undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
(ص-٢٨٨)﴿أفَلا يَرَوْنَ ألّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾
يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اعْتِراضًا ولَيْسَ مِن حِكايَةِ كَلامِ القَوْمِ، فَهو مُعْتَرَضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] وجُمْلَةِ ﴿قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إذْ رَأيْتَهم ضَلُّوا﴾ [طه: ٩٢] ﴿ألّا تَتَّبِعَنِ﴾ [طه: ٩٣] إلَخْ، فَتَكُونُ الفاءُ لِتَفْرِيعِ كَلامِ مُتَكَلِّمٍ عَلى كَلامِ غَيْرِهِ، أيْ لِتَفْرِيعٍ الإخْبارٍ لا لِتَفْرِيعِ المُخْبِرِ بِهِ، والمُخْبِرُ مُتَعَدِّدٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن حِكايَةِ كَلامِ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِخِطابِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن بَيْنِ قَوْمِهِ، وهم كُبَراؤُهم وصُلَحاؤُهم؛ لِيُعْلَمَ أنَّهم عَلى بَصِيرَةٍ مِنَ التَّوْحِيدِ.
والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ، نُزِّلُوا مَنزِلَةَ مَن لا يَرى العِجْلَ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلى مُوجَبِ البَصَرِ، فَأُنْكِرَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ رُؤْيَتِهِمْ ذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ، أيْ كَيْفَ يَدَّعُونَ الإلَهِيَّةَ لِلْعِجْلِ وهم يَرَوْنَ أنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ ولا يَسْتَطِيعُ نَفْعًا ولا ضَرًّا.
والرُّؤْيَةُ هُنا بَصَرِيَّةٌ مُكَنًّى بِها، أوْ مُسْتَعْمَلَةٌ في مُطْلَقِ الإدْراكِ، فَآلَتْ إلى مَعْنى الِاعْتِقادِ والعِلْمِ، ولا سِيَّما بِالنِّسْبَةِ لِجُمْلَةِ ﴿ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ فَإنَّ ذَلِكَ لا يُرى بِالبَصَرِ، بِخِلافِ ﴿لا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ . ورُؤْيَةُ انْتِفاءِ الأمْرَيْنِ مُرادٌ بِها رُؤْيَةُ أثَرِ انْتِفائِهِما بِدَوامِ عَدَمِ التَّكَلُّمِ وانْتِفاءِ عَدَمِ نَفْعِهِمْ وضَرِّهِمْ؛ لِأنَّ الإنْكارَ مُسَلَّطٌ عَلى اعْتِقادِهِمْ أنَّهُ إلَهُهم، فَيَقْتَضِي أنْ يَمْلِكَ لَهم ضَرًّا ونَفْعًا.
ومَعْنى ”يَرْجِعُ“ يَرُدُّ، أيْ يُجِيبُ القَوْلَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَحَلَّ العِبْرَةِ مِن فُقْدانِهِ صِفاتَ العاقِلِ؛ لِأنَّهم يَدْعُونَهُ ويُثْنُونَ عَلَيْهِ ويُمَجِّدُونَهُ، وهو ساكِتٌ لا يَشْكُرُ لَهم ولا يَعِدُهم بِاسْتِجابَةٍ، وشَأْنُ الكامِلِ إذا سَمِعَ ثَناءً أوْ تَلَقّى طِلْبَةً أنْ يُجِيبَ. ولا شَكَّ أنَّ في ذَلِكَ الجَمْعِ العَظِيمِ مَن هو بِحاجَةٍ إلى جَلْبِ نَفْعٍ أوْ دَفْعِ ضُرٍّ، وأنَّهم يَسْألُونَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدُوا ما فِيهِ نَفْعُهم (ص-٢٨٩)أوْ دَفْعُ ضُرٍّ عَنْهم، مِثْلَ ضُرِّ عَدُوٍّ أوْ مَرَضٍ. فَهم قَدْ شاهَدُوا عَدَمَ غِنائِهِ عَنْهم. ولِأنَّ شَواهِدَ حالِهِ مِن عَدَمِ التَّحَرُّكِ شاهِدَةٌ بِأنَّهُ عاجِزٌ عَنْ أنْ يَنْفَعَ أوْ يَضُرَّ، فَلِذَلِكَ سُلِّطَ الإنْكارُ عَلى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ؛ لِأنَّ حالَهُ مِمّا يُرى.
ولامُ ”لَهم“ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”يَمْلِكُ“ الَّذِي هو في مَعْنى يَسْتَطِيعُ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ [المائدة: ٧٦] في سُورَةِ العُقُودِ. وقَدَّمَ الضَّرَّ عَلى النَّفْعِ قَطْعًا لِعُذْرِهِمْ في اعْتِقادِ إلَهِيَّتِهِ؛ لِأنَّ عُذْرَ الخائِفِ مِنَ الضُّرِّ أقْوى مِن عُذْرِ الرّاغِبِ في النَّفْعِ. و”أنْ“ في قَوْلِهِ: ”ألّا يَرْجِعُ“ مُخَفَّفَةٌ مِن ”أنَّ“ المَفْتُوحَةِ المُشَدَّدَةِ، واسْمُها ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ المَذْكُورَةُ بَعْدَها هي الخَبَرُ، فَـ ”يَرْجِعُ“ مَرْفُوعٌ بِاتِّفاقِ القِراءاتِ ما عَدا قِراءاتٍ شاذَّةٍ. ولَيْسَتْ ”أنْ“ مَصْدَرِيَّةً؛ لِأنَّ ”أنْ“ المَصْدَرِيَّةَ لا تَقَعُ بَعْدَ أفْعالِ العِلْمِ ولا بَعْدَ أفْعالِ الإدْراكِ.