You are reading a tafsir for the group of verses 38:49 to 38:52
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿هَذا ذِكْرٌ وإنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ ﴿جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوابُ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وشَرابٍ﴾ ﴿وعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ أتْرابٌ﴾ هَذا ذِكْرٌ جُمْلَةٌ فَصَلَتِ الكَلامَ السّابِقَ عَنِ الكَلامِ الآتِيَ بَعْدَها قَصْدًا لِانْتِقالِ الكَلامِ مِن غَرَضٍ إلى غَرَضٍ مِثْلُ جُمْلَةِ: أمّا بَعْدُ فَكَذا ومِثْلُ اسْمِ الإشارَةِ المُجَرَّدِ نَحْوَ ﴿هَذا وإنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ [ص: ٥٥] وقَوْلِهِ ذَلِكَ ﴿ومَن يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٠] في سُورَةِ الحَجِّ. قالَ في الكَشّافِ: وهو كَما يَقُولُ الكاتِبُ إذا فَرَغَ مِن فَصْلٍ مِن كِتابِهِ وأرادَ الشُّرُوعَ في آخَرَ: هَذا (ص-٢٨١)وقَدْ كانَ كَيْتَ وكَيْتَ اهـ. وهَذا الأُسْلُوبُ مِنَ الِانْتِقالِ هو المُسَمّى في عُرْفِ عُلَماءِ الأدَبِ بِالِاقْتِضابِ وهو طَرِيقَةُ العَرَبِ ومَن يَلِيهِمْ مِنَ المُخَضْرَمِينَ، ولَهم في مِثْلِهِ طَرِيقَتانِ: أنْ يَذْكُرُوا الخَبَرَ كَما في هَذِهِ الآيَةِ وقَوْلِ المُؤَلِّفِينَ: هَذا بابُ كَذا، وأنْ يَحْذِفُوا الخَبَرَ لِدَلالَةِ الإشارَةِ عَلى المَقْصُودِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ذَلِكَ ﴿ومَن يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٠] أيْ: ذَلِكَ شَأْنُ الَّذِينَ عَمِلُوا بِما دَعاهم إلَيْهِ إبْراهِيمُ وذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ذَبائِحِهِمْ ولَمْ يَذْكُرُوا أسْماءَ الأصْنامِ، وقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] أيْ: ذَلِكَ مَثَلُ الَّذِينَ أشْرَكُوا بِاللَّهِ، وقَولِهِ بَعْدَ آياتٍ ﴿هَذا وإنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ [ص: ٥٥] أيْ هَذا مَآبُ المُتَّقِينَ، ومِنهُ قَولُ الكاتِبِ: هَذا وقَدْ كانَ كَيْتَ وكَيْتَ، وإنَّما صُرِّحَ بِالخَبَرِ في قَوْلِهِ هَذا ذِكْرٌ لِلِاهْتِمامِ بِتَعْيِينِ الخَبَرِ، وأنَّ المَقْصُودَ مِنَ المُشارِ إلَيْهِ التَّذَكُّرُ والِاقْتِداءُ فَلا يَأْخُذُ السّامِعُ اسْمَ الإشارَةِ مَأْخَذَ الفَصْلِ المُجَرَّدِ والِانْتِقالِ الِاقْتِضابِيِّ، مَعَ إرادَةِ التَّوْجِيهِ بِلَفْظِ ذِكْرٌ بِتَحْمِيلِهِ مَعْنى حُسْنِ السُّمْعَةِ، أيْ: ذِكْرٌ لِأُولَئِكَ المُسَمَّيْنَ في الآخَرِينَ مَعَ أنَّهُ تَذْكِرَةٌ لِلْمُقْتَدِينَ عَلى نَحْوِ المَعْنَيَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] في سُورَةِ الزُّخْرُفِ. ومِن هُنا احْتُمِلَ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ بِهَذا إلى القُرْآنِ، أيِ القُرْآنُ ذِكْرٌ، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا لِلِتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ القُرْآنِ راجِعًا إلى غَرَضِ قَوْلِهِ تَعالى ”﴿كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾ [ص: ٢٩]“ . والواوُ في وإنَّ لِلْمُتَّقِينَ إلَخْ؛ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلْعَطْفِ الذِّكْرِيِّ، أيْ: انْتَهى الكَلامُ السّابِقُ بِقَوْلِنا هَذا ونَعْطِفُ عَلَيْهِ إنَّ لِلْمُتَّقِينَ إلَخْ؛ . ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ واوَ الحالِ. وتَقَدَّمَ مَعْنى حُسْنَ مَآبٍ. واللّامُ في لِلْمُتَّقِينَ لامُ الِاخْتِصاصِ، أيْ: لَهم حُسْنُ مَآبٍ يَوْمَ الجَزاءِ. وانْتَصَبَ ”جَنّاتُ عَدْنٍ“ عَلى البَيانِ مِن حُسْنِ مَآبٍ، والعَدْنُ: الخُلُودُ. و”مُفَتَّحَةً“ حالٌ مِن جَنّاتِ عَدْنٍ، والعامِلُ في الحالِ ما في لِلْمُتَّقِينَ مِن مَعْنى الفِعْلِ وهو الِاسْتِقْرارُ فَيَكُونُ ”ال“ في الأبْوابِ عِوَضًا عَنِ الضَّمِيرِ. (ص-٢٨٢)والتَّقْدِيرُ: أبْوابُها، عَلى رَأْيِ نُحاةِ الكُوفَةِ، وأمّا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فـَ ”الأبْوابُ“ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ في ”مُفَتَّحَةً“ عَلى أنَّهُ بَدَلُ اشْتِمالٍ أوْ بَعْضٍ والرّابِطُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُبْدَلِ مِنهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: الأبْوابُ مِنها. وتَفْتِيحُ الأبْوابِ كِنايَةٌ عَنِ التَّمْكِينِ مِنَ الِانْتِفاعِ بِنَعِيمِها لِأنَّ تَفْتِيحَ الأبْوابِ يَسْتَلْزِمُ الإذْنَ بِالدُّخُولِ وهو يَسْتَلْزِمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الدّاخِلِ وبَيْنَ الِانْتِفاعِ بِما وراءَ الأبْوابِ. وقَوْلُهُ مُتَّكِئِينَ فِيها تَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنهُ في سُورَةِ يس. ويَدْعُونَ: يَأْمُرُونَ بِأنْ يُجْلَبَ لَهم، يُقالُ: دَعا بِكَذا، أيْ: سَألَ أنْ يُحْضَرَ لَهُ. والباءُ في قَوْلِهِمْ: دَعا بِكَذا، لِلْمُصاحَبَةِ، والتَّقْدِيرُ: دَعا مَدْعُوًّا يُصاحِبُهُ كَذا، قالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ: ؎ودَعَوْا بِالصَّبُوحِ يَوْمًا فَجاءَتْ قَيْنَةً في يَمِينِها إبْـرِيقُ قالَ تَعالى في سُورَةِ يس ﴿لَهم فِيها فاكِهَةٌ ولَهم ما يَدَّعُونَ﴾ [يس: ٥٧] . وانْتَصَبَ مُتَّكِئِينَ عَلى الحالِ مِنَ المُتَّقِينَ وهي حالٌ مُقَدَّرَةٌ. وجُمْلَةُ ”يَدْعُونَ“ حالٌ ثانِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ أيْضًا. والشَّرابُ: اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ، وغَلَبَ إطْلاقُهُ عَلى الخَمْرِ إذا لَمْ يَكُنْ في الكَلامِ ذِكْرٌ لِلْماءِ كَقَوْلِهِ آنِفًا ﴿هَذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ﴾ [ص: ٤٢] وتَنْوِينُ شَرابٍ هُنا لِلِتَّعْظِيمِ، أيْ: شَرابٌ نَفِيسٌ في جِنْسِهِ، كَقَوْلِ أبي خِراشٍ الهُذَلِيِّ: ؎لَقَدْ وقَعْتُ عَلى لَحْمٍ ﴿وعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ ”عِنْدَ“ ظَرْفُ مَكانٍ قَرِيبٍ وقاصِراتِ الطَّرْفِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: نِساءٌ قاصِراتُ النَّظَرِ. وتَعْرِيفُ الطَّرْفِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ الصّادِقِ بِالكَثِيرِ، أيْ: قاصِراتُ الأطْرافِ. والطَّرْفُ: النَّظَرُ بِالعَيْنِ، وقَصْرُ الطَّرْفِ تَوْجِيهَهٌ إلى مَنظُورٍ غَيْرِ مُتَعَدِّدٍ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنَّهُنَ قاصِراتٌ أطْرافَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ. فالأطْرافُ المَقْصُورَةُ أطْرافُهُنَّ. وإسْنادُ قاصِراتُ إلى ضَمِيرِ ”هُنَّ“ إسْنادٌ حَقِيقِيٌّ، أيْ: لا يُوَجِّهْنَ أنْظارَهُنَّ (ص-٢٨٣)إلى غَيْرِهِمْ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ مَحَبَّتِهِنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنَّهُنَّ يَقْصُرْنَ أطْرافَ أزْواجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ فَلا تَتَوَجَّهُ أنْظارُ أزْواجِهِنَّ إلى غَيْرِهِنَّ اكْتِفاءً مِنهم بِحُسْنِهِنَّ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ تَمامِ حُسْنِهِنَّ في أنْظارِ أزْواجِهِنَّ بِحَيْثُ لا يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسانُهم بِغَيْرِهِنَّ، فالأطْرافُ المَقْصُورَةُ أطْرافُ أزْواجِهِنَّ، وإسْنادُ ”قاصِراتُ“ إلَيْهِنَّ مَجازٌ عَقْلِيٌّ إذْ كانَ حُسْنُهُنَّ سَبَبُ قَصْرِ أطْرافِ الأزْواجِ فَإنَّهُنَّ مُلابِساتٌ سَبَبَ القَصْرِ. وأتْرابٌ: جَمْعُ تِرْبٍ بِكَسْرِ التّاءِ وسُكُونِ الرّاءِ، وهو اسْمٌ لِمَن كانَ عُمْرُهُ مُساوِيًا عُمَرُ مَن يُضافُ إلَيْهِ، تَقُولُ: هو تِرْبُ فُلانٍ، وهي تِرْبُ فُلانَةٍ، ولا تَلْحَقُ لَفْظَ تَرْبٍ عَلامَةُ تَأْنِيثٍ. والمُرادُ: أنَّهُنَّ أتْرابٌ بَعْضَهُنَّ لِبَعْضٍ، وأنَّهُنَّ أتْرابٌ لِأزْواجِهِنَّ لِأنَّ التَّحابَّ بَيْنَ الأقْرانِ أمْكَنُ. والظّاهِرُ أنَّ أتْرابَ وصْفٌ قائِمٌ بِجَمِيعِ نِساءِ الجَنَّةِ مِن مَخْلُوقاتِ الجَنَّةِ ومِنَ النِّساءِ اللّاتِي كُنَّ أزْواجًا في الدُّنْيا لِأصْحابِ الجَنَّةِ، فَلا يَكُونُ بَعْضُهُنَّ أحْسَنَ شَبابًا مِن بَعْضٍ فَلا يَلْحَقُ بَعْضَ أهْلِ الجَنَّةِ غَضٌّ إذا كانَتْ نِساءُ غَيْرِهِ أجَدُّ شَبابًا، ولِئَلّا تَتَفاوَتَ نِساءُ الواحِدِ مِنَ المُتَّقِينَ في شَرْخِ الشَّبابِ، فَيَكُونُ النَّعِيمُ بِالأقَلِّ شَبابًا دُونَ النَّعِيمِ بِالأجَدِّ مِنهُنَّ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ﴿وعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾ [الصافات: ٤٨] في سُورَةِ الصّافّاتِ.