You are reading a tafsir for the group of verses 38:31 to 38:33
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصّافِناتُ الجِيادُ﴾ ﴿فَقالَ إنِّيَ أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ ﴿رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ﴾ يَتَعَلَّقُ ”إذْ عُرِضَ“ بِ ”أوّابٌ“ . وتَعْلِيقُ هَذا الظَّرْفِ بِ ”أوّابٌ“ تَعْلِيقُ تَعْلِيلٍ لِأنَّ الظُّرُوفَ يُرادُ مِنها التَّعْلِيلُ كَثِيرًا لِظُهُورِ أنْ لَيْسَ المُرادُ أنَّهُ أوّابٌ في هَذِهِ القِصَّةِ فَقَطْ لِأنَّ صِيغَةَ أوّابٍ تَقْتَضِي المُبالَغَةَ. والأصْلُ مِنها الكَثْرَةُ فَتَعَيَّنَ أنَّ ذِكْرَ قِصَّةٍ مِن حَوادِثِ أوْبَتِهِ كانَ لِأنَّها يَنْجَلِي فِيها عِظَمُ أوْبَتِهِ.
والعَرْضُ: الإمْرارُ والإحْضارُ أمامَ الرّائِي، أيْ عَرَضَ سُواسَ خَيْلِهِ إيّاها عَلَيْهِ.
والعَشِيُّ: مِنَ العَصْرِ إلى الغُرُوبِ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ”بِالغَداةِ والعَشِيِّ“ في سُورَةِ الأنْعامِ. وذَلِكَ وقْتُ افْتِقادِ الخَيْلِ والماشِيَةِ بَعْدَ رَواحِها مِن مَراعِيها ومَراتِعِها. وذِكْرُ العَشِيِّ هُنا لَيْسَ لِمُجَرَّدِ التَّوْقِيتِ بَلْ لِيُبْنى عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾، فَلَيْسَ ذِكْرُ العَشِيِّ في وقْعِ هَذِهِ الآيَةِ كَوَقْعِهِ في قَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
؎مُلُوكٌ مِن بَنِي جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ يُساقُونَ العَشِيَّةَ يُقْتَلُونا
(ص-٢٥٥)والصّافِناتُ: وصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ اسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ لِدَلالَةِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ لِأنَّ الصّافِنَ لا يَكُونُ إلّا مِنَ الخَيْلِ والأفْراسِ وهو الَّذِي يَقِفُ عَلى ثَلاثِ قَوائِمَ وطَرْفِ حافِرِ القائِمَةِ الرّابِعَةِ لا يُمَكِّنُ القائِمَةَ الرّابِعَةَ مِنَ الأرْضِ، وتِلْكَ مِن عَلاماتِ خِفَّتِهِ الدّالَّةِ عَلى كَرَمِ أصْلِ الفَرَسِ وحُسْنِ خِلالَهِ، يُقالُ: صَفَنَ الفُرَسُ صُفُونًا، وأنْشَدَهُ ابْنُ الأعْرابِيِّ والزَّجّاجُ في صِفَةِ الفَرَسِ:
؎ألِفَ الصُّفُونَ فَلا يَزالُ كَأنَّهُ ∗∗∗ مِمّا يَقُومُ عَلى الثَّلاثِ كَسِيرًا
الجِيادُ: جَمْعُ جَوادٍ بِفَتْحِ الواوِ وهو الفَرَسُ ذُو الجَوْدَةِ، أيِ النَّفاسَةِ، وكانَ سُلَيْمانُ مُولَعًا بِالإكْثارِ مِنَ الخَيْلِ والفَرَسانِ، فَكانَتْ خَيْلُهُ تُعَدُّ بِالآلافِ.
وأصْلُ تَرْكِيبِ أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ أحْبَبْتُ الخَيْرَ حُبًّا، فَحَوَّلَ التَّرْكِيبَ إلى أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ فَصارَ ”حُبَّ الخَيْرِ“ تَمْيِيزًا لِإسْنادِ نِسْبَةِ المَحَبَّةِ إلى نَفْسِهِ لِغَرَضِ الإجْمالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ كَقَوْلِهِ تَعالى وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا وقَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
؎أكْرِمْ بِها خَلَّةً
وقَوْلِهِمْ: لِلَّهِ دَرُّهُ فارِسًا.
وضَمَّنَ ”أحْبَبْتُ“ مَعْنى عَوَّضْتُ، فَعُدِّيَ بِ (عَنْ) في قَوْلِهِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فَصارَ المَعْنى: أحْبَبْتُ الخَيْرَ حُبًّا فَجاوَزْتُ ذِكْرَ رَبِّي.
والمُرادُ بِذِكْرِ الرَّبِّ الصَّلاةُ، فَلَعَلَّها صَلاةٌ كانَ رَتَّبَها لِنَفْسِهِ لِأنَّ وقْتَ العَشِيِّ لَيْسَتْ فِيهِ صَلاةٌ مَفْرُوضَةٌ في شَرِيعَةِ مُوسى إلّا المَغْرِبُ.
والخَيْرُ: المالُ النَّفِيسُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٠]، والخَيْلُ مِنَ المالِ النَّفِيسِ. وقالَ الفَرّاءُ: الخَيْرُ بِالرّاءِ مِن أسْماءِ الخَيْلِ. والعَرَبُ تَعاقَبَتْ بَيْنَ اللّامِ والرّاءِ كَما يَقُولُونَ: انْهَمَلَتِ العَيْنُ وانْهَمَرَتْ. وخَتَلَ وخَتَرَ إذا خَدَعَ.
(ص-٢٥٦)وقُلْتُ: إنَّ العَرَبَ مِن عادَتِهِمُ التَّفاؤُلُ، ولَهم بِالخَيْلِ عِنايَةٌ عَظِيمَةٌ حَتّى وصَفُوا شِياتِها وزَعَمُوا دَلالَتَها عَلى بَخْتٍ أوْ نَحْسٍ، فَلَعَلَّهم سَمَّوْها الخَيْرَ تَفاؤُلًا لِتَتَمَحَّضَ لِلسَّعْدِ والبَخْتِ.
وضَمِيرُ ”تَوارَتْ“ لِلشَّمْسِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ العَشِيِّ وحَرْفِ الغايَةِ ولَفْظِ الحِجابِ، عَلى أنَّ الإضْمارَ لِلشَّمْسِ في ذِكْرِ الأوْقاتِ كَثِيرٌ في كَلامِهِمْ. كَما قالَ لَبِيدٌ:
؎حَتّى إذا ألْقَتْ يَدًا في كافِرٍ ∗∗∗ وأجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها
أيْ ألْقَتِ الشَّمْسُ يَدَها في الظُّلْمَةِ، أيْ ألْقَتْ نَفْسَها فَهو مِنَ التَّعْبِيرِ عَنِ الذّاتِ بِبَعْضِ أعْضائِها.
والتَّوارِي: الِاخْتِفاءُ، والحِجابُ: السَّتْرُ في البَيْتِ الَّذِي تَحْتَجِبُ وراءَهُ المَرْأةُ وغَيْرُها، ومِنهُ قَوْلُ أنَسِ بْنِ مالِكٍ ”فَأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجابِ“ .
والكَلامُ تَمْثِيلٌ لِحالَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِتَوارِي المَرْأةِ وراءَ الحِجابِ، وكُلٌّ مِن أجْزاءِ هَذِهِ التَّمْثِيلِيَّةِ مُسْتَعارٌ؛ فَلِلشَّمْسِ اسْتُعِيرَتِ المَرْأةُ عَلى طَرِيقَةِ المَكْنِيَّةِ، ولِاخْتِفائِها عَنِ الأنْظارِ اسْتُعِيرَ التَّوارِي، ولِأُفُقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ اسْتُعِيرَ الحِجابُ.
والمَعْنى: عُرِضَتْ عَلَيْهِ خَيْلُهُ الصّافِناتُ الجِيادُ فاشْتَغَلَ بِأحْوالِها حُبًّا فِيها حَتّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَفاتَتْهُ صَلاةٌ كانَ يُصَلِّيها في المَساءِ قَبْلَ الغُرُوبِ، فَقالَ عَقِبَ عَرْضِ الخَيْلِ وقَدِ انْصَرَفَتْ: إنِّي أحْبَبْتُ الخَيْلَ فَغَفَلْتُ عَنْ صَلاتِي لِلَّهِ.
وكَلامُهُ هَذا خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّحَسُّرِ كَقَوْلِ أُمِّ مَرْيَمَ رَبِّ إنِّي وضَعْتُها أُنْثى.
