undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿ولَهُ ما سَكَنَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ وهْوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ . جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى لِلَّهِ مِن قَوْلِهِ ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢] الَّذِي هو في تَقْدِيرِ الجُمْلَةِ، أيْ ما في السَّماواتِ والأرْضِ لِلَّهِ، ولَهُ ما سَكَنَ. (ص-١٥٥)والسُّكُونُ اسْتِقْرارُ الجِسْمِ في مَكانٍ، أيْ حَيِّزٍ لا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مُدَّةً، فَهو ضِدُّ الحَرَكَةِ، وهو مِن أسْبابِ الِاخْتِفاءِ، لِأنَّ المُخْتَفِيَ يَسْكُنُ ولا يَنْتَشِرُ. والأحْسَنُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ هُنا كِنايَةً عَنِ الخَفاءِ مَعَ إرادَةِ المَعْنى الصَّرِيحِ. ووَجْهُ كَوْنِهِ كِنايَةً أنَّ الكَلامَ مَسُوقٌ لِلتَّذْكِيرِ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعالى وأنَّهُ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أعْمالِكم ومُحاسِبُكم عَلَيْها يَوْمَ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ، فَهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ [الرعد: ٨] إلى أنْ قالَ: ﴿ومَن هو مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ [الرعد: ١٠] . فالَّذِي سَكَنَ اللَّيْلَ والنَّهارَ بَعْضُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، فَلَمّا أعْلَمَهم بِأنَّهُ يَمْلِكُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ عَطَفَ عَلَيْهِ الإعْلامَ بِأنَّهُ يَمْلِكُ ما سَكَنَ مِن ذَلِكَ لِأنَّهُ بِحَيْثُ يُغْفِلُ عَنْ شُمُولِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ إيّاهُ، لِأنَّ المُتَعارَفَ بَيْنَ النّاسِ إذا أخْبَرُوا عَنْ أشْياءَ بِحُكْمِ أنْ يُرِيدُوا الأشْياءَ المَعْرُوفَةَ المُتَداوَلَةَ. فَهَذا مِن ذِكْرِ الخاصِّ بَعْدَ العامِّ لِتَقْرِيرِ عُمُومِ المُلْكِ لِلَّهِ تَعالى بِأنَّ مُلْكَهُ شَمِلَ الظّاهِراتِ والخَفِيّاتِ، فَفي هَذا اسْتِدْعاءٌ لِيُوَجِّهُوا النَّظَرَ العَقْلِيَّ في المَوْجُوداتِ الخَفِيَّةِ وما في إخْفائِها مِن دَلالَةٍ عَلى سَعَةِ القُدْرَةِ وتَصَرُّفاتِ الحِكْمَةِ الإلَهِيَّةِ. وفي لِلظَّرْفِيَّةِ الزَّمانِيَّةِ، وهي ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، لِأنَّ فِعْلَ السُّكُونِ لا يَتَعَدّى إلى الزَّمانِ تَعْدِيَةَ الظَّرْفِ اللَّغْوِ كَما يَتَعَدّى إلى المَكانِ لَوْ كانَ بِمَعْنى حَلَّ واسْتَقَرَّ وهو ما لا يُناسِبُ حَمْلَ مَعْنى الآيَةِ عَلَيْهِ. والكَلامُ تَمْهِيدٌ لِسَعَةِ العِلْمِ، لِأنَّ شَأْنَ المالِكِ أنْ يَعْلَمَ مَمْلُوكاتِهِ. وتَخْصِيصُ اللَّيْلِ بِالذِّكْرِ لِأنَّ السّاكِنَ في ذَلِكَ الوَقْتِ يَزْدادُ خَفاءً، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿ولا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأرْضِ﴾ [الأنعام: ٥٩] . وعَطَفَ النَّهارَ عَلَيْهِ لِقَصْدِ زِيادَةِ الشُّمُولِ، لِأنَّ اللَّيْلَ لَمّا كانَ مَظِنَّةَ الِاخْتِفاءِ فِيهِ قَدْ يُظَنُّ أنَّ العالِمَ يَقْصِدُ الِاطِّلاعَ عَلى السّاكِناتِ فِيهِ بِأهَمِّيَّةٍ ولا يَقْصِدُ إلى الِاطِّلاعِ عَلى السّاكِناتِ في النَّهارِ، فَذَكَرَ النَّهارَ لِتَحْقِيقِ تَمامِ الإحاطَةِ بِالمَعْلُوماتِ. وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِلدَّلالَةِ عَلى الحَصْرِ، وهو حَصْرُ السّاكِناتِ في كَوْنِها لَهُ لا لِغَيْرِهِ، أيْ في كَوْنِ مِلْكِها التّامِّ لَهُ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِمَن ما في السَّماواتِ والأرْضِ قُلْ لِلَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢] . وقَدْ جاءَ قَوْلُهُ: ﴿وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ كالنَّتِيجَةِ لِلْمُقَدِّمَةِ، لِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الإخْبارِ بِأنَّ اللَّهَ يَمْلِكُ السّاكِناتِ - التَّمْهِيدُ لِإثْباتِ عُمُومِ عِلْمِهِ، وإلّا فَإنَّ مِلْكَ المُتَحَرِّكاتِ المُتَصَرِّفاتِ (ص-١٥٦)أقْوى مِن مِلْكِ السّاكِناتِ الَّتِي لا تُبْدِي حَراكًا، فَظَهَرَ حُسْنُ وقْعِ قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ عَقِبَ هَذا. والسَّمِيعُ العالِمُ العَظِيمُ بِالمَسْمُوعاتِ أوْ بِالمَحْسُوساتِ. والعَلِيمُ الشَّدِيدُ العالِمُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ.

Maximize your Quran.com experience!
Start your tour now:

0%