You are reading a tafsir for the group of verses 38:45 to 38:47
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
(ص-٢٧٦)﴿واذْكُرْ عِبادَنا إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي والأبْصارِ﴾ ﴿إنّا أخْلَصْناهم بِخالِصَةِ ذِكْرى الدّارِ﴾ ﴿وإنَّهم عِنْدَنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأخْيارِ﴾ القَولُ فِيهِ كالقَوْلِ في نَظائِرِهِ لُغَةً ومَعْنًى.
وذَكَرَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةَ ذِكْرُ اقْتِداءٍ وائْتِساءٍ بِهِمْ، فَأمّا إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فِيما عُرِفَ مِن صَبْرِهِ عَلى أذى قَوْمِهِ، وإلْقائِهِ في النّارِ، وابْتِلائِهِ بِتَكْلِيفِ ذَبْحِ ابْنِهِ، وأمّا ذِكْرُإسْحاقَ ويَعْقُوبَ فاسْتِطْرادٌ بِمُناسَبَةِ ذِكْرِ إبْراهِيمَ ولِما اشْتَرَكا بِهِ مِنَ الفَضائِلِ مَعَ أبِيهِمُ الَّتِي يَجْمَعُها اشْتِراكُهم في مَعْنى قَوْلِهِ ﴿أُولِي الأيْدِي والأبْصارِ﴾ لِيَقْتَدِيَ النَّبِيءُ ﷺ بِثَلاثَتِهِمْ في القُوَّةِ في إقامَةِ الدِّينِ والبَصِيرَةِ في حَقائِقِ الأُمُورِ.
وابْتُدِئَ بِإبْراهِيمَ لِتَفْضِيلِهِ بِمَقامِ الرِّسالَةِ والشَّرِيعَةِ، وعُطِفَ عَلَيْهِ ذِكْرُ ابْنِهِ، وعُطِفَ عَلى ابْنِهِ ابْنُهُ يَعْقُوبُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿واذْكُرْ عِبادَنا﴾ بِصِيغَةِ الجَمْعِ عَلى أنَّ إبْراهِيمَ ومَن عُطِفَ عَلَيْهِ كُلُّهُ عَطْفُ بَيانٍ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرِ ”عَبْدَنا“ بِصِيغَةِ الإفْرادِ عَلى أنْ يَكُونَ ”إبْراهِيمَ“ عَطْفَ بَيانٍ مِن ”عَبْدَنا“ ومَآلُ القِراءَتَيْنِ مُتَّحِدٌ.
والأيْدِي: جَمْعُ يَدٍ بِمَعْنى القُوَّةِ في الدِّينِ. كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿والسَّماءَ بَنَيْناها بِأيْدٍ﴾ [الذاريات: ٤٧] في سُورَةِ الذّارِياتِ.
والأبْصارُ: جَمْعُ بَصَرٍ بِالمَعْنى المَجازِيِّ، وهو النَّظَرُ الفِكْرِيُّ المَعْرُوفُ بِالبَصِيرَةِ، أيْ: التَّبَصُّرُ في مُراعاةِ أحْكامِ اللَّهِ تَعالى وتَوَخِّي مَرْضاتِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنّا أخْلَصْناهُمْ﴾ عِلَّةٌ لِلْأمْرِ بِذِكْرِهِمْ لِأنَّ ذِكْرَهم يُكْسِبُ الذّاكِرَ الِاقْتِداءَ بِهِمْ في إخْلاصِهِمْ ورَجاءَ الفَوْزِ بِما فازُوا بِهِ مِنَ الِاصْطِفاءِ والأفْضَلِيَّةِ في الخَيْرِ.
وأخْلَصْناهم: جَعَلْناهم خالِصِينَ، فالهَمْزَةُ لِلِتَّعْدِيَةِ، أيْ: طَهَّرْناهم مِن دَرَنِ (ص-٢٧٧)النُّفُوسِ فَصارَتْ نُفُوسُهم نَقِيَّةً مِنَ العُيُوبِ العارِضَةِ لِلْبَشَرِ، وهَذا الإخْلاصُ هو مَعْنى العِصْمَةِ اللّازِمَةِ لِلِنُّبُوءَةِ.
والعِصْمَةُ: قُوَّةٌ يَجْعَلُها اللَّهُ في نَفْسِ النَّبِيءِ تَصْرِفُهُ عَنْ فِعْلِ ما هو في دِينِهِ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعالى عَمْدًا أوْ سَهْوًا، وعَمّا هو مُوجِبٌ لِلِنُّفْرَةِ والِاسْتِصْغارِ عِنْدَ أهْلِ العُقُولِ الرّاجِحَةِ مِن أُمَّةِ عَصْرِهِ.
