You are reading a tafsir for the group of verses 28:5 to 28:6
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ ونَجْعَلَهم أيِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ ﴿ونُمَكِّنَ لَهم في الأرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنهم ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ عَطَفَ جُمْلَةَ ”ونُرِيدُ“ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ﴾ [القصص: ٤] لِمُناسَبَةِ ما في تِلْكَ الجُمْلَةِ مِن نَبَإ تَذْبِيحِ الأبْناءِ واسْتِحْياءِ النِّساءِ، فَذَلِكَ مِن عُلُوِّ فِرْعَوْنَ في الأرْضِ وهو بَيانٌ لِنَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ فَإنَّ إرادَةَ اللَّهِ الخَيْرَ بِالَّذِينَ اسْتَضْعَفَهم فِرْعَوْنُ مِن تَمامِ نَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ، وهو مَوْقِعُ عِبْرَةٍ عَظِيمَةٍ مِن عِبَرِ هَذِهِ القِصَّةِ. وجِيءَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ في حِكايَةِ إرادَةٍ مَضَتْ لِاسْتِحْضارِ ذَلِكَ الوَقْتِ كَأنَّهُ في الحالِ؛ لِأنَّ المَعْنى أنَّ فِرْعَوْنَ يَطْغى عَلَيْهِمْ واللَّهُ يُرِيدُ في ذَلِكَ الوَقْتِ إبْطالَ عَمَلِهِ وجَعْلَهم أُمَّةً عَظِيمَةً؛ ولِذَلِكَ جازَ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ونُرِيدُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ يَسْتَضْعِفُ بِاعْتِبارِ أنَّ تِلْكَ الإرادَةَ مُقارَنَةٌ لِوَقْتِ اسْتِضْعافِ فِرْعَوْنَ إيّاهم. فالمَعْنى عَلى الِاحْتِمالَيْنِ: ونَحْنُ حِينَئِذٍ مُرِيدُونَ أنْ نُنْعِمَ في زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا. والمَنُّ: الإنْعامُ، وجاءَ مُضارِعُهُ مَضْمُومَ العَيْنِ عَلى خِلافِ القِياسِ. و﴿الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ﴾ هُمُ الطّائِفَةُ الَّتِي اسْتَضْعَفَها فِرْعَوْنُ. والأرْضُ هِي الأرْضُ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ﴾ [القصص: ٤] . ونُكْتَةُ إظْهارِ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا دُونَ إيرادِ ضَمِيرِ الطّائِفَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى ما في الصِّلَةِ مِنَ التَّعْلِيلِ فَإنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ لِعِبادِهِ، ويَنْصُرُ المُسْتَضْعَفِينَ المَظْلُومِينَ الَّذِينَ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. (ص-٧١)وخَصَّ بِالذِّكْرِ مِنَ المَنِّ أرْبَعَةَ أشْياءَ عُطِفَتْ عَلى فِعْلِ نَمُنَّ عَطْفَ الخاصِّ عَلى العامِّ وهي: جَعْلُهم أيِمَّةً، وجَعْلُهُمُ الوارِثِينَ، والتَّمْكِينُ لَهم في الأرْضِ، وأنْ يَكُونَ زَوالُ مُلْكِ فِرْعَوْنَ عَلى أيْدِيهِمْ في نِعَمٍ أُخْرى جَمَّةٍ، ذُكِرَ كَثِيرٌ مِنها في سُورَةِ البَقَرَةِ. فَأمّا جَعْلُهم أيِمَّةً فَذَلِكَ بِأنْ أخْرَجَهم مِن ذُلِّ العُبُودِيَّةِ وجَعَلَهم أُمَّةً