والخِطابُ في قَوْلِهِ ”رُدُّوها عَلَيَّ“ لِسَواسِ خَيْلِهِ. والضَّمِيرُ المَنصُوبُ عائِدٌ إلى الخَيْلِ بِالقَرِينَةِ، أيْ أرْجِعُوا الخَيْلَ إلَيَّ، وقِيلَ: هو عائِدٌ إلى الشَّمْسِ والخِطابُ لِلْمَلائِكَةِ، وهَذا في غايَةِ البُعْدِ، ولَوْلا كَثْرَةُ ذِكْرِهِ في كُتُبِ المُفَسِّرِينَ لَكانَ الأوْلى بِنا عَدَمَ التَّعَرُّضِ لَهُ. وأحْسَنُ مِنهُ عَلى هَذا الِاعْتِبارِ في مَعادِ ضَمِيرِ الغَيْبَةِ أنْ يَكُونَ الأمْرُ مُسْتَعْمَلًا في التَّعْجِيزِ، أيْ هَلْ تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَرُدُّوا الشَّمْسَ بَعْدَ غُرُوبِها، كَقَوْلِ مُهَلْهَلٍ:(ص-٢٥٧)
؎يا لِبَكْرٍ أنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا
وقَوْلِ الحارِثِ الضَّبِّيِّ أحَدِ أصْحابِ الجَمَلِ:
؎رُدُّوا عَلَيْنا شَيْخَنا ثُمَّ بَجَّلَ
يُرِيدُ: عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلا اسْتِبْعادَ في هَذا المَحْمَلِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ ”فَطَفِقَ“ تَعْقِيبِيَّةٌ، وطَفِقَ مِن أفْعالِ الشُّرُوعِ، أيْ فَشَرَعَ.
و”مَسْحًا“ مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقامَ الفِعْلِ، أيْ طَفِقَ يَمْسَحُ مَسْحًا. وحَرْفُ التَّعْرِيفِ في بِالسُّوقِ والأعْناقِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، أيْ بِسُوقِها وأعْناقِها كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤١] .
والمَسْحُ حَقِيقَتُهُ: إمْرارُ اليَدِ عَلى الشَّيْءِ لِإزالَةِ ما عَلَيْهِ مِن غَبَشٍ أوْ ماءٍ أوْ غُبارٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يُرادُ بَقاؤُهُ عَلى الشَّيْءِ ويَكُونُ بِاليَدِ وبِخِرْقَةٍ أوْ ثَوْبٍ، وقَدْ يُطْلَقُ المَسْحُ مَجازًا عَلى مَعانٍ مِنها: الضَّرْبُ بِالسَّيْفِ يُقالُ: مَسَحَهُ بِالسَّيْفِ. ويُقالُ: مَسَحَ السَّيْفَ بِهِ. ولَعَلَّ أصْلَهُ كِنايَةٌ عَنِ القَتْلِ بِالسَّيْفِ لِأنَّ السَّيْفَ يُمْسَحُ عَنْهُ الدَّمُ بَعْدَ الضَّرْبِ بِهِ.
والسُّوقُ: جَمْعُ ساقٍ. وقَرَأهُ الجُمْهُورُ بِواوٍ ساكِنَةٍ وبِوَزْنِ فُعْلٍ مِثْلَ: دارَ ودُورٍ، ووَزْنُ فُعْلٍ في جَمْعِ مِثْلِهِ قَلِيلٌ. وقَرَأهُ قُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وأبُو جَعْفَرٍ ”السُّؤْقِ“ بِهَمْزَةٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ السِّينِ جَمْعُ: سَأْقٍ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ السِّينِ وهي لُغَةٌ في ساقَ.
والأعْناقُ: جَمْعُ عُنُقٍ وهو الرَّقَبَةُ.
والباءُ في ”﴿بِالسُّوقِ﴾“ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، أيْ تَأْكِيدِ اتِّصالِ الفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ كالَّتِي في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] وفي قَوْلِ النّابِغَةِ:
؎لَكَ الخَيْرُ إنْ وارَتْ بِكَ الأرْضُ واحِدًا ∗∗∗ وأصْبَحَ جَدُّ النّاسِ يَضْلَعُ عاثِرا
وقَدْ تَرَدَّدَ المُفَسِّرُونَ في المَعْنى الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والزُّهْرِيِّ وابْنِ كَيْسانَ وقُطْرُبٍ: طَفِقَ يَمْسَحُ أعْرافَ الخَيْلِ وسُوقَها بِيَدِهِ حُبًّا لَها. وهَذا هو الجارِي عَلى المُناسِبِ لِمَقامِ نَبِيءٍ والأوْفَقِ بِحَقِيقَةِ (ص-٢٥٨)المَسْحِ، ولَكِنَّهُ يَقْتَضِي إجْراءَ تَرْتِيبِ الجُمَلِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ بِأنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ﴾ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ ﴿إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصّافِناتُ﴾ أيْ بَعْدَ أنِ اسْتَعْرَضَها وانْصَرَفُوا بِها لِتَأْوِيَ إلى مَذاوِدِها قالَ: رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ إكْرامًا لَها ولِحُبِّها. ويُجْعَلُ قَوْلُهُ ﴿فَقالَ إنِّي أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ مُعْتَرِضًا بَيْنَهُما، وإنَّما قُدِّمَ لِلتَّعْجِيلِ بِذِكْرِ نَدَمِهِ عَلى تَفْرِيطِهِ في ذِكْرِ اللَّهِ في بَعْضِ أوْقاتِ ذِكْرِهِ، أيْ أنَّهُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ في الذُّهُولِ بَلْ بادَرَ الذِّكْرى بِمُجَرَّدِ فَواتِ وقْتِ الذِّكْرِ الَّذِي اعْتادَهُ، إذْ لا يُناسِبُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ﴾ إلَخْ مِن آثارِ نَدَمِهِ وتَحَسُّرِهِ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ، وهَذا يُفِيدُ أنَّ فَواتَ وقْتِ ذِكْرِهِ نَشَأ عَنْ ذَلِكَ الرَّدِّ الَّذِي أمَرَ بِهِ بِقَوْلِهِ ”﴿رُدُّوها عَلَيَّ﴾“ فَإنَّهُمُ اعْتادُوا أنْ يَعْرِضُوها عَلَيْهِ ويَنْصَرِفُوا وقَدْ بَقِيَ ما يَكْفِي مِنَ الوَقْتِ لِلذِّكْرِ، فَلَمّا حَمَلَتْهُ بَهْجَتُهُ بِها عَلى أنْ أمَرَ بِإرْجاعِها واشْتَغَلَ بِمَسْحِ أعْناقِها وسُوقِها خَرَجَ وقْتُ ذِكْرِهِ فَتَنَدَّمَ وتَحَسَّرَ.
وعَنِ الحَسَنِ وقَتادَةَ ومالِكِ بْنِ أنَسٍ في رِوايَةِ ابْنِ وهْبٍ والفَرّاءِ وثَعْلَبٍ: أنَّ سُلَيْمانَ لَمّا نَدِمَ عَلى اشْتِغالِهِ بِالخَيْلِ حَتّى أضاعَ ذِكْرَ اللَّهِ في وقْتٍ كانَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ أمَرَ أنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ الخَيْلُ الَّتِي شَغَلَتْهُ فَجَعَلَ يُعَرْقِبُ سُوقَها ويَقْطَعُ أعْناقَها لِحِرْمانِ نَفْسِهِ مِنها مَعَ مَحَبَّتِهِ إيّاها تَوْبَةً مِنهُ وتَرْبِيَةً لِنَفْسِهِ. واسْتَشْعَرُوا أنَّ هَذا فَسادٌ في الأرْضِ وإضاعَةٌ لِلْمالِ فَأجابُوا: بِأنَّهُ أرادَ ذَبْحَها لِيَأْكُلَ الفُقَراءُ لِأنَّ أكْلَ الخَيْلِ مُباحٌ عِنْدَهم وبِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَبْحُها فَسادًا في الأرْضِ.
وتَجَنَّبَ بَعْضُهم هَذا الوَجْهَ وجَعَلَ المَسْحَ مُسْتَعارًا لِلتَّوْسِيمِ بِسِمَةِ الخَيْلِ المَوْقُوفَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ بِكَيِّ نارٍ أوْ كَشْطِ جِلْدٍ لِأنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ الجِلْدَةَ الرَّقِيقَةَ الَّتِي عَلى ظاهِرِ الجِلْدِ، فَشُبِّهَتْ تِلْكَ الإزالَةُ بِإزالَةِ المَسْحِ ما عَلى ظَهْرِ المَمْسُوحِ مِن مُلْتَصِقٍ بِهِ، وهَذا أسْلَمُ عَنِ الِاعْتِراضِ مِنَ القَوْلِ الأوَّلِ وهو مَعْزُوٌّ لِبَعْضِ المُفَسِّرِينَ في أحْكامِ القُرْآنِ لِابْنِ العَرَبِيِّ. وقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنَّهُ وهَمَ. وهَذِهِ طَرِيقَةٌ جَلِيلَةٌ مِن طَرائِقِ تَرْبِيَةِ النَّفْسِ ومَظاهِرِ كَمالِ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلى ما كانَ سَبَبًا في الهَفْوَةِ.
وعَلى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ قَوْلُهُ ”فَطَفِقَ“ تَعْقِيبًا عَلى ”رُدُّوها عَلَيَّ“ وعَلى مَحْذُوفٍ بَعْدَهُ. والتَّقْدِيرُ: فَرَدُّوها عَلَيْهِ فَطَفِقَ، كَقَوْلِهِ أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ (ص-٢٥٩)فانْفَلَقَ، ويَكُونُ قَوْلُهُ ”رُدُّوها عَلَيَّ“ مِن مَقُولِ ﴿فَقالَ إنِّي أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ﴾ .