وأرْكانُ العِصْمَةِ أرْبَعَةٌ: الأوَّلُ: خاصِّيَّةٌ لِلِنَّفْسِ يَخْلُقُها اللَّهُ تَعالى تَقْتَضِي مَلَكَةً مانِعَةً مِنَ العِصْيانِ.
والثّانِي: حُصُولُ العِلْمِ بِمَثالِبِ المَعاصِي ومَناقِبِ الطّاعاتِ.
الثّالِثُ: تَأْكِيدُ ذَلِكَ العِلْمِ بِتَتابُعِ الوَحْيِ والبَيانِ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
الرّابِعُ: العِتابُ مِنَ اللَّهِ عَلى تَرْكِ الأوْلى وعَلى النِّسْيانِ.
وإسْنادُ الإخْلاصِ إلى اللَّهِ تَعالى لِأنَّهُ أمْرٌ لا يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ البَشَرِيَّةِ إلّا بِجَعْلٍ خاصٍّ مِنَ اللَّهِ تَعالى وعِنايَةٍ لَدُنِّيَّةٍ بِحَيْثُ تُنْزَعُ مِنَ النَّفْسِ غَلَبَةُ الهَوى في كُلِّ حالٍ وتُصْرَفُ النَّفْسُ إلى الخَيْرِ المَحْضِ فَلا تَبْقى في النَّفْسِ إلّا نَزَعاتٌ خَفِيفَةٌ تُقْلِعُ النَّفْسُ عَنْها سَرِيعًا بِمُجَرَّدِ خُطُورِها، قالَ النَّبِيءُ ﷺ «إنِّي لَيُغانُ عَلى قَلْبِي فَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» .
والباءُ في بِخالِصَةِ لِلِسَّبَبِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلى سَبَبِ عِصْمَتِهِمْ. وعُبِّرَ عَنْ هَذا السَّبَبِ تَعْبِيرًا مُجْمَلًا تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ أمْرٌ عَظِيمٌ دَقِيقٌ لا يُتَصَوَّرُ بِالكُنْهِ ولَكِنْ يُعْرَفُ بِالوَجْهِ، ولِذَلِكَ اسْتَحْضَرَ هَذا السَّبَبَ بِوَصْفٍ مُشْتَقٍّ مِن فِعْلِ أخْلَصْناهم عَلى نَحْوِ قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ لِمَن سَألَهُ عَنِ اقْتِناعِهِ مِن أكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ «إنِّي تَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حاضِرَةٌ» أيْ حاضِرَةٌ لا تُوصَفُ، ثُمَّ بُيِّنَتْ هَذِهِ الخالِصَةُ بِأقْصى ما تُعَبِّرُ عَنْهُ اللُّغَةُ وهي أنَّها ﴿ذِكْرى الدّارِ﴾ .
والذِّكْرى: اسْمُ مَصْدَرٍ يَدُلُّ عَلى قُوَّةِ مَعْنى المَصْدَرِ مِثْلُ الرُّجْعى والبُقْيا لِأنَّ زِيادَةَ المَبْنى تَقْتَضِي زِيادَةَ المَعْنى. والدّارُ المَعْهُودَةُ لِأمْثالِهِمْ هي الدّارُ الآخِرَةِ، أيْ: (ص-٢٧٨)بِحَيْثُ لا يَنْسَوْنَ الآخِرَةَ ولا يُقْبِلُونَ عَلى الدُّنْيا، فالدّارُ الَّتِي هي مَحَلُّ عِنايَتِهِمْ هي الدّارُ الآخِرَةِ، قالَ النَّبِيءُ ﷺ «فَأقُولُ ما لِي ولِلدُّنْيا» .
وأشارَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿بِخالِصَةِ ذِكْرى الدّارِ﴾ إلى أنَّ مَبْدَأ العِصْمَةِ هو الوَحْيُ الإلَهِيُّ بِالتَّحْذِيرِ مِمّا لا يُرْضِي اللَّهَ وتَخْوِيفِ عَذابِ الآخِرَةِ وتَحْبِيبِ نَعِيمِها فَتُحْدِثُ في نَفْسِ النَّبِيءِ ﷺ شِدَّةَ الحَذَرِ مِنَ المَعْصِيَةِ وحُبِّ الطّاعَةِ ثُمَّ لا يَزالُ الوَحْيُ يَتَعَهَّدُهُ ويُوقِظُهُ ويُجَنِّبُهُ الوُقُوعَ فِيما نُهِيَ عَنْهُ فَلا يَلْبَثُ أنْ تَصِيرَ العِصْمَةُ مَلَكَةٌ لِلِنَّبِيءِ يَكْرَهُ بِها المَعاصِيَ، فَأصْلُ العِصْمَةِ هي مُنْتَهى التَّقْوى الَّتِي هي ثَمَرَةُ التَّكْلِيفِ، وبِهَذا يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ أصْحابِنا: العِصْمَةُ عَدَمُ خَلْقِ المَعْصِيَةِ مَعَ بَقاءِ القُدْرَةِ عَلى المَعْصِيَةِ، وقَوْلِ المُعْتَزِلَةِ: إنَّها مَلَكَةٌ تَمْنَعُ عَنْ إرادَةِ المَعاصِي، فالأوَّلُونَ نَظَرُوا إلى المَبْدَأِ والأخِيرُونَ نَظَرُوا إلى الغايَةِ، وبِهِ يَظْهَرُ أيْضًا أنَّ العِصْمَةَ لا تُنافِي التَّكْلِيفَ وتَرَتُّبَ المَدْحِ عَلى الطّاعاتِ.
وقَرَأ نافِعٌ وهُشامٌ عَنِ ابْنِ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ ”خالِصَةِ“ بِدُونِ تَنْوِينٍ لِإضافَتِهِ إلى ﴿ذِكْرى الدّارِ﴾ والإضافَةُ بَيانِيَّةٌ لِأنَّ ذِكْرى الدّارِ هي نَفْسُ الخالِصَةِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: بِذِكْرى الدّارِ، ولَيْسَتْ مِن إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ ولا مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِهِ ولا إلى فاعِلِهِ، وإنَّما ذَكَرَ لَفْظَ ”خالِصَةِ“ لِيَقَعَ إجْمالًا ثُمَّ يُفَصَّلُ بِالإضافَةِ لِلِتَّنْبِيهِ عَلى دِقَّةِ هَذا الخُلُوصِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ. والتَّعْرِيفُ بِالإضافَةِ لِأنَّها أقْصى طَرِيقٍ لِلِتَّعْرِيفِ في هَذا المَقامِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ خالِصَةٍ فَيَكُونُ ”ذِكْرى الدّارِ“ عَطْفَ بَيانٍ أوْ بَدَلًا مُطابِقًا. وغَرَضُ الإجْمالِ والتَّفْصِيلِ ظاهِرٌ.
وإضافَةُ ”خالِصَةِ“ إلى ذِكْرى الدّارِ في قِراءَةِ نافِعٍ مِن إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ وإبْدالِها مِنها في قِراءَةِ الجُمْهُورِ مِن إبْدالِ الصِّفَةِ مِنَ المَوْصُوفِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذِكْرى مُرادِفَ الذِّكْرِ بِكَسْرِ الذّالِ، أيْ: الذِّكْرُ الحَسَنُ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وجَعَلْنا لَهم لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٠] وتَكُونُ الدّارُ هي الدّارُ الدُّنْيا.
(ص-٢٧٩)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادِفًا لِلِذُّكْرِ بِضَمِّ الذّالِ وهو التَّذَكُّرُ الفِكْرِيُّ ومُراعاةُ وصايا الدِّينِ. والدّارُ: الدّارُ الآخِرَةُ.
وعُطِفَ عَلَيْهِ ﴿وإنَّهم عِنْدَنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأخْيارِ﴾ لِأنَّهُ مِمّا يَبْعَثُ عَلى ذِكْرِهِمْ بِأنَّهُمُ اصْطَفاهُمُ اللَّهُ مِن بَيْنِ خَلْقِهِ فَقَرَّبَهم إلَيْهِ وجَعَلَهم أخْيارًا.
والأخْيارُ: جَمْعُ خَيِّرٍ بِتَشْدِيدِ الياءِ، أوْ جَمْعُ خَيْرٍ بِتَخْفِيفِها مِثْلُ الأمْواتِ جَمْعًا لِمَيِّتٍ ومَيْتٍ، وكِلْتا الصِّيغَتَيْنِ تَدُلُّ عَلى شِدَّةِ الوَصْفِ في المَوْصُوفِ.