدُونُ) فَصَيَّرَهُ لِلُغَةِ اليُونانِ سُنْدُوسُ - لِأنَّهم يُكْثِرُونَ تَنْهِيَةَ الأسْماءِ بِحَرْفِ السِّينِ - وصَيَّرَهُ العَرَبُ سُنْدُسًا. وفي اللِّسانِ: أنَّ السُّنْدُسَ يُتَّخَذُ مِنَ المِرْعِزّى - كَذا ضَبَطَهُ مُصَحِّحُهُ - والمَعْرُوفُ المِرْعَزُ كَما في التَّذْكِرَةِ وشِفاءِ الغَلِيلِ. وفي التَّذْكِرَةِ المِرْعَزُ: ما نَعِمَ وطالَ مِنَ الصُّوفِ اهـ. فَلَعَلَّهُ صُوفُ حَيَوانٍ خاصٍّ فِيهِ طُولٌ أوْ هو مِن نَوْعِ الشَّعَرِ، والظّاهِرُ أنَّهُ لا يَكُونُ إلّا أخْضَرَ اللَّوْنِ لِقَوْلِ يَزِيدَ بْنِ حُذّاقٍ العَبْدِيِّ يَصِفُ مَرْعى فَرَسِهِ: ؎وداوَيْتُها حَتّى شَتَتْ حَبَشِيَّةً كَأنَّ عَلَيْها سُنْدُسًا وسُدُوسًا أيْ في أرْضٍ شَدِيدَةِ الخُضْرَةِ كَلَوْنِ الحَبَشِيِّ. وفي اللِّسانِ: السُّدُوسُ الطَّيْلَسانُ الأخْضَرُ. ولِقَوْلِ أبِي تَمّامٍ يَرْثِي مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ النَّبْهانِيَّ الطُّوسِيَّ: ؎تَرَدّى ثِيابَ المَوْتِ حُمْرًا فَما أتَـى ∗∗∗ لَها اللَّيْلُ إلّا وهي مِن سُنْدُسٍ خُضْرُ وأمّا الإسْتَبْرَقُ فَنَسْجٌ مِن نَسْجِ الفُرْسِ واسْمُهُ فارِسِيٌ، وأصْلُهُ في الفارِسِيَّةِ: اسْتَقْرَهْ. والمَعْنى: أنَّ فَوْقَهم ثِيابًا مِنَ الصِّنْفَيْنِ يَلْبَسُونَ هَذا وذاكَ جَمْعًا بَيْنَ مَحاسِنِ كِلَيْهِما، وهي أفْخَرُ لِباسِ المُلُوكِ وأهْلِ الثَّرْوَةِ. ولَوْنُ الأخْضَرِ أمْتَعٌ لِلْعَيْنِ وكانَ مِن شِعارِ المُلُوكِ. قالَ النّابِغَةُ يَمْدَحُ مُلُوكَ غَسّانَ: ؎يَصُونُونَ أجْسادًا قَدِيمًا نَعِيمُـهُـا ∗∗∗ بِخالِصَةِ الأرْدانِ خُضْرِ المَناكِبِ والظّاهِرُ أنَّ السُّنْدُسَ كانَ لا يُصْبَغُ إلّا أخْضَرَ اللَّوْنِ. وقَرَأ نافِعٌ وحَفْصٌ (خُضْرٌ) بِالرَّفْعِ عَلى الصِّفَةِ لِـ (ثِيابُ) . و(إسْتَبْرَقٌ) بِالرَّفْعِ أيْضًا عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ثِيابٍ بِقَيْدِ كَوْنِها مِن سُنْدُسٍ فَمَعْنى عالِيهِمْ إسْتَبْرَقٌ: أنَّ الإسْتَبْرَقَ لِباسُهم. (ص-٤٠٠)وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ (خُضْرٍ) بِالجَرِّ نَعْتًا لِـ (سُنْدُسٍ)، و(إسْتَبْرَقٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى (ثِيابُ) . وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ ويَعْقُوبُ (خُضْرٌ) بِالرَّفْعِ و(إسْتَبْرَقٍ) بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى (سُنْدُسٍ) بِتَقْدِيرِ: وثِيابُ إسْتَبْرَقٍ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ (خُضْرٍ) بِالجَرِّ نَعْتًا لِـ (سُنْدُسٍ) بِاعْتِبارِ أنَّهُ بَيانٌ لِلثِّيابِ فَهو في مَعْنى الجَمْعِ. وقَرَءا و(﴿إسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: ٥٤]) بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى سُنْدُسٍ. والأساوِرُ: جَمْعُ سُوارٍ وهو حَلْيٌ شَكْلُهُ أُسْطُوانِيٌّ فارِغُ الوَسَطِ يَلْبَسُهُ النِّساءُ في مَعاصِمِهِنَّ ولا يَلْبَسُهُ الرِّجالُ إلّا المُلُوكَ، وقَدْ ورَدَ في الحَدِيثِ ذِكْرُ سُوارَيْ كِسْرى. والمَعْنى: أنَّ حالَ رِجالِ أهْلِ الجَنَّةِ حالُ المُلُوكِ ومَعْلُومٌ أنَّ النِّساءَ يَتَحَلَّيْنَ بِأصْنافِ الحُلِيِّ. ووُصِفَتِ الأساوِرُ هُنا بِأنَّها (﴿مِن فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٥]) . وفي سُورَةِ الكَهْفِ بِأنَّها (﴿مِن ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١]) في قَوْلِهِ (﴿يُحَلَّوْنَ فِيها مِن أساوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١])، أيْ مَرَّةً يُحَلَّوْنَ هَذِهِ ومَرَّةً الأُخْرى، أوْ يُحَلَّوْنَهُما جَمِيعًا بِأنْ تُجْعَلَ مُتَزاوِجَةً لِأنَّ ذَلِكَ أبْهَجُ مَنظَرًا كَما ذَكَرْناهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ (﴿كانَتْ قَوارِيرَ قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٥]) . * * * ﴿وسَقاهم رَبُّهم شَرابًا طَهُورًا﴾ هَذا احْتِراسٌ مِمّا يُوهِمُهُ شُرْبُهم مِنَ الكَأْسِ المَمْزُوجَةِ بِالكافُورِ والزَّنْجَبِيلِ مِن أنْ يَكُونَ فِيها ما في أمْثالِها المَعْرُوفَةِ في الدُّنْيا ومِنَ الغَوْلِ وسُوءِ القَوْلِ والهَذَيانِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِكَوْنِ شَرابِهِمْ طَهُورًا بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ في الطَّهارَةِ وهي النَّزاهَةُ مِنَ الخَبائِثِ، أيْ مُنَزَّهًا عَمّا في غَيْرِهِ مِنَ الخَباثَةِ والفَسادِ. وأسْنَدَ سَقْيَهُ إلى رَبِّهِمْ إظْهارًا لِكَرامَتِهِمْ، أيْ أمَرَ هو بِسَقْيِهِمْ كَما يُقالُ: أطْعَمَهم رَبُّ الدّارِ وسَقاهم.