Sign in
Settings
Select an option
Al-Fatihah
Al-Baqarah
Ali 'Imran
An-Nisa
Al-Ma'idah
Al-An'am
Al-A'raf
Al-Anfal
At-Tawbah
Yunus
Hud
Yusuf
Ar-Ra'd
Ibrahim
Al-Hijr
An-Nahl
Al-Isra
Al-Kahf
Maryam
Taha
Al-Anbya
Al-Hajj
Al-Mu'minun
An-Nur
Al-Furqan
Ash-Shu'ara
An-Naml
Al-Qasas
Al-'Ankabut
Ar-Rum
Luqman
As-Sajdah
Al-Ahzab
Saba
Fatir
Ya-Sin
As-Saffat
Sad
Az-Zumar
Ghafir
Fussilat
Ash-Shuraa
Az-Zukhruf
Ad-Dukhan
Al-Jathiyah
Al-Ahqaf
Muhammad
Al-Fath
Al-Hujurat
Qaf
Adh-Dhariyat
At-Tur
An-Najm
Al-Qamar
Ar-Rahman
Al-Waqi'ah
Al-Hadid
Al-Mujadila
Al-Hashr
Al-Mumtahanah
As-Saf
Al-Jumu'ah
Al-Munafiqun
At-Taghabun
At-Talaq
At-Tahrim
Al-Mulk
Al-Qalam
Al-Haqqah
Al-Ma'arij
Nuh
Al-Jinn
Al-Muzzammil
Al-Muddaththir
Al-Qiyamah
Al-Insan
Al-Mursalat
An-Naba
An-Nazi'at
'Abasa
At-Takwir
Al-Infitar
Al-Mutaffifin
Al-Inshiqaq
Al-Buruj
At-Tariq
Al-A'la
Al-Ghashiyah
Al-Fajr
Al-Balad
Ash-Shams
Al-Layl
Ad-Duhaa
Ash-Sharh
At-Tin
Al-'Alaq
Al-Qadr
Al-Bayyinah
Az-Zalzalah
Al-'Adiyat
Al-Qari'ah
At-Takathur
Al-'Asr
Al-Humazah
Al-Fil
Quraysh
Al-Ma'un
Al-Kawthar
Al-Kafirun
An-Nasr
Al-Masad
Al-Ikhlas
Al-Falaq
An-Nas
Select an option
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
Select an option
العربية
বাংলা
English
русский
Kiswahili
Kurdî
اردو
Arabic Tanweer Tafseer
الله يستهزي بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ١٥
ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ ١٥
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ لَمْ تُعْطَفْ هاتِهِ الجُمْلَةُ عَلى ما قَبْلَها لِأنَّها جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا جَوابًا لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ، وذَلِكَ أنَّ السّامِعَ لِحِكايَةِ قَوْلِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ: آمَنّا، وقَوْلِهِمْ لِشَياطِينِهِمْ: إنّا مَعَكم إلَخْ. يَقُولُ: لَقَدْ راجَتْ حِيلَتُهم عَلى المُسْلِمِينَ الغافِلِينَ عَنْ كَيْدِهِمْ، وهَلْ يَتَفَطَّنُ مُتَفَطِّنٌ في المُسْلِمِينَ لِأحْوالِهِمْ فَيُجازِيهِمْ عَلى اسْتِهْزائِهِمْ، أوْ هَلْ يَرُدُّ لَهم ما رامُوا مِنَ المُسْلِمِينَ، ومَنِ الَّذِي يَتَوَلّى مُقابَلَةَ صُنْعِهِمْ ؟ فَكانَ لِلِاسْتِئْنافِ بِقَوْلِهِ ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ غايَةُ الفَخامَةِ والجَزالَةِ. وهو أيْضًا واقِعٌ مَوْقِعَ الِاعْتِراضِ، والأكْثَرُ في الِاعْتِراضِ تَرْكُ العاطِفِ. وذِكْرُ: يَسْتَهْزِئُ دَلِيلٌ عَلى أنَّ مَضْمُونَ الجُمْلَةِ مُجازاةٌ عَلى اسْتِهْزائِهِمْ. ولِأجَلِ اعْتِبارِ الِاسْتِئْنافِ قُدِّمَ اسْمُ اللَّهِ تَعالى عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ. ولَمْ يَقُلْ يَسْتَهْزِئُ اللَّهُ بِهِمْ، لِأنَّ مِمّا يَجُولُ في خاطِرِ السّائِلِ أنْ يَقُولَ: مَنِ الَّذِي يَتَوَلّى مُقابَلَةَ سُوءِ صَنِيعِهِمْ فَأُعْلِمَ أنَّ الَّذِي يَتَوَلّى ذَلِكَ هو رَبُّ العِزَّةِ تَعالى. وفي ذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ المُنْتَصِرِ لَهم وهُمُ المُؤْمِنُونَ كَما قالَ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨] فَتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ هُنا لِإفادَةِ تَقَوِّي الحُكْمِ لا مَحالَةَ، ثُمَّ يُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ قَصْرُ المُسْنَدِ عَلى المُسْنَدِ إلَيْهِ فَإنَّهُ لَمّا كانَ تَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ في سِياقِ الإيجابِ يَأْتِي لِتَقَوِّي الحُكْمِ ويَأْتِي لِلْقَصْرِ عَلى رَأْيِ الشَّيْخِ عَبْدِ القاهِرِ وصاحِبِ الكَشّافِ كَما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ﴾ [المزمل: ٢٠] في سُورَةِ المُزَّمِّلِ، كانَ الجَمْعُ بَيْنَ قَصْدِ التَّقَوِّي وقَصْدِ التَّخْصِيصِ جائِزًا في مَقاصِدِ الكَلامِ البَلِيغِ، وقَدْ جَوَّزَهُ في الكَشّافِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا يَخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] في سُورَةِ الجِنِّ؛ لِأنَّ ما يُراعِيهِ البَلِيغُ مِنَ الخُصُوصِيّاتِ لا يَتْرُكُ حَمْلَ الكَلامِ البَلِيغِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِأبْلَغِ كَلامٍ، ولِذَلِكَ يُقالُ النُّكَتُ لا تَتَزاحَمُ. كانَ المُنافِقُونَ يَغُرُّهم ما يَرَوْنَ مِن صَفْحِ النَّبِيءِ ﷺ عَنْهم وإعْراضِ المُؤْمِنِينَ عَنِ التَّنازُلِ لَهم فَيَحْسَبُونَ رَواجَ حِيلَتِهِمْ ونِفاقِهِمْ، ولِذَلِكَ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ (ص-٢٩٤)﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] فَقالَ اللَّهُ تَعالى ﴿ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ﴾ [المنافقون: ٨] فَتَقْدِيمُ اسْمِ الجَلالَةِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمامِ لا لِقَصْدِ التَّقَوِّي إذْ لا مُقْتَضى لَهُ. وفِعْلُ (يَسْتَهْزِئُ) المُسْنَدُ إلى اللَّهِ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا في حَقِيقَتِهِ لِأنَّ المُرادَ هُنا أنَّهُ يَفْعَلُ بِهِمْ في الدُّنْيا ما يُسَمّى بِالِاسْتِهْزاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ﴾ ولَمْ يَقَعِ اسْتِهْزاءٌ حَقِيقِيٌّ في الدُّنْيا فَهو إمّا تَمْثِيلٌ لِمُعامَلَةِ اللَّهِ إيّاهم في مُقابَلَةِ اسْتِهْزائِهِمْ بِالمُؤْمِنِينَ، بِما يُشْبِهُ فِعْلَ المُسْتَهْزِئِ بِهِمْ وذَلِكَ بِالإمْلاءِ لَهم حَتّى يَظُنُّوا أنَّهم سَلِمُوا مِنَ المُؤاخَذَةِ عَلى اسْتِهْزائِهِمْ فَيَظُنُّوا أنَّ اللَّهَ راضٍ عَنْهم أوْ أنَّ أصْنامَهم نَفَعُوهم حَتّى إذا نَزَلَ بِهِمْ عَذابُ الدُّنْيا مِنَ القَتْلِ والفَضْحِ عَلِمُوا خِلافَ ما تَوَهَّمُوا فَكانَ ذَلِكَ كَهَيْئَةِ الِاسْتِهْزاءِ بِهِمْ. والمُضارِعُ في قَوْلِهِ (يَسْتَهْزِئُ) لِزَمَنِ الحالِ. ولا يُحْمَلُ عَلى اتِّصافِ اللَّهِ بِالِاسْتِهْزاءِ حَقِيقَةً عِنْدَ الأشاعِرَةِ لِأنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنَ اللَّهِ مَعْنى الِاسْتِهْزاءِ في الدُّنْيا، ويُحَسِّنُ هَذا التَّمْثِيلَ ما فِيهِ مِنَ المُشاكَلَةِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ﴿يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ حَقِيقَةً يَوْمَ القِيامَةِ بِأنْ يَأْمُرَ بِالِاسْتِهْزاءِ بِهِمْ في المَوْقِفِ وهو نَوْعٌ مِنَ العِقابِ فَيَكُونُ المُضارِعُ في يَسْتَهْزِئُ لِلِاسْتِقْبالِ، وإلى هَذا المَعْنى نَحا ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ في نَقْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادًا بِهِ جَزاءُ اسْتِهْزائِهِمْ مِنَ العَذابِ أوْ نَحْوِهِ مِنَ الإذْلالِ والتَّحْقِيرِ والمَعْنى: (يُذِلُّهم) وعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاسْتِهْزاءِ مَجازًا ومُشاكَلَةً، أوْ مُرادًا بِهِ مَآلُ الِاسْتِهْزاءِ مِن رُجُوعِ الوَبالِ عَلَيْهِمْ. وهَذا كُلُّهُ - وإنْ جازَ - فَقَدْ عَيَّنَهُ هُنا جُمْهُورُ العُلَماءِ مِنَ المُفَسِّرِينَ كَما نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ والقُرْطُبِيُّ وعَيَّنَهُ الفَخْرُ الرّازِيُّ والبَيْضاوِيُّ وعَيَّنَهُ المُعْتَزِلَةُ أيْضًا لِأنَّ الِاسْتِهْزاءَ لا يَلِيقُ إسْنادُهُ إلى اللَّهِ حَقِيقَةً لِأنَّهُ فِعْلٌ قَبِيحٌ يُنَزَّهُ اللَّهَ تَعالى عَنْهُ كَما في الكَشّافِ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى المُتَعارَفِ بَيْنَ النّاسِ. وجِيءَ في حِكايَةِ كَلامِهِمْ بِالمُسْنَدِ الِاسْمِيِّ في قَوْلِهِمْ ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] لِإفادَةِ كَلامِهِمْ مَعْنى دَوامِ صُدُورِ الِاسْتِهْزاءِ مِنهم وثَباتِهِ بِحَيْثُ لا يُحَوَّلُونَ عَنْهُ. وجِيءَ في قَوْلِهِ ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ بِإفادَةِ التَّجَدُّدِ مِنَ الفِعْلِ المُضارِعِ؛ أيْ تَجَدُّدِ إمْلاءِ اللَّهِ لَهم زَمانًا إلى أنْ يَأْخُذَهُمُ العَذابُ، لِيَعْلَمَ المُسْلِمُونَ أنَّ ما عَلَيْهِ أهْلُ النِّفاقِ مِنَ النِّعْمَةِ إنَّما هو إمْلاءٌ وإنْ طالَ كَما قالَ تَعالى ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران: ١٩٧] * * * (ص-٢٩٥)﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ يَتَعَيَّنُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ ويَمُدُّ فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ المَدَدِ وهو الزِّيادَةُ، يُقالُ مَدَّهُ إذا زادَهُ وهو الأصْلُ في الِاشْتِقاقِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى الهَمْزَةِ لِأنَّهُ مُتَعَدٍّ، ودَلِيلُهُ أنَّهم ضَمُّوا العَيْنَ في المُضارِعِ عَلى قِياسِ المُضاعَفِ المُتَعَدِّي، وقَدْ يَقُولُونَ: (أمَدَّهُ) بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ عَلى تَقْدِيرِ: جَعَلَهُ ذا مَدَدٍ ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمالُ مَدَّ في الزِّيادَةِ في ذاتِ المَفْعُولِ نَحْوُ مَدَّ لَهُ في عُمُرِهِ، ومَدَّ الأرْضَ أيْ مَطَّطَها وأطالَها، وغَلَبَ اسْتِعْمالُ أمَدَّ المَهْمُوزِ في الزِّيادَةِ لِلْمَفْعُولِ مِن أشْياءَ يَحْتاجُها نَحْوُ أمَدَّهُ بِجَيْشٍ ﴿أمَدَّكم بِأنْعامٍ وبَنِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٣] وإنَّما اسْتُعْمِلَ هَذا في مَوْضِعِ الآخَرِ عَلى الأصْلِ فَلِذَلِكَ قِيلَ: لا فَرْقَ بَيْنَهُما في الِاسْتِعْمالِ، وقِيلَ: يَخْتَصُّ أمَدَّ المَهْمُوزُ بِالخَيْرِ نَحْوُ ﴿أتُمِدُّونَنِي بِمالٍ﴾ [النمل: ٣٦] ﴿أنَّما نُمِدُّهم بِهِ مِن مالٍ﴾ [المؤمنون: ٥٥]، ويَخْتَصُّ مَدَّ بِغَيْرِ الخَيْرِ ونُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ في كِتابِ الحُجَّةِ، ونَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ، إلّا المُعَدّى بِاللّامِ فَإنَّهُ خاصٌّ بِالزِّيادَةِ في العُمُرِ والإمْهالِ فِيهِ عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ وغَيْرِهِ - خِلافًا لِبَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ - فاسْتَغْنَوْا بِذِكْرِ اللّامِ المُؤْذِنَةِ بِأنَّ ذَلِكَ لِلنَّفْعِ ولِلْأجَلِ بِسُكُونِ الجِيمِ عَنِ التَّفْرِقَةِ بِالهَمْزِ رُجُوعًا لِلْأصْلِ لِئَلّا يَجْمَعُوا بَيْنَ ما يَقْتَضِي التَّعْدِيَةَ - وهو الهَمْزَةُ - وبَيْنَ ما يَقْتَضِي القُصُورَ - وهو لامُ الجَرِّ - وكُلُّ هَذا مِن تَأْثِيرِ الأمْثِلَةِ عَلى النّاظِرِينَ، وهي طَرِيقَةٌ لَهم في كَثِيرٍ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي يَتَفَرَّعُ مَعْناها الوَضْعِيُّ إلى مَعانٍ جُزْئِيَّةٍ لَهُ أوْ مُقَيَّدَةٍ أوْ مَجازِيَّةٍ أنْ يَخُصُّوا بَعْضَ لُغاتِهِ أوْ بَعْضَ أحْوالِهِ بِبَعْضِ تِلْكَ المَعانِي جَرْيًا وراءَ التَّنْصِيصِ في الكَلامِ ودَفْعِ اللَّبْسِ بِقَدْرِ الإمْكانِ. وهَذا مِن دَقائِقِ اسْتِعْمالِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، فَلا يُقالُ: إنَّ دَعْوى اخْتِصاصِ بَعْضِ الِاسْتِعْمالاتِ بِبَعْضِ المَعانِي هي دَعْوى اشْتِراكٍ أوْ دَعْوى مَجازٍ وكِلاهُما خِلافُ الأصْلِ كَما أوْرَدَ عَبْدُ الحَكِيمِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ - كَما عَلِمْتَ - اصْطِلاحٌ في الِاسْتِعْمالِ لا تَعَدُّدُ وضْعٍ ولا اسْتِعْمالٌ في غَيْرِ المَعْنى المَوْضُوعِ لَهُ، ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهم: فَرَقَ وفَرَّقَ، ووَعَدَ وأوْعَدَ، ونَشَدَ وأنْشَدَ، ونَزَّلَ المُضاعَفُ وأنْزَلَ، وقَوْلُهُمِ: العِثارُ مَصْدَرُ عَثَرَ إذْ أُرِيدَ بِالفِعْلِ الحَقِيقَةُ، والعُثُورُ مَصْدَرُ عَثَرَ إذْ أُرِيدَ بِالفِعْلِ المَجازُ وهو الِاطِّلاعُ، وقَدْ فَرَّقَتِ العَرَبُ في مَصادِرِ الفِعْلِ الواحِدِ وفي جُمُوعِ الِاسْمِ الواحِدِ لِاخْتِلافِ القُيُودِ. (ص-٢٩٦)وتَعْدِيَةُ فِعْلِ (يَمُدُّ) إلى ضَمِيرِهِمُ الدّالِّ عَلى أدَبٍ أوْ ذَوْقٍ - مَعَ أنَّ المَدَّ إنَّما يَتَعَدّى إلى الطُّغْيانِ - جاءَتْ عَلى طَرِيقَةِ الإجْمالِ الَّذِي يَعْقُبُهُ التَّفْصِيلُ لِيَتَمَكَّنَ التَّفْصِيلُ في ذِهْنِ السّامِعِ مِثْلُ طَرِيقَةِ بَدَلِ الِاشْتِمالِ، وجَعَلَ الزَّجّاجُ والواحِدِيُّ أصْلَهُ: ويَمُدُّ لَهم في طُغْيانِهِمْ، فَحَذَفَ لامَ الجَرِّ واتَّصَلَ الفِعْلُ بِالمَجْرُورِ عَلى طَرِيقَةِ نَزْعِ الخافِضِ ولَيْسَ بِذَلِكَ. والطُّغْيانُ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ الغُفْرانِ والشُّكْرانِ، وهو مُبالَغَةٌ في الطَّغْيِ وهو الإفْراطُ في الشَّرِّ والكِبْرِ، وتَعْلِيقُ فِعْلِ يَمُدُّهم هُنا بِضَمِيرِ الذَّواتِ تَعْلِيقٌ إجْمالِيٍّ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ ﴿فِي طُغْيانِهِمْ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى تَقْدِيرِ لامٍ مَحْذُوفَةٍ أيْ يَمُدُّ لَهم في طُغْيانِهِمْ أيْ يُمْهِلُهم، فَيَكُونُ نَحْوَ بَعْضِ ما فُسِّرَ بِهِ قَوْلُهُ ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ وهَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ والواحِدِيِّ وفِيهِ بُعْدٌ. والعَمَهُ انْطِماسُ البَصِيرَةِ وتَحَيُّرُ الرَّأْيِ، وفِعْلُهُ عَمِهَ فَهو عامِهٌ وأعْمَهُ. وإسْنادُ المَدِّ في الطُّغْيانِ إلى اللَّهِ تَعالى عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ”ويَمُدُّهم“ إسْنادُ خَلْقٍ وتَكْوِينٍ مَنُوطٍ بِأسْبابِ التَّكْوِينِ عَلى سُنَّةِ اللَّهِ تَعالى في حُصُولِ المُسَبَّباتِ عِنْدَ أسْبابِها. فالنِّفاقُ إذا دَخَلَ القُلُوبَ، كانَ مِن آثارِهِ أنْ لا يَنْقَطِعَ عَنْها، ولَمّا كانَ مِن شَأْنِ وصْفِ النِّفاقِ أنْ تُنْمِي عَنْهُ الرَّذائِلُ الَّتِي قَدَّمْنا بَيانَها كانَ تَكْوِينُها في نُفُوسِهِمْ مُتَوَلِّدًا مِن أسْبابٍ شَتّى في طِباعِهِمْ مُتَسَلْسِلًا مِنِ ارْتِباطِ المُسَبَّباتِ بِأسْبابِها وهي شَتّى ومُتَفَرِّعَةٌ، وذَلِكَ بِخُلُقٍ خاصٍّ بِهِمْ مُباشَرَةً، ولَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهم تَوْفِيقَهُ الَّذِي يَقْلَعُهم عَنْ تِلْكَ الجِبِلَّةِ بِمُحارَبَةِ نُفُوسِهِمْ، فَكانَ حِرْمانُهُ إيّاهُمُ التَّوْفِيقَ مُقْتَضِيًا اسْتِمْرارَ طُغْيانِهِمْ وتَزايُدَهُ بِالرُّسُوخِ، فَإسْنادُ ازْدِيادِهِ إلى اللَّهِ لِأنَّهُ خالِقُ النُّظُمِ الَّتِي هي أسْبابُ ازْدِيادِهِ، وهَذا يُعَدُّ مِنَ الحَقِيقَةِ العَقْلِيَّةِ الشّائِعَةِ ولَيْسَ مِنَ المَجازِ لِعَدَمِ مُلاحَظَةِ خَلْقِ الأسْبابِ بِحَسَبِ ما تَعارَفَهُ النّاسُ مِن إسْنادِ ما خَفِيَ فاعِلُهُ إلى اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ الخالِقُ لِلْأسْبابِ الأصْلِيَّةِ والجاعِلُ لِنَوامِيسِها بِكَيْفِيَّةٍ لا يَعْلَمُ النّاسُ سِرَّها ولا شاهَدُوا مَن تُسْنَدُ إلَيْهِ عَلى الحَقِيقَةِ غَيْرَهُ وهَذا بِخِلافِ نَحْوِ: بَنى الأمِيرُ المَدِينَةَ، لاسِيَّما بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالإسْنادِ إلَيْهِ في الكَلامِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلْبِناءِ عَلى عُرْفِ النّاسِ مَجالٌ، وهَذا بِخِلافِ نَحْوِ يَزِيدُكَ وجْهُهُ حُسْنًا وسَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ - وإنْ كانَ في الواقِعِ مِن فِعْلِ اللَّهِ تَعالى - إلّا أنَّهُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ في العُرْفِ، فَلِذَلِكَ قالَ الشَّيْخُ عَبْدُ القاهِرِ: إنَّهُ مِنَ المَجازِ الَّذِي لا حَقِيقَةَ لَهُ. (ص-٢٩٧)وإنَّما أضافَ الطُّغْيانَ لِضَمِيرِ المُنافِقِينَ ولَمْ يَقُلْ: في الطُّغْيانِ، بِتَعْرِيفِ الجِنْسِ كَما قالَ في سُورَةِ الأعْرافِ ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] إشارَةً إلى تَفْظِيعِ شَأْنِ هَذا الطُّغْيانِ وغَرابَتِهِ في بابِهِ وأنَّهُمُ اخْتَصُّوا بِهِ حَتّى صارَ يُعْرَفُ بِإضافَتِهِ إلَيْهِمْ. والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَمُدُّهم) . و(يَعْمَهُونَ) جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ.
Previous Ayah
Next Ayah