undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ الواوُ لِلْقَسَمِ أقْسَمَ بِالقُرْآنِ قَسَمَ تَنْوِيهٍ بِهِ.
ووُصِفَ بِ ”ذِي الذِّكْرِ“ لِأنَّ (ذِي) تُضافُ إلى الأشْياءِ الرَّفِيعَةِ فَتَجْرِي عَلى مُنْتَصَفٍ مَقْصُودٍ التَّنْوِيهُ بِهِ.
والذِّكْرُ: التَّذْكِيرُ، أيْ تَذْكِيرُ النّاسِ بِما هم عَنْهُ غافِلُونَ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالذِّكْرِ ذِكْرُ اللِّسانِ وهو عَلى مَعْنى: الَّذِي يُذَكِّرُ، بِالبِناءِ لِلنّائِبِ، أيْ والقُرْآنِ المَذْكُورِ، أيِ المَمْدُوحِ المُسْتَحَقِّ الثَّناءَ عَلى أحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَقَدْ أنْزَلْنا إلَيْكم كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠] أيْ شَرَفُكم.
وقَدْ تَرَدَّدَ المُفَسِّرُونَ في تَعْيِينِ جَوابِ القَسَمِ عَلى أقْوالٍ سَبْعَةٍ أوْ ثَمانِيَةٍ، وأحْسَنُ ما قِيلَ فِيهِ هُنا أحَدُ وجْهَيْنِ: أوَّلُهُما أنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ ص فَإنَّ المَقْصُودَ (ص-٢٠٤)مِنهُ التَّحَدِّي بِإعْجازِ القُرْآنِ وعَجْزِهِمْ عَنْ مُعارَضَتِهِ بِأنَّهُ كَلامٌ بِلُغَتِهِمْ، ومُؤَلَّفٌ مِن حُرُوفِها فَكَيْفَ عَجَزُوا عَنْ مُعارَضَتِهِ. فالتَّقْدِيرُ: والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أنَّهُ لَمِن عِنْدِ اللَّهِ لِهَذا عَجَزْتُمْ عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِهِ. وثانِيهِما: الَّذِي أرى أنَّ الجَوابَ مَحْذُوفٌ أيْضًا دَلَّ عَلَيْهِ الإضْرابُ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ [ص: ٢] بَعْدَ أنْ وُصِفَ القُرْآنُ بِ ذِي الذِّكْرِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الوَصْفَ يُشْعِرُ بِأنَّهُ ذِكْرٌ ومُوقِظٌ لِلْعُقُولِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ لَذِكْرٌ ولَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ يَجْحَدُونَ أنَّهُ ذِكْرٌ ويَقُولُونَ: سِحْرٌ مُفْتَرًى وهم يَعْلَمُونَ أنَّهُ حَقٌّ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، فَجَوابُ القَسَمِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ، ولَيْسَ حَرْفُ ص هو المُقْسَمَ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا عَلى القَسَمِ، أيْ لَيْسَ دَلِيلُ الجَوابِ مِنَ اللَّفْظِ بَلْ مِنَ المَعْنى والسِّياقِ.
والغَرَضُ مِن حَذْفِ جَوابِ القَسَمِ هُنا الإعْراضُ عَنْهُ إلى ما هو أجْدَرُ بِالذِّكْرِ وهو صِفَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا القُرْآنَ عِنادًا أوْ شِقاقًا مِنهم.