undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنى﴾ [النجم: ٣١] ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ﴾ .
عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [النجم: ٣٠] إلَخْ فَبَعْدَ أنْ ذَكَرَ أنَّ لِلَّهِ أُمُورَ الدّارَيْنِ بِقَوْلِهِ ﴿فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولى﴾ [النجم: ٢٥] انْتَقَلَ إلى أهَمِّ ما يَجْرِي في الدّارَيْنِ مِن أحْوالِ النّاسِ الَّذِينَ هم أشْرَفُ ما عَلى الأرْضِ بِمُناسَبَةِ قَوْلِهِ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [النجم: ٣٠] المُرادُ بِهِ الإشارَةُ إلى الجَزاءِ وهو إثْباتٌ لِوُقُوعِ البَعْثِ والجَزاءِ.
فالمَقْصُودُ الأصْلِيُّ مِن هَذا الكَلامِ هو قَوْلُهُ ما في الأرْضِ؛ لِأنَّ المُهِمَّ ما في الأرْضِ إذْ هم مُتَعَلِّقُ الجَزاءِ، وإنَّما ذُكِرَ مَعَهُ ما في السَّماواتِ عَلى وجْهِ التَّتْمِيمِ لِلْإعْلامِ بِإحاطَةِ مُلْكِ اللَّهِ لِما احْتَوَتْ عَلَيْهِ العَوالِمُ كُلُّها، ونُكْتَةُ الِابْتِداءِ بِالتَّتْمِيمِ دُونَ تَأْخِيرِهِ الَّذِي هو مُقْتَضًى ظاهِرٌ في التَّتْمِيماتِ هي الِاهْتِمامُ بِالعالَمِ العُلْوِيِّ؛ لِأنَّهُ أوْسَعُ وأشْرَفُ ولِيَكُونَ المَقْصُودُ وهو قَوْلُهُ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا﴾ [النجم: ٣١] الآيَةَ مُقْتَرِنًا بِما يُناسِبُهُ مِن ذِكْرِ ما في الأرْضِ؛ لِأنَّ المَجْزِيِّينَ هم أهْلُ الأرْضِ، فَهَذِهِ نُكْتَةُ مُخالَفَةُ مُقْتَضى الظّاهِرِ.
فَيَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ ”لِيَجْزِيَ“ بِما في الخَبَرِ مِن مَعْنى الكَوْنِ المُقَدَّرِ في الجارِّ والمَجْرُورِ المُخْبَرِ بِهِ عَنْ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ، أيْ: كائِنٌ مِلْكًا لِلَّهِ كَوْنًا عِلَّتُهُ أنْ يَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا والَّذِينَ أحْسَنُوا مِن أهْلِ الأرْضِ، وهُمُ الَّذِينَ (ص-١٢٠)يَصْدُرُ مِنهُمُ الإساءَةُ والإحْسانُ فاللّامُ في قَوْلِهِ (لِيَجْزِيَ) لامُ التَّعْلِيلِ، جُعِلَ الجَزاءُ عِلَّةً لِثُبُوتِ مِلْكِ اللَّهِ لِما في السَّماواتِ والأرْضِ.
ومَعْنى هَذا التَّعْلِيلِ أنَّ مِنَ الحَقائِقِ المُرْتَبِطَةِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ المِلْكِ ارْتِباطًا أوَّلِيًّا في التَّعَقُّلِ والِاعْتِبارِ لا في إيجادٍ، فَإنَّ مِلْكَ اللَّهِ لِما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ناشِئٌ عَنْ إيجادِ اللَّهِ تِلْكَ المَخْلُوقاتِ، واللَّهُ حِينَ أوْجَدَها عالِمٌ أنَّ لَها حَياتَيْنِ وأنَّ لَها أفْعالًا حَسَنَةً وسَيِّئَةً في الحَياةِ الدُّنْيا وعالِمٌ أنَّهُ مُجْزِيها عَلى أعْمالِها بِما يُناسِبُها جَزاءً خالِدًا في الحَياةِ الآخِرَةِ، فَلا جَرَمَ كانَ الجَزاءُ غايَةً لِإيجادِ ما في الأرْضِ فاعْتُبِرَ هو العِلَّةَ في إيجادِهِمْ، وهي عِلَّةٌ باعِثَةٌ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعَها غَيْرُها؛ لِأنَّ العِلَّةَ الباعِثَةَ يَكْمُنُ تَعَدُّدُها في الحِكْمَةِ.
ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ ”أعْلَمُ“ مِن قَوْلِهِ ﴿هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [النجم: ٣٠]، أيْ: مِن خَصائِصِ عِلْمِهِ الَّذِي لا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ أنْ يَكُونَ عِلْمُهُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ الجَزاءُ.
والباءُ في قَوْلِهِ (بِما عَمِلُوا) وقَوْلِهِ ”بِالحُسْنى“ لِتَعْدِيَةِ فُعْلى ”لِيَجْزِيَ“ و”يَجْزِيَ“ فَما بَعْدُ الباءَيْنِ في مَعْنى مَفْعُولِ الفِعْلَيْنِ، فَهُما داخِلَتانِ عَلى الجَزاءِ، وقَوْلُهُ ”بِما عَمِلُوا“ حِينَئِذٍ تَقْدِيرُهُ: بِمِثْلِ ما عَمِلُوا، أيْ: جَزاءً عادِلًا مُماثِلًا لِما عَمِلُوا؛ فَلِذَلِكَ جُعِلَ بِمَنزِلَةِ عَيْنِ ما عَمِلُوهُ عَلى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ.
وقَوْلُهُ بِالحُسْنى، أيْ: بِالمَثُوبَةِ الحُسْنى، أيْ: بِأفْضَلِ مِمّا عَمِلُوا، وفِيهِ إشارَةٌ إلى مُضاعَفَةِ الحَسَناتِ كَقَوْلِهِ ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنها﴾ [النمل: ٨٩] . والحُسْنى: صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ يَجْزِي وهي المَثُوبَةُ بِمَعْنى الثَّوابِ.
وجاءَ تَرْتِيبُ التَّفْصِيلِ لِجَزاءِ المُسِيئِينَ والمُحْسِنِينَ عَلى وفْقِ تَرْتِيبِ إجْمالِهِ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى﴾ [النجم: ٣٠] عَلى طَرِيقَةِ اللَّفِّ والنَّشْرِ المُرَتَّبِ.
وقَوْلُهُ ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ﴾ إلَخْ صِفَةٌ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا، أيِ الَّذِينَ أحْسَنُوا واجْتَنَبُوا كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ، أيْ: فَعَلُوا الحَسَناتِ واجْتَنَبُوا المَنهِيّاتِ، (ص-١٢١)وذَلِكَ جامِعُ التَّقْوى. وهَذا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ اجْتِنابَ ما ذُكِرَ يُعَدُّ مِنَ الإحْسانِ؛ لِأنَّ فِعْلَ السَّيِّئاتِ يُنافِي وصْفُهم بِالذِّينَ أحْسَنُوا، فَإنَّهم إذا أتَوْا بِالحَسَناتِ كُلِّها ولَمْ يَتْرُكُوا السَّيِّئاتِ، كانَ فِعْلُهُمُ السَّيِّئاتِ غَيْرُ إحْسانٍ، ولَوْ تَرَكُوا السَّيِّئاتِ وتَرَكُوا الحَسَناتِ، كانَ تَرْكُهُمُ الحَسَناتِ سَيِّئاتٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ كَبائِرَ الإثْمِ بِصِيغَةِ جَمْعِ (كَبِيرَةَ) . وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ (كَبِيرَ الإثْمِ) بِصِيغَةِ الإفْرادِ والتَّذْكِيرِ؛ لِأنَّ اسْمَ الجِنْسِ يَسْتَوِي فِيهِ المُفْرَدُ والجَمْعُ.
والمُرادُ بِكَبائِرِ الإثْمِ: الآثامُ الكَبِيرَةُ فِيما شَرَعَ اللَّهُ وهي ما شَدَّدَ الدِّينُ التَّحْذِيرَ مِنهُ أوْ ذَكَرَ وعِيدًا بِالعَذابِ أوْ وصَفَ عَلى فاعِلِهِ حَدًّا.
قالَ إمامُ الحَرَمَيْنِ: الكَبائِرُ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِراثِ مُرْتَكِبِها بِالدِّينِ وبِرِقَّةِ دِيانَتِهِ.
