You are reading a tafsir for the group of verses 27:38 to 27:40
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
(ص-٢٧٠)﴿قالَ يا أيُّها المَلَأُ أيُّكم يَأْتِنِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ﴿قالَ عِفْريتٌ مِنَ الجِنِّ أنا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ وإنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أمِينٌ﴾ ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيَ أأشْكُرُ أمْ أكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ . اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِذِكْرِ بَعْضِ أجْزاءِ القِصَّةِ طُوِيَ خَبَرُ رُجُوعِ الرُّسُلِ والهَدِيَّةِ، وعَلِمَ سُلَيْمانُ أنَّ مَلِكَةَ سَبَأٍ لا يَسَعُها إلّا طاعَتُهُ ومَجِيئُها إلَيْهِ، أوْ ورَدَ لَهُ مِنها أنَّها عَزَمَتْ عَلى الحُضُورِ عِنْدَهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ (وأْتُونِي مُسْلِمِينَ) . ثُمَّ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سُلَيْمانُ قالَ ذَلِكَ بَعْدَ أنْ حَطَّتْ رِحالُ المَلِكَةِ في مَدِينَةِ أُورْشَلِيمَ وقَبْلَ أنْ تَتَهَيَّأ لِلدُّخُولِ عَلى المَلِكِ، أوْ حِينَ جاءَهُ الخَبَرُ بِأنَّها شارَفَتِ المَدِينَةَ فَأرادَ أنْ يُحْضِرَ لَها عَرْشَها قَبْلَ أنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ لِيُرِيَها مَقْدِرَةَ أهْلِ دَوْلَتِهِ. وقَدْ يَكُونُ عَرْشُها مَحْمُولًا مَعَها في رِحالِها جاءَتْ بِهِ مَعَها لِتَجْلِسَ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أنْ لا يُهَيِّئَ لَها سُلَيْمانُ عَرْشًا، فَإنَّ لِلْمُلُوكِ تَقادِيرَ وظُنُونًا يَحْتَرِزُونَ مِنها خَشْيَةَ الغَضاضَةِ. وقَوْلُهُ (آتِيكَ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فِعْلًا مُضارِعًا مِن أتى، وأنْ يَكُونَ اسْمَ فاعِلٍ مِنهُ، والباءُ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ. ولَمّا عَلِمَ سُلَيْمانُ بِأنَّها سَتَحْضُرُ عِنْدَهُ أرادَ أنْ يَبْهَتَها بِإحْضارِ عَرْشِها الَّذِي تَفْتَخِرُ بِهِ وتَعُدُّهُ نادِرَةَ الدُّنْيا، فَخاطَبَ مَلَأهُ لِيَظْهَرَ مِنهم مُنْتَهى عِلْمِهِمْ وقُوَّتِهِمْ، فالباءُ في (بِعَرْشِها) كالباءِ في قَوْلِهِ: (﴿فَلَنَأْتِيَنَّهم بِجُنُودٍ﴾ [النمل: ٣٧]) تَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ. وجُمْلَةُ (قالَ يا أيُّها المَلَأُ) مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِداءً لِجُزْءٍ مِن قِصَّةٍ. وجُمْلَةُ (قالَ عِفْرِيتٌ) واقِعَةٌ مَوْقِعَ جَوابِ المُحاوَرَةِ فَفُصِلَتْ عَلى أُسْلُوبِ المُحاوَراتِ كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وجُمْلَةُ (﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾) أيْضًا جَوابُ مُحاوَرَةٍ. ومَعْنى (عِفْرِيتٌ) حَسْبَما يُسْتَخْلَصُ مِن مُخْتَلَفِ كَلِماتِ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّهُ اسْمٌ (ص-٢٧١)لِلشَّدِيدِ الَّذِي لا يُصابُ ولا يُنالُ، فَهو يُتَّقى لِشَرِّهِ. وأصْلُهُ اسْمٌ لِعُتاةِ الجِنِّ، ويُوصَفُ بِهِ النّاسُ عَلى مَعْنى التَّشْبِيهِ. و﴿الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾ رَجُلٌ مِن أهْلِ الحِكْمَةِ مِن حاشِيَةِ سُلَيْمانَ. و(مِن) في قَوْلِهِ (مِنَ الكِتابِ) ابْتِدائِيَّةٌ، أيْ: عِنْدَهُ عِلْمٌ مُكْتَسَبٌ مِنَ الكُتُبِ، أيْ: مِنَ الحِكْمَةِ، ولَيْسَ المُرادُ بِالكِتابِ التَّوْراةَ. وقَدْ عَدَّ في سِفْرِ المُلُوكِ الأوَّلِ في الإصْحاحِ الرّابِعِ أحَدَ عَشَرَ رَجُلًا أهْلَ خاصَّةِ سُلَيْمانَ بِأسْمائِهِمْ، وذَكَرَ أهْلُ التَّفْسِيرِ والقَصَصِ أنَّ (﴿الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾) هو (آصَفُ بْنُ بَرْخِيا) وأنَّهُ كانَ وزِيرَ سُلَيْمانَ. وارْتِدادُ الطَّرْفِ حَقِيقَتُهُ: رُجُوعُ تَحْدِيقِ العَيْنِ مِن جِهَةٍ مَنظُورَةٍ تَحَوَّلَ عَنْها لَحْظَةً. وعَبَّرَ عَنْهُ بِالِارْتِدادِ؛ لِأنَّهم يُعَبِّرُونَ عَنِ النَّظَرِ بِإرْسالِ الطَّرْفِ وإرْسالِ النَّظَرِ فَكانَ الِارْتِدادُ اسْتِعارَةً مَبْنِيَّةً عَلى ذَلِكَ. وهَذِهِ المُناظَرَةُ بَيْنَ العِفْرِيتِ مِنَ الجِنِّ والَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ تَرْمُزُ إلى أنَّهُ يَتَأتّى بِالحِكْمَةِ والعِلْمِ ما لا يَتَأتّى بِالقُوَّةِ، وأنَّ الحِكْمَةَ مُكْتَسَبَةٌ لِقَوْلِهِ (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ)، وأنَّ قُوَّةَ العَناصِرِ طَبِيعَةٌ فِيها، وأنَّ الِاكْتِسابَ بِالعِلْمِ طَرِيقٌ لِاسْتِخْدامِ القُوى الَّتِي لا تَسْتَطِيعُ اسْتِخْدامَ بَعْضِها بَعْضًا. فَذُكِرَ في هَذِهِ القِصَّةِ مَثَلًا لِتَغَلُّبِ العِلْمِ عَلى القُوَّةِ. ولَمّا كانَ هَذانِ الرَّجُلانِ مُسَخَّرَيْنِ لِسُلَيْمانَ كانَ ما اخْتُصّا بِهِ مِنَ المَعْرِفَةِ مَزِيَّةً لَهُما تَرْجِعُ إلى فَضْلِ سُلَيْمانَ وكَرامَتِهِ أنْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ هَذِهِ القُوى. ومَقامُ نُبُوَّتِهِ يَتَرَفَّعُ عَنْ أنْ يُباشِرَ بِنَفْسِهِ الإتْيانَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: (﴿قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾) وقَوْلَهُ: (﴿قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾) مَثَلانِ في السُّرْعَةِ والأسْرَعِيَّةِ، والضَّمِيرُ البارِزُ في (رَآهُ) يَعُودُ إلى العَرْشِ. والِاسْتِقْرارُ: التَّمَكُّنُ في الأرْضِ وهو مُبالَغَةٌ في القَرارِ. وهَذا اسْتِقْرارٌ خاصٌّ هو غَيْرُ الِاسْتِقْرارِ العامِّ المُرادِفِ لِلْكَوْنِ، وهو الِاسْتِقْرارُ الَّذِي يُقَدَّرُ في الإخْبارِ عَنِ المُبْتَدَأِ بِالظَّرْفِ والمَجْرُورِ لِيَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِما إذا وقَعا خَبَرًا أوْ وقَعا حالًا إذْ يُقَدَّرُ (ص-٢٧٢)(كائِنٌ) أوْ (مُسْتَقِرٌّ) فَإنَّ ذَلِكَ الِاسْتِقْرارَ لَيْسَ شَأْنُهُ أنْ يُصَرَّحَ بِهِ. وابْنُ عَطِيَّةَ جَعَلَهُ في الآيَةِ مِن إظْهارِ المُقَدَّرِ وهو بَعِيدٌ. ولَمّا ذَكَرَ الفَضْلَ إضافَةً إلى اللَّهِ بِعُنْوانِ كَوْنِهِ رَبَّهُ لِإظْهارِ أنَّ فَضْلَهُ عَلَيْهِ عَظِيمٌ إذْ هو عَبْدُ رَبِّهِ. فَلَيْسَ إحْسانُ اللَّهِ إلَيْهِ إلّا فَضْلًا مَحْضًا ولَمْ يَشْتَغِلْ سُلَيْمانُ حِينَ أُحْضِرَ لَهُ العَرْشُ بِأنْ يَبْتَهِجَ بِسُلْطانِهِ ولا بِمَقْدِرَةِ رِجالِهِ، ولَكِنَّهُ انْصَرَفَ إلى شُكْرِ اللَّهِ تَعالى عَلى ما مَنَحَهُ مِن فَضْلٍ وأعْطاهُ مِن جُنْدٍ مُسَخَّرِينَ بِالعِلْمِ والقُوَّةِ، فَمَزايا جَمِيعِهِمْ وفَضْلِهِمْ راجِعٌ إلى تَفْضِيلِهِ. وضَرَبَ حِكْمَةً خُلُقِيَّةً دِينِيَّةً وهي ﴿ومَن شَكَرَ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾؛ فَكُلٌّ مُتَقَرِّبٌ إلى اللَّهِ بِعَمَلٍ صالِحٍ يَجِبُ أنْ يَسْتَحْضِرَ أنَّ عَمَلَهُ إنَّما هو لِنَفْسِهِ يَرْجُو بِهِ ثَوابَ اللَّهِ ورِضاهُ في الآخِرَةِ، ويَرْجُو دَوامَ التَّفَضُّلِ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ في الدُّنْيا، فالنَّفْعُ حاصِلٌ لَهُ في الدّارَيْنِ ولا يَنْتَفِعُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ. فاللّامُ في قَوْلِهِ: (يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لامُ الأجْلِ ولَيْسَتِ اللّامَ الَّتِي يُعَدّى بِها فِعْلُ الشُّكْرِ في نَحْوِ (واشْكُرُوا لِي) . والمُرادُ بِ (مَن كَفَرَ) مَن كَفَرَ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِأنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ، فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِهِ وهو كَرِيمٌ في إمْهالِهِ ورِزْقِهِ في هَذِهِ الدُّنْيا. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيما تَقَدَّمَ: ﴿قالَ رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ [الأحقاف: ١٥] . والعُدُولُ عَنِ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ دُونَ أنْ يَقُولَ: فَإنَّهُ غَنِيٌّ كَرِيمٌ، تَأْكِيدٌ لِلِاعْتِرافِ بِتَمَحُّضِ الفَضْلِ المُسْتَفادِ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَضْلِ رَبِّي﴾ .