3
وبعد هذا التذكير والوعيد للكافرين ، بيَّن - سبحانه - جانبا من مظاهر تكريمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث أرسل له نفرا من الجن ، يستمعون القرآن ، ويؤمنون به ، فقال - تعالى - : ( وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً . . . فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : ( وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن . . . ) هذا توبيخ لمشركى قريش . أى : أن الجن سمعوا القرآن فآمنا به وعلموا أنه من عند الله ، وأنتم معرضون مصرون على الكفر .قال المفسرون : لما مات أبو طالب ، خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ، يلتمس من أهلها النصرة ، ويدعوهم إلى الإِيمان . . أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويضحكون به . .فانصرف - صلى الله عليه وسلم - عنهم ، حتى إذا كان ببطن نخلة - وهو موضع بين مكة والطائف - قام يصلى من الليل ، فمر به نفر من جن نصيبين - وهو موضع قرب الشام - فاستمعوا إليه وقالوا : أنصتوا .وهناك روايات أخرى كثيرة فى عدد هؤلاء الجن ، وفى الأماكن التى التقوا فيها مع النبى - صلى الله عليه وسلم - عليهم ، وفيمن كان مع النبى - صلى الله عليه وسلم - خلال التقائه بهم . .ويبدو لنا من مجموع هذه الروايات أن لقاء النبى - صلى الله عليه وسلم - بالجن قد تعدد ، وأن هذه الآيات تحكى لقاء معينا ، وسورة الجن تحكى لقاء آخر .قال الآلوسى : وقد أخرج الطبرانى فى الأوسط ، وابن مردويه عن الحبر ، أى : عن ابن عباس أنه قال : صرفت الجن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين .وذكر الخفاجى أنه قد دلت الأحاديث ، على أن وفادة الجن كانت ست مرات ، ويجمع بذلك اختلاف الروايات فى عددهم ، وفى غير ذلك .و " النفر " على المشهور - ما بين الثلاة والعشرة من الرجال وهو مأخوذ من النفير ، لأن الرجل إذا حزبه أمر نفر بعض الناس الذين يهتمون بأمره لإِغاثته .والمعنى : واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك ، وقت أن صرفنا إليك ، ووجهنا نحوك ، نفراً من الجن ، يستمعون القرآن منك .( فَلَمَّا حَضَرُوهُ ) أى : فحين حضروا القرى ، عند تلاوة منك ، أو فحين حضروا مجلسك ( قالوا ) على سبيل التناصح - ( أَنصِتُواْ ) أى : قالوا بعضهم لبعض : اسكتوا لأجل أن نستمع إلى هذا القرآن ، وهذا يدل على سمو أدبهم وحرصهم على تلقى العلم .( فَلَمَّا قُضِيَ ) أى : فحين انتهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قراءته .( وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ) أى : انصروفوا إلى قومهم ليخوفوهم من عذاب الله - تعالى - إذا ما عصموه أو خالفوا أمره - سبحانه - .