undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أخَذَ اللَّهُ سَمْعَكم وأبْصارَكم وخَتَمَ عَلى قُلُوبِكم مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هم يَصْدِفُونَ﴾ .
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ عادَ بِهِ إلى الجِدالِ مَعَهم في إشْراكِهِمْ بِاللَّهِ تَعالى بَعْدَ أنِ انْصَرَفَ الكَلامُ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ مِن قَوْلِهِ تَعالى قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً وما تَفَنَّنَ عَقِبَ ذَلِكَ مِن إثْباتِ البَعْثِ وإثْباتِ صِدْقِ الرَّسُولِ وذِكْرِ القَوارِعِ والوَعِيدِ إلى قَوْلِهِ قُلْ ﴿أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ﴾ [الأنعام: ٤٠] الآياتِ.
وتَكْرِيرُ الأمْرِ بِالقَوْلِ لِلْواحِدِ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٤٠] الآيَةَ.
والرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ إلى مَفْعُولَيْنِ، ولَيْسَ هَذا مِن قَبِيلِ الِاسْتِعْمالِ المُتَقَدِّمِ آنِفًا في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ﴾ [الأنعام: ٤٠] الآيَةَ.
واخْتِلافُ القُرّاءِ في أرَأيْتُمْ كاخْتِلافِهِمْ في مِثْلِهِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٤٠] الآيَةَ.
والأخْذُ: انْتِزاعُ الشَّيْءِ وتَناوُلُهُ مِن مَقَرِّهِ، وهو هُنا مَجازٌ في السَّلْبِ والإعْدامِ، لِأنَّ السَّلْبَ مِن لَوازِمِ الأخْذِ بِالنِّسْبَةِ إلى المَأْخُوذِ مِنهُ فَهو مَجازٌ مُرْسَلٌ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَهُ تَمْثِيلًا لِأنَّ اللَّهَ هو مُعْطِي السَّمْعِ والبَصَرِ فَإذا أزالَها كانَتْ تِلْكَ الإزالَةُ كَحالَةِ أخْذِ ما كانَ (ص-٢٣٤)أعْطاهُ، فَشُبِّهَتْ هَيْئَةُ إعْدامِ الخالِقِ بَعْضَ مَواهِبِ مَخْلُوقِهِ بِهَيْئَةِ انْتِزاعِ الآخِذِ شَيْئًا مِن مَقَرِّهِ. فالهَيْئَةُ المُشَبَّهَةُ هُنا عَقْلِيَّةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ والهَيْئَةُ المُشَبَّهَةُ بِها مَحْسُوسَةٌ. والخَتْمُ عَلى القُلُوبِ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] . والمُرادُ بِالقُلُوبِ العُقُولُ الَّتِي بِها إدْراكُ المَعْقُولاتِ.
والسَّمْعُ مَصْدَرٌ دالٌّ عَلى الجِنْسِ فَكانَ في قُوَّةِ الجَمْعِ، فَعَمَّ بِإضافَتِهِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ ولا حاجَةَ إلى جَمْعِهِ.
والأبْصارُ جَمْعُ بَصَرٍ، وهو في اللُّغَةِ العَيْنُ عَلى التَّحْقِيقِ. وقِيلَ: يُطْلَقُ البَصَرُ عَلى حاسَّةِ الإبْصارِ ولِذَلِكَ جُمِعَ لِيَعُمَّ بِالإضافَةِ جَمِيعَ أبْصارِ المُخاطَبِينَ، ولَعَلَّ إفْرادَ السَّمْعِ وجَمْعَ الأبْصارِ جَرى عَلى ما يَقْتَضِيهِ تَمامُ الفَصاحَةِ مِن خِفَّةِ أحَدِ اللَّفْظَيْنِ مُفْرَدًا والآخَرُ مَجْمُوعًا عِنْدَ اقْتِرانِهِما، فَإنَّ في انْتِظامِ الحُرُوفِ والحَرَكاتِ والسَّكَناتِ في تَنَقُّلِ اللِّسانِ سِرًّا عَجِيبًا مِن فَصاحَةِ كَلامِ القُرْآنِ المُعَبَّرِ عَنْها بِالنَّظْمِ. وكَذَلِكَ نَرى مَواقِعَها في القُرْآنِ قالَ تَعالى ﴿وجَعَلْنا لَهم سَمْعًا وأبْصارًا وأفْئِدَةً فَما أغْنى عَنْهم سَمْعُهم ولا أبْصارُهم ولا أفْئِدَتُهم مِن شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٦] .
