You are reading a tafsir for the group of verses 74:38 to 74:47
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ ﴿إلّا أصْحابَ اليَمِينِ﴾ ﴿فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿عَنِ المُجْرِمِينَ﴾ ﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ﴾ ﴿قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾ ﴿ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ﴾ ﴿وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ﴾ ﴿وكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ ﴿حَتّى أتِينا اليَقِينُ﴾ ﴿فَما تَنْفَعُهم شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ يُبَيِّنُ لِلسّامِعِ عُقْبى الِاخْتِيارِ الَّذِي في قَوْلِهِ (﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأخَّرَ﴾ [المدثر: ٣٧]) أيْ كُلٌّ إنْسانٍ رَهْنٌ بِما كَسَبَ مِنَ التَّقَدُّمِ أوِ التَّأخُّرِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهو عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ لِيَكْسِبَ ما يُفْضِي بِهِ إلى النَّعِيمِ أوْ إلى الجَحِيمِ. ورَهِينَةٌ: خَبَرٌ عَنْ (كُلُّ نَفْسٍ) وهو بِمَعْنى مَرْهُونَةٍ. والرَّهْنُ: الوِثاقُ والحَبْسُ ومِنهُ الرَّهْنُ في الدَّيْنِ، وقَدْ يُطْلَقُ عَلى المُلازَمَةِ والمُقارَنَةِ، ومِنهُ: فَرَسا رِهانٍ، وكِلا المَعْنَيَيْنِ يَصِحُّ الحَمْلُ عَلَيْهِ هُنا عَلى اخْتِلافِ الحالِ، وإنَّما يَكُونُ الرَّهْنُ لِتَحْقِيقِ المُطالَبَةِ بِحَقٍّ يُخْشى أنْ يَتَفَلَّتَ مِنهُ المَحْقُوقُ بِهِ، فالرَّهْنُ مُشْعِرٌ بِالأخْذِ بِالشِّدَّةِ ومِنهُ رَهائِنُ الحَرْبِ الَّذِينَ يَأْخُذُهُمُ الغالِبُ مِنَ القَوْمِ المَغْلُوبِينَ ضَمانًا لِئَلّا يَخِيسَ القَوْمُ بِشُرُوطِ الصُّلْحِ وحَتّى يُعْطُوا دِياتِ القَتْلى فَيَكُونَ الِانْتِقامُ مِنَ الرَّهائِنِ. وبِهَذا يَكُونُ قَوْلُهُ (كُلُّ نَفْسٍ) مُرادًا بِهِ خُصُوصُ أنْفُسِ المُنْذِرِينَ مِنَ البَشَرِ فَهو مِنَ العامِّ المُرادِ بِهِ الخُصُوصُ بِالقَرِينَةِ، أيْ قَرِينَةِ ما تُعْطِيهِ مادَّةُ رَهِينَةٍ مِن مَعْنى الحَبْسِ والأسْرِ. والباءُ لِلْمُصاحَبَةِ لا لِلسَّبَبِيَّةِ. وظاهِرُ هَذا أنَّهُ كَلامٌ مُنْصِفٌ ولَيْسَ بِخُصُوصِ تَهْدِيدِ أهْلِ الشَّرِّ. (ص-٣٢٥)ورَهِينَةٌ: مَصْدَرٌ بِوَزْنِ فَعَيْلَةٍ كالشَّتِيمَةِ فَهو مِنَ المَصادِرِ المُقْتَرِنَةِ بِهاءٍ كَهاءِ التَّأْنِيثِ مِثْلَ الفُعُولَةِ والفَعّالَةِ، ولَيْسَ هو مِن بابِ فَعِيلٍ الَّذِي هو وصْفٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ مِثْلَ قَتِيلَةٍ، إذْ لَوْ قَصَدَ الوَصْفَ لَقِيلَ رَهِينٌ لِأنَّ فَعَيْلًا بِمَعْنى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ إذا جَرى عَلى مَوْصُوفِهِ كَما هُنا، والإخْبارُ بِالمَصَدَرِ لِلْمُبالَغَةِ عَلى حَدِّ قَوْلِ مُسَوَّرِ بْنِ زِيادَةَ الحارِثِيِّ: ؎أبَعْدَ الَّذِي بِالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكِبٍ رَهِينَةِ رَمْسٍ ذِي تُرابٍ وجَنْدَلِ ألا تَراهُ أثْبَتَ الهاءَ في صِفَةِ المُذَكَّرِ وإلّا لَما كانَ مُوجِبًا لِلتَّأْنِيثِ. والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ (﴿إلّا أصْحابَ اليَمِينِ﴾) اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ. وأصْحابُ اليَمِينِ هم أهْلُ الخَيْرِ جُعِلَتْ عَلاماتُهم في الحَشْرِ بِجِهاتِ اليَمِينِ في مُناوَلَةِ الصُّحُفِ وفي مَوْقِفِ الحِسابِ وغَيْرِ ذَلِكَ. فاليَمِينُ هو جِهَةُ أهْلِ الكَرامَةِ في الِاعْتِبارِ كَجِهَةِ يَمِينِ العَرْشِ أوْ يَمِينِ مَكانِ القُدْسِ يَوْمَ الحَشْرِ لا يُحِيطُ بِها وصْفُنا وجُعِلَتْ عَلامَةُ أهْلِ الشَّرِّ الشَّمالَ في تَناوُلِ صُحُفِ أعْمالِهِمْ وفي مَواقِفِهِمْ وغَيْرِ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ (في جَنّاتٍ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ (يَتَساءَلُونَ) قُدِّمَ لِلِاهْتِمامِ، و(يَتَساءَلُونَ) حالٌ مِن (أصْحابَ اليَمِينِ) وهو مَناطُ التَّفْصِيلِ الَّذِي جِيءَ لِأجْلِهِ بِالِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في جَنّاتٍ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هم في جَنّاتٍ. والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ الِاسْتِثْناءِ ويَكُونُ يَتَساءَلُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ. ومَعْنى (يَتَساءَلُونَ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى ظاهِرِ صِيغَةِ التَّفاعُلِ لِلدَّلالَةِ عَلى صُدُورِ الفِعْلِ مِن جانِبَيْنِ، أيْ يَسْألُ أصْحابُ اليَمِينِ بَعْضُهم بَعْضًا عَنْ شَأْنِ المُجْرِمِينَ، وتَكُونُ جُمْلَةُ (﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ﴾) بَيانًا لِجُمْلَةِ (يَتَساءَلُونَ) . وضَمِيرُ الخِطابِ في قَوْلِهِ سَلَكَكم يُؤْذِنُ بِمَحْذُوفٍ. والتَّقْدِيرُ: فَيَسْألُونَ المُجْرِمِينَ ما سَلَكَكم في سَقَرَ، ولَيْسَ التِفاتًا، أوْ يَقُولُ بَعْضُ المَسْئُولِينَ لِأصْحابِهِمْ جَوابًا لِسائِلِيهِمْ قُلْنا لَهم: (﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ﴾) . (ص-٣٢٦)ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِيغَةُ التَّفاعُلِ مُسْتَعْمَلَةً في مَعْنى تَكْرِيرِ الفِعْلِ أيْ يَكْثُرُ سُؤالُ كُلِّ أحَدٍ مِنهم سُؤالًا مُتَكَرِّرًا أوْ هو مِن تَعْدادِ السُّؤالِ لِأجْلِ تَعْدادِ السّائِلِينَ. ‌‌‌‌‌‌‌‌ ‌‌‌‌‌‌‌‌‌قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى (﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ﴾ [النساء: ١]) في أوَّلِ سُورَةِ النِّساءِ: هو كَقَوْلِكَ تَداعَيْنا. ونُقِلَ عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قالَ هُنا: إذا كانَ المُتَكَلِّمُ مُفْرَدًا يُقالُ: دَعَوْتُ، وإذا كانَ المُتَكَلِّمُ مُتَعَدِّدًا يُقالُ: تَداعَيْنا، ونَظِيرُهُ، رَمَيْتُهُ، وتَرامَيْناهُ. ورَأيْتُ الهِلالَ وتَراءَيْناهُ ولا يَكُونُ هَذا تَفاعُلًا مِنَ الجانِبَيْنِ اهـ. ذَكَرَهُ صاحِبُ الكَشّافِ في سُورَةِ النِّساءِ، أيْ هو فِعْلٌ مِن جانِبٍ واحِدٍ ذِي عَدَدٍ كَثِيرٍ؛ وعَلى هَذا يَكُونُ مَفْعُولُ يَتَساءَلُونَ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (﴿عَنِ المُجْرِمِينَ﴾) . والتَّقْدِيرُ: يَتَساءَلُونَ المُجْرِمِينَ عَنْهم، أيْ عَنْ سَبَبِ حُصُولِهِمْ في سَقَرَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ بَيانُ جُمْلَةِ يَتَساءَلُونَ بِجُمْلَةِ (﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ﴾)، فَإنَّ ما سَلَكَكم في بَيانٍ لِلتَّساؤُلِ. وأصْلُ مَعْنى سَلَكَهُ أدْخَلَهَبَيِنَ أجْزاءِ شَيْءٍ حَقِيقَةً ومِنهُ جاءَ سِلْكُ العِقْدِ، واسْتُعِيرَ هُنا لِلزَّجِّ بِهِمْ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الحِجْرِ قَوْلُهُ تَعالى (﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ﴾ [الحجر: ١٢]) وفي قَوْلِهِ (﴿نَسْلُكُهُ عَذابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧]) في سُورَةِ الجِنِّ. والمَعْنى: ما زُجَّ بِكم في سَقَرَ. فَإنْ كانَ السُّؤالُ عَلى حَقِيقَتِهِ والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلًا في أصْلِ مَعْناهُ كانَ الباعِثُ عَلى السُّؤالِ: إمّا نِسْيانُ الَّذِي كانُوا عَلِمُوهُ في الدُّنْيا مِن أسْبابِ الثَّوابِ والعِقابِ فَيَبْقى عُمُومُ يَتَساءَلُونَ الرّاجِعُ إلى أصْحابِ اليَمِينِ وعُمُومُ المُجْرِمِينَ عَلى ظاهِرِهِ، فَكُلٌّ مِن أصْحابِ اليَمِينِ يُشْرِفُ عَلى المُجْرِمِينَ مِن أعالِي الجَنَّةِ فَيَسْألُهم عَنْ سَبَبِ وُلُوجِهِمُ النّارَ فَيَحْصُلُ جَوابُهم وذَلِكَ إلْهامٌ مِنَ اللَّهِ لِيَحْمَدَهُ أهْلُ الجَنَّةِ عَلى ما أخَذُوا بِهِ مِن أسْبابِ نَجاتِهِمْ مِمّا أصابَ المُجْرِمِينَ ويَفْرَحُوا بِذَلِكَ. وإمّا أنْ يَكُونَ سُؤالًا مُوَجَّهًا مِن بَعْضِ أصْحابِ اليَمِينِ إلى ناسٍ كانُوا يَظُنُّونَهم مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَرَأوْهم في النّارِ مِنَ المُنافِقِينَ أوِ المُرْتَدِّينَ بَعْدَ مَوْتِ أصْحابِهِمْ، فَيَكُونُ المُرادُ بِأصْحابِ اليَمِينِ بَعْضَهم وبِالمُجْرِمِينَ بَعْضَهم وهَذا مِثْلُ ما في قَوْلِهِ تَعالى (﴿وأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] ﴿قالُوا إنَّكم كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ اليَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨]) الآياتِ (ص-٣٢٧)فِي سُورَةِ الصّافّاتِ وقَوْلُهُ فِيها (﴿قالَ قائِلٌ مِنهم إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: ٥١] ﴿يَقُولُ أءِنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ﴾ [الصافات: ٥٢]) إلى قَوْلِهِ (﴿فِي سَواءِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥]) . وإنْ كانَ السُّؤالُ لَيْسَ عَلى حَقِيقَتِهِ وكانَ الِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلًا في التَّنْدِيمِ، أوِ التَّوْبِيخِ فَعُمُومُ أصْحابِ اليَمِينِ وعُمُومُ المُجْرِمِينَ عَلى حَقِيقَتِهِ. وأجابَ المُجْرِمُونَ بِذِكْرِ أسْبابِ الزَّجِّ بِهِمْ في النّارِ لِأنَّهم ما ظَنُّوا إلّا ظاهِرَ الِاسْتِفْهامِ، فَذَكَرُوا أرْبَعَةَ أسْبابٍ هي أُصُولُ الخَطايا وهي: أنَّهم لَمْ يَكُونُوا مِن أهْلِ الصَّلاةِ فَحَرَمُوا أنْفُسَهم مِنَ التَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ. وأنَّهم لَمْ يَكُونُوا مِنَ المُطْعِمِينَ المَساكِينَ وذَلِكَ اعْتِداءٌ عَلى ضُعَفاءِ النّاسِ بِمَنعِهِمْ حَقَّهم في المالِ. وأنَّهم كانُوا يَخُوضُونَ خَوْضَهُمُ المَعْهُودَ الَّذِي لا يَعْدُو عَنْ تَأْيِيدِ الشِّرْكِ وأذى الرَّسُولِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ. وأنَّهم كَذَّبُوا بِالجَزاءِ فَلَمْ يَتَطَلَّبُوا ما يُنْجِيهِمْ. وهَذا كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ إيمانِهِمْ، سَلَكُوا بِها طَرِيقَ الإطْنابِ المُناسِبَ لِمَقامِ التَّحَسُّرِ والتَّلَهُّفِ عَلى ما فاتَ، فَكَأنَّهم قالُوا لِأنّا لَمْ نَكُنْ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِأنَّ أهْلَ الإيمانِ اشْتَهَرُوا بِأنَّهم أهْلُ الصَّلاةِ، وبِأنَّهم في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ، وبِأنَّهم يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وبِيَوْمِ الدِّينِ ويُصَدِّقُونَ الرُّسُلَ وقَدْ جَمَعَها قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ (﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ [الأنفال: ٣] ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ٤]) . وأصْلُ الخَوْضِ الدُّخُولُ في الماءِ، ويُسْتَعارُ كَثِيرًا لِلْمُحادَثَةِ المُتَكَرِّرَةِ، وقَدِ اشْتُهِرَ إطْلاقُهُ في القُرْآنِ عَلى الجِدالِ واللَّجاجِ غَيْرِ المَحْمُودِ قالَ تَعالى (﴿ذَرْهم في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: ٩١]) وغَيْرَ ذَلِكَ، وقَدْ جَمَعَ الإطْلاقَيْنَ قَوْلُهُ تَعالى (﴿وإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عَنْهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨]) . وبِاعْتِبارِ مَجْمُوعِ الأسْبابِ الأرْبَعَةِ في جَوابِهِمْ فَضْلًا عَنْ مَعْنى الكِنايَةِ، لَمْ يَكُنْ في الآيَةِ ما يَدُلُّ لِلْقائِلِينَ بِأنَّ الكُفّارَ مُخاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. ويَوْمُ الدِّينِ: يَوْمُ الجَزاءِ والجَزاءِ. (ص-٣٢٨)واليَقِينُ: اسْمُ مَصْدَرِ يَقِنَ كَفَرِحَ، إذا عَلِمَ عِلْمًا لا شَكَّ مَعَهُ ولا تَرَدُّدَ. وإتْيانُهُ مُسْتَعارٌ لِحُصُولِهِ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ حاصِلًا، شُبِّهَ الحُصُولُ بَعْدَ الِانْتِفاءِ بِالمَجِيءِ بَعْدَ المَغِيبِ. والمَعْنى: حَتّى حَصَلَ لَنا العِلْمُ بِأنَّ ما كُنّا نُكَذِّبُ بِهِ ثابِتٌ، فَقَوْلُهُ (﴿حَتّى أتانا اليَقِينُ﴾) عَلى هَذا الوَجْهِ غايَةٌ لِجُمْلَةِ (﴿نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾) . ويُطْلَقُ اليَقِينُ أيْضًا عَلى المَوْتِ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ حُصُولُهُ لِكُلِّ حَيٍّ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادًا هُنا كَما في قَوْلِهِ تَعالى (﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩]) . فَتَكُونُ جُمْلَةُ (﴿حَتّى أتانا اليَقِينُ﴾) غايَةً لِلْجُمَلِ الأرْبَعِ الَّتِي قَبْلَها مِن قَوْلِهِ (﴿لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾) إلى (بِيَوْمِ الدِّينِ) . والمَعْنى: كُنّا نَفْعَلُ ذَلِكَ مُدَّةَ حَياتِنا كُلِّها. وفِي الأفْعالِ المُضارِعَةِ في قَوْلِهِ (لَمْ نَكُ، ونَخُوضُ، نُكَذِّبُ ") إيذانٌ بِأنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُهم ومُتَجَدِّدٌ مِنهم طُولَ حَياتِهِمْ. وفِي الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ المُسْلِمَ الَّذِي أضاعَ إقامَةَ الصَّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاةِ مُسْتَحِقٌّ حَظًّا مِن سَقَرَ عَلى مِقْدارِ إضاعَتِهِ وعَلى ما أرادَ اللَّهُ مِن مُعادَلَةِ حَسَناتِهِ وسَيِّئاتِهِ، وظَواهِرِهِ وسَرائِرِهِ، وقَبْلَ الشَّفاعَةِ وبَعْدَها. وقَدْ حَرَمَ اللَّهُ هَؤُلاءِ المُجْرِمِينَ الكافِرِينَ أنْ تَنْفَعَهُمُ الشَّفاعَةُ فَعَسى أنْ تَنْفَعَ الشَّفاعَةُ المُؤْمِنِينَ عَلى أقْدارِهِمْ. وفِي قَوْلِهِ (﴿فَما تَنْفَعُهم شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾) إيماءٌ إلى ثُبُوتِ الشَّفاعَةِ لِغَيْرِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى الجُمْلَةِ، وتَفْصِيلُها في صِحاحِ الأخْبارِ. وفاءُ (﴿فَما تَنْفَعُهم شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾) تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ (﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾)، أيْ فَهم دائِمُونَ في الارْتِهانِ في سَقَرَ.

Maximize your Quran.com experience!
Start your tour now:

0%