You are reading a tafsir for the group of verses 53:1 to 53:3
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ ﴿ما ضَلَّ صاحِبُكم وما غَوى﴾ ﴿وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى﴾ كَلامٌ مُوَجَّهٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى إلى المُشْرِكِينَ الطّاعِنِينَ في رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ .
والنَّجْمُ: الكَوْكَبُ أيِ: الجُرْمُ الَّذِي يَبْدُو لِلنّاظِرِينَ لامِعًا في جَوِّ السَّماءِ لَيْلًا.
أقْسَمَ اللَّهُ تَعالى بِعَظِيمٍ مِن مَخْلُوقاتِهِ دالٌّ عَلى عَظِيمِ صِفاتِ اللَّهِ تَعالى.
وتَعْرِيفُ النَّجْمِ بِاللّامِ، يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ ﴿وبِالنَّجْمِ هم يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦] وقَوْلِهِ ﴿والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ﴾ [الرحمن: ٦]، ويُحْتَمَلُ تَعْرِيفُ العَهْدِ. وأشْهَرُ النُّجُومِ بِإطْلاقِ اسْمِ النَّجْمِ عَلَيْهِ الثُّرَيّا؛ لِأنَّهم كانُوا يُوَقِّتُونَ بِأزْمانِ طُلُوعِها مَواقِيتَ الفُصُولِ ونُضْج الثِّمارِ، ومِن أقْوالِهِمْ: طَلَعَ النَّجْمُ عِشاءَ فابْتَغى الرّاعِي كِساءَ طَلَعَ النَّجْمُ غُدَيَّةْ وابْتَغى الرّاعِي شُكَيَّةْ - تَصْغِيرُ شَكْوَةٍ وِعاءٌ مِن جِلْدٍ يُوضَعُ فِيهِ الماءُ واللَّبَنُ - يَعْنُونَ ابْتِداءَ زَمَنِ البَرْدِ وابْتِداءَ زَمَنِ الحَرِّ.
وقِيلَ النَّجْمُ: الشِّعْرى اليَمانِيَةُ وهي العُبُورُ وكانَتْ مُعَظَّمَةً عِنْدَ العَرَبِ وعَبَدَتْها خُزاعَةُ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالنَّجْمِ: الشِّهابَ، وبَهُوِيِّهِ: سُقُوطُهُ مِن مَكانِهِ إلى مَكانٍ آخَرَ، قالَ تَعالى ﴿إنّا زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الكَواكِبِ﴾ [الصافات: ٦] ﴿وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾ [الصافات: ٧] (ص-٩٠)وقالَ ﴿ولَقَدْ زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ﴾ [الملك: ٥] .
والقَسَمُ بِ ”﴿النَّجْمُ﴾ [الطارق: ٣]“ لِما في خَلْقِهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ألا تَرى إلى قَوْلِ اللَّهِ حِكايَةً عَنْ إبْراهِيمَ ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قالَ هَذا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦] .
وتَقْيِيدُ القَسَمِ بِالنَّجْمِ بِوَقْتِ غُرُوبِهِ لِإشْعارِ غُرُوبِ ذَلِكَ المَخْلُوقِ العَظِيمِ بَعْدَ أوْجُهٍ في شَرَفِ الِارْتِفاعِ في الأُفُقِ عَلى أنَّهُ تَسْخِيرٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ولِذَلِكَ قالَ إبْراهِيمُ ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦] .
والوَجْهُ أنْ يَكُونَ ﴿إذا هَوى﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ النَّجْمِ؛ لِأنَّ المُرادَ مِنَ النَّجْمِ أحْوالُهُ الدّالَّةُ عَلى قُدْرَةِ خالِقِهِ ومُصَرِّفِهِ ومِن أعْظَمِ أحْوالِهِ حالُ هُوِيَّهِ، ويَكُونُ إذا اسْمَ زَمانٍ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنى الظَّرْفِيَّةِ في مَحَلِّ جَرٍّ بِحَرْفِ القَسَمِ، وبِذَلِكَ نَتَفادى مِن إشْكالِ طَلَبِ مُتَعَلِّقِ إذا وهو إشْكالٌ أوْرَدَهُ العَلّامَةُ الجَنْزِيُّ عَلى الزَّمَخْشَرِيِّ، قالَ الطِّيبِيُّ وفي المُقْتَبَسِ قالَ الجَنْزِيُّ: فاوَضْتُ جارَ اللَّهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ ما العامِلُ في إذا ؟ فَقالَ: العامِلُ فِيهِ ما تُعَلَّقُ بِهِ الواوُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ يَعْمَلُ فِعْلُ الحالِ في المُسْتَقْبَلِ وهَذا؛ لِأنَّ مَعْناهُ أُقْسِمُ الآنَ، ولَيْسَ مَعْناهُ أُقْسِمُ بَعْدَ هَذا، فَرَجَعَ وقالَ: العامِلُ فِيهِ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وهُوِيِّ النَّجْمِ إذا هَوى، فَعَرَضْتُهُ عَلى زَيْنِ المَشائِحِ فَلَمْ يَسْتَحْسِنْ قَوْلَهُ الثّانِيَ. والوَجْهُ أنَّ (إذا) قَدِ انْسَلَخَ عَنْهُ مَعْنى الِاسْتِقْبالِ وصارَ لِلْوَقْتِ المُجَرَّدِ، ونَحْوُهُ: آتِيكَ إذا احْمَرَّ البُسْرُ، أيْ: وقْتَ احْمِرارِهِ فَقَدْ عُرِّيَ عَنْ مَعْنى الِاسْتِقْبالِ؛ لِأنَّهُ وقَعَتِ الغُنْيَةُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: آتِيكَ. اهـ كَلامُ الطِّيبِيُّ، فَقَوْلُهُ: (ص-٩١)فالوَجْهُ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ زَيْنِ المَشائِخِ أوْ مِن كَلامِ صاحِبِ المُقْتَبَسِ أوْ مِن كَلامِ الطِّيبِيِّ، وهو وجِيهٌ وهو أصْلُ ما بَنَيْنا عَلَيْهِ مَوْقِعَ ”إذا“ هُنا، ولَيْسَ تَرَدُّدُ الزَّمَخْشَرِيِّ في الجَوابِ إلّا؛ لِأنَّهُ يَلْتَزِمُ أنْ يَكُونَ إذا ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ كَما هو مُقْتَضى كَلامِهِ في المُفَصَّلِ مَعَ أنَّ خُرُوجَها عَنْ ذَلِكَ كَما تَواطَأتْ عَلَيْهِ أقْوالُ المُحَقِّقِينَ.
والهُوِيُّ: السُّقُوطُ، أُطْلِقَ هُنا عَلى غُرُوبِ الكَوْكَبِ، اسْتُعِيرَ الهُوِيُّ إلى اقْتِرابِ اخْتِفائِهِ ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالهُوِيِّ: سُقُوطُ الشِّهابِ حِينَ يَلُوحُ لِلنّاظِرِ أنَّهُ يَجْرِي في أدِيمِ السَّماءِ، فَهو هُوِيٌّ حَقِيقِيٌّ فَيَكُونُ قَدِ اسْتُعْمِلَ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ.
وفِي ذِكْرِ ﴿إذا هَوى﴾ احْتِراسٌ مِن أنْ يُتَوَهَّمَ المُشْرِكُونَ أنَّ في القَسَمِ بِالنَّجْمِ إقْرارًا لِعِبادَةِ نَجْمِ الشِّعْرى، وأنَّ القَسَمَ بِهِ اعْتِرافٌ بِأنَّهُ إلَهٌ إذْ كانَ بَعْضُ قَبائِلِ العَرَبِ يَعْبُدُونَها فَإنَّ حالَةَ الغُرُوبِ المُعَبَّرَ عَنْها بِالهَوى حالَةُ انْخِفاضٍ ومَغِيبٍ في تَخَيُّلِ الرّائِي؛ لِأنَّهم يَعُدُّونَ طُلُوعَ النَّجْمِ أوْجًا لِشَرَفِهِ ويَعُدُّونَ غُرُوبَهُ حَضِيضًا، ولِذَلِكَ قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿فَلَمّا أفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦] .
ومِن مُناسَباتِ هَذا يَجِيءُ قَوْلُهُ ﴿وأنَّهُ هو رَبُّ الشِّعْرى﴾ [النجم: ٤٩] في هَذِهِ السُّورَةِ، وتِلْكَ اعْتِباراتٌ لَهم تَخَيُّلِيَّةٌ شائِعَةٌ بَيْنَهم فَمِنَ النّافِعِ مَوْعِظَةُ النّاسِ بِذَلِكَ؛ لِأنَّهُ كافٍ في إقْناعِهِمْ وُصُولًا إلى الحَقِّ.
فَيَكُونُ قَوْلُهُ ﴿إذا هَوى﴾ إشْعارًا بِأنَّ النُّجُومَ كُلَّها مُسَخَّرَةٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ في مَسِيرَةٍ في نِظامٍ أوْجَدَها عَلَيْهِ ولا اخْتِيارَ لَها فَلَيْسَتْ أهْلًا لِأنْ تُعْبَدَ فَحَصَلَ المَقْصُودُ مِنَ القَسَمِ بِما فِيها مِنَ الدَّلالَةِ عَلى القُدْرَةِ الإلَهِيَّةِ مَعَ الِاحْتِراسِ عَنِ اعْتِقادِ عِبادَتِها.
