undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿ألا إنَّهم هُمُ المُفْسِدُونَ ولَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾
رَدٌّ عَلَيْهِمْ في غُرُورِهِمْ وحَصْرِهِمْ أنْفُسَهم في الصَّلاحِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقٍ مِن طُرُقِ القَصْرِ هو أبْلَغُ فِيهِ مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي قالُوهُ لِأنَّ تَعْرِيفَ المُسْنَدِ يُفِيدُ قَصْرَ المُسْنَدِ عَلى المُسْنَدِ إلَيْهِ فَيُفِيدُ قَوْلُهُ ﴿ألا إنَّهم هُمُ المُفْسِدُونَ﴾ قَصْرَ الإفْسادِ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ لا يُوجَدُ في غَيْرِهِمْ وذَلِكَ يَنْفِي حَصْرَهم أنْفُسَهم في الإصْلاحِ ويَنْقُضُهُ وهو جارٍ عَلى قانُونِ النَّقْضِ وعَلى أُسْلُوبِ القَصْرِ الحاصِلِ بِتَعْرِيفِ الجِنْسِ وإنْ كانَ الرَّدُّ قَدْ يَكْفِي فِيهِ أنْ يُقالَ إنَّهم مُفْسِدُونَ بِدُونِ صِيغَةِ قَصْرٍ، إلّا أنَّهُ (ص-٢٨٦)قَصَرَ لِيُفِيدَ ادِّعاءَ نَفْيِ الإفْسادِ عَنْ غَيْرِهِمْ. وقَدْ يُفِيدُ ذَلِكَ أنَّ المُنافِقِينَ لَيْسُوا مِمَّنْ يَنْتَظِمُ في عِدادِ المُصْلِحِينَ لِأنَّ شَأْنَ المُفْسِدِ عُرْفًا أنْ لا يَكُونَ مُصْلِحًا إذِ الإفْسادُ هَيِّنُ الحُصُولِ وإنَّما يَصُدُّ عَنْهُ الوازِعُ فَإذا خَلَعَ المَرْءُ عَنْهُ الوازِعَ وأخَذَ في الإفْسادِ هانَ عَلَيْهِ الإفْسادُ ثُمَّ تَكَرَّرَ حَتّى يُصْبِحَ سَجِيَّةً ودَأْبًا لا يَكادُ يُفارِقُ مَوْصُوفَهُ.
وحَرْفُ ألا لِلتَّنْبِيهِ إعْلانًا لِوَصْفِهِمْ بِالإفْسادِ.
وقَدْ أكَّدَ قَصْرَ الفَسادِ عَلَيْهِمْ بِضَمِيرِ الفَصْلِ أيْضًا - كَما أكَّدَ بِهِ القَصْرَ في قَوْلِهِ ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] كَما تَقَدَّمَ قَرِيبًا ودُخُولُ (إنَّ) عَلى الجُمْلَةِ وقَرْنُها بِألا المُفِيدَةِ لِلتَّنْبِيهِ وذَلِكَ مِنَ الِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ وتَقْوِيَتِهِ دَلالَةً عَلى سَخَطِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ فَإنَّ أدَواتِ الِاسْتِفْتاحِ مِثْلَ: ”ألا“، ”وأما“ لَمّا كانَ شَأْنُها أنْ يُنَبَّهَ بِها السّامِعُونَ دَلَّتْ عَلى الِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ وإشاعَتِهِ وإعْلانِهِ، فَلا جَرَمَ أنْ تَدُلَّ عَلى أبْلَغِيَّةِ ما تَضَمَّنَهُ الخَبَرُ مِن مَدْحٍ أوْ ذَمٍّ أوْ غَيْرِهِما، ويَدُلُّ ذَلِكَ أيْضًا عَلى كَمالِ ظُهُورِ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ لِلْعِيانِ لِأنَّ أدَواتِ التَّنْبِيهِ شارَكَتْ أسْماءَ الإشارَةِ في تَنْبِيهِ المُخاطَبِ.
وقَوْلُهُ ﴿ولَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ مَحْمَلُهُ مَحْمَلُ قَوْلِهِ تَعالى قَبْلَهُ (﴿وما يُخادِعُونَ إلّا أنْفُسَهم وما يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩]) فَإنَّ أفْعالَهُمُ الَّتِي يَبْتَهِجُونَ بِها ويَزْعُمُونَها مُنْتَهى الحِذْقِ والفِطْنَةِ وخِدْمَةِ المَصْلَحَةِ الخالِصَةِ آيِلَةٌ إلى فَسادٍ عامٍّ لا مَحالَةَ إلّا أنَّهم لَمْ يَهْتَدُوا إلى ذَلِكَ لِخَفائِهِ ولِلْغِشاوَةِ الَّتِي أُلْقِيَتْ عَلى قُلُوبِهِمْ مِن أثَرِ النِّفاقِ ومُخالَطَةِ عُظَماءِ أهْلِهِ، فَإنَّ حالَ القَرِينِ وسَخافَةَ المَذْهَبِ تَطْمِسُ عَلى العُقُولِ النَّيِّرَةِ وتَخِفُّ بِالأحْلامِ الرّاجِحَةِ حَتّى تَرى حَسَنًا ما لَيْسَ بِالحَسَنِ. ومَوْقِعُ حَرْفِ الِاسْتِدْراكِ هُنا لِأنَّ الكَلامَ دَفْعٌ لِما أثْبَتُوهُ لِأنْفُسِهِمْ مِنَ الخُلُوصِ لِلْإصْلاحِ، فَرَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِحَرْفِ الِاسْتِدْراكِ.