undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ إعادَةُ ”قالَ“ أفادَ تَأْكِيدًا لَفِعْلِ ”﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [القصص: ١٦]“ . أُعِيدَ القَوْلُ لِلتَّنْبِيهِ عَلى اتِّصالِ كَلامِ مُوسى حَيْثُ وقَعَ الفَصْلُ بَيْنَهُ بِجُمْلَتَيْ ”﴿فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٦]“ . ونَظْمُ الكَلامِ: قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي، رَبِّ بِما أنْعَمْتَ فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ، ولَيْسَ قَوْلُهُ قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ مُسْتَأْنَفًا عَنْ قَوْلِهِ فَغَفَرَ لَهُ؛ لِأنَّ مُوسى لَمْ يَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ إذْ لَمْ يَكُنْ يُوحى إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ. والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ في ”﴿بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾“ و”ما“ مَوْصُولَةٌ. وحُذِفَ العائِدُ مِنَ الصِّلَةِ؛ لِأنَّهُ ضَمِيرٌ مَجْرُورٌ بِمِثْلِ ما جُرَّ بِهِ المَوْصُولُ، والحَذْفُ في مِثْلِهِ كَثِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: بِالَّذِي أنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ ”ما“ مَصْدَرِيَّةً وماصَدَقَ الإنْعامِ عَلَيْهِ، هو ما أُوتِيَهُ مِنَ الحِكْمَةِ والعِلْمِ فَتَمَيَّزَتْ عِنْدَهُ الحَقائِقُ، ولَمْ يَبْقَ لِلْعَوائِدِ والتَّقالِيدِ تَأْثِيرٌ عَلى شُعُورِهِ. فَأصْبَحَ لا يَنْظُرُ الأشْياءَ إلّا بِعَيْنِ الحَقِيقَةِ، ومِن ذَلِكَ أنْ لا يَكُونَ ظَهِيرًا وعَوْنًا لِلْمُجْرِمِينَ. وأرادَ مَن يُتَوَسَّمُ مِنهُمُ الإجْرامُ، وأرادَ بِهِمُ الَّذِينَ يَسْتَذِلُّونَ النّاسَ ويَظْلِمُونَهم؛ لِأنَّ القِبْطِيَّ أذَلَّ الإسْرائِيلِيَّ بِغَصْبِهِ عَلى تَحْمِيلِهِ الحَطَبَ دُونَ رِضاهُ. ولَعَلَّ هَذا الكَلامَ ساقَهُ مَساقَ الِاعْتِبارِ عَنْ قَتْلِهِ القِبْطِيَّ وُثُوقًا بِأنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً. واقْتِرانُ جُمْلَةِ ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ بِالفاءِ؛ لِأنَّ المَوْصُولَ كَثِيرًا ما (ص-٩٣)يُعامَلُ مُعامَلَةَ اسْمِ الشَّرْطِ فَيَقْتَرِنُ خَبَرُهُ ومُتَعَلِّقُهُ بِالفاءِ تَشْبِيهًا لَهُ بِجَزاءِ الشَّرْطِ، وخاصَّةً إذا كانَ المَوْصُولُ مَجْرُورًا مُقَدَّمًا، فَإنَّ المَجْرُورَ المُقَدَّمَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ مَعْنى الشَّرْطِيَّةِ فَيُعامَلُ مُعامَلَةَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ في الحَدِيثِ «كَما تَكُونُوا يُوَلَّ عَلَيْكم» بِجَزْمِ تَكُونُوا وإعْطائِهِ جَوابًا مَجْزُومًا. والظَّهِيرُ: النَّصِيرُ. وقَدْ دَلَّ هَذا النَّظْمُ عَلى أنَّ مُوسى أرادَ أنْ يَجْعَلَ عَدَمَ مُظاهَرَتِهِ لِلْمُجْرِمِينَ جَزاءً عَلى نِعْمَةِ الحِكْمَةِ، والعِلْمِ بِأنْ جَعَلَ شُكْرَ تِلْكَ النِّعْمَةِ الِانْتِصارَ لِلْحَقِّ وتَغْيِيرَ الباطِلِ؛ لِأنَّهُ إذا لَمْ يُغَيِّرِ الباطِلَ والمُنْكَرَ وأقَرَّهُما فَقَدْ صانَعَ فاعِلَهُما، والمُصانَعَةُ مُظاهَرَةٌ. ومِمّا يُؤَيِّدُ هَذا التَّفْسِيرَ أنَّ مُوسى لَمّا أصْبَحَ مِنَ الغَدِ فَوَجَدَ الرَّجُلَ الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ في أمْسِهِ يَسْتَصْرِخُهُ عَلى قِبْطِيٍّ آخَرَ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالقِبْطِيِّ، وفاءً بِوَعْدِهِ رَبَّهُ إذْ قالَ ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾؛ لِأنَّ القِبْطِيَّ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ والإسْرائِيلِيَّ مُوَحِّدٌ. وقَدْ جَعَلَ جُمْهُورٌ مِنَ السَّلَفِ هَذِهِ الآيَةَ حُجَّةً عَلى مَنعِ إعانَةِ أهْلِ الجَوْرِ في شَيْءٍ مِن أُمُورِهِمْ. ولَعَلَّ وجْهَ الِاحْتِجاجِ بِها أنَّ اللَّهَ حَكاها عَنْ مُوسى في مَعْرِضِ التَّنْوِيهِ بِهِ فاقْتَضى ذَلِكَ أنَّهُ مِنَ القَوْلِ الحَقِّ.