You are reading a tafsir for the group of verses 52:17 to 52:19
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ ﴿فاكِهِينَ بِما آتاهم رَبُّهم ووَقاهم رَبُّهم عَذابَ الجَحِيمِ﴾ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ . اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ بَعْدَ أنْ ذَكَرَ حالَ المُكَذِّبِينَ وما يُقالُ لَهم، فَمِن شَأْنِ السّامِعِ أنْ يَتَساءَلَ عَنْ حالِ أضْدادِهِمْ وهُمُ الفَرِيقُ الَّذِينَ صَدَّقُوا الرَّسُولَ ﷺ فَما جاءَ بِهِ القُرْآنُ وخاصَّةً إذْ كانَ السّامِعُونَ المُؤْمِنِينَ، وعادَةُ القُرْآنِ تَعْقِيبُ الإنْذارِ بِالتَّبْشِيرِ وعَكْسِهِ، والجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ ما قَبْلَها وجُمْلَةِ ﴿أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ﴾ [الطور: ٣٠] . وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِ ”إنَّ“ لِلِاهْتِمامِ بِهِ. وتَنْكِيرُ ﴿جَنّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ لِلتَّعْظِيمِ، أيْ: في أيَّةِ جَنّاتٍ وأيِّ نَعِيمٍ. وجَمْعُ ”جَنّاتٍ“ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الذّارِياتِ. والفاكِهُ: وصْفٌ مِن فَكِهَ كَفَرِحَ، إذا طابَتْ نَفْسُهُ وسُرَّ. (ص-٤٦)وقَرَأ الجُمْهُورُ ”فاكِهِينَ“ عَلى صِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ، وقَرَأهُ أبُو جَعْفَرٍ (فَكِهِينَ) بِدُونِ ألِفٍ. والباءُ في ﴿بِما آتاهم رَبُّهُمْ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ والمَعْنى: أنَّ رَبَّهم أرْضاهم بِما يُحِبُّونَ. واسْتِحْضارُ الجَلالَةِ بِوَصْفِ رَبِّهِمْ لِلْإشارَةِ إلى عَظِيمِ ما آتاهم، إذِ العَطاءُ يُناسِبُ حالَ المُعْطِي، وفي إضافَةِ رَبٍّ إلى ضَمِيرِهِمْ تَقْرِيبٌ لَهم وتَعْظِيمٌ. وجُمْلَةُ ﴿ووَقاهم رَبُّهم عَذابَ الجَحِيمِ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ، والواوُ حالِيَّةٌ، أوْ عاطِفَةٌ عَلى مُتَّكِئِينَ الَّذِي هو حالٌ، والتَّقْدِيرُ: وقَدْ وقاهم رَبُّهم عَذابَ الجَحِيمِ، وهو حالٌ مِنَ المُتَّقِينَ. والمَقْصُودُ مِن ذِكْرِ هَذِهِ الحالَةِ: إظْهارُ التَّبايُنِ بَيْنَ حالِ المُتَّقِينَ وحالِ المُكَذِّبِينَ زِيادَةً في الِامْتِنانِ، فَإنَّ النِّعْمَةَ تَزْدادُ - حُسْنَ وقْعٍ في النَّفْسِ - عِنْدَ مُلاحَظَةِ ضِدِّها. وفِيهِ أيْضًا: أنَّ وِقايَتَهم عَذابَ الجَحِيمِ عَدْلٌ؛ لِأنَّهم لَمْ يَقْتَرِفُوا ما يُوجِبُ العِقابَ. وأمّا ما أُعْطُوهُ مِنَ النَّعِيمِ فَذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وإكْرامٌ مِنهُ لَهم. وفِي قَوْلِهِ ”رَبُّهم“ ما تَقَدَّمَ قُبَيْلَهُ. وجُمْلَةُ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا﴾ إلى آخِرِها مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ في مَوْضِعِ الحالِ أيْضًا، تَقْدِيرُهُ: يُقالُ: لَهم، أوْ مَقُولًا لَهم. وهَذا القَوْلُ مُقابِلُ ما يُقالُ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٦] . وحَذْفُ مَفْعُولِ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا﴾ لِإفادَةِ النَّعِيمِ، أيْ: كُلُوا ما يُؤْكَلُ واشْرَبُوا كُلَّ ما يُشْرَبُ، وهو عُمُومٌ عُرْفِيٌّ، أيْ: مِمّا تَشْتَهُونَ. وهَنِيئًا: اسْمٌ عَلى وزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، وقَعَ وصْفًا لِمَصْدَرَيْنِ لِفِعْلَيْ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا﴾، أكْلًا وشُرْبًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَنَّثِ الوَصْفُ؛ لِأنَّ فَعِيلًا إذا كانَ بِمَعْنى مَفْعُولٍ يَلْزَمُ الإفْرادَ والتَّذْكِيرَ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ النِّساءِ؛ لِأنَّهُ سالِمٌ مِمّا يُكَدِّرُ الطَّعامَ والشَّرابَ. وما مَوْصُولَةٌ، والباءُ سَبَبِيَّةٌ، أيْ: بِسَبَبِ العَمَلِ الصّالِحِ الَّذِي يُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ”المُتَّقِينَ“ وفي هَذا القَوْلِ زِيادَةُ كَرامَةٍ لَهم (ص-٤٧)بِإظْهارِ أنَّ ما أُتُوهُ مِنَ الكَرامَةِ عِوَضٌ عَنْ أعْمالِهِمْ كَما آذَنَتْ بِهِ باءُ السَّبَبِيَّةِ وهو نَحْوُ قَوْلِ مَن يُسْدِي نِعْمَةً إلى المُنْعَمِ عَلَيْهِ: لا فَضْلَ لِي عَلَيْكَ وإنَّما هو مالُكَ، أوْ نَحْوُ ذَلِكَ.