وعَطْفُ الفَواحِشِ يَقْتَضِي أنَّ المَعْطُوفَ بِها مُغايِرٌ لِلْكَبائِرِ، ولَكِنَّها مُغايَرَةٌ بِالعُمُومِ والخُصُوصِ الوَجْهِيِّ، فالفَواحِشُ أخَصُّ مِنَ الكَبائِرِ وهي أقْوى إثْمًا.
والفَواحِشُ: الفِعْلاتُ الَّتِي يُعَدُّ الَّذِي فَعَلَها مُتَجاوِزًا الكَبائِرَ مِثْلُ الزِّنى والسَّرِقَةِ وقَتْلِ الغِيلَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ ذَلِكَ في سُورَةِ الأنْعامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣] الآيَةَ وفي سُورَةِ النِّساءِ في قَوْلِهِ ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] .
واسْتِثْناءُ اللَّمَمِ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأنَّ اللَّمَمَ لَيْسَ مِن كَبائِرِ الإثْمِ ولا مِنَ الفَواحِشِ.
فالِاسْتِثْناءُ بِمَعْنى الِاسْتِدْراكِ. ووَجْهُهُ أنَّ ما سُمِّيَ بِاللَّمَمِ ضَرْبٌ مِنَ المَعاصِي المُحَذَّرِ مِنها في الدِّينِ، فَقَدْ يَظُنُّ النّاسُ أنَّ النَّهْيَ عَنْها يَلْحَقُها بِكَبائِرِ الإثْمِ؛ فَلِذَلِكَ حُقَّ الِاسْتِدْراكُ، وفائِدَةُ هَذا الِاسْتِدْراكِ عامَّةٌ وخاصَّةٌ: أمّا العامَّةُ: فَلِكَيْ لا يُعامِلَ المُسْلِمُونَ مُرْتَكِبَ شَيْءٍ مِنها مُعامَلَةَ مَن يَرْتَكِبُ الكَبائِرَ، وأمّا الخاصَّةُ: فَرَحْمَةٌ بِالمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَدْ يَرْتَكِبُونَها فَلا يَفُلُّ ارْتِكابُها مِن نَشاطِ طاعَةِ المُسْلِمِ (ص-١٢٢)ولِيَنْصَرِفَ اهْتِمامُهُ إلى تَجَنُّبِ الكَبائِرِ. فَهَذا الِاسْتِدْراكُ بِشارَةٌ لَهم، ولَيْسَ المَعْنى أنَّ اللَّهَ رَخَّصَ في إتْيانِ اللَّمَمِ. وقَدْ أخْطَأ وضّاحُ اليَمَنِ في قَوْلِهِ النّاشِئِ عَنْ سُوءِ فَهْمِهِ في كِتابِ اللَّهِ وتَطَفُّلِهِ في غَيْرِ صِناعَتِهِ:
؎فَما نَوَّلَتْ حَتّى تَضَرَّعْتُ عِنْدَها وأنْبَأْتُها ما رَخَّصَ اللَّهُ في اللَّمَمِ
واللَّمَمُ: الفِعْلُ الحَرامُ الَّذِي هو دُونَ الكَبائِرِ والفَواحِشِ في تَشْدِيدِ التَّحْرِيمِ، وهو ما يَنْدُرُ تَرْكُ النّاسِ لَهُ فَيُكْتَفى مِنهم بِعَدَمِ الإكْثارِ مِنِ ارْتِكابِهِ. وهَذا النَّوْعُ يُسَمِّيهِ عُلَماءُ الشَّرِيعَةِ الصَّغائِرَ في مُقابَلَةِ تَسْمِيَةِ النَّوْعِ الآخَرِ.
