You are reading a tafsir for the group of verses 27:20 to 27:21
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
(ص-٢٤٥)﴿وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِي لا أرى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِينَ﴾ ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أوْ لَأذْبَحَنَّهُ أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ . صِيغَةُ التَّفَعُّلِ تَدُلُّ عَلى التَّكَلُّفِ، والتَّكَلُّفُ: الطَّلَبُ. واشْتِقاقُ (تَفَقَّدَ) مِنَ الفَقْدِ يَقْتَضِي أنَّ (تَفَقَّدَ) بِمَعْنى طَلَبِ الفَقْدِ. ولَكِنَّهم تَوَسَّعُوا فِيهِ فَأطْلَقُوهُ عَلى طَلَبِ مَعْرِفَةِ سَبَبِ الفَقْدِ، أيْ: مَعْرِفَةُ ما أحْدَثَهُ الفَقْدُ في شَيْءٍ، فالتَّفَقُّدُ: البَحْثُ عَنِ الفَقْدِ لَيَعْرِفَ بِذَلِكَ أنَّ الشَّيْءَ لَمْ يَنْقُصْ وكانَ الطَّيْرُ مِن جُمْلَةِ الجُنْدِ؛ لِأنَّ كَثِيرًا مِنَ الطَّيْرِ صالِحٌ لِلِانْتِفاعِ بِهِ في أُمُورِ الجُنْدِ فَمِنهُ الحَمامُ الزّاجِلُ، ومِنهُ الهُدْهُدُ أيْضًا لِمَعْرِفَةِ الماءِ، ومِنهُ البُزاةُ والصُّقُورُ لِصَيْدِ المَلِكِ وجُنْدِهِ، ولِجَلْبِ الطَّعامِ لِلْجُنْدِ مِنَ الصَّيْدِ إذا حَلَّ الجُنْدُ في القِفارِ أوْ نَفَدَ الزّادُ. ولِلطَّيْرِ جُنُودٌ يَقُومُونَ بِشُئُونِها. وتَفَقُّدُ الجُنْدِ مِن شِعارِ المَلِكِ والأُمَراءِ وهو مِن مَقاصِدِ حَشْرِ الجُنُودِ وتَسْيِيرِها. والمَعْنى: تَفَقَّدَ الطَّيْرَ في جُمْلَةِ ما تَفَقَّدَهُ فَقالَ لِمَن يَلُونَ أمْرَ الطَّيْرِ: ما لِيَ لا أرى الهُدْهُدَ. ومِن واجِباتِ وُلاةِ الأُمُورِ تَفَقُّدُ أحْوالِ الرَّعِيَّةِ وتَفَقُّدُ العُمّالِ ونَحْوِهِمْ بِنَفْسِهِ كَما فَعَلَ عُمَرُ في خُرُوجِهِ إلى الشّامِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ هِجْرِيَّةً، أوْ بِمَن يَكِلُ إلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَ عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الأنْصارِيَّ يَتَفَقَّدُ العُمّالَ. والهُدْهُدُ: نَوْعٌ مِنَ الطَّيْرِ وهو ما يُقَرْقِرُ وفي رائِحَتِهِ نَتَنٌ وفَوْقَ رَأْسِهِ قَزَعَةٌ سَوْداءُ، وهو أسْوَدُ البَراثِنِ، أصْفَرُ الأجْفانِ، يَقْتاتُ الحُبُوبَ والدُّودَ، يَرى الماءَ مِن بُعْدٍ ويُحِسُّ بِهِ في باطِنِ الأرْضِ فَإذا رَفْرَفَ عَلى مَوْضِعٍ عُلِمَ أنَّ بِهِ ماءً، وهَذا سَبَبُ اتِّخاذِهِ في جُنْدِ سُلَيْمانَ. قالَ الجاحِظُ: يَزْعُمُونَ أنَّهُ هو الَّذِي كانَ يَدُلُّ سُلَيْمانَ عَلى مَواضِعِ الماءِ في قَعُورِ الأرَضِينَ إذا أرادَ اسْتِنْباطَ شَيْءٍ مِنها. وقَوْلُهُ: ﴿ما لِيَ لا أرى الهُدْهُدَ﴾ اسْتِفْهامٌ عَنْ شَيْءٍ حَصَلَ لَهُ في حالِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ الهُدْهُدَ، فَ (ما) اسْتِفْهامٌ. واللّامُ مِن قَوْلِهِ (لِيَ) لِلِاخْتِصاصِ. والمَجْرُورُ (ص-٢٤٦)بِاللّامِ خَبَرٌ عَنْ (ما) الِاسْتِفْهامِيَّةِ. والتَّقْدِيرُ: ما الأمْرُ الَّذِي كانَ لِي. وجُمْلَةُ (﴿لا أرى الهُدْهُدَ﴾) في مَوْضِعِ الحالِ مِن ياءِ المُتَكَلِّمِ المَجْرُورِ بِاللّامِ، فالِاسْتِفْهامُ عَمّا حَصَلَ لَهُ في هَذِهِ الحالِ، أيْ: عَنِ المانِعِ لِرُؤْيَةِ الهُدْهُدِ. والكَلامُ مُوَجَّهٌ إلى خُفَرائِهِ. يَعْنِي: أكانَ انْتِفاءُ رُؤْيَتِي الهُدْهُدَ مِن عَدَمِ إحاطَةِ نَظَرِي أمْ مِنَ اخْتِفاءِ الهُدْهُدِ ؟ فالِاسْتِفْهامُ حَقِيقِيٌّ وهو كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ ظُهُورِ الهُدْهُدِ. و(أمْ) مُنْقَطِعَةٌ؛ لِأنَّها تَقَعُ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ الَّتِي يُطْلَبُ بِها تَعْيِينُ أحَدِ الشَّيْئَيْنِ. و(أمْ) لا يُفارِقُها تَقْدِيرُ مَعْنى الِاسْتِفْهامِ بَعْدَها فَأفادَتْ هُنا إضْرابَ الِانْتِقالِ مِنَ اسْتِفْهامٍ إلى اسْتِفْهامٍ آخَرَ. والتَّقْدِيرُ: بَلْ أكانَ مِنَ الغائِبِينَ ؟ ولَيْسَتْ (أمْ) المُنْقَطِعَةُ خاصَّةً بِالوُقُوعِ بَعْدَ الخَبَرِ بَلْ كَما تَقَعُ بَعْدَ الخَبَرِ تَقَعُ بَعْدَ الِاسْتِفْهامِ. وصاحِبُ المِفْتاحِ مَثَّلَ بِهَذِهِ الآيَةِ لِاسْتِعْمالِ الِاسْتِفْهامِ في التَّعَجُّبِ والمِثالُ يَكْفِي فِيهِ الفَرْضُ. ولَمّا كانَ قَوْلُ سُلَيْمانَ هَذا صادِرًا بَعْدَ تَقَصِّيهِ أحْوالَ الطَّيْرِ ورَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أنَّهُ غابَ فَقالَ: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أوْ لَأذْبَحَنَّهُ﴾؛ لِأنَّ تَغَيُّبَهُ مِن دُونِ إذْنٍ عِصْيانٌ يَقْتَضِي عِقابَهُ، وذَلِكَ مَوْكُولٌ لِاجْتِهادِ سُلَيْمانَ في المِقْدارِ الَّذِي يَراهُ اسْتِصْلاحًا لَهُ إنْ كانَ يُرْجى صَلاحُهُ أوْ إعْدامًا لَهُ لِئَلّا يُلَقِّنَ بِالفَسادِ غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ الفَسادُ في الجُنْدِ ويَكُونُ عِقابُهُ نَكالًا لِغَيْرِهِ. فَصَمَّمَ سُلَيْمانُ عَلى أنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ عُقُوبَةً جَزاءً عَلى عَدَمِ حُضُورِهِ في الجُنُودِ. ويُؤْخَذُ مِن هَذا جَوازُ عِقابِ الجُنْدِيِّ إذا خالَفَ ما عُيِّنَ لَهُ مِن عَمَلٍ أوْ تَغَيَّبَ عَنْهُ. وأمّا عُقُوبَةُ الحَيَوانِ فَإنَّما تَكُونُ عِنْدَ تَجاوُزِهِ المُعْتادَ في أحْوالِهِ. قالَ القَرافِيُّ في تَنْقِيحِ الفُصُولِ في آخِرِ فُصُولِهِ: سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ عَنْ قَتْلِ الهِرِّ المَوْذِي هَلْ يَجُوزُ ؟ فَكَتَبَ وأنا حاضِرٌ: إذا خَرَجَتْ أذِيَّتُهُ عَنْ عادَةِ القِطَطِ وتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنهُ قُتِلَ اهـ. قالَ القَرافِيُّ: فاحْتَرَزَ بِالقَيْدِ الأوَّلِ عَمّا هو في طَبْعِ الهِرِّ مِن أكْلِ اللَّحْمِ إذا تُرِكَ، فَإذا أكَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ لِأنَّهُ طَبْعُهُ، واحْتَرَزَ بِالقَيْدِ الثّانِي عَنْ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنهُ عَلى وجْهِ القِلَّةِ فَإنَّ ذَلِكَ لا يُوجِبُ قَتْلَهُ. قالَ القَرافِيُّ: وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: إذا آذَتِ الهِرَّةُ وقَصَدَ قَتْلَها لا تُعَذَّبُ ولا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسى حادَّةٍ لِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ فَإذا قَتَلْتُمْ فَأحْسِنُوا القِتْلَةَ» اهـ. (ص-٢٤٧)وقالَ الشَّيْخُ ابْنُ أبِي زَيْدٍ في الرِّسالَةِ: ولا بَأْسَ إنْ شاءَ اللَّهُ بِقَتْلِ النَّمْلِ إذا آذَتْ ولَمْ يُقْدَرْ عَلى تَرْكِها. فَقَوْلُ سُلَيْمانَ: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا﴾ شَرِيعَةٌ مَنسُوخَةٌ. أمّا العِقابُ الخَفِيفُ لِلْحَيَوانِ لِتَرْبِيَتِهِ وتَأْدِيبِهِ كَضَرْبِ الخَيْلِ لِتَعْلِيمِ السَّيْرِ ونَحْوِ ذَلِكَ فَهو مَأْذُونٌ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ السَّيْرِ، وكَذَلِكَ السَّبَقُ بَيْنَ الخَيْلِ مَعَ ما فِيهِ مِن إتْعابِها لِمَصْلَحَةِ السَّيْرِ عَلَيْها في الجُيُوشِ. و(أوْ) تُفِيدُ أحَدَ الأشْياءِ فَقَوْلُهُ: ﴿أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ جَعَلَهُ ثالِثَ الأُمُورِ الَّتِي جَعَلَها جَزاءً لِغَيْبَتِهِ وهو أنْ يَأْتِيَ بِما يَدْفَعُ بِهِ العِقابَ عَنْ نَفْسِهِ مِن عُذْرٍ في التَّخَلُّفِ مَقْبُولٍ. والسُّلْطانُ: الحُجَّةُ. والمُبِينُ: المُظْهِرُ لِلْحَقِّ المُحْتَجُّ بِها. وهَذِهِ الزِّيادَةُ مِنَ النَّبِيءِ سُلَيْمانَ اسْتِقْصاءٌ لِلْهُدْهُدِ في حَقِّهِ؛ لِأنَّ الغائِبَ حُجَّتُهُ مَعَهُ. وأكَّدَ عَزْمَهُ عَلى عِقابِهِ بِتَأْكِيدِ الجُمْلَتَيْنِ (﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ﴾) (﴿لَأذْبَحَنَّهُ﴾) بِاللّامِ المُؤَكِّدَةِ الَّتِي تُسَمّى لامُ القَسَمِ وبِنُونِ التَّوْكِيدِ لِيَعْلَمَ الجُنْدُ ذَلِكَ حَتّى