وقالَ الرّاغِبُ: قِيلَ أرادَ بِذَلِكَ (أيِ النَّجْمِ) القُرْآنَ المُنَزَّلَ المُنَجَّمَ قَدْرًا فَقَدْرًا، ويَعْنِي بِقَوْلِهِ هَوى نُزُولَهُ اهـ.
ومُناسَبَةُ القَسَمِ بِالنَّجْمِ إذا هَوى، أنَّ الكَلامَ مَسُوقٌ لِإثْباتِ أنَّ القُرْآنَ وحْيٌ مِنَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّماءِ فَشابَهَ حالُ نُزُولِهِ الِاعْتِبارِيِّ حالَ النَّجْمِ في حالَةِ هُوِيِّهِ مُشابَهَةً تَمْثِيلِيَّةً حاصِلَةً مِن نُزُولِ شَيْءٍ مُنِيرٍ إنارَةً مَعْنَوِيَّةً نازِلٍ مِن مَحَلِّ رِفْعَةٍ (ص-٩٢)مَعْنَوِيَّةٍ، شُبِّهَ بِحالَةِ نُزُولِ نَجْمٍ مِن أعْلى الأُفُقِ إلى أسْفَلِهِ وهو تَمْثِيلُ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ، أوِ الإشارَةُ إلى مُشابَهَةِ حالَةِ نُزُولِ جِبْرِيلَ مِنَ السَّماواتِ بِحالَةِ نُزُولِ النَّجْمِ مِن أعْلى مَكانِهِ إلى أسْفَلِهِ، أوْ بِانْقِضاضِ الشِّهابِ تَشْبِيهُ مَحْسُوسٍ بِمَحْسُوسِ، وقَدْ يُشَبِّهُونَ سُرْعَةَ الجَرْيِ بِانْقِضاضِ الشِّهابِ، قالَ أوْسُ بْنُ حُجْرٍ يَصِفُ فَرَسًا:
؎فانْقَضَّ كالدِّرِّيءِ يَتْبَعُهُ نَقْعٌ يَثُورُ تَخالُهُ طُنُبا
والضَّلالُ: عَدَمُ الِاهْتِداءِ إلى الطَّرِيقِ المُوصِلِ إلى المَقْصُودِ، وهو مَجازٌ في سُلُوكِ ما يُنافِي الحَقَّ.
والغِوايَةُ: فَسادُ الرَّأْيِ وتَعَلُّقُهُ بِالباطِلِ.
والصّاحِبُ: المُلازِمُ لِلَّذِي يُضافُ إلَيْهِ وصْفُ صاحِبٍ، والمُرادُ بِالصّاحِبِ هُنا: الَّذِي لَهُ مُلابَساتٌ وأحْوالٌ مَعَ المُضافِ إلَيْهِ، والمُرادُ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ . وهَذا كَقَوْلِ أبِي مَعْبَدٍ الخُزاعِيِّ الوارِدِ في أثْناءِ قِصَّةِ الهِجْرَةِ لَمّا دَخَلَ النَّبِيءُ ﷺ بَيْتَهُ وفِيها أُمُّ مَعْبَدٍ وذَكَرَتْ لَهُ مُعْجِزَةَ مَسْحِهِ عَلى ضَرْعِ شاتِها هَذا صاحِبُ قُرَيْشٍ، أيْ: صاحِبُ الحَوادِثِ الحادِثَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَهم.
وإيثارُ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِوَصْفِ ”صاحِبُكم“ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم أهْلُ بُهْتانٍ إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ ما لَيْسَ مِنهُ في شَيْءٍ مَعَ شِدَّةِ اطِّلاعِهِمْ عَلى أحْوالِهِ وشُئُونِهِ إذْ هو بَيْنَهم في بَلَدٍ لا تَتَعَذَّرُ فِيهِ إحاطَةُ عِلْمِ أهْلِهِ بِحالِ واحِدٍ مُعَيَّنٍ مَقْصُودٍ مِن بَيْنِهِمْ. ووَقَعَ في خُطْبَةِ الحَجّاجِ بَعْدَ دَيْرِ الجَماجِمِ قَوْلُهُ لِلْخَوارِجِ ألَسْتُمْ أصْحابِي بِالأهْوازِ حِينَ رُمْتُمُ الغَدْرَ واسْتَبْطَنْتُمُ الكُفْرَ يُرِيدُ أنَّهُ لا تَخْفى عَنْهُ أحْوالُهم فَلا يُحاوِلُونَ التَّنَصُّلَ مِن ذُنُوبِهِمْ بِالمُغالَطَةِ والتَّشْكِيكِ.
وهَذا رَدٌّ مِنَ اللَّهِ عَلى المُشْرِكِينَ وإبْطالٌ في قَوْلِهِمْ لِلنَّبِيءِ ﷺ لِأنَّهم قالُوا: مَجْنُونٌ، وقالُوا: شاعِرٌ، وقالُوا في القُرْآنِ: إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ.
فالجُنُونُ مِنَ الضَّلالِ؛ لِأنَّ المَجْنُونَ لا يَهْتَدِي إلى وسائِلِ الصَّوابِ، والكَذِبِ (ص-٩٣)والسِّحْرُ ضَلالٌ وغَوايَةٌ، والشِّعْرُ المُتَعارَفُ بَيْنِهِمْ غِوايَةٌ كَما قالَ تَعالى ﴿والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤]، أيْ: يُحَبِّذُونَ أقْوالَهم لِأنَّها غِوايَةٌ.
وعُطِفَ عَلى جَوابِ القَسَمِ ﴿ما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى﴾ وهَذا وصْفُ كَمالٍ لِذاتِهِ. والكَلامُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ هو القُرْآنُ؛ لِأنَّهم قالُوا فِيهِ ﴿إنْ هَذا إلّا إفْكٌ افْتَراهُ﴾ [الفرقان: ٤] وقالُوا ﴿أساطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَها﴾ [الفرقان: ٥] وذَلِكَ ونَحْوُهُ لا يَعْدُو أنْ يَكُونَ اخْتِراعُهُ أوِ اخْتِيارُهُ عَنْ مَحَبَّةٍ لِما يَخْتَرِعُ وما يَخْتارُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ حَقًّا أوْ باطِلًا، فَإنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً، ومِنهُ حِكايَةَ واقِعاتٍ، ومِنهُ تَخَيُّلاتٍ ومُفْتَرِياتٍ. وكُلُّهُ ناشِئٌ عَنْ مَحَبَّةِ الشّاعِرِ أنْ يَقُولَ ذَلِكَ، فَأراهُمُ اللَّهُ أنَّ القُرْآنَ داعٍ إلى الخَيْرِ.
وما نافِيَةٌ نَفَتْ أنْ يَنْطِقَ عَنِ الهَوى.
والهَوى: مَيْلُ النَّفْسِ إلى ما تُحِبُّهُ أوْ تُحِبُّ أنْ تَفْعَلَهُ دُونَ أنْ يَقْتَضِيَهُ العَقْلُ السَّلِيمُ الحَكِيمُ، ولِذَلِكَ يَخْتَلِفُ النّاسُ في الهَوى ولا يَخْتَلِفُونَ في الحَقِّ، وقَدْ يُحِبُّ المَرْءُ الحَقَّ والصَّوابَ فالمُرادُ بِالهَوى إذا أُطْلِقَ أنَّهُ الهَوى المُجَرَّدُ عَنِ الدَّلِيلِ.
ونَفْيُ النُّطْقِ عَنْ هَوًى يَقْتَضِي نَفْيَ جِنْسِ ما يَنْطِقُ بِهِ عَنِ الِاتِّصافِ بِالصُّدُورِ عَنْ هَوًى سَواءٌ كانَ القُرْآنُ أوْ غَيْرُهُ مِنَ الإرْشادِ النَّبَوِيِّ بِالتَّعْلِيمِ والخَطابَةِ والمَوْعِظَةِ والحِكْمَةِ، ولَكِنَّ القُرْآنَ هو المَقْصُودُ؛ لِأنَّهُ سَبَبُ هَذا الرَّدِّ عَلَيْهِمْ.
واعْلَمْ أنَّ تَنْزِيهَهُ ﷺ عَنِ النُّطْقِ عَنْ هَوًى يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ عَنْ أنْ يَفْعَلَ أوْ يَحْكُمَ عَنْ هَوًى؛ لِأنَّ التَّنَزُّهَ عَنِ النُّطْقِ عَنْ هَوًى أعْظَمُ مَراتِبِ الحِكْمَةِ. ولِذَلِكَ ورَدَ في صِفَةِ النَّبِيءِ ﷺ أنَّهُ يَمْزَحُ ولا يَقُولُ إلّا حَقًّا. وهُنا تَمَّ إبْطالُ قَوْلِهِمْ فَحَسُنَ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ ﴿وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى﴾ .
وبَيْنَ (هَوى) والهَوى جِناسٌ شِبْهُ التّامِّ.