undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿إنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ المَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثى﴾ ﴿وما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ﴾ [النجم: ٢٨] . اعْتِراضٌ واسْتِطْرادٌ لِمُناسَبَةِ ذِكْرِ المَلائِكَةِ وتَبَعًا لِما ذُكِرَ آنِفًا مِن جَعْلِ المُشْرِكِينَ اللّاتَ والعُزّى ومَناةَ بَناتٍ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى﴾ [النجم: ١٩] إلى قَوْلِهِ ﴿ألَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنْثى﴾ [النجم: ٢١] ثُنِّيَ إلَيْهِمْ عَنانُ الرَّدِّ والإبْطالِ لِزَعْمِهِمْ أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ جَمْعًا بَيْنَ رَدِّ باطِلَيْنِ مُتَشابِهَيْنِ، وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُعَبَّرَ عَنِ المَرْدُودِ عَلَيْهِمْ بِضَمِيرِ الغَيْبَةِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ﴾ [النجم: ٢٨]، فَعَدَلَ عَنِ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ بِالمَوْصُولِيَّةِ لِما تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنَ التَّوْبِيخِ لَهم والتَّحْقِيرِ لِعَقائِدِهِمْ إذْ كَفَرُوا (ص-١١٥)بِالآخِرَةِ وقَدْ تَواتَرَ عَلى ألْسِنَةِ الرُّسُلِ وعِنْدَ أهْلِ الأدْيانِ المُجاوِرِينَ لَهم مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى والصّابِئَةِ، فالمَوْصُولِيَّةُ هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في التَّحْقِيرِ والتَّهَكُّمِ نَظِيرَ حِكايَةِ اللَّهِ عَنْهم ﴿وقالُوا يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦] إلّا أنَّ التَّهَكُّمَ المَحْكِيَّ هُنالِكَ تَهَكُّمُ المُبْطِلِ بِالمُحِقِّ؛ لِأنَّهم لا يَعْتَقِدُونَ وُقُوعَ الصِّلَةِ، وأمّا التَّهَكُّمُ هُنا فَهو تَهَكُّمُ المُحِقِّ بِالمُبْطِلِ؛ لِأنَّ مَضْمُونَ الصِّلَةِ ثابِتٌ لَهم. والتَّسْمِيَةُ مُطْلَقَةُ هُنا عَلى التَّوْصِيفِ؛ لِأنَّ الِاسْمَ قَدْ يُطْلَقُ عَلى اللَّفْظِ الدّالِّ عَلى المَعْنى وقَدْ يُطْلَقُ عَلى المَدْلُولِ المُسَمّى ذاتًا كانَ أوْ مَعْنًى كَقَوْلِ لَبِيدٍ: ؎إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما أيِ: السَّلامُ عَلَيْكُما. وقَوْلِهِ تَعالى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ [الأعلى: ١] وقَوْلِهِ تَعالى ﴿عَيْنًا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلًا﴾ [الإنسان: ١٨]، أيْ: تُوصَفُ بِهَذا الوَصْفِ في حُسْنِ مَآبِها، وقَوْلِهِ تَعالى ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] أيْ: لَيْسَ لِلَّهِ مَثِيلٌ وقَدْ مَرَّ بَيانُهُ مُسْتَوْفًى عِنْدَ تَفْسِيرِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] في أوَّلِ الفاتِحَةِ. والمَعْنى: أنَّهم يَزْعُمُونَ المَلائِكَةَ إناثًا وذَلِكَ تَوْصِيفٌ. قالَ تَعالى ﴿وجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هم عِبادُ الرَّحْمَنِ إناثًا﴾ [الزخرف: ١٩]، وكانُوا يَقُولُونَ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ مِن سَرَواتِ الجِنِّ قالَ تَعالى ﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] وقالَ ﴿وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات: ١٥٨] . والتَّعْرِيفُ في الأُنْثى تَعْرِيفُ الجِنْسِ الَّذِي هو في مَعْنى المُتَعَدِّدِ والَّذِي دَعا إلى هَذا النَّظْمِ مُراعاةُ الفَواصِلِ لِيَقَعَ لَفْظُ الأُنْثى فاصِلَةً كَما وقَعَ لَفْظُ الأُولى ولَفْظُ يَرْضى ولَفْظُ شَيْئًا. وجُمْلَةُ ﴿وما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ﴾ [النجم: ٢٨] حالٌ مِن ضَمِيرِ يُسَمُّونَ، أيْ: يُثْبِتُونَ لِلْمَلائِكَةِ صِفاتِ الأُنْثى في حالِ انْتِفاءِ عِلْمٍ مِنهم بِذَلِكَ وإنَّما هو تَخَيُّلٌ وتَوَهُّمٌ إذِ العِلْمُ لا يَكُونُ إلّا عَنْ دَلِيلٍ لَهم فَنَفْيُ العِلْمِ مُرادٌ بِهِ نَفْيُهُ ونَفْيُ الدَّلِيلِ عَلى طَرِيقَةِ الكِنايَةِ.