You are reading a tafsir for the group of verses 6:27 to 6:28
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبُ بِآياتِ رَبِّنا ونَكُونُ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿بَلْ بَدا لَهم ما كانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ولَوْ رَدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ . (ص-١٨٤)الخِطابُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأنَّ في الخَبَرِ الواقِعِ بَعْدَهُ تَسْلِيَةً لَهُ عَمّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿وهم يَنْهَوْنَ عَنْهُ ويَنْأوْنَ عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٦] فَإنَّهُ ابْتَدَأ فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنْ يُهْلِكُونَ إلّا أنْفُسَهُمْ﴾ [الأنعام: ٢٦] ثُمَّ أرْدَفَهُ بِتَمْثِيلِ حالِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ. ويَشْتَرِكُ مَعَ الرَّسُولِ في هَذا الخِطابِ كُلُّ مَن يَسْمَعُ هَذا الخَبَرَ. و(لَوْ) شَرْطِيَّةٌ، أيْ لَوْ تَرى الآنَ، و(إذْ) ظَرْفِيَّةٌ، ومَفْعُولُ تَرى مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ضَمِيرُ (وقَفُوا)، أيْ لَوْ تَراهم، و(وقَفُوا) ماضٍ لَفْظًا والمَعْنى بِهِ الِاسْتِقْبالُ، أيْ: إذْ يُوقَفُونَ. وجِيءَ فِيهِ بِصِيغَةِ الماضِي لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ لِصُدُورِهِ عَمَّنْ لا خِلافَ في خَبَرِهِ. ومَعْنى (﴿وُقِفُوا عَلى النّارِ﴾) أُبْلِغُوا إلَيْها بَعْدَ سَيْرٍ إلَيْها، وهو يَتَعَدّى بِـ (عَلى) . والِاسْتِعْلاءُ المُسْتَفادُ بِـ (عَلى) مَجازِيٌّ مَعْناهُ قُوَّةُ الِاتِّصالِ بِالمَكانِ، فَلا تَدُلُّ (عَلى) عَلى أنَّ وُقُوفَهم عَلى النّارِ كانَ مِن أعْلى النّارِ. وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٣٠]، وأصْلُهُ مِن قَوْلِ العَرَبِ: وقَفْتُ راحِلَتِي عَلى زَيْدٍ، أيْ بَلَغْتُ إلَيْهِ فَحَبَسْتُ ناقَتِي عَنِ السَّيْرِ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ: ؎وقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لِمَيَّةَ ناقَتِـي فَما زِلْتُ أبْكِي عِنْدَهُ وأُخاطِبُهْ فَحَذَفُوا مَفْعُولَ (وقَفْتُ) لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ. ويُقالُ: وقَفَهُ فَوَقَفَ، ولا يُقالُ: أوْقَفَهُ بِالهَمْزَةِ. وعَطَفَ عَلَيْهِ (فَقالُوا) بِالفاءِ المُفِيدَةِ لِلتَّعْقِيبِ، لِأنَّ ما شاهَدُوهُ مِنَ الهَوْلِ قَدْ عَلِمُوا أنَّهُ جَزاءُ تَكْذِيبِهِمْ بِإلْهامٍ أوْقَعَهُ اللَّهُ في قُلُوبِهِمْ أوْ بِإخْبارِ مَلائِكَةِ العَذابِ، فَعَجِلُوا فَتَمَنَّوْا أنْ يَرْجِعُوا. وحَرْفُ النِّداءِ في قَوْلِهِمْ يا لَيْتَنا نُرَدُّ مُسْتَعْمَلٌ في التَّحَسُّرِ، لِأنَّ النِّداءَ يَقْتَضِي بُعْدَ المُنادى، فاسْتُعْمِلَ في التَّحَسُّرِ لِأنَّ المُتَمَنّى صارَ بَعِيدًا عَنْهم، أيْ غَيْرَ مُفِيدٍ لَهم، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦] . ومَعْنى نُرَدُّ نَرْجِعُ إلى الدُّنْيا، وعَطَفَ عَلَيْهِ ﴿ولا نُكَذِّبُ بِآياتِ رَبِّنا ونَكُونُ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ بِرَفْعِ الفِعْلَيْنِ بَعْدَ (لا) النّافِيَةِ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ عَطْفًا عَلى (نُرَدُّ)، فَيَكُونُ (ص-١٨٥)مِن جُمْلَةِ ما تَمَنَّوْهُ، ولِذَلِكَ لَمْ يُنْصَبْ في جَوابِ التَّمَنِّي إذْ لَيْسَ المَقْصُودُ الجَزاءَ، ولِأنَّ اعْتِبارَ الجَزاءِ مَعَ الواوِ غَيْرُ مَشْهُورٍ، بِخِلافِهِ مَعَ الفاءِ لِأنَّ الفاءَ مُتَأصِّلَةٌ في السَّبَبِيَّةِ. والرَّدُّ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذاتِهِ وإنَّما تَمَنَّوْهُ لِما يَقَعُ مَعَهُ مِنَ الإيمانِ وتَرْكِ التَّكْذِيبِ. وإنَّما قَدَّمَ في الذِّكْرِ تَرْكَ التَّكْذِيبِ عَلى الإيمانِ لِأنَّهُ الأصْلُ في تَحْصِيلِ المُتَمَنّى عَلى اعْتِبارِ الواوِ لِلْمَعِيَّةِ واقِعَةً مَوْقِعَ فاءِ السَّبَبِيَّةِ في جَوابِ التَّمَنِّي. وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ (ولا نُكَذِّبَ ونَكُونَ) بِنَصْبِ الفِعْلَيْنِ، عَلى أنَّهُما مَنصُوبانِ في جَوابِ التَّمَنِّي. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ﴿ولا نُكَذِّبُ﴾ بِالرَّفْعِ كالجُمْهُورِ، عَلى مَعْنى أنَّ انْتِفاءَ التَّكْذِيبِ حاصِلٌ في حِينِ كَلامِهِمْ، فَلَيْسَ بِمُسْتَقْبَلٍ حَتّى يَكُونَ بِتَقْدِيرِ (أنْ) المُفِيدَةِ لِلِاسْتِقْبالِ. وقَرَأ (ونَكُونَ) بِالنَّصْبِ عَلى جَوابِ التَّمَنِّي، أيْ نَكُونَ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِالمُؤْمِنِينَ. والمَعْنى لا يَخْتَلِفُ. وقَوْلُهُ: ﴿بَلْ بَدا لَهم ما كانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾ إضْرابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ ﴿ولا نُكَذِّبُ بِآياتِ رَبِّنا ونَكُونُ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ . والمَعْنى بَلْ لِأنَّهم لَمْ يَبْقَ لَهم مَطْمَعٌ في الخَلاصِ. وبَدا الشَّيْءُ: ظَهَرَ. ويُقالُ: بَدا لَهُ الشَّيْءُ إذا ظَهَرَ لَهُ عِيانًا. وهو هُنا مَجازٌ في زَوالِ الشَّكِّ في الشَّيْءِ، كَقَوْلِ زُهَيْرٍ: ؎بَدا لِيَ أنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضى ∗∗∗ ولا سابِقًا شَيْئًا إذا كانَ جائِيا ولَمّا قُوبِلَ (بَدا لَهم) في هَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ما كانُوا يُخْفُونَ﴾ عَلِمْنا أنَّ البَداءَ هو ظُهُورُ أمْرٍ في أنْفُسِهِمْ كانُوا يُخْفُونَهُ في الدُّنْيا، أيْ خَطَرَ لَهم حِينَئِذٍ ذَلِكَ الخاطِرُ الَّذِي كانُوا يُخْفُونَهُ، أيِ الَّذِي كانَ يَبْدُو لَهم، أيْ يَخْطُرُ بِبالِهِمْ وُقُوعُهُ فَلا يُعْلِنُونَ بِهِ فَبَدا لَهُمُ الآنَ فَأعْلَنُوا بِهِ وصَرَّحُوا مُعْتَرِفِينَ بِهِ. فَفي الكَلامِ احْتِباكٌ، تَقْدِيرُهُ: بَلْ بَدا لَهم ما كانَ يَبْدُو لَهم في الدُّنْيا فَأظْهَرُوهُ الآنَ وكانُوا يُخْفُونَهُ. وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَخْطُرُ لَهُمُ الإيمانُ لِما يَرَوْنَ مِن دَلائِلِهِ أوْ مِن نَصْرِ المُؤْمِنِينَ فَيَصُدُّهم عَنْهُ العِنادُ والحِرْصُ عَلى اسْتِبْقاءِ السِّيادَةِ والأنَفَةِ مِنَ الِاعْتِرافِ بِفَضْلِ الرَّسُولِ وبِسَبْقِ المُؤْمِنِينَ إلى الخَيْراتِ قَبْلَهم، وفِيهِمْ ضُعَفاءُ القَوْمِ وعَبِيدُهم، كَما ذَكَرْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ﴾ [الأنعام: ٥٢] في هَذِهِ السُّورَةِ، وقَدْ أشارَ إلى هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: (ص-١٨٦)﴿رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ٢] في سُورَةِ الحِجْرِ. وهَذا التَّفْسِيرُ يُغْنِي عَنِ الِاحْتِمالاتِ الَّتِي تَحَيَّرَ فِيها المُفَسِّرُونَ وهي لا تُلائِمُ نَظْمَ الآيَةِ، فَبَعْضُها يُساعِدُهُ صَدْرُها وبَعْضُها يُساعِدُهُ عَجُزُها ولَيْسَ فِيها ما يُساعِدُهُ جَمِيعُها. وقَوْلُهُ: ﴿ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ ارْتِقاءٌ في إبْطالِ قَوْلِهِمْ حَتّى يَكُونَ بِمَنزِلَةِ التَّسْلِيمِ الجَدَلِيِّ في المُناظَرَةِ، أيْ لَوْ أُجِيبَتْ أُمْنِيَّتُهم ورُدُّوا إلى الدُّنْيا لَعادُوا لِلْأمْرِ الَّذِي كانَ النَّبِيءُ يَنْهاهم عَنْهُ، وهو التَّكْذِيبُ وإنْكارُ البَعْثِ، وذَلِكَ لِأنَّ نُفُوسَهُمُ الَّتِي كَذَّبَتْ فِيما مَضى تَكْذِيبَ مُكابَرَةٍ بَعْدَ إتْيانِ الآياتِ البَيِّناتِ، هي النُّفُوسُ الَّتِي أُرْجِعَتْ إلَيْهِمْ يَوْمَ البَعْثِ، فالعَقْلُ العَقْلُ والتَّفْكِيرُ التَّفْكِيرُ، وإنَّما تَمَنَّوْا ما تَمَنَّوْا مِن شِدَّةِ الهَوْلِ فَتَوَهَّمُوا التَّخَلُّصَ مِنهُ بِهَذا التَّمَنِّي، فَلَوْ تَحَقَّقَ تَمَنِّيهِمْ ورُدُّوا واسْتَراحُوا مِن ذَلِكَ الهَوْلِ لَغَلَبَتْ أهْواؤُهم رُشْدَهم فَنَسُوا ما حَلَّ بِهِمْ ورَجَعُوا إلى ما ألِفُوا مِنَ التَّكْذِيبِ والمُكابَرَةِ. وفِي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ الخَواطِرَ النّاشِئَةَ عَنْ عَوامِلِ الحِسِّ دُونَ النَّظَرِ والدَّلِيلِ لا قَرارَ لَها في النَّفْسِ ولا تَسِيرُ عَلى مُقْتَضاها إلّا رَيْثَما يَدُومُ ذَلِكَ الإحْساسُ فَإذا زالَ زالَ أثَرُهُ، فالِانْفِعالُ بِهِ يُشْبِهُ انْفِعالَ العَجْماواتِ مِنَ الزَّجْرِ والسَّوْطِ ونَحْوِهِما. ويَزُولُ بِزَوالِهِ حَتّى يُعاوِدَهُ مِثْلُهُ. وقَوْلُهُ: ﴿وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ تَذْيِيلٌ لِما قَبْلَهُ. جِيءَ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى الدَّوامِ والثَّباتِ، أيْ أنَّ الكَذِبَ سَجِيَّةٌ لَهم قَدْ تَطَبَّعُوا عَلَيْها مِنَ الدُّنْيا فَلا عَجَبَ أنْ يَتَمَنَّوُا الرُّجُوعَ لِيُؤْمِنُوا فَلَوْ رَجَعُوا لَعادُوا لَما كانُوا عَلَيْهِ فَإنَّ الكَذِبَ سَجِيَّتُهم. وقَدْ تَضَمَّنَ تَمَنِّيهِمْ وعْدًا، فَلِذَلِكَ صَحَّ إدْخالُهُ في حُكْمِ كَذِبِهِمْ دُخُولَ الخاصِّ في العامِّ، لِأنَّ التَّذْيِيلَ يُؤْذِنُ بِشُمُولِ ما ذُيِّلَ بِهِ وزِيادَةٌ. فَلَيْسَ وصْفُهم بِالكَذِبِ بِعائِدٍ إلى التَّمَنِّي بَلْ إلى ما تَضَمَّنَهُ مِنَ الوَعْدِ بِالإيمانِ وعَدَمِ التَّكْذِيبِ بِآياتِ اللَّهِ.