إذا فُقِدَ الهُدْهُدُ ولَمْ يَرْجِعْ يَكُونُ ذَلِكَ التَّأْكِيدُ زاجِرًا لِباقِي الجُنْدِ عَنْ أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ فِعْلَتِهِ فَيَنالُهُمُ العِقابُ. وأمّا تَأْكِيدُ جُمْلَةِ ﴿أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ فَلِإفادَةِ تَحْقِيقِ أنَّهُ لا مَنجى لَهُ مِنَ العِقابِ إلّا أنْ يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ تُبَرِّرُ تَغَيُّبَهُ؛ لِأنَّ سِياقَ تِلْكَ الجُمْلَةِ يُفِيدُ أنَّ مَضْمُونَها عَدِيلُ العُقُوبَةِ. فَلَمّا كانَ العِقابُ مُؤَكَّدًا مُحَقَّقًا فَقَدِ اقْتَضى تَأْكِيدَ المُخْرِجِ مِنهُ؛ لِئَلّا يُبَرِّئَهُ مِنهُ إلّا تَحَقُّقُ الإتْيانِ بِحُجَّةٍ ظاهِرَةٍ لِئَلّا تُتَوَهَّمَ هَوادَةٌ في الإدْلاءِ بِالحُجَّةِ فَكانَ تَأْكِيدُ العَدِيلِ كَتَأْكِيدِ مُعادِلِهِ. وبِهَذا يَظْهَرُ أنَّ (أوِ) الأُولى لِلتَّخْيِيرِ و(أوِ) الثّانِيَةَ لِلتَّقْسِيمِ. وقِيلَ: جِيءَ بِتَوْكِيدِ جُمْلَةِ (لَيَأْتِيَنِّي) مُشاكَلَةً لِلْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَها وتَغْلِيبًا. واخْتارَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ ولَيْسَ مِنَ التَّحْقِيقِ. وكُتِبَ في المَصاحِفِ (﴿لا أذْبَحَنَّهُ﴾) بِلامِ ألِفٍ بَعْدَها ألِفٌ حَتّى يُخالَ أنَّهُ نَفْيُ الذَّبْحِ، ولَيْسَ بِنَفْيٍ؛ لِأنَّ وُقُوعَ نُونِ التَّوْكِيدِ بَعْدَهُ يُؤْذِنُ بِأنَّهُ إثْباتٌ؛ إذْ لا يُؤَكَّدُ المَنفِيُّ بِنُونِ التَّأْكِيدِ إلّا نادِرًا في كَلامِهِمْ؛ ولِأنَّ سِياقَ الكَلامِ والمَعْنى حارِسٌ مِن تَطَرُّقِ (ص-٢٤٨)احْتِمالِ النَّفْيِ؛ ولِأنَّ اعْتِمادَ المُسْلِمِينَ في ألْفاظِ القُرْآنِ عَلى الحِفْظِ لا عَلى الكِتابَةِ، فَإنَّ المَصاحِفَ ما كُتِبَتْ حَتّى قُرِئَ القُرْآنُ نَيِّفًا وعِشْرِينَ سَنَةً. وقَدْ تَقَعُ في رَسْمِ المُصْحَفِ أشْياءُ مُخالِفَةٌ لِما اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الرّاسِمُونَ مِن بَعْدُ؛ لِأنَّ الرَّسْمَ لَمْ يَكُنْ عَلى تَمامِ الضَّبْطِ في صَدْرِ الإسْلامِ وكانَ اعْتِمادُ العَرَبِ عَلى حَوافِظِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ (﴿أوْ لَيَأْتِيَنِّني﴾) بِنُونَيْنِ الأُولى مُشَدَّدَةٌ وهي نُونُ التَّوْكِيدِ والثّانِيَةُ نُونُ الوِقايَةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِنُونٍ واحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ بِحَذْفِ نُونِ الوِقايَةِ لِتَلاقِي النُّوناتِ.

Maximize your Quran.com experience!
Start your tour now:

0%