undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3

القول في تأويل قوله : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم: " أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون "؟ = إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك، إذ فتناهم فاختبرناهم, (18) " إلا أن قالوا والله ربّنا ما كنا مشركين " ، كذبًا منهم في أيمانهم على قِيلهم ذلك.

* * *

ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) بالتاء، بالنصب, (19) بمعنى: لم يكن اختبارَناهم لهم إلا قيلُهم (20) " والله ربنا ما كنا مشركين " = غير أنهم يقرءون " تكن " بالتاء على التأنيث. وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. (21) وذلك عند أهل العربية شاذٌ غير فصيح في الكلام. وقد روي بيتٌ للبيد بنحو ذلك, وهو قوله:

فَمَضَــى وَقَدَّمَهَـا , وكـانت عـادةً

مِنْــهُ إذا هــيَ عَــرَّدَتْ إقْدَامُهَـا (22)

فقال: " وكانت " بتأنيث " الإقدام "، لمجاورته قوله: " عادة " .

* * *

وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفيين: (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ) بالياء، (فِتْنَتَهُمْ) بالنصب، (إلا أَنْ قَالُوا)، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم.

غير أنهم ذكَّروا " يكون " لتذكير " أن ". (23)

قال أبو جعفر: وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب, لأن " أنْ" أثبت في المعرفة من " الفتنة ". (24)

* * *

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " ثم لم تكن فتنتهم " .

فقال بعضهم : معناه: ثم لم يكن قولهم .

* ذكر من قال ذلك:

13134 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال قتادة في قوله: " ثم لم تكن فتنتهم " ، قال: مقالتهم = قال معمر: وسمعت غير قتادة يقول: معذرتهم .

13135 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قوله: " ثم لم تكن فتنتهم " ، قال: قولهم .

13136- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبى, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا "، الآية, فهو كلامهم =" قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " .

13137 - حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك: " ثم لم تكن فتنتهم " ، يعني: كلامهم .

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: معذرتهم .

* ذكر من قال ذلك:

13138 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن قتادة: " ثم لم تكن فتنتهم " ، قال: معذرتهم.

13139- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " ، يقول: اعتذارهم بالباطل والكذب.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: معناه: ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم، اعتذارًا مما سلف منهم من الشرك بالله =" إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " ، فوضعت " الفتنة " موضع " القول "، لمعرفة السامعين معنى الكلام. = وإنما " الفتنة "، الاختبار والابتلاء (25) = ولكن لما كان الجواب من القوم غيرَ واقع هنالك إلا عند الاختبار, وضعت " الفتنة " التي هي الاختبار، موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم .

* * *

واختلفت القرأة أيضًا في قراءة قوله: " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " .

فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: وَاللَّهِ رَبِّنَا ، خفضًا، على أن " الرب " نعت لله .

* * *

وقرأ ذلك جماعة من التابعين: (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بالنصب، بمعنى: والله يا ربنا. وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة. (26)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ: (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بنصب " الرب ", بمعنى: يا ربَّنا. وذلك أن هذا جواب من المسئولين المقول لهم: " أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون " ؟ وكان من جواب القوم لربهم: والله يا ربنا ما كنا مشركين = فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا. يقول الله تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ .

* * *

ويعني بقوله : " ما كنا مشركين " ، ما كنا ندعو لك شريكًا، ولا ندعو سواك. (27)

----------------

الهوامش :

(18) انظر تفسيره"الفتنة" فيما سلف 10: 478 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(19) في المطبوعة ، حذف قوله: "بالتاء" ، لغير طائل.

(20) في المطبوعة: "اختبارنا لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو فصيح العربية.

(21) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188.

(22) من معلقته الباهرة. وانظر ما قاله ابن الشجري في الآية والبيت في أماليه 1: 130.

والضمير في قوله: "فمضى" إلى حمار الوحش ، وفي قوله: "وقدمها" إلى أتنه التي يسوقها إلى الماء.

و"عردت": فرت ، وعدلت عن الطريق التي وجهها إليها. وشعر لبيد لا يفصل بعضه عن بعض في هذه القصيدة ، فلذلك لم أذكر ما قبله وما بعده. فراجع معلقته.

(23) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188.

(24) أغفل أبو جعفر قراءة الرقع في"فتنتهم" ، وهي قراءتنا في مصحفنا ، قراءة حفص. وأنا أرجح أن أبا جعفر أغفلها متعمدًا ، وقد استوفى الكلام في هذه الآية ونظائرها فيما سلف 7: 273-275. وانظر تفسير أبي حيان 4: 95 .

(25) انظر تفسير"الفتنة" فيما سلف قريبًا ص 297 ، رقم: 2 ، والمراجع هناك.

(26) انظر معاني القرآن للفراء 1: 330.

(27) انظر ما سلف رقم: 9520 - 9522 (ج 8: 373 ، 374).