فَمَثَّلُوا اللَّمَمَ في الشَّهَواتِ المُحَرَّمَةِ بِالقُبْلَةِ والغَمْزَةِ. سُمِّيَ: اللَّمَمُ، وهو اسْمُ مَصْدَرِ ألَمَّ بِالمَكانِ إلْمامًا إذا حَلَّ بِهِ ولَمْ يُطِلِ المُكْثَ، ومِن أبْياتِ الكِتابِ:
؎فَرِيشِي مِنكُمُ وهَوايَ مَعْكم ∗∗∗ وإنْ كانَتْ زِيارَتُكم لِماما
وقَدْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في رَجُلٍ يُسَمّى نَبْهانَ التَّمّارَ كانَ لَهُ دُكّانٌ يَبِيعُ فِيهِ تَمْرًا، أيْ: بِالمَدِينَةِ فَجاءَتْهُ امْرَأةٌ تَشْتَرِي تَمْرًا فَقالَ لَها: إنَّ داخِلَ الدُّكّانِ ما هو خَيْرٌ مِن هَذا، فَلَمّا دَخَلَتْ راوَدَها عَلى نَفْسِها فَأبَتْ فَنَدِمَ فَأتى النَّبِيءَ ﷺ وقالَ: ما مِن شَيْءٍ يَصْنَعُهُ الرَّجُلُ إلّا وقَدْ فَعَلْتُهُ، أيْ: غَصْبًا عَلَيْها إلّا الجِماعَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، أيْ: فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مَدَنِيَّةً أُلْحِقَتْ بِسُورَةِ النَّجْمِ المَكِّيَّةِ كَما تَقَدَّمَ في أوَّلِ السُّورَةِ.
والمَعْنى: إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لَهُ لِأجْلِ تَوْبَتِهِ. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن فَسَّرَ اللَّمَمَ بِالهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ ولا يَفْعَلُ فَهو إلْمامٌ مَجازِيٌّ.
وقَوْلُهُ ﴿إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ﴾ تَعْلِيلٌ لِاسْتِثْناءِ اللَّمَمِ مِنِ اجْتِنابِهِمْ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ شَرْطًا في ثُبُوتٍ وصْفِ الَّذِينَ أحْسَنُوا لَهم.
وفِي بِناءِ الخَبَرِ عَلى جَعْلِ المُسْنَدِ إلَيْهِ (رَبُّكَ) دُونَ الِاسْمِ العَلَمِ إشْعارٌ بِأنَّ سِعَةَ المَغْفِرَةِ رِفْقٌ بِعِبادِهِ الصّالِحِينَ شَأْنَ الرَّبِّ مَعَ مَرْبُوبِهِ الحَقِّ.
(ص-١٢٣)وفِي إضافَةِ رَبٍّ إلى ضَمِيرِ النَّبِيءِ ﷺ دُونَ ضَمِيرِ الجَماعَةِ إيماءٌ إلى أنَّ هَذِهِ العِنايَةَ بِالمُحْسِنِينَ مِن أُمَّتِهِ قَدْ حَصَلَتْ لَهم بِبَرَكَتِهِ.
والواسِعُ: الكَثِيرُ المَغْفِرَةِ، اسْتُعِيرَتِ السِّعَةُ لِكَثْرَةِ الشُّمُولِ؛ لِأنَّ المَكانَ الواسِعَ يُمْكِنُ أنْ يَحْتَوِيَ عَلى العَدَدِ الكَثِيرِ مِمَّنْ يَحِلُّ فِيهِ قالَ تَعالى ﴿رَبَّنا وسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا﴾ [غافر: ٧]، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ غافِرٍ.
* * *
﴿هو أعْلَمُ بِكم إذْ أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ وإذْ أنْتُمْ أجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهاتِكم فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكم هو أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى﴾ .
الخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، ووُقُوعُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنى﴾ [النجم: ٣١] يُنْبِئُ عَنِ اتِّصالِ مَعْناهُ بِمَعْنى ذَلِكَ فَهو غَيْرُ مُوَجَّهٍ لِلْيَهُودِ كَما في أسْبابِ النُّزُولِ لِلْواحِدِيِّ وغَيْرِهِ. وأصْلُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ ثابِتِ بْنِ حارِثٍ الأنْصارِيِّ. قالَ: «كانَتِ اليَهُودُ إذا هَلَكَ لَهم صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَقُولُونَ: هو صِدِّيقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيءَ ﷺ فَقالَ: كَذِبَتْ يَهُودُ، ما مِن نَسَمَةٍ يَخْلُقُها اللَّهُ في بَطْنِ أُمِّهِ إلّا أنَّهُ شَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ»، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ. وعَبْدُ اللَّهِ ابْنُ لَهِيعَةَ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وتَرَكَهُ وكِيعٌ ويَحْيى القَطّانُ وابْنُ مَهْدِيٍّ. وقالَ الذَّهَبِيُّ: العَمَلُ عَلى تَضْعِيفِهِ، قُلْتُ: لَعَلَّ أحَدُ رُواةِ هَذا الحَدِيثِ لَمْ يَضْبُطُ فَقالَ: فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، وإنَّما قَرَأها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ ﴿هُوَ أعْلَمُ بِكم إذْ أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ﴾ إلَخْ، حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وإلّا فَإنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ والخَوْضُ مَعَ اليَهُودِ إنَّما كانَ بِالمَدِينَةِ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَكى الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ أنَّها نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَخَرُوا بِأعْمالِهِمْ. وكَأنَّ الباعِثَ عَلى تَطَلُّبِ سَبَبٍ لِنُزُولِها قَصْدُ إبْداءِ وجْهِ اتِّصالِ قَوْلِهِ ﴿فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ﴾ بِما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ وأنَّهُ اسْتِيفاءٌ لِمَعْنى سِعَةِ المَغْفِرَةِ بِبَيانِ سِعَةِ الرَّحْمَةِ واللُّطْفِ بِعِبادِهِ إذْ سَلَكَ بِهِمْ مَسْلَكَ اليُسْرِ والتَّخْفِيفِ فَعَفا عَمّا لَوْ أخَذَهم بِهِ لَأحْرَجَهم فَقَوْلُهُ ﴿هُوَ أعْلَمُ بِكُمْ﴾ نَظِيرُ قَوْلِهِ (ص-١٢٤)﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكم وعَلِمَ أنَّ فِيكم ضَعْفًا﴾ [الأنفال: ٦٦] الآيَةَ ثُمَّ يَجِيءُ الكَلامُ في التَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ ﴿فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ﴾ .
فَيَنْبَغِي أنْ تَحُلَّ جُمْلَةُ هو أعْلَمُ بِكم إلى آخِرِها اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِجُمْلَةِ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ لِما تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ مِنَ الِامْتِنانِ، فَكَأنَّ السّامِعِينَ لَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ الِامْتِنانَ شَكَرُوا اللَّهَ وهَجَسَ في نُفُوسِهِمْ خاطَرُ البَحْثِ عَنْ سَبَبِ هَذِهِ الرَّحْمَةِ بِهِمْ فَأُجِيبُوا بِأنَّ رَبَّهم أعْلَمُ بِحالِهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ فَهو يُدَبِّرُ لَهم ما لا يَخْطُرُ بِبالِهِمْ، ونَظِيرُهُ ما في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ قالَ اللَّهُ تَعالى أعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ خَيْرًا مِن بَلْهَ ما اطَّلَعْتُمْ عَلَيْهِ.
وقَوْلُهُ إذْ أنْشَأكم ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ ”أعْلَمُ“، أيْ: هو أعْلَمُ بِالنّاسِ مِن وقْتِ إنْشائِهِ إيّاهم مِنَ الأرْضِ وهو وقْتُ خَلْقِ أصْلِهِمْ آدَمَ.
والمَعْنى: أنَّ إنْشاءَهم مِنَ الأرْضِ يَسْتَلْزِمُ ضِعْفَ قَدْرِهِمْ عَنْ تَحَمُّلِ المَشاقِّ مَعَ تَفاوُتِ أطْوارِ نَشْأةِ بَنِي آدَمَ، فاللَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ وعَلِمَ أنَّ آخِرَ الأُمَمِ وهي أُمَّةُ النَّبِيءِ ﷺ أضْعَفُ الأُمَمِ. وهَذا المَعْنى هو الَّذِي جاءَ في حَدِيثِ الإسْراءِ مِن قَوْلِ مُوسى لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِما السَّلامُ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلى أُمَّتِهِ خَمْسِينَ صَلاةً إنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ وإنِّي جَرَّبْتُ بَنِي إسْرائِيلَ، أيْ: وهم أشَدُّ مِن أُمَّتِكَ قُوَّةً، فالمَعْنى أنَّ الضَّعْفَ المُقْتَضِيَ لِسِعَةِ التَّجاوُزِ بِالمَغْفِرَةِ مُقَرَّرٌ في عِلْمِ اللَّهِ مِن حِينِ إنْشاءِ آدَمَ مِنَ الأرْضِ بِالضَّعْفِ المُلازِمِ لِجِنْسِ البَشَرِ عَلى تَفاوُتٍ فِيهِ، قالَ تَعالى ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨]، فَإنَّ إنْشاءَ أصْلِ الإنْسانِ مِنَ الأرْضِ وهي عُنْصُرٌ ضَعِيفٌ يَقْتَضِي مُلازَمَةَ الضَّعْفِ لِجَمِيعِ الأفْرادِ المُنْحَدِرَةِ مِن ذَلِكَ الأصْلِ. ومِنهُ قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ «إنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِن ضِلْعٍ أعْوَجَ» .