والقُلُوبُ مُرادٌ بِها العُقُولُ في كَلامِ العَرَبِ لِأنَّ القَلْبَ سَبَبُ إمْدادِ العَقْلِ بِقُوَّةِ الإدْراكِ.
وقَوْلُهُ مَن إلَهٌ مُعَلِّقٌ لِفِعْلِ الرُّؤْيَةِ لِأنَّهُ اسْتِفْهامٌ، أيْ أعَلِمْتُمْ جَوابَ هَذا الِاسْتِفْهامِ أمْ أنْتُمْ في شَكٍّ. وهو اسْتِفْهامٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّقْرِيرِ يُقْصَدُ مِنهُ إلْجاءُ السّامِعِينَ إلى النَّظَرِ في جَوابِهِ فَيُوقِنُوا أنَّهُ لا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيهِمْ بِذَلِكَ لِأنَّهُ الخالِقُ لِلسَّمْعِ والأبْصارِ والعُقُولِ فَإنَّهم لا يُنْكِرُونَ أنَّ الأصْنامَ لا تَخْلُقُ، ولِذَلِكَ قالَ لَهُمُ القُرْآنُ ﴿أفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧] .
و(مَن) في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، و(إلَهٌ) خَبَرُ (مَن)، و(غَيْرُ اللَّهِ) صِفَةُ إلَهٌ، و(يَأْتِيكم) جُمْلَةٌ في مَحَلِّ الصِّفَةِ أيْضًا، والمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ هو (إلَهٌ)، أيْ لَيْسَ إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِي بِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلى الوَحْدانِيَّةِ. ومَعْنى يَأْتِيكم بِهِ يُرْجِعُهُ، فَإنَّ أصْلَ أتى بِهِ، جاءَ بِهِ. ولَمّا كانَ الشَّيْءُ المَسْلُوبُ إذا اسْتَنْقَذَهُ مُنْقِذٌ يَأْتِي بِهِ إلى مَقَرِّهِ أطْلَقَ الإتْيانَ بِالشَّيْءِ عَلى إرْجاعِهِ مَجازًا أوْ كِنايَةً.
(ص-٢٣٥)والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِالباءِ عائِدٌ إلى السَّمْعِ والأبْصارِ والقُلُوبِ، عَلى تَأْوِيلِها بِالمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِها. وهَذا اسْتِعْمالٌ قَلِيلٌ في الضَّمِيرِ، ولَكِنَّهُ فَصِيحٌ. وقَدْ تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى إنَّ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أنَّ لَهم ما في الأرْضِ جَمِيعًا ومِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ﴾ [المائدة: ٣٦] في سُورَةِ المائِدَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإنْ طِبْنَ لَكم عَنْ شَيْءٍ مِنهُ نَفْسًا﴾ [النساء: ٤] في سُورَةِ النِّساءِ. وإيثارُهُ هُنا عَلى أنْ يُقالَ: يَأْتِيكم بِها، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ إلى خُصُوصِ القُلُوبِ.
والكَلامُ جارٍ مَجْرى التَّهْدِيدِ والتَّخْوِيفِ، اخْتِيرَ فِيهِ التَّهْدِيدُ بِانْتِزاعِ سَمْعِهِمْ وأبْصارِهِمْ وسَلْبِ الإدْراكِ مِن قُلُوبِهِمْ لِأنَّهم لَمْ يَشْكُرُوا نِعْمَةَ هَذِهِ المَواهِبِ بَلْ عَدِمُوا الِانْتِفاعَ بِها، كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ آنِفًا ﴿وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمُ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا وإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها﴾ [الأنعام: ٢٥] . فَكانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لَهم عَلى عَدَمِ إجْداءِ هَذِهِ المَواهِبِ عَلَيْهِمْ مَعَ صَلاحِيَتِها لِلِانْتِفاعِ، وناسَبَ هُنا أنْ يُهَدَّدُوا بِزَوالِها بِالكُلِّيَّةِ إنْ دامُوا عَلى تَعْطِيلِ الِانْتِفاعِ بِها فِيما أمَرَ بِهِ خالِقُها.
وقَوْلُهُ انْظُرْ تَنْزِيلٌ لِلْأمْرِ المَعْقُولِ مَنزِلَةَ المُشاهَدِ، وهو تَصْرِيفُ الآياتِ مَعَ الإعْراضِ عَنْها حَتّى إنَّ النّاظِرَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَراها، فَأمّا الأمْرُ فَهو مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ مِن حالِ إعْراضِهِمْ.
والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا تَتَنَزَّلُ مَنزِلَةَ التَّذْيِيلِ لِلْآياتِ السّابِقَةِ، فَإنَّهُ لَمّا غَمَرَهم بِالأدِلَّةِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ وصِدْقِ الرَّسُولِ، وأبْطَلَ شُبَهَهم عَقَّبَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالتَّعْجِيبِ مِن قُوَّةِ الأدِلَّةِ مَعَ اسْتِمْرارِ الإعْراضِ والمُكابَرَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠] في سُورَةِ النِّساءِ. وهَذا تَذْكِيرٌ لَهم بِأنَّ اللَّهَ هو خالِقُ أسْماعِهِمْ وأبْصارِهِمْ وألْبابِهِمْ فَما كانَ غَيْرُهُ جَدِيرًا بِأنْ يَعْبُدُوهُ. وتَصْرِيفُ الآياتِ اخْتِلافُ أنْواعِها بِأنْ تَأْتِيَ مَرَّةً بِحُجَجٍ مِن مُشاهَداتٍ في السَّماواتِ والأرْضِ، وأُخْرى بِحُجَجٍ مِن دَلائِلَ في نُفُوسِ النّاسِ، ومَرَّةً بِحُجَجٍ مِن أحْوالِ الأُمَمِ الخالِيَةِ الَّتِي أنْشَأها اللَّهُ، فالآياتُ هُنا هي دَلائِلُ الوَحْدانِيَّةِ، فَهي مُتَّحِدَةٌ في الغايَةِ مُخْتَلِفَةُ (ص-٢٣٦)الأسالِيبِ مُتَفاوِتَةٌ في الِاقْتِرابِ مِن تَناوُلِ الأفْهامِ عامِّها وخاصِّها، وهي أيْضًا مُخْتَلِفَةٌ في تَرْكِيبِ دَلائِلِها مِن جِهَتَيِ المُقَدِّماتِ العَقْلِيَّةِ وغَيْرِها، ومِن جِهَتَيِ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ ومِنَ التَّنْبِيهِ والتَّذْكِيرِ، بِحَيْثُ تَسْتَوْعِبُ الإحاطَةَ بِالأفْهامِ عَلى اخْتِلافِ مَدارِكِ العُقُولِ.
والتَّعْرِيفُ في الآياتِ لِلْعَهْدِ، وهي المَعْهُودَةُ في هَذِهِ السُّورَةِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ [الأنعام: ١] .
و(ثُمَّ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ لِأنَّها عَطَفَتْ جُمْلَةً عَلى جُمْلَةٍ، فَهي تُؤْذِنُ بِأنَّ الجُمْلَةَ المَعْطُوفَةَ أدْخَلُ في الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ، وهو هُنا التَّعْجِيبُ مِن قُوَّةِ الأدِلَّةِ، وأنَّ اسْتِمْرارَ الإعْراضِ والمُكابَرَةِ مَعَ ذَلِكَ أجْدَرُ بِالتَّعْجِيبِ بِهِ.
وجِيءَ بِالمُسْنَدِ في جُمْلَةِ ﴿هم يَصْدِفُونَ﴾ فِعْلًا مُضارِعًا لِلدَّلالَةِ عَلى تَجَدُّدِ الإعْراضِ مِنهم. وتَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ لِتَقَوِّي الحُكْمِ.
و(يَصْدِفُونَ) يُعْرِضُونَ إعْراضًا شَدِيدًا. يُقالُ: صَدَفَ صَدْفًا وصُدُوفًا، إذا مالَ إلى جانِبٍ وأعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ. وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ أنْ يَكُونَ قاصِرًا فَيَتَعَدّى إلى مَفْعُولِهِ بِـ (عَنْ) . وقَدْ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا كَما صَرَّحَ بِهِ في القامُوسِ. وقَلَّ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ في كُتُبِ اللُّغَةِ ولَكِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى في أواخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وصَدَفَ عَنْها﴾ [الأنعام: ١٥٧] قَدَّرَ: وصَدَفَ النّاسَ عَنْها، مَعَ أنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ في الأساسِ ولا عَلَّقَ عَلى تَقْدِيرِهِ شارِحُوهُ. ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الآياتِ حُذِفَ مُتَعَلِّقُ يَصْدِفُونَ لِظُهُورِهِ، أيْ صَدَفَ عَنِ الآياتِ.