حُرَّةً مالِكَةً أمْرَ نَفْسِها لَها شَرِيعَةٌ عادِلَةٌ وقانُونُ مُعامَلاتِها وقُوَّةٌ تَدْفَعُ بِها أعْداءَها ومَمْلَكَةٌ خالِصَةٌ لَها وحَضارَةٌ كامِلَةٌ تَفُوقُ حَضارَةَ جِيرَتِها بِحَيْثُ تَصِيرُ قُدْوَةً لِلْأُمَمِ في شُئُونِ الكَمالِ وطَلَبِ الهَناءِ، فَهَذا مَعْنى جَعْلِهِمْ أيِمَّةً، أيْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهم ويَدْعُونَ النّاسَ إلى الخَيْرِ وناهِيكَ بِما بَلَغَهُ مَلِكُ إسْرائِيلَ في عَهْدِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وأمّا جَعْلُهُمُ الوارِثِينَ فَهو أنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ دِيارَ قَوْمٍ آخَرِينَ ويُحَكِّمَهم فِيهِمْ، فالإرْثُ مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في خِلافَةِ أُمَمٍ أُخْرى. فالتَّعْرِيفُ في الوارِثِينَ تَعْرِيفُ الجِنْسِ المُفِيدُ أنَّهم أهْلُ الإرْثِ الخاصِّ وهو إرْثُ السُّلْطَةِ في الأرْضِ بَعْدَ مَن كانَ قَبْلَهم مَن أهْلِ السُّلْطانِ، فَإنَّ اللَّهَ أوْرَثَهم أرْضَ الكَنْعانِيِّينَ والحَيْثِيِّينَ والأمُورِيِّينَ والآرامِيِّينَ، وأحَلَّهم مَحَلَّهم عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ العَظَمَةِ حَتّى كانُوا يُعْرَفُونَ بِالجَبابِرَةِ قالَ تَعالى ﴿قالُوا يا مُوسى إنَّ فِيها قَوْمًا جَبّارِينَ﴾ [المائدة: ٢٢] . والتَّمْكِينُ لَهم في الأرْضِ تَثْبِيتُ سُلْطانِهِمْ فِيما مَلَكُوهُ مِنها وهي أرْضُ الشّامِ إنْ كانَتِ اللّامُ عِوَضًا عَنِ المُضافِ إلَيْهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى تَقْوِيَتَهم بَيْنَ أُمَمِ الأرْضِ إنْ حُمِلَ التَّعْرِيفُ عَلى جِنْسِ الأرْضِ المُنْحَصِرِ في فَرْدٍ، أوْ عَلى العَهْدِ، أيِ الأرْضِ المَعْهُودَةِ لِلنّاسِ. وأصْلُ التَّمْكِينِ: الجَعْلُ في المَكانِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنّا مَكَّنّا لَهُ في الأرْضِ﴾ [الكهف: ٨٤] في سُورَةِ الكَهْفِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى اشْتِقاقِ التَّمْكِينِ وتَصارِيفِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿مَكَّنّاهم في الأرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ [الأنعام: ٦] في سُورَةِ الأنْعامِ. و﴿ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ هو زَوالُ مُلْكِهِمْ بِسَبَبِ رَجُلٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ حَسْبَما أنْذَرَهُ بِذَلِكَ الكُهّانُ. (ص-٧٢)ومَعْنى إراءَتِهِمْ ذَلِكَ إراءَتُهم مُقَدِّماتِهِ وأسْبابَهُ. وفِرْعَوْنُ الَّذِي أُرِيَ ذَلِكَ هو مَلِكُ مِصْرَ (مِنفَتاحُ) الثّالِثُ وهو الَّذِي حَكَمَ مِصْرَ بَعْدَ (رَعْمَسِيسَ) الثّانِي الَّذِي كانَتْ وِلادَةُ مُوسى في زَمانِهِ وهو الَّذِي كانَ يَحْذَرُ ظُهُورَ رَجُلٍ مِن إسْرائِيلَ يَكُونُ لَهُ شَأْنٌ. و(هامانُ) قالَ المُفَسِّرُونَ: هو وزِيرُ فِرْعَوْنَ. وظاهِرُ آياتِ هَذِهِ السُّورَةِ يَقْتَضِي أنَّهُ وزِيرُ فِرْعَوْنَ وأحْسَبُ أنْ هامانَ لَيْسَ باسِمِ عَلَمٍ ولَكِنَّهُ لَقَبُ خِطَّةٍ مِثْلُ فِرْعَوْنَ وكِسْرى وقَيْصَرَ ونَجاشِيٍّ. فالظّاهِرُ أنْ هامانَ لَقَبُ وزِيرِ المَلِكِ في مِصْرَ في ذَلِكَ العَصْرِ. وجاءَ في كِتابِ أسْتِيرَ مِن كُتُبِ اليَهُودِ المُلْحَقَةِ بِالتَّوْراةِ تَسْمِيَةُ وزِيرِ (أحْشُو يَرُوشَ) مِلْكِ الفُرْسِ (هامانُ) فَظَنُّوهُ عَلَمًا فَزَعَمُوا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ وزِيرٌ اسْمُهُ هامانُ واتَّخَذُوا هَذا الظَّنَّ مَطْعَنًا في هَذِهِ الآيَةِ. وهَذا اشْتِباهٌ مِنهم فَإنَّ الأعْلامَ لا تَنْحَصِرُ وكَذَلِكَ ألْقابُ الوِلاياتِ قَدْ تَشْتَرِكُ بَيْنَ أُمَمٍ وخاصَّةً الأُمَمَ المُتَجاوِرَةَ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ هامانُ عَلَمًا مِنَ الأمانِ فَإنَّ الأعْلامَ تَتَكَرَّرُ في الأُمَمِ والعُصُورِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ لَقَبَ خِطَّةٍ في مِصْرَ فَنَقَلَ اليَهُودُ هَذا اللَّقَبَ إلى بِلادِ الفُرْسِ في مُدَّةِ أسْرِهِمْ. ويُشْبِهُ هَذا الطَّعْنَ طَعْنُ بَعْضِ المُسْتَشْرِقِينَ مِن نَصارى العَصْرِ في قَوْلِهِ تَعالى في شَأْنِ مَرْيَمَ حِينَ حَكى قَوْلَ أهْلِها لَها ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] فَقالُوا: هَذا وهَمٌ انْجَرَّ مِن كَوْنِ أبِي مَرْيَمَ اسْمُهُ عِمْرانُ فَتَوَهَّمَ أنَّ عِمْرانَ هو أبُو مُوسى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وتَبِعَ ذَلِكَ تَوَهُّمُ أنَّ مَرْيَمَ أُخْتُ مُوسى وهارُونَ وهو مُجازَفَةٌ فَإنَّ النَّصارى لا يَعْرِفُونَ اسْمَ أبِي مَرْيَمَ وهَلْ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ مُسَمًّى عَلى اسْمِ أبِي مُوسى وهارُونَ وهَلْ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ لِمَرْيَمَ أخٌ اسْمُهُ هارُونُ. وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى ذَلِكَ في سُورَةِ مَرْيَمَ. والجُنُودُ جَمْعُ الجُنْدِ. ويُطْلِقُ الجُنْدُ عَلى الأُمَّةِ قالَ تَعالى ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ﴾ [البروج: ١٧] ﴿فِرْعَوْنَ وثَمُودَ﴾ [البروج: ١٨] . وقَرَأ الجُمْهُورُ ونُرِيَ بِنُونِ العَظَمَةِ ونَصْبِ الفِعْلِ ونَصْبِ فِرْعَوْنَ وما عُطِفَ عَلَيْهِ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ (ويَرى) بِياءِ الغائِبِ مَفْتُوحَةً وفَتْحِ الرّاءِ عَلى أنَّهُ مُضارِعُ رَأى ورَفْعِ ”فِرْعَوْنُ“ وما عُطِفَ عَلَيْهِ. ومَآلُ مَعْنى القِراءَتَيْنِ واحِدٌ. (ص-٧٣)والجُنْدُ اسْمُ جَمْعٍ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ: هو الجَماعَةُ مِنَ النّاسِ الَّتِي تَجْتَمِعُ عَلى أمْرٍ تَتَّبِعُهُ، فَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلى العَسْكَرِ؛ لِأنَّ عَمَلَهم واحِدٌ وهو خِدْمَةُ أمِيرِهِمْ وطاعَتُهُ.