وقَوْلُهُ ﴿وإذْ أنْتُمْ أجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ يَخْتَصُّ بِسِعَةِ المَغْفِرَةِ والرِّفْقِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ وهو مُقْتَضى قَوْلِهِ تَعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] .
والأجِنَّةُ: جَمْعُ جَنِينٍ، وهو نَسْلُ الحَيَوانِ ما دامَ في الرَّحِمِ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ؛ لِأنَّهُ مَسْتُورٌ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ.
(ص-١٢٥)وفي بُطُونِ أُمَّهاتِكم صِفَةٌ كاشِفَةٌ إذِ الجَنِينُ لا يُقالُ إلّا عَلى ما في بَطْنِ أُمِّهِ.
وفائِدَةُ هَذا الكَشْفِ أنَّ فِيهِ تَذْكِيرًا بِاخْتِلافِ أطْوارِ الأجِنَّةِ مِن وقْتِ العُلُوقِ إلى الوِلادَةِ، وإشارَةٌ إلى إحاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى بِتِلْكَ الأطْوارِ.
وجُمْلَةُ فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكم اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ هو أعْلَمُ بِكم وجُمْلَةُ أفَرَأيْتَ الَّذِي تَوَلّى إلَخْ، والفاءُ لِتَفْرِيعِ الِاعْتِراضِ، وهو تَحْذِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ العُجْبِ بِأعْمالِهِمُ الحَسَنَةِ عَجَبًا يُحْدِثُهُ المَرْءُ في نَفْسِهِ أوْ يُدْخِلُهُ أحَدٌ عَلى غَيْرِهِ بِالثَّناءِ عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ.
وتُزَكُّوا مُضارِعُ زَكّى الَّذِي هو مِنَ التَّضْعِيفِ المُرادِ مِنهُ نِسْبَةُ المَفْعُولِ إلى أصْلِ الفِعْلِ نَحْوُ جَهَّلَهُ، أيْ: لا تَنْسُبُوا لِأنْفُسِكُمُ الزَّكاةَ.
فَقَوْلُهُ: أنْفُسُكم صادِقٌ بِتَزْكِيَةِ المَرْءِ نَفْسَهُ في سِرِّهِ أوْ عَلانِيَّتِهِ فَرَجَعَ الجَمْعُ في قَوْلِهِ فَلا تُزَكُّوا إلى مُقابَلَةِ الجَمْعِ بِالجَمْعِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّوْزِيعَ عَلى الآحادِ مِثْلَ: رَكِبَ القَوْمُ دَوابَّهم.
والمَعْنى: لا تَحْسَبُوا أنْفُسَكم أزْكِياءَ وابْتَغُوا زِيادَةَ التَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ أوْ لا تَثِقُوا بِأنَّكم أزْكِياءُ فَيَدْخُلَكُمُ العُجْبُ بِأعْمالِكم، ويَشْمَلُ ذَلِكَ ذِكْرَ المَرْءِ أعْمالَهُ الصّالِحَةَ لِلتَّفاخُرِ بِها، أوْ إظْهارِها لِلنّاسِ، ولا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا إذا كانَ فِيهِ جَلْبُ مَصْلَحَةٍ عامَّةٍ كَما قالَ يُوسُفُ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وعَنِ الكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ: كانَ النّاسُ يَعْمَلُونَ أعْمالًا حَسَنَةً ثُمَّ يَقُولُونَ: صَلاتُنا وصِيامُنا وحَجُّنا وجِهادُنا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.
ويَشْمَلُ تَزْكِيَةَ المَرْءِ غَيْرَهُ فَيَرْجِعُ ”أنْفُسَكم“ إلى مَعْنى قَوْمِكم أوْ جَماعَتِكم مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١]، أيْ: لِيُسَلِّمَ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ. والمَعْنى: فَلا يُثْنِي بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ بِالصَّلاحِ والطّاعَةِ لِئَلّا يُغَيِّرَهُ ذَلِكَ.
وقَدْ ورَدَ النَّهْيُ في أحادِيثَ عَنْ تَزْكِيَةِ النّاسِ بِأعْمالِهِمْ. ومِنهُ «حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حِينَ ماتَ عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ في بَيْتِها ودَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَحْمَةُ (ص-١٢٦)اللَّهِ عَلَيْكَ أبا السّائِبِ - كُنْيَةُ عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ - فَشَهادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ اللَّهُ فَقالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أكْرَمُهُ، فَقالَتْ: إذا لَمْ يُكْرِمْهُ اللَّهُ فَمَن يُكْرِمُهُ اللَّهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أمّا هو فَقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ وإنِّي لَأرْجُو لَهُ الخَيْرَ وإنِّي واللَّهِ ما أدْرِي وأنا رَسُولُ اللَّهِ ما يُفْعَلُ بِي. قالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: فَلا أُزَكِّي أحَدًا بَعْدَ ما سَمِعْتُ هَذا مِن رَسُولِ اللَّهِ» ﷺ - . وقَدْ شاعَ مِن آدابِ عَصْرِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ الصَّحابَةِ التَّحَرُّزُ مِنَ التَّزْكِيَةِ وكانُوا يَقُولُونَ: إذا أثْنَوْا عَلى أحَدٍ: لا أعْلَمُ عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا ولا أُزَكِّي عَلى اللَّهِ أحَدًا.
ورَوى مُسْلِمٌ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وابْنِ عَطاءٍ قالَ: سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ فَقالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أبِي سَلَمَةَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهى عَنْ هَذا الِاسْمِ. وسُمِّيتُ بَرَّةَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا تُزَكُّوا أنْفُسَكم إنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِأهْلِ البِرِّ مِنكم، قالُوا: بِمَ نُسَمِّيها ؟ قالَ: سَمُوُّها زَيْنَبَ» .
وقَدْ ظَهَرَ أنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إلى أنْ يَقُولَ أحَدٌ ما يُفِيدُ زَكاءَ النَّفْسِ، أيْ: طَهارَتَها وصَلاحَها، تَفْوِيضًا بِذَلِكَ إلى اللَّهِ؛ لِأنَّ لِلنّاسِ بَواطِنَ مُخْتَلِفَةَ المُوافَقَةِ لِظَواهِرِهِمْ وبَيْنَ أنْواعِها بَوْنٌ. وهَذا مِنَ التَّأْدِيبِ عَلى التَّحَرُّزِ في الحُكْمِ والحِيطَةِ في الخِبْرَةِ واتِّهامِ القَرائِنِ والبَوارِقِ.
فَلا يَدْخُلُ في هَذا النَّهْيِ الإخْبارُ عَنْ أحْوالِ النّاسِ بِما يُعْلَمُ مِنهم وجُرِّبُوا فِيهِ مِن ثِقَةٍ وعَدالَةٍ في الشَّهادَةِ والرِّوايَةِ وقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ التَّعْدِيلِ بِالتَّزْكِيَةِ وهو لَفْظٌ لا يُرادُ بِهِ مِثْلَ ما أُرِيدَ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ﴾ بَلْ هو لَفْظٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ النّاسُ بَعْدَ نُزُولِ القُرْآنِ ومُرادُهم مِنهُ واضِحٌ.
ووَقَعَتْ جُمْلَةُ هو أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى مَوْقِعَ البَيانِ لِسَبَبِ النَّهْيِ أوْ لِأهَمِّ أسْبابِهِ، أيْ: فَوَّضُوا ذَلِكَ إلى اللَّهِ إذْ هو أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى، أيْ: بِحالِ مَنِ اتَّقى مِن كَمالِ تَقْوى أوْ نَقْصِها أوْ تَزْيِيفِها. وهَذا مَعْنى ما ورَدَ في الحَدِيثِ أنْ يَقُولَ مَن يُخْبِرُ عَنْ أحَدٍ بِخَيْرٍ لا أُزَكِّي عَلى اللَّهِ أحَدًا، أيْ: لا أُزَكِّي أحَدًا مُعْتَلِيًا حَقَّ اللَّهِ، أيْ: مُتَجاوِزًا قَدْرِي.