undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ﴾ . (ص-٢٦٠)الواوُ اسْتِئْنافِيَّةٌ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: ٥٣] . والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ الَّذِي مَضى مُبْتَدَئًا بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٥١] . والتَّفْصِيلُ: التَّبْيِينُ والتَّوْضِيحُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الفَصْلِ، وهو تُفَرُّقُ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. ولَمّا كانَتِ الأشْياءُ المُخْتَلِطَةُ إذا فُصِّلَتْ يَتَبَيَّنُ بَعْضُها مِن بَعْضٍ أُطْلِقَ التَّفْصِيلُ عَلى التَّبْيِينِ بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ، وشاعَ ذَلِكَ حَتّى صارَ حَقِيقَةً، ومِن هَذا القَبِيلِ أيْضًا تَسْمِيَةُ الإيضاحِ تَبْيِينًا وإبانَةً، فَإنَّ أصْلَ الإبانَةِ القَطْعُ. والمُرادُ بِالتَّفْصِيلِ الإيضاحُ، أيِ الإتْيانُ بِالآياتِ الواضِحَةِ الدّالَّةِ عَلى المَقْصُودِ مِنها. والآياتُ: آياتُ القُرْآنِ. والمَعْنى نُفَصِّلُ الآياتِ ونُبَيِّنُها تَفْصِيلًا مِثْلَ هَذا التَّفْصِيلِ الَّذِي لا فَوْقَهُ تَفْصِيلٌ، وهو تَفْصِيلٌ يَحْصُلُ بِهِ عِلْمُ المُرادِ مِنها بَيِّنًا. وقَوْلُهُ ”ولِتَسْتَبِينَ“ عَطْفٌ عَلى عِلَّةٍ مُقَدَّرَةٍ دَلَّ عَلَيْها قَوْلُهُ ﴿وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ﴾ لِأنَّ المُشارَ إلَيْهِ التَّفْصِيلُ البالِغُ غايَةَ البَيانِ، فَيُعْلَمُ مِنَ الإشارَةِ إلَيْهِ أنَّ الغَرَضَ مِنهُ اتِّضاحُ العِلْمِ لِلرَّسُولِ. فَلَمّا كانَ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ بِهَذِهِ المَثابَةِ عُلِمَ مِنهُ أنَّهُ عِلَّةٌ لِشَيْءٍ يُناسِبُهُ وهو تَبَيُّنُ الرَّسُولِ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ، فَصَحَّ أنْ تُعْطَفَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ أُخْرى مِن عِلْمِ الرَّسُولِ ﷺ، وهي اسْتِبانَتُهُ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ. فالتَّقْدِيرُ مَثَلًا: وكَذَلِكَ التَّفْصِيلُ نُفَصِّلُ الآياتِ لِتَعْلَمَ بِتَفْصِيلِها كُنْهَها، ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ، فَفي الكَلامِ إيجازُ الحَذْفِ. وهَكَذا كُلَّما كانَ اسْتِعْمالُ (كَذَلِكَ) نَفْعَلُ بَعْدَ ذِكْرِ أفْعالٍ عَظِيمَةٍ صالِحًا الفِعْلُ المَذْكُورُ بَعْدَ الإشارَةِ لِأنْ يَكُونَ عِلَّةً لِأمْرٍ مِن شَأْنِهِ أنْ يُعَلَّلَ بِمِثْلِهِ صَحَّ أنْ تُعْطَفَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ أُخْرى كَما هُنا، وكَما في قَوْلِهِ ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] بِخِلافِ ما لا يَصْلُحُ، ولِذَلِكَ فَإنَّهُ إذا أُرِيدَ ذِكْرُ عِلَّةٍ بَعْدَهُ ذُكِرَتْ بِدُونِ عَطْفٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] . و﴿سَبِيلَ المُجْرِمِينَ﴾ طَرِيقَهم وسِيرَتَهم في الظُّلْمِ والحَسَدِ والكِبْرِ واحْتِقارِ النّاسِ والتَّصَلُّبِ في الكُفْرِ. (ص-٢٦١)والمُجْرِمُونَ هُمُ المُشْرِكُونَ. وُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ المُضْمَرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلى أنَّهُمُ المُرادُ ولِإجْراءِ وصْفِ الإجْرامِ عَلَيْهِمْ. وخَصَّ المُجْرِمِينَ لِأنَّهُمُ المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآياتِ كُلِّها لِإيضاحِ خَفِيِّ أحْوالِهِمْ لِلنَّبِيءِ ﷺ والمُسْلِمِينَ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، ويَعْقُوبُ بِتاءٍ مُثَنّاةٍ فَوْقِيَّةٍ في أوَّلِ الفِعْلِ عَلى أنَّها تاءُ خِطابٍ. والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ . وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وخَلَفٌ بِياءِ الغائِبِ، ثُمَّ إنَّ نافِعًا، وأبا جَعْفَرٍ قَرَأ سَبِيلَ بِفَتْحِ اللّامِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولُ تَسْتَبِينَ فالسِّينُ والتّاءُ لِلطَّلَبِ. وقَرَأهُ البَقِيَّةُ بِرَفْعِ اللّامِ عَلى أنَّهُ فاعِلُ (يَسْتَبِينَ) أوْ تَسْتَبِينَ. فالسِّينُ والتّاءُ لَيْسا لِلطَّلَبِ بَلْ لِلْمُبالَغَةِ مِثْلُ اسْتَجابَ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَفْصٌ، عَنْ عاصِمٍ بِرَفْعٍ (سَبِيلُ) عَلى أنَّ تاءَ المُضارَعَةِ تاءُ المُؤَنَّثَةِ. لِأنَّ السَّبِيلَ مُؤَنَّثَةٌ في لُغَةِ عَرَبِ الحِجازِ، وعَلى أنَّهُ مِنِ اسْتَبانَ القاصِرُ بِمَعْنى بانَ فَـ (سَبِيلُ) فاعِلُ تَسْتَبِينَ، أيْ لِتَتَّضِحَ سَبِيلُهم لَكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ.