You are reading a tafsir for the group of verses 38:86 to 38:88
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ ﴿ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ لَمّا أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِإبْلاغِ المَواعِظِ والعِبَرِ الَّتِي تَضَمَّنَتْها هَذِهِ السُّورَةُ أمَرَهُ عِنْدَ انْتِهائِها أنْ يَقْرَعَ أسْماعَهم بِهَذا الكَلامِ الَّذِي هو كالفَذْلَكَةِ لِلسُّورَةِ تَنْهِيَةً لَها وتَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ أنَّهُ ما جاءَهم إلّا بِما يَنْفَعُهم ولَيْسَ طالِبًا مِن ذَلِكَ جَزاءً، أيْ: لَوْ سَألَهم عَلَيْهِ أجْرًا لَراجَ اتِّهامُهم إيّاهُ بِالكَذِبِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، فَلَمّا انْتَفى ذَلِكَ وجَبَ أنْ يَنْتَفِيَ تَوَهُّمُ اتِّهامِهِ بِالكَذِبِ لِأنَّ وازِعَ العَقْلِ يَصْرِفُ صاحِبَهُ عَنْ أنْ يَكْذِبَ لِغَيْرِ نَفْعٍ يَرْجُوهُ لِنَفْسِهِ.
والمَعْنى عُمُومُ نَفْيِ سُؤالِهِ الأجْرَ مِنهم مِن يَوْمِ بُعِثَ إلى وقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ وهو قِياسُ اسْتِقْراءٍ لِأنَّهم إذا اسْتَقْرَوْا أحْوالَ الرَّسُولِ ﷺ فِيما مَضى وجَدُوا انْتِفاءَ سُؤالِهِ أجْرًا أمْرًا عامًّا بِالِاسْتِقْراءِ التّامِّ الحاصِلِ مِن جَمِيعِ أفْرادِ المُشْرِكِينَ في جَمِيعِ مُخالَطاتِهِمْ إيّاهُ، فَهو أمْرٌ مُتَواتِرٌ بَيْنَهم؛ فَهَذا إبْطالٌ لِقَوْلِهِمْ ”كَذّابٌ“ المَحْكِيُّ عَنْهم في أوَّلِ السُّورَةِ وإقامَةُ الحُجَّةِ عَلى صِدْقِ رِسالَتِهِ كَما سَيَجِيءُ.
وضَمِيرُ عَلَيْهِ عائِدٌ إلى القُرْآنِ المَعْلُومِ مِنَ المَقامِ فَإنَّ مَبْدَأ السُّورَةِ قَوْلُهُ ”والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ“ فَهَذا مِن رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ.
وعَطْفُ ﴿وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ أفادَ انْتِفاءَ جَمِيعِ التَّكَلُّفِ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ .
والتَّكَلُّفُ: مُعالَجَةُ الكُلْفَةِ، وهي ما يَشُقُّ عَلى المَرْءِ عَمَلُهُ والتِزامُهُ لِكَوْنِهِ يُحْرِجُهُ (ص-٣٠٩)أوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ، ومادَّةُ التَّفَعُّلِ تَدُلُّ عَلى مُعالَجَةِ ما لَيْسَ بِسَهْلٍ، فالمُتَكَلِّفُ هو الَّذِي يَتَطَلَّبُ ما لَيْسَ لَهُ أوْ يَدَّعِي عِلْمَ ما لا يَعْلَمُهُ.
فالمَعْنى هُنا: ما أنا بِمُدَّعٍ النُّبُوءَةَ باطِلًا مِن غَيْرِ أنْ يُوحى إلَيَّ وهو رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: ”كَذّابٌ“ وبِذَلِكَ كانَ كالنَّتِيجَةِ لِقَوْلِهِ ﴿ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ﴾ لِأنَّ المُتَكَلِّفَ شَيْئًا إنَّما يَطْلُبُ مِن تَكَلُّفِهِ نَفْعًا، فالمَعْنى: وما أنا مِمَّنْ يَدَّعُونَ ما لَيْسَ لَهم. ومِنهُ حَدِيثُ الدّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ في بَعْضِ أسْفارِهِ فَمَرَّ عَلى رَجُلٍ جالسٍ عِنْدَ مِقْراةٍ لَهُ ”أيْ: حَوْضِ ماءٍ“ فَقالَ عُمَرُ: يا صاحِبَ المَقْراةِ أوَلَغَتِ السِّباعُ اللَّيْلَةَ في مَقْراتِكَ ؟ فَقالَ لَهُ النَّبِيءُ ﷺ يا صاحِبَ المَقْراةِ لا تُخْبِرْهُ، هَذا مُتَكَلِّفٌ؛ لَها ما حَمَلَتْ في بُطُونِها ولَنا ما بَقِيَ شَرابٌ وطَهُورٌ»، وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ ”يَأيُّها النّاسُ مَن عَلِمَ مِنكم عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ ومَن لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أعْلَمُ، قالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ .
وأُخِذَ مِن قَوْلِهِ ﴿وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ أنَّ ما جاءَ بِهِ مِنَ الدِّينِ لا تَكَلُّفَ فِيهِ، أيْ: لا مَشَقَّةَ في تَكالِيفِهِ وهو مَعْنى سَماحَةِ الإسْلامِ، وهَذا اسْتِرْواحٌ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ مِن حِكْمَةِ اللَّهِ أنْ يَجْعَلَ بَيْنَ طَبْعِ الرَّسُولِ ﷺ وبَيْنَ رَوْحِ شَرِيعَتِهِ تَناسُبًا لِيَكُونَ إقْبالُهُ عَلى تَنْفِيذِ شَرْعِهِ بِشَراشِرِهِ لِأنَّ ذَلِكَ أنْفى لِلْحَرَجِ عَنْهُ في القِيامِ بِتَنْفِيذِ ما أُمِرَ بِهِ.
وتَرْكِيبُ ما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ أشَدُّ في نَفْيِ التَّكَلُّفِ مِن أنْ يَقُولَ: ما أنا بِمُتَكَلِّفٍ، كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ أكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ [البقرة: ٦٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ اشْتِمالِ نَفْيِ الشَّيْءِ عَلى ثُبُوتِ ضِدِّهِ، فَلَمّا نَفى بِقَوْلِهِ ﴿وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ أنْ يَكُونَ تَقَوَّلَ القُرْآنَ عَلى اللَّهِ، ثَبَتَ مِن ذَلِكَ أنَّ القُرْآنَ ذِكْرٌ لِلنّاسِ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، أيْ: لَيْسَ هو بِالأساطِيرِ أوِ التُّرَّهاتِ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَها تَذْيِيلًا إذْ لا مُنافاةَ بَيْنَهُما هُنا. وهَذا الإخْبارُ عَنْ مَوْقِعِ القُرْآنِ لَدى جَمِيعِ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ لا خُصُوصِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ كانَ في مُجادَلَتِهِمْ لِأنَّهُ لَمّا ثَبَتَ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ (ص-٣١٠)لا يَرْجُو مِن مُعانِدِيهِ أجْرًا. وثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّلِ ما لَمْ يُوحَ إلَيْهِ؛ انْتَقَلَ إلى إثْباتِ أنَّ القُرْآنَ ذِكْرٌ لِلنّاسِ قاطِبَةً فَيَدْخُلُ في ذَلِكَ مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ وغَيْرُهم مِنَ النّاسِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يَسْتَغْنِي اللَّهُ عَنْكم بِأقْوامٍ آخَرِينَ كَما قالَ تَعالى ﴿إنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر: ٧] .
وعُمُومُ العالَمِينَ يُكْسِبُ الجُمْلَةَ مَعْنى التَّذْيِيلِ لِلْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَها.
والقَصْرُ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ قَصْرُ قَلْبٍ إضافِيٍّ، أيْ: هو ذِكْرٌ لا أساطِيرُ ولا سِحْرٌ ولا شِعْرٌ ولا غَيْرُ ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ ما وسَمُوا بِهِ القُرْآنَ مِن غَيْرِ صِفاتِهِ الحَقِيقِيَّةِ.
