undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ﴾ انْتِقالٌ بِالعَوْدَةِ إلى رَدِّ جُحُودِهِمْ رِسالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ ولِذَلِكَ غُيِّرَ أُسْلُوبُ الإخْبارِ فِيهِ إلى مُخاطَبَةِ النَّبِيءِ ﷺ وكانَ الأصْلُ الَّذِي رَكَّزُوا عَلَيْهِ جُحُودَهم تَوَهُّمَ أنَّ اللَّهَ لَوْ أرْسَلَ رَسُولًا مِنَ البَشَرِ لَكانَ الأحَقُّ بِالرِّسالَةِ رَجُلًا عَظِيمًا مِن عُظَماءِ قَوْمِهِمْ كَما حَكى اللَّهُ عَنْهم ﴿أؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا﴾ [ص: ٨] وقالَ تَعالى ﴿وقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] يَعَنُونُ قَرْيَةَ مَكَّةَ وقَرْيَةَ الطّائِفِ. والمَعْنى: إبْطالُ أنْ يَكُونَ لَهم تَصَرُّفٌ في شُئُونِ الرُّبُوبِيَّةِ فَيَجْعَلُوا الأُمُورَ عَلى مَشِيئَتِهِمْ، كالمالِكِ في مِلْكِهِ والمُدَبِّرِ فِيما وُكِّلَ عَلَيْهِ، فالِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ بِتَنْزِيلِهِمْ في إبْطالِ النُّبُوءَةِ عَمَّنْ لا يَرْضَوْنَهُ مَنزِلَةَ مَن عِنْدَهم خَزائِنُ اللَّهِ يَخْلَعُونَ الخِلَعَ مِنها عَلى مَن يَشاءُونَ ويَمْنَعُونَ مَن يَشاءُونَ. والخَزائِنُ: جَمْعُ خَزِينَةٍ وهي البَيْتُ، أوِ الصُّنْدُوقُ الَّذِي تُخَزَّنُ فِيهِ الأقْواتُ، أوِ المالُ وما هو نَفِيسٌ عِنْدَ خازِنِهِ، وتَقَدَّمُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] . وهي هُنا مُسْتَعارَةٌ لِما في عِلْمِ اللَّهِ وإرادَتِهِ مِن إعْطاءِ الغَيْرِ لِلْمَخْلُوقاتِ، ومِنها اصْطِفاءُ مَن هَيَّأهُ مِنَ النّاسِ لِتَبْلِيغِ الرِّسالَةِ عَنْهُ إلى البَشَرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْعامِ قَوْلُهُ ﴿قُلْ لا أقُولُ لَكم عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٠] قالَ تَعالى ﴿وإذا جاءَتْهم آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤] . وقالَ ﴿ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: ٦٨] . وقَدْ سُلِكَ مَعَهم هُنا مَسْلَكَ الإيجازِ في الِاسْتِدْلالِ بِإحالَتِهِمْ عَلى مُجْمَلٍ أجْمَلَهُ قَوْلُهُ ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ﴾؛ لِأنَّ المَقامَ مَقامُ غَضَبٍ عَلَيْهِمْ لِجُرْأتِهِمْ عَلى (ص-٧١)الرَّسُولِ ﷺ في نَفْيِ الرِّسالَةِ عَنْهُ بِوَقاحَةٍ مِن قَوْلِهِمْ: كاهِنٌ، ومَجْنُونٌ، وشاعِرٌ. إلَخْ بِخِلافِ آيَةِ الأنْعامِ فَإنَّها رَدَّتْ عَلَيْهِمْ تَعْرِيضَهم أنْفُسَهم لِنَوالِ الرِّسالَةِ عَنِ اللَّهِ. فَقَوْلُهُ تَعالى هُنا ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ﴾ هو كَقَوْلِهِ في سُورَةِ ص ﴿أؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا بَلْ هم في شَكٍّ مِن ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ [ص: ٨] ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهّابِ﴾ [ص: ٩] وقَوْلِهِ في سُورَةِ الزُّخْرُفِ ﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢] . وكَلِمَةُ عِنْدَ تُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا في مَعْنى المِلْكِ والِاخْتِصاصِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٥٩]، فالمَعْنى: أيَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَبِّكَ، أيِ: الخَزائِنُ الَّتِي يَمْلِكُها رَبُّكَ كَما اقْتَضَتْهُ إضافَةُ خَزائِنَ إلى رَبِّكَ عَلى نَحْوِ ﴿أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهو يَرى﴾ [النجم: ٣٥] . وقَدْ عُبِّرَ عَنْ هَذا بِاللَّفْظِ الحَقِيقِيِّ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ لَوْ أنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إذًا لَأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفاقِ﴾ [الإسراء: ١٠٠] . * * * ”﴿أمْ هُمُ المُصَيْطِرُونَ﴾“ . إنْكارٌ؛ لِأنْ يَكُونَ لَهم تَصَرُّفٌ في عَطاءِ اللَّهِ تَعالى ولَوْ دُونَ تَصَرُّفِ المالِكِ مِثْلُ تَصَرُّفِ الوَكِيلِ والخازِنِ وهو ما عَبَّرَ عَنْهُ بِالمُصَيْطِرُونَ. والمُصَيْطِرُ: يُقالُ بِالصّادِ والسِّينِ في أوَّلِهِ: اسْمُ فاعِلٍ مِن صَيْطَرَ بِالصّادِ والسِّينِ، إذا حَفِظَ وتَسَلَّطَ، وهو فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِن سَيْطَرَ إذا قَطَعَ، ومِنهُ السّاطُورُ، وهو حَدِيدٌ يُقْطَعُ بِهِ اللَّحْمُ والعَظْمُ. وصِيغَ مِنهُ وزْنُ فَعِيلٍ لِلْإلْحاقِ بِالرُّباعِيِّ كَقَوْلِهِمْ: بَيْقَرَ، بِمَعْنى هَلَكَ أوْ تَحَضَّرَ، وبَيْطَرَ بِمَعْنى شَقَّ، وهَيْمَنَ، ولا خامِسَ لَها في الأفْعالِ. وإبْدالُ السِّينِ صادًا لُغَةٌ فِيهِ مِثْلُ الصِّراطِ والسِّراطَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ المُصَيْطِرُونَ بِصادٍ. وقَرَأهُ قُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وهِشامٌ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، وحَفْصٌ في رِوايَتِهِ بِالسِّينِ في أوَّلِهِ. وفِي مَعْنى الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢]، ولَيْسَ في الآيَةِ (ص-٧٢)الِاسْتِدْلالُ لِهَذا النَّفْيِ في قَوْلِهِ ”أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُصَيْطِرُونَ“؛ لِأنَّ وُضُوحَهُ كَنارٍ عَلى عَلَمٍ. وقَدْ تَقَدَّمَ في صَدْرِ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ لَمّا سَمِعَ هَذِهِ الآيَةَ وكانَتْ سَبَبَ إسْلامِهِ.

Maximize your Quran.com experience!
Start your tour now:

0%