وجُمْلَةُ ﴿ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ بِاعْتِبارِ ما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ القَصْرُ مِن جانِبِ الإثْباتِ، أيْ: وسَتَعْلَمُونَ خَبَرَ هَذا القُرْآنِ بَعْدَ زَمانٍ عِلْمًا جَزْمًا فَيَزُولُ شَكُّكم فِيهِ، فالكَلامُ إخْبارٌ عَنِ المُسْتَقْبَلِ كَما هو مُقْتَضى وُجُودِ نُونِ التَّوْكِيدِ.
والنَّبَأُ: الخَبَرُ، وأصْلُ الخَبَرِ: الصِّدْقُ، أيْ: المُوافَقَةُ لِلْواقِعِ، فَإذا قِيلَ: أتانِي نَبَأُ كَذا، فَمَعْناهُ: الخَبَرُ عَنْ حالِهِ في الواقِعِ، فَإضافَةُ النَّبَأِ إلى ما يُضافُ إلَيْهِ عَلى مَعْنى اللّامِ إذْ مَعْنى اللّامِ هو أصلُ مَعانِي الإضافَةِ، قالَ تَعالى ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ﴾ [ص: ٢١] أيْ: سَتَعْلَمُونَ صِدْقَ وصْفِ هَذا القُرْآنِ أنَّهُ الحَقُّ، وهَذا كَما قالَ تَعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣] وفُسِّرَ النَّبَأُ بِمَعْنى المَفْعُولِ، أيْ: ما أنْبَأ بِهِ القُرْآنُ مِن إنْذارِكم بِالعَذابِ، فَهو تَهْدِيدٌ. وكِلا الِاحْتِمالَيْنِ واقِعٌ فَإنَّ مِنَ المُخاطَبِينَ مَن عُجِّلَ لَهُ عَذابُ السَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وبَقِيَّتُهم رَأوْا ذَلِكَ رَأْيَ العَيْنِ مِنهم مَن عَلِمُوا دُخُولَ النّاسِ في الإسْلامِ فَماتُوا بِغَيْظِهِمْ ومِنهم مَن شاهَدُوا فَتْحَ مَكَّةَ وآمَنُوا، أوْ رَأوْا قَبائِلَ العَرَبِ تَدْخُلُ في الدِّينِ أفْواجًا فَعَلِمُوا نَبَأ صِدْقِ القُرْآنِ وما وعَدَ بِهِ بَعْدَ حِينٍ فازْدادُوا إيمانًا.
وحِينُ كُلِّ فَرِيقٍ ما مَضى عَلَيْهِ مِن زَمَنٍ بَيْنَ هَذا الخِطابِ وبَيْنَ تَحَقُّقِ الصِّدْقِ.
والحِينُ: الزَّمَنُ مِن ساعَةٍ إلى أرْبَعِينَ سَنَةٍ. فَخَتَمَ الكَلامَ بِتَسْجِيلِ التَّبْلِيغِ وأنَّ فائِدَةَ ما أبْلَغَهم لَهم لا لِلنَّبِيءِ ﷺ وخَتَمَ بِالمُواعَدَةِ لِوَقْتِ يَقِينِهِمْ بِنَبِيئِهِ، وهَذا مُؤْذِنٌ بِانْتِهاءِ الكَلامِ ومُراعاةِ حُسْنِ الخِتامِ.
* * *
(ص-٣١١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الزُّمَرِ سُمِّيَتْ“ سُورَةَ الزُّمَرِ " مِن عَهْدِ النَّبِيءِ ﷺ فَقَدْ رَوى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ «كانَ النَّبِيءُ ﷺ لا يَنامُ حَتّى يَقْرَأ الزُّمَرَ وبَنِي إسْرائِيلَ»، وإنَّما سُمِّيَتْ سُورَةَ الزُّمَرِ لِوُقُوعِ هَذا اللَّفْظِ فِيها دُونَ غَيْرِها مِن سُوَرِ القُرْآنِ.
وفِي تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أنَّهُ سَمّاها سُورَةَ الغُرَفِ وتَناقَلَهُ المُفَسِّرُونَ، ووَجْهُهُ أنَّها ذُكِرَ فِيها لَفْظُ الغُرَفِ، أيْ: بِهَذِهِ الصِّيغَةِ دُونَ الغُرُفاتِ، في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَهم غُرَفٌ مِن فَوْقِها غُرَفٌ﴾ [الزمر: ٢٠] الآيَةَ.
وهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها عِنْدَ الجُمْهُورِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] الآياتِ الثَّلاثَ. وقِيلَ: إلى سَبْعِ آياتٍ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ في قِصَّةِ وحْشِيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ، وسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وقِصَّتُهُ عَلَيْها مَخائِلُ القَصَصِ.
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّ تِلْكَ الآياتِ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ في هِشامِ بْنِ العاصِي بْنِ وائِلٍ إذْ تَأخَّرَ عَنِ الهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ بَعْدَ أنِ اسْتَعَدَّ لَها. وفي رِوايَةٍ: أنَّ مَعَهُ عَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ وكانا تَواعَدا عَلى الهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ فَفُتِنا فافْتَتَنا.
والأصَحُّ أنَّها نَزَلَتْ في المُشْرِكِينَ كَما سَيَأْتِي عِنْدَ تَفْسِيرِها، وما نَشَأ القَولُ بِأنَّها مَدَنِيَّةٌ إلّا لِما رُوِيَ فِيها مِنَ القَصَصِ الضَّعِيفَةِ.
وقِيلَ: نَزَلَ أيْضًا في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقَوْا رَبَّكُمْ﴾ [الزمر: ١٠] الآيَةَ؛ بِالمَدِينَةِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا﴾ [الزمر: ٢٣] الآيَةَ؛ نَزَلَ بِالمَدِينَةِ.
(ص-٣١٢)فَبَلَغَتِ الآياتُ المُخْتَلَفُ فِيها تِسْعَ آياتٍ.
والمُتَّجَهُ: أنَّها كُلَّها مَكِّيَّةٌ وأنَّ ما يُخَيَّلُ أنَّهُ نَزَلَ في قَصَصٍ مُعَيَّنَةٍ إنْ صَحَّتْ أسانِيدُهُ أنْ يَكُونَ وقَعَ التَّمَثُّلُ بِهِ في تِلْكَ القَصَصِ فاشْتَبَهَ عَلى بَعْضِ الرُّواةِ بِأنَّهُ سَبَبُ نُزُولٍ.
وسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾ [الزمر: ١٠] أنَّها نَزَلَتْ قُبَيْلَ هِجْرَةِ المُؤْمِنِينَ إلى الحَبَشَةِ، أيْ: في سَنَةِ خَمْسٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
وهِيَ السُّورَةُ التّاسِعَةُ والخَمْسُونَ في تَرْتِيبِ النُّزُولِ عَلى المُخْتارِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ سَبَأٍ وقَبْلَ سُورَةِ غافِرٍ.
وعُدَّتْ آياتُها عِنْدَ المَدَنِيِّينَ والمَكِّيِّينَ والبَصْرِيِّينَ اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ، وعِنْدَ أهْلِ الشّامِ ثَلاثًا وسَبْعِينَ، وعِنْدَ أهْلِ الكُوفَةِ خَمْسًا وسَبْعِينَ.
* * *
أغْراضُها: ابْتُدِئَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِما هو كالمُقَدِّمَةِ لِلْمَقْصُودِ، وذَلِكَ بِالتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ القُرْآنِ تَنْوِيهًا تَكَرَّرَ في سِتَّةِ مَواضِعَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ لِأنَّ القُرْآنَ جامِعٌ لِأغْراضِها.
وأغْراضُها كَثِيرَةٌ تَحُومُ حَوْلَ إثْباتِ تَفَرُّدِ اللَّهِ بِالإلَهِيَّةِ وإبْطالِ الشِّرْكِ فِيها.
وإبْطالِ تَعَلُّلاتِ المُشْرِكِينَ لِإشْراكِهِمْ وأكاذِيبِهِمْ.
ونَفْيِ ضَرْبٍ مِن ضُرُوبِ الإشْراكِ وهو زَعْمُهم أنَّ لِلَّهِ ولَدًا.
والِاسْتِدْلالِ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ في الإلَهِيَّةِ بِدَلائِلِ تَفَرُّدِهِ بِإيجادِ العَوالِمِ العُلْوِيَّةِ والسُّفْلِيَّةِ، وبِتَدْبِيرِ نِظامِها وما تَحْتَوِي عَلَيْهِ مِمّا لا يُنْكِرُ المُشْرِكُونَ انْفِرادَهُ بِهِ.
(ص-٣١٣)والخَلْقِ العَجِيبِ في أطْوارِ تَكْوِينِ الإنْسانِ والحَيَوانِ.
والِاسْتِدْلالِ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلٍ مِن فِعْلِهِمْ وهو التِجاؤُهم إلى اللَّهِ عِنْدَما يُصِيبُهُمُ الضُّرُّ.
والدَّعْوَةِ إلى التَّدَبُّرِ فِيما يُلْقى إلَيْهِمْ مِنَ القُرْآنِ الَّذِي هو أحْسَنُ القَوْلِ.
وتَنْبِيهِهِمْ عَلى كُفْرانِهِمْ شُكْرَ النِّعْمَةِ.
والمُقابَلَةِ بَيْنَ حالِهِمْ وبَيْنَ حالِ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ لِلَّهِ.
وأنَّ دِينَ التَّوْحِيدِ هو الَّذِي جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِن قَبْلُ.
والتَّحْذِيرِ مِن أنْ يَحِلَّ بِالمُشْرِكِينَ ما حَلَّ بِأهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الأُمَمِ الماضِيَةِ.
وإعْلامِ المُشْرِكِينَ بِأنَّهم وشُرَكاءَهم لا يُعْبَأُ بِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ ﷺ فاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ عِبادَتِهِمْ، ورَسُولُهُ لا يَخْشاهم ولا يَخافُ أصْنامَهم لِأنَّ اللَّهَ كَفاهُ إيّاهم جَمِيعًا.
وإثْباتِ البَعْثِ والجَزاءِ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ.
وتَمْثِيلِ البَعْثِ بِإحْياءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِها. وضَرَبَ لَهم مَثَلَهُ بِالنَّوْمِ والإفاقَةِ بَعْدَهُ، وأنَّهُ يَوْمُ الفَصْلِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ والمُشْرِكِينَ.
وتَمْثِيلِ حالِ المُؤْمِنِينَ وحالِ المُشْرِكِينَ في الحَياتَيْنِ الحَياةِ الدُّنْيا والحَياةِ الآخِرَةِ.
ودُعاءِ المُشْرِكِينَ لِلْإقْلاعِ عَنِ الإسْرافِ عَلى أنْفُسِهِمْ، ودُعاءِ المُؤْمِنِينَ لِلثَّباتِ عَلى التَّقْوى ومُفارَقَةِ دارِ الكُفْرِ. وخُتِمَتْ بِوَصْفِ حالِ يَوْمِ الحِسابِ.
وتَخَلَّلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وعِيدٌ ووَعْدٌ، وأمْثالٌ، وتَرْهِيبٌ وتَرْغِيبٌ، ووَعْظٌ وإيماءٌ بِقَولِهِ ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] الآيَةَ؛ إلى أنَّ شَأْنَ المُؤْمِنِينَ أنَّهم أهلُ عِلْمٍ وأنَّ المُشْرِكِينَ أهْلُ جَهالَةٍ، وذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِرِفْعَةِ العِلْمِ ومَذَمَّةِ